الكفاءة والفاعلية(Efficiency and Effectiveness)
إن الكفاءة والفاعلية مطلبان رئيسان في الإدارة وهما من تعاليم الدين الإسلامي؛ فالمسلم يجب أن يمارس الإدارة الجيدة في جميع شؤون حياته الدينية والدنيوية. والحقيقة أن جميع تعاليم الدين الإسلامي توجِّه المسلم وتحثه على حسن ممارسة وتطبيق هذه التعاليم في صورها المعنوية والمادية كافة، فلا ينبغي للمسلم أن يمارس نشاطاته المادية والمعنوية بمعزل عن تعاليم الدين؛ لقول الله عز وجل: [قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ] كذلك ينبغي للمؤمن أن يكون قوياً وأن يتزود بالإيمان والعلم.
ولا تكاد تخلو نصوص القرآن الكريم كما لا تكاد تخلو سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولا سيرته وسيرة أصحابه رضي الله عنهم من تطبيقات الإدارة، والتوجيه بحسن استغلال الموارد والقدرات والقوى البشرية، إضافة إلى التحلي بالصفات الحسنة كالصبر والاجتهاد ومغالبة الهوى وضبط النفس والحث على العمل والتخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة.
إن العلم والعمل والقيام بالعبادات أمور مطلوبة من المسلم، فعليه واجبات تجاه ربه ونفسه ومجتمعه، ولكي يتسنى له القيام بهذه الواجبات يجب عليه أن يعطي كل واجب نصيبه من الوقت دون أن يطغى واجب على آخر، ومن ثمّ لا يجد أمامه متسعاً من الوقت لأداء أحد هذه الواجبات، فالدين الإسلامي وتعاليمه السمحة تدعو إلى حسن استثمار الوقت وإدارته بفعالية، وهذا ما تدعو إليه الإدارة في عصرنا الحالي.

وحتى نستفيد من ممارسة عناصر العملية الإدارية (التخطيط - التنظيم - القيادة - صناعة القرار- الرقابة - التنسيق - الاتصالات الإدارية ) بالطريقة الصحيحة نبدأ مقالنا هذا بما جمعناه من مشاركات أصحاب الرأي في إدارة الوقت باعتبار الوقت من الموارد المهمةً .


إدارة الوقت : Time Management
يمثل الوقت أحد الموارد الهامة والثمينة لأي إنسان في هذا العالم الكبير، فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وإذا لم يحسن الإنسان استغلاله بفعالية فإنه يفقد الكثير مما يصعب تعويضه، سواء في عمله أو في حياته الخاصة، لأن ما مضى منه لا يعود أبداً.
والوقت من ذهب، بل أغلى من الذهب لأنه لا يقدر بثمن، ويعد أحد خمسة موارد أساسية في مجال الأعمال وهي:- المواد ، المعلومات، الأفراد ، الموارد المادية ، إضافة إلى الوقت الذي يُعدّ أكثرها أهمية. لأنه كلما تحكم الفرد في وقته بمهارة وإيجابية استطاع أن يستثمره في تحقيق أقصى عائد ممكن من الموارد الأخرى؛ إذ أنّ الفرد عندما يدير وقته بشكل فعّال، هو في الحقيقة يدير حياته ونفسه وعمله إدارة فعّالة .
وهذا يعني أن الوقت لا يمكن عزله عن حياة الإنسان الشخصية والمهنية. ومن هنا تبرز أهمية وضرورة الوقت، هذا المورد المهم الذي ينبغي التعامل معه واستثماره بفعالية ، والذي صار واحداً من ضمن موضوعات علم الإدارة، وهو موضوع إدارة الوقت

(Time Management).

