يشهد قطاع التدريب النسائي الأهلي في المملكة توسعًا ملحوظًا من الناحيتين الكمية والكيفية.
وأصبحت معاهد ومراكز التدريب بكافة فئاتها تسد شيئًا من حاجة الموارد البشرية للتدريب. وكأحد الروافد المهمة لتنمية الموارد البشرية أخذ الاهتمام بالتدريب عند أكثر الفتيات في سن العمل خيارًا استراتيجيًا للهروب من شبح البطالة والظفر بفرص العمل. حول قطاع التدريب الأهلي النسائي توجهت مجلة التدريب والتقنية إلى عدد من المتخصصات والمسؤولات للحديث من عدة محاور:
• كيف تقيمون سوق التدريب النسائي عامة وبيئة الاستثمار فيه؟
• كيف تقيمون الدور الذي يلعبه التدريب في تقليل نسب البطالة لدى الفتيات السعوديات؟
• ما هي أبرز المعوقات التي تقف أمام صناعة للتدريب النسائي؟
• ما هي أبرز المقترحات والآليات التي ترونها لتحسين أداء منشآت التدريب الأهلية؟
العنصر الأهم لتمكين الفتيات من المنافسة في سوق العمل
في البداية تشير هدى الجريسي - رئيسة المجلس التنفيذي لفرع السيدات في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض ومدير عام مركز عصر الأريبة للتدريب والتوظيف - إلى أن التدريب النسائي يضطلع بدور بالغ الأهمية حيث يسهم في تطوير المهارات والخبرات للموارد البشرية النسائية وتهيئتها لتلبية احتياجات سوق العمل المتزايدة والمتنامية بصورة ملموسة، ولا شك أن الجامعات السعودية تضخ آلاف الخريجات من فتياتنا إضافة لأعداد ليست بالقليلة من خريجات الثانوية العامة لكننا نعترف بأن الخريجات يفتقدن الخبرات العملية والتخصصية التي يحتاج إليها سوق العمل.
ومن هنا تبرز أهمية مراكز التدريب النسائية التي تستطيع سد الفجوة وتزويد الخريجات بالمهارات التدريبية والتخصصية اللازمة، وهو دور لا غنى عنه لتمكين الموارد البشرية النسائية من المنافسة الحقيقية في سوق العمل وتقليص حجم البطالة التي تعاني منه فتياتنا.
وفي تقديري- والحديث للجريسي - أن البيئة الاستثمارية التي تعيشها المراكز التدريبية النسائية تشكل بيئة خصبة وجاذبة بيد أن ثمة عقبات وعوائق تحد من هذه الجاذبية وربما تكبلها بالكثير من القيود والسلبيات التي تجعلها مغلولة اليد مثقلة بالمثبطات التي تحتاج لمعالجة ضرورية تمكنها من الانطلاق لتحقيق الوظيفة المنوطة بها والمأمولة منها.
ورغم أني لا أستطيع أن أنكر أن الفرص الاستثمارية المتاحة أمام الرجل أكثر من المطروحة أمام المرأة، ففي مجال التسويق مثلاً الذي يعد حكرًا على الرجال تقريبًا فإن المرأة لو تم تدريبها وإعدادها لهذا المجال من المؤكد أن نجاحها سيكون مميزًا، وغير ذلك من المجالات التي تناسب طبيعة المرأة وخصوصًا في بعض الأنشطة التي لا تحصل المرأة على ترخيص بها أصلًا كصالون التجميل (بل الموجود هو ترخيص مشغل خياطة وكوافير), ولذلك فقد طالبنا بتوسيع الفرص أمامنا.
وحول الدور الذي من الممكن أن تلعبه مراكز التدريب الأهلية في تقليل نسبة البطالة تشير الجريسي إلى أن مراكز التدريب تضطلع بدور رئيسي وهام في تزويد الموارد البشرية النسائية بالخبرات والمهارات اللازمة للتعامل مع الحياة العملية وتلبية متطلبات سوق العمل وتقليل الفجوة الحادثة بين التعليم النظري المفتقد للخبرات التخصصية العملية، وبين العناصر البشرية المؤهلة والمزودة بالحدود الدنيا المقبولة من المهارات والخبرات التي تجعلهن قادرات على الوفاء بمتطلبات ميادين العمل الحقيقية، وهو ما يسهم بالفعل في تقليل نسب البطالة في قطاع العمل النسوي، ومن ثم فإن هذا الدور الذي تلعبه مراكز التدريب النسائية ينطوي على أهمية بالغة، وتقدم خدمة راقية وجوهرية لمجتمع العمل اعتمادًا على مواردنا البشرية الوطنية.
