ربما لا يوجد موضوع مهم لنجاح المنظمة والمؤسسة في هذا العصر مثل موضوع القيادة. ومسائل القيادة في جميع الأوضاع سواء في وحدة عسكرية أو فريق أو منظمات تطوعية خيرية هي مسألة وجود قائد صالح. وموضوع القيادة في أدبيات الإدارة يعد من أكثر المواضيع نقاشًا وبحثًا. والقيادة العليا يصنعون الفرق في منظمات التجارة والأعمال وقيادة الدول والأحزاب. وكبار القادة الأذكياء والمحترمين الذين يعاملون موظفيهم بشكل مثالي نجدهم يقودون شركاتهم إلى نجاحات مالية عظيمة وعائدات ربحية عظيمة، وهذا ينسحب على قادة الشركات والأحزاب والدول. وما نكبت شركة أو منظمة أو مجتمع من المجتمعات بمثل أن تبتلى بقيادة غير صالحة.
مفهوم القيادة مستمر في التطور كحاجة لتغير المنظمة. ومن أهم الأفكار والكتابات حول القيادة تبرز ثلاثة مجالات: العنصر البشري، السلطة، والأهداف. والقيادة تبرز وتظهر بين الناس، ويتضمن استخدام السلطة والنفوذ والتي تستخدم في تحقيق الأهداف. والسلطة والنفوذ هنا تعني أن القيادة ليست سلبية بل مشاركة بين العاملين في المنظمة، بالإضافة إلا أنها صممت لتحقيق نهاية أو هدف محدد. وهكذا نجد تعريف القيادة هنا بالقدرة على التأثير في الناس تجاه تحقيق الأهداف المحددة. وهذا التعريف يجعل الفكرة أن القادة مشاركون مع العاملين في تحقيق الأهداف. فالقيادة تبادل يظهر بين الناس، والقيادة هي النشاط البشري والمتميز عن خلط وتعديل الورق الإداري أو أنشطة حل المشاكل. القيادة حيوية تشمل استخدام السلطة في التأثير على الناس للحصول والوصول إلى المبتغى. وقد ذكر لي صديق أمريكي ملاحظة شخصية لاحظها علينا قال كلما زادت سلطة الفرد لديكم تخلى عن العمل لمن تحته حتى أصبح العمل لديكم يديره صغار الموظفين.
السياق البيئي هو الذي يجعل القيادة تمارس تأثيرها بطريقة فعالة ويبرز أنواعا من القادة الأكثر عطاء ومحبة وإعجابًا في مجتمعاتهم. وتلعب البيئة دورًا هامًا في جميع الأزمان وتشمل البيئة التكنولوجيا، الأوضاع الاقتصادية، أحوال العمل والعمال، والأعراف الثقافية والاجتماعية. ويكمن التأثير المهم على أساليب القيادة في السنوات الأخيرة في البيئة المتقلبة وغير المستقرة حيث تعمل معظم منظمات الأعمال. المصاعب الاقتصادية والأخلاقية، الهموم الحكومية، العولمة، التغيرات التكنولوجية، الطرق الجديدة في العمل، تبدل آمال وتطلعات الموظفين، والتحولات الاجتماعية الهامة كل هذه العوامل ساهمت في تغيير أفكارنا وممارساتنا للقيادة.
وفي زماننا الحاضر ظهر للمهتمين بدراسة القيادة على وجه الخصوص مزايا، كما برزت خصائص للقادة فيما يسمى Post-heroicapproach والتي تركز على تصرفات وأفعال لطيفة وغير مرئية يتمتع بها القائد الصالح من خلال نشاطه وعمله اليومي، لا من خلال المنجزات العظيمة واحتفالات الشركات بأبطال الأعمال. خلال الثمانينيات والتسعينيات أصبحت القيادة تعادل أوسع من شخصيات عامة أو الذاتية الطاغية أو الطموحات الشخصية. في المقابل القائد البطل من أهم صفاته التواضع. والتواضع هنا تعني البساطة والحياء والحشمة بدلا من الغطرسة والفخر والتسلط وازدراء الخلق والاستخفاف بهم. والقادة المتواضعون لا يهم أن يكونوا في قلب الحدث. إنهم يبنون بقوة وهدوء شركات ومؤسسات متينة من خلال تنميتها وتطويرها ودعم الآخرين، لا من خلال بيع وتسويق قدراتهم ومنجزاتهم. ولذلك شاعت طريقتان للقيادة في هذا الوقت المستوى الخامس للقيادة، والقيادة التفاعلية، وهي أسلوب شائع ومستخدم بواسطة قادة الأعمال من النساء.
إن بناء أفراد طموحين وراضين ومسئولين وموالين يصبح كابوسا ما لم يتمثل أمامهم نماذج وقدوات صالحة ملهمة من قادة العمل. وهذا ما يفسر واقع العرب والمسلمين اليوم. والفرق بين القائد والدكتاتور شعرة خفيفة ويصعب أحيانًا التفريق بينهما وهو كالفرق بين العقل والجنون، فالأخير يصنع أتباعا من المطبلين والمنتفعين والمكيافيليين بينما القائد الفذ يصنع جيلاً من القادة والعباقرة. ولذلك نجد عمق دعوة الأنبياء وأثرها في أتباعها وفي حياة الناس متشعبة في جميع مناحي الحياة، وصناعة جيل فريد من الأتباع يشبهون النجوم المتلألئة في حنادس الظلمة ليقتبس الناس من أنوارهم. ولذا نجد السياسي والصحفي الأمريكي مايكل هاملتون مؤلف كتاب «تاريخ ضائع: التراث الخالد لعلماء المسلمين» يقول أن 50% من علوم أمريكا مأخوذة من المسلمين. ومع قبولنا بهذه القسمة في زمن الهوان إلا أننا نعتقد أن النسبة أكبر لقد أخذوا كل شيء من الإسلام والمسلمين ونزعوا منه الإيمان والتوحيد.
تواجهنا تحديات كثيرة وكبيرة على مستوى الدول والشركات والأفراد بل والمجتمعات. وما لم تسع شركاتنا ومنظماتنا للبحث عن القائد الصالح السهل اللين المتواضع للخلق والحق فلن تجني إلا الحصاد المر. متى يفهم مديرونا وقادة شركاتنا ومؤسساتنا أن سر قوتهم وتألقهم يكمن في مثل هذه السمات النبيلة والتي ليست ضعفا بل دلالة على القوة والتي كانت يومًا من مكونات ونسيج تفوق أمتنا وعلوها واتساع رقعتها ونفوذها، أما اليوم فنحن كالأحجار على رقعة الشطرنج لا وزن لنا كما ذكر ذلك وليام كار، ولنا في قائد عربي شهير معاصر هلك قبل عقود كان يستخف بصهره – زوج بنته – ويشكك في قدراته ويسخر منه مما دفعه إلى الارتماء في حضن أعداء هذه الأمة ليصبح «ملاك» يسرب أدق الأسرار والتفاصيل من مكتب وقصر أعلى سلطة في بلاده رئيس الجمهورية. ما السبب إنه الاستخفاف بالخلق والحق وهكذا نرى الفرق بين القائد والدكتاتور.

قلم: د. عبدالرحيم المالكي