بما أن الوقت المتاح للمديرين محدود، فكيف يستطيع المديرون استخدامه بفعالية؟
"إن قضية التنمية في المقام الأول قضية وقت وقضية إنتاج. وإن الأمر في حاجة إلى التعامل مع الوقت على أنه مورد لابد من استثماره لتحقيق النتائج المطلوبة لرفاهية شعوبنا، ويقع عبء ذلك في الدرجة الأولى على عاتق كل فرد منا".
فالعبرة ليست في إنفاق الوقت، بل في استثماره، مثله مثل أي رأس مال نجد أن الوقت إذا أنفقناه ضاع، أما إذا استثمر فسينمو ويؤتي ثماره في مستقبل حياتنا، وللأجيال القادمة، فمن الضروري على كل مدير أن يسأل نفسه السؤال التالي: هل أنا أقوم بالأشياء الصحيحة ؟ قبل أن يسأل:-

هل أنا أقوم بالأشياء بطريقة صحيحة ؟ إذ أن الوقت ليس هو المشكلة في حد ذاته ، ولكن المشكلة هي كيف نستثمره ، فالوقت شيء لا بد من أن نختبره ونعيشه.
الكفاءة والفاعلية (Efficiency and Effectiveness )
إن ما سبق يقودنا إلى القول إن "الفرق بين مصطلحي الكفاءة (
Efficiency) والفاعلية (Effectiveness) في استخدام الوقت هو مفتاح القضية ، لأن الكفاءة تعني القيام بالعمل بشكل صحيح بينما تعني الفاعلية أن تقوم بالعمل الصحيح بشكل صحيح".
فهناك فرق بين الكفاءة والفاعلية، "فمهما كانت السرعة التي يقود بها الفرد سيارته متجهاً إلى الجنوب، فهو غير فعّال متى كانت وجهته الحقيقية نحو الشمال".
"ولعل هذا ما دفع الجمعية الأمريكية لتقويم المهندسين إلى تبني شعار: اعمل بطريقة أذكى لا بمشقة أكثر. كمحاولة للتمييز بين الشغل والانشغال أو بين الكفاءة والفاعلية"، أي بين إنجاز العمل بكفاءة وإنجاز العمل المطلوب لتحقيق الأهداف.
ففي إدارة الوقت من الأفضل للمدير أن "يوجه نظره نحو النتائج بدلاً من القلق بسبب الإجراءات"، أي " أن يوجه نظره نحو الهدف أولاً ثم الإطار ثانياً، الرؤية أولاً والطريقة ثانياً، أي إلى الفاعلية أولاً والكفاءة ثانياً"، وبذلك يبدأ المدير بوضع أولى خطواته على طريق النجاح في إدارته لوقته. إن مفتاح إدارة الوقت هو أن يستطيع المدير السيطرة عليه أو إدارته ، وإنّ الاستثمار الأمثل للوقت سيؤدي إلى :-
أ - تحقيق المنظمة لأهدافها.
ب - التزام أكثر بالقضايا الإدارية الهامة والطويلة الأمد.
ج - تطوير أفضل لقدرات المديرين.
د - قلق وضغط وتوتر أقل.
إذاً من المفيد أن ننظر إلى إدارة الوقت بأنها عمل الأشياء الصحيحة بطريقة صحيحة ، أي أنها إدارة الوقت بفعالية ، إذ ينصب الاهتمام على ما يجب أن يفعله المدير، ثم السرعة في التنفيذ وليس العكس، بمعنى أن يقضي المدير وقته في بناء العلاقات القادرة على إيجاد الاتصال الفعّال مثلاً، بدلاً من قضائه في حل المشكلات الناجمة عن سوء الاتصال وظهوره مشغولاً في أعين الجميع. وبذلك نصل إلى تحديد معنى الفاعلية في إدارة الوقت على أنها ( إنجاز المدير لأهدافه الصحيحة من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة).
إن هذا الفهم لمضمون الفعالية في إدارة الوقت قد أخذ صوراً متعددة في مناهج دراسة إدارة الوقت كل حسب وجهة نظره.
وعند دراسة أدبيات إدارة الوقت ، يتضح أن هناك ثمانية مناهج مختلفة تقوم على افتراضات ومبادئ. ولكل منهج منها قيمته وإضافته ، وتتمثل هذه المناهج فيما يلي:-


1- منهج (نظم نفسك):
يفترض هذا المنهج أن معظم مشكلات الإدارة تأتي من الفوضى، أو من غياب النظام، حيث لا يجد الإداري ما يريده عندما يحتاجه، ويصبح الحل المنطقي في بناء النظم التي تهتم بالتنظيم في ثلاثة مجالات:-


أ - تنظيم الأشياء :-
أي ضبط كل شيء بدءاً بمفاتيح الأبواب إلى الحاسبات والأرفف الخاصة بالملفات والمساحات في المكاتب.
ب - تنظيم المهام :-
أي إعطاء الأوامر وتحديد خطوات التنفيذ باستخدام قوائم أو خرائط تخطيط أو حتى برامج كمبيوتر معقدة تخطط لإدارة المشروعات.