ولكي تضطلع هذه المراكز التدريبية بهذه المهام الحيوية فلابد من إزالة العقبات والمعوقات النظامية والبيروقراطية، على سبيل المثال أن المراكز النسائية تعاني من قلة التخصصات التدريبية المسموح لها بتقديمها، واحتياجها المستمر للحصول على إذن من وزارة التربية والتعليم والجهات الأخرى ذات العلاقة لتقديم أي برنامج تدريبي أو تأهيلي للمتدربات في تلك المراكز، مما يضطر المراكز في بعض الحالات لتنفيذ البرامج دون الحصول على الإذن بذلك نتيجة للصعوبات وكثرة المطلوبات وللتأخر في الحصول على الموافقات.
وحول أبرز المعوقات التي تقف أمام صناعة التدريب النسائي تقول الجريسي : نلمس بعمق مدى تطور حاجة المجتمع إلى مساهمة العنصر النسائي في تحقيق التنمية, ونعتقد أن هناك حاجة مجتمعية يجب أن يقوم بها العنصر النسائي المؤهل تجاه بلده, خصوصًا أننا نواجه سنويًا - كما سبق أن ذكرت - بآلاف الخريجات الراغبات الدخول لسوق العمل, وهن للأسف لا يملكن الخبرة العملية الكافية، مما يحتم انخراطهن في دورات تدريبية تهيئهن لذلك.
وتعرج الجريسي على الحديث حول اللائحة الأخيرة لمراكز التدريب التي أصدرتها المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وتقول إنها تحمل المراكز أعباء مالية كبيرة، والكثير منها غير مبرر وسيكون بالطبع على حساب المتدربة، حيث ستجد مراكز التدريب نفسها مضطرة لرفع رسوم البرامج التدريبية لمواجهة تلك الرسوم الباهظة التي أقرتها المؤسسة، إضافة إلى أن هناك العديد من النقاط التي تعتبر معوقًا لنشاط التدريب والتي تضمنتها اللائحة الجديدة التي طالبنا بأن يعاد النظر فيها، وبشكل عام فإننا طالبنا ونطالب بضرورة أن تكون القوانين والأنظمة المسيرة للنشاطات الخاصة بسيدات الأعمال متضمنة مشاركات النخب منهن حتى تخرج بالصورة المطلوبة وتتسم بالمرونة، وبلا تعقيدات ومعوقات تدفع البعض للتهرب منها.
وحول أبرز المقترحات والآليات لتحسين أداء منشآت التدريب الأهلية تقول الجريسي: في الإجابة السابقة أشرت إلى أهم العوائق والعقبات التي تعترض عمل مراكز التدريب النسائية، وطالما حددنا العوائق يصبح من السهل طرح واقتراح الحلول، ومن أبرز ما نود معالجته وإعادة النظر فيه: قلة التخصصات المسموح لها بتقديمها، واحتياجها المستمر للحصول على إذن من الجهات ذات العلاقة لتقديم أي برنامج تدريبي أو تأهيلي للمتدربات، ولابد من إتاحة المرونة للمراكز لتقديم البرامج التي تجد فيها أهمية وملاءمة لاحتياجات السوق، والمراكز لديها الحس والقدرة لاستشعار مدى احتياجات السوق، وربما تكون الإجراءات البيروقراطية التي تطالب بها الجهات المعنية تعوق تنفيذ البرنامج أو تفوت الفرصة المناسبة لإنجازه.
ومما يبشر بأن تلقى تحركات المستثمرات في مراكز التدريب النسائية آذانًا صاغية تتجاوب مع هذه المطالب تأسيس فروع السيدات في الغرف السعودية ومنه فرع السيدات بغرفة الرياض، الذي يحظى بدعم من مجلس إدارتها وتتم فيه جميع الأعمال التي تتولى تنفيذها الغرفة الأم، وتضطلع هذه الفروع بدور فاعل في تكوين خبرة عن الأنشطة الاقتصادية التي تعمل بها المرأة سواء في الاقتصاد الحكومي أو الخاص وترصد أهم المشاكل التي تعترضها وتحاول إيصال ذلك إلى المسؤولين وأصحاب القرار لإزالة تلك المشاكل ودعمها بكل السبل الممكنة, وذلك لزيادة مساهمتها في دعم اقتصاد المملكة وتعزيز التنمية.
