يعتبر أبرز عوامل الفقر العديدة غياب التعليم والتأهيل، فكلما هبط مستوى التعليم في بيئة، قلت فرص العمل والوظيفة، وهذا ما يلاحظ في المناطق النائية والريفية مقارنة بسكان المدينة، لأن أحد العوامل الرئيسة للحصول على فرصة وظيفية مستوى التعليم للفرد، وهذا ما يجعل سكان المدن مستواهم المعيشي أفضل من القرى والأرياف، ويتيح لهم دخلاً مرتفعًا نسبيًا، ويحقق مستوى معيشيًا عاليًا. بالمدينة التعليم المتخصص واهتمام الأسرة بتعليم البنيين والبنات وتدريبهم يتيح لهم فرص الوظيفة السريعة، عكس المناطق النائية التي لا يتوفر بها تعليم وتدريب كافيين، فالتعليم الحديث من مقومات الاستثمار في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
العناية بالعنصر البشري وإعداده في المشاريع الصناعية والتجارية والزراعية عنصر مهم في القضاء على البطالة، لأن الموارد البشرية المؤهلة هي العامل الأساسي في التغلب على النقص في الموارد الطبيعية، ويسد فراغ الإمكانيات المادية بشكل كبير، فعندما يعد الفرد إعدادًا يتناسب مع واقع متطلبات سوق العمل والمهن الحديثة، ويهيأ لتأسيس مشاريع صغيرة يستطيع بناء نفسه في سوق عمل لا يعرف إلا المنافسة ومواكبة التغيير، هذا ما أثبتته تجارب بعض الدول التي نجحت في تحقيق تنمية مستدامة ونمو اقتصادي رغم قلة مواردها الطبيعية، وبملاحظة بعض الدول التي تفتقر للموارد الطبيعية مثل اليابان حققت نموًا اقتصاديًا إعجازيًا استعانت بموارد طبيعية من الخارج، لكن ركزت على التعليم وأساسياته وعناصره المرتبطة بتعليم مبرمج يخلق تنمية شاملة محورها العنصر البشري، فكثير من دول العالم النامي اهتمت بجلب رؤوس الأموال، ولم تهيئ اليد التي تشغل وتستثمر الأموال، ومنها دول الخليج العربي قليلة السكان وأيدي عاملة لا تتناسب ومقتضيات السوق، نتج عنه بطالة بسبب تعليم غير ملائم لعصر التقنية.
لأهمية إعداد الكادر البشري ما نراه في دول إفريقية و آسيوية من الاستعانة بخبرات بشرية من دول متقدمة لاستخراج مواد وعناصر طبيعية وتحويلها إلى منتجات ذات فائدة رغم توفر الموارد الطبيعية بهذه الدول، لكن الموارد البشرية لا تجد التعليم والتدريب المناسبين للتفكير والإبداع، أيضًا التهيئة النفسية والاجتماعية للتنمية الاقتصادية، ومن هنا تنبع أهمية التعليم الإجباري المخطط له من المراحل الأساسية الذي يهيئ الفرد للعمل باكتساب حرفة ومهنة متسلحًا بتقنية وبأدوات العمل الفني والمهني.
إن عصر المهن والحرف غير القابلة للتطوير المعتمدة على المهارة اليدوية الثابتة ولى، نتيجة التقنية الحديثة والتطور المستمر اللذين فرضا واقع العمل التقني واستمرار التقدم والتدريب ومواكبة عناصر العمل الحديث وزرع مهارة المبادأة والمبادرة في بيئة العمل، هنا تكمن مشكلة عدم تطوير مفهوم التنمية البشرية بزرع الثقة وتوكيدها في العناصر البشرية وإعدادها للتطور واستيعاب الأفكار الجديدة ومواكبة التقدم، ينبغي أن نصل إلى قناعة أن الموارد البشرية ورأس المال لا يكفيان للإنتاج أو تحويل العناصر إلى منتجات ذات جودة عالية إلا بأيد مدربة وماهرة وعقول قابلة للنمو وتقبل الأفكار الجديدة التي تحملها التقنية الحديثة متصفة بالتغيير الدائم استجابة للتغيير المستمر للمنتجات والخدمات، هذا ما تتطلبه التنمية البشرية الحالية التي شعارها السرعة والقواسم المشتركة في خصائص المنتجات والخدمات بحيث تقاربت عوامل الثقافة الإنسانية وتوحيد المواصفات في الإنتاج حسب ما يقتضيه التقدم السريع في ثورة الاتصالات، هذه الثورة التي تتطلب قاعدة معرفية وتنمية بشرية خلاقة ومبدعة وتقدم دائم معتمد على المهارة العقلية أكثر من المهارة اليدوية التي اتصفت بها المنتجات السابقة، إن عصر اقتصاد المعرفة يتطلب الربط ما بين التربية والتعليم والخطط الاقتصادية ووضع البرامج التعليمية وفق تقدم سوق العمل وما يتطلبه، والتنسيق ما بين التنمية البشرية والتطور التقني، فالفجوة ما بين التعليم الأساسي والتنمية كبيرة لا تستطيع أن تجاري سوق منتجات وخدمات يسير بحركة الكون ويلبي مواصفات ومقاييس عصر العولمة.

بقلم: علي الوباري