ج - تنظيم الأفراد :-
أي تحديد ما يمكن أن يقوم به الإداري ومن يعملون معه ثم تفويض الأعمال لديهم، ثم بناء نظام لمتابعة أدائهم حتى يتمكن هذا الإداري من التحكم فيما يجري.
من أهم نقاط القوة في هذا المنهج أن التنظيم يوفر الوقت والكلفة والجهد، إذ لا يضيع الوقت في البحث أو كتابة التقارير مثلاً. فالتنظيم يعطي المرء الذهن الصافي وحياة أكثر انضباطاً ولكن الإسراف في التنظيم يتحول إلى عائق ونقطة ضعف، إذ يصبح التنظيم هدفاً في حد ذاته بدلاً من أن يكون وسيلة لأهداف أهم. فقد يضيع الوقت في التنظيم أكثر مما يضيع في الإنتاج ثمّ لا يجد بعضهم وقتاً للعمل لأنّه مشغولٌ في ترتيب الأمور.
2- منهج المحارب (البقاء والاستقلالية): -
الفلسفة وراء هذا المنهج هي حماية الوقت من الضياع حتى يتحقق التركيز والإنتاج فالجميع محاصر بطلبات ضاغطة من بيئة مزدحمة. ولذلك يرى منهج المحارب أنه إذا لم يتصرف المدير بحزم حيال هذا الهجوم على وقته فسينهار النظام كله. ومن الأساليب التي يقترحها هذا المنهج:-
أ - العزل:-
أي إيجاد نظام حماية من خلال سكرتارية وأبواب مغلقة وأجهزة رد على الهاتف ونحو ذلك من الوسائل.
ب - الانعزال:-
وهو الانتقال إلى بيئة بعيدة تضمن العزلة حيث يمكن العمل باستقلالية ودون مقاطعة.
ج - التفويض :-
ترحيل الأعمال إلى الآخرين حتى يتاح المزيد من الوقت للأعمال الأهم.
تنبع قوة هذا المنهج من أن الوقت هو مسؤولية شخصية، وأن المدير سينتج ويبدع متى أتيح له وقت هادئ دون مقاطعة.
ولكن افتراض هذا المنهج أن الآخرين هم عدو، عليك إزاحتهم من الطريق حتى تتمكن من أداء الأعمال من خلال العزل والاعتزال ووضع الحواجز، هو أمر مبالغ فيه، إذ ينسى أن ما يود المدير إنجازه يتوقف على وجود هؤلاء الآخرين، ومن ثمّ يصبح من الصعب الحصول على تعاونهم ونحن نعتزلهم، بالإضافة إلى ذلك يقود هذا المنهج السلبي الدفاعي إلى سلوك انطوائي قائم على الاعتماد الكامل على الذات، وتحقيق الإشباع من خلال ذلك. عند هذا الحد يشعر الباقون أنهم معزولون ولذلك سيحاولون الحصول على الاهتمام إما بإيجاد المشكلات أو العمل بشكل منفرد، وهنا قد يحتاج المدير إلى وقت أكثر لحل مشكلاتهم، إن المنهج الانعزالي الوقائي يتجاهل حقيقة الاعتمادية المتبادلة بين جميع الاطراف، وأثرها على جودة الحياة، مما يعقد الأمور أكثر فأكثر.
3- منهج الهدف (الإنجاز):-
يقول هذا المنهج :- اعرف ما تريده ثم ركّز جهدك لتحقيقه. فهو يعتمد على أساليب التخطيط ووضع الأهداف وحفز الذات والحماسة من خلال حالة ذهنية إيجابية.
لقد أثبت الواقع أن الأفراد والمنظمات التي تضع أهدافاً واضحة للوصول إليها تحقق نتائج أفضل. وأن الواقع يثبت أيضاً أن القادرين على وضع الأهداف والقادرين على الوصول إليها يحققون ما يحلمون بالوصول إليه.


( منقول من مشاركات في بعض الملتقيات لعموم الفائدة )