مع انتشار الوعي تقلصت
معوقات التدريب
من جانبها تشير منيرة المعيوف مديرة مركز أكاديمية الفيصل وخبيرة تدريب إلى أن المرأة السعودية لم تكن تدرك أهمية التدريب قبل خمس سنوات ماضية ولكن خلال الثلاث سنوات الماضية أصبح يتزايد الوعي الثقافي الذي ساهمت فيه بعض المؤسسات التدريبية بالقطاع الخاص مما ساعد على الإقبال الشديد على التدريب وخصوصًا بعد انتشار الدورات التدريبية المرتبطة بتطوير الذات وتنمية المهارات الشخصية.
ولم يعد التدريب يهدف فقط إلى الحصول على وظيفة بل تعدى ذلك ليكون من أجل التطوير في غالب المجالات, وهذا لا ينفي دور التدريب في حل مشكلة البطالة للكثير من الفتيات الباحثات عن فرص وظيفية، كما هو حاصل حاليًا بأكاديمية الفيصل من توظيف وتدريب للفتيات للعمل في مجال البيع بالمحلات النسائية توافقًا مع القرار الملكي بتأنيث المحلات النسائية، وعلى هذا فإن التدريب قد ساهم بالفعل في حل مشكلة البطالة وخصوصًا مع التوجه إلى دعم المرأة تدريبيًا لإكسابها المهارات الأساسية للحياة لفتح مجالات العمل أمامها.
وتنوه المعيوف بأنه مع انتشار الوعي وانتشار ثقافة التدريب تقلصت معوقات التدريب، وتقتصر في بعض الحالات على مدى توفر المواصلات، وتكاليف التدريب.
الاستثمار في التدريب طويل وصعب
وجاء رأي مختلف للأستاذة نها مغازل مالكة ومدير عام مركز اللؤلؤة للتدريب النسائي مختلفًا وذلك بأن سوق التدريب النسائي يشهد نموًا وتزايدًا في العدد وليس بالجودة. وبالنسبة لبيئة الاستثمار فيه,فإن طريقها طويل وصعب ويحتاج للصبر وطول البال وتفهم لطبيعة المشاريع الخدمية.
وتوافقت مع الرأي القائل بأن التدريب عمومًا يلعب دورًا كبيرًا جدا في تنمية الموارد البشرية من تقليل نسب البطالة ورفع كفاءة الموظفة والتثقيف العام وسد الفجوة التي بين التعليم والوظيفة.
ومن وجهة نظرها تجد مغازل أن أهم معوقات التدريب النسائي تتمحور في:
1- المنافسة التي تواجه مراكز التدريب هي من الجهات غير المرخصة للتدريب بالرغم أن مراكز التدريب المرخصة عليها التزامات كثيرة وتنفذ تعليمات جهات الإشراف لأن الجهات غير المرخصة لبس عليها قيود والتزامات تعيق عملهم.
2- منافسة الأسعار وتقديم أسعار ضعيفة جدًا للدورات ولكن بجودة أقل وللأسف أن العملاء ينظرون أولًا للسعر وليس على الجودة.
3- ارتفاع رسوم المدربين والمدربات المبالغ فيه.
4- التأخير المبالغ فيه في صرف مستحقات مركز التدريب الجهات المنفذ لها البرامج قد يصل إلى 6 أشهر.
وعلى حد قولها، بأن مراكز التدريب هي من المنشآت الصغيرة التي تساهم بشكل فعال في الاقتصاد المحلي من ناحية وترفع وتعمل على تنمية الموارد البشرية بمختلف المجالات من الناحية الأخرى، وعليه نأمل:
• مناشدة جهات الاختصاص بتسهيل عمل المراكز لإنجاز عملهم.
• تحديد رسوم المدربين والمدربات من جهات الاختصاص على حسب الدرجة العلمية والخبرة في مجال التدريب.
• على بعض القطاعات إعطاء مراكز التدريب فرصة لإثبات جودة الخدمة المقدمة للتدريب وبالشروط المتفق عليها والحد من الاستعانة بالمراكز الأجنبية خارج البلاد.
• إنشاء جهة أو جمعية رسمية لاتحاد مراكز التدريب لتحديد ومناقشة احتياجاتهم والمشاكل التي يواجهونها وطرق تطويرها.
