منظومة التدريب متعددة الأبعاد رغم وضوح تعريفها من حيث إنها عملية تنمية وتطوير العامل البشري نحو رفع كفاءته وإنتاجيته وتفعيل دوره في بيئة العمل من خلال شحذ وإكساب مهارات وجدارات ذاتية وموضوعية مما ينعكس إيجابا على زيادة نوعية المعرفة والخبرة وبالتالي تحقيق جودة العمل.
أبعاد منظومة التدريب هي