مستوى التدريب مرتبط
بالتطور الاقتصادي
أما الأستاذة إيناس أبو لبن مشرفة التدريب النسائي بمركز الميادين تقول إن التدريب مرتبط طرديًا بالتطور الاقتصادي، فتمويل التدريب يساعد على انتشار المراكز وهذا كان هدف الجهة المسؤولة وهو نشر مراكز التدريب من أجل التدريب وليس بهدف الربح المادي، وكذلك على المستوى الفردي لابد من زيادة الوعي الثقافي كدافع للتدريب، كما هو ملاحظ من انتشار مراكز مدعومة لتنمية الموارد البشرية من أجل تأهيل الشباب لسوق العمل.
وفي رأيها أن فكرة التدريب المنتهي بالتوظيف تجربة ناجحة وتحتاج لدعم بالمعلومات اللازمة عن الأماكن المراد شغلها بالشركات والمؤسسات وذلك بالترتيب مع وزارة التربية والتعليم بعمل قاعدة معلومات، وقيام بعض الشركات بتدريب موظفيها أيضًا فكرة رائجة في تطوير الموظفين والراغبين في العمل، مما ساهم في حل مشكلة البطالة إلى حد كبير.
وبالنسبة لمعوقات التدريب النسائي، ترى إيناس أن الوعي بأهمية التدريب مازال مقصورًا على بعض الفئات في المجتمع وبخاصة المتعلمة منها، فبعض الناس يصرف ببذخ على مترفات الحياة الأخرى ولكنه لا يهتم بالصرف على التدريب أو تطوير الذات، كذلك التعرف على المراكز التدريبية الفعالة التي لا تهدف للربح بشكل أساسي شيء يحتاج إلى توعية وإعلام بها، وبوجه عام فالمراكز الحاصلة على رخصة من الجهات المسؤولة هي الأفضل، ثم تأتي القدرة الاقتصادية للفرد على الالتحاق بمراكز التدريب تختلف من فرد لآخر، مما يدعو إلى زيادة المراكز المجانية.
معايير التقييم مستمدة من لائحة التدريب الأهلي
من جانبها تؤكد نجلاء ناصر الناصر مساعدة مدير عام التدريب الأهلي بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني أن تقييم برامج وأداء مؤسسات التدريب الأهلية تكون من خلال التزامهم بالأنظمة واللوائح سواء في قبول المتدربات أو التدريب ويتابعون في ذلك من خلال الزيارات الإشرافية ومن خلال ما يرفع من قبلهم بأسماء المتدربات لديهم، وأيضًا من نسب نجاح المتدربات في الاختبارات التي تجري من قبل إدارة التدريب الأهلي سواء للدورات التأهيلية أو الدبلومات. مشيرة إلى أن معايير التقييم مستمدة من مدى التزام المعاهد الأهلية وتطبيقها للقواعد والإجراءات التنفيذية للائحة التدريب في منشآت التدريب الأهلية حيث يتم التحقق من ذلك من خلال أيضًا الزيارات الإشرافية ومتابعة إعلاناتهم في الصحف العامة.
وحول إشكالية الأسعار واعتقاد البعض باحتواء جهات التدريب الأهلية مدربات بمستوى متواضع وكذلك الاعتقاد بارتفاع تكاليف التدريب بالنسبة للمتدربات تقول الناصر:
ما يتعلق بعدم وجود مدربات ذات مستوى عال: فإن جزءًا من ذلك يتحمله مالك المعهد نظرًا لأنه هو المكلف باستقطاب المدربات المؤهلات. وبحسب شرود القواعد التنفيذية للائحة التدريب الأهلي فإن رخصة التدريب تصدر للمسثمر بناء على احتياج محدد من الإدارة فيما يتعلق بالهيئة التدريبية حسب البرامج المعتمدة للمعهد مع ذكر أقل مؤهل مسموح به لاعتماد هذه المدربة وذلك وفقًا لشروط اعتماد الهيئة التدريبية الواردة في القواعد والإجراءات التنفيذية للائحة التدريب في منشآت التدريب الأهلية (القاعدة 6) وقد حددت المؤهلات بشكل يتناسب مع مستوى التدريب وعلى سبيل المثال اشترط لتدريب الدبلوم أن يكون مؤهل المدربة لا يقل عن بكالوريوس في نفس التخصص إضافة إلى اعتماد مشرفة دبلوم متخصصة وذات خبرة لكل تخصص علمًا أنه لا يتم اعتماد أي مدربة إلا بعد التأكد من نظامية مؤهلاتها.
أما بالنسبة لارتفاع الرسوم فإن السوق مفتوح ويخضع للمنافسة والمؤسسة لا تدخل في تحديد الأسعار.

بقلم: أماني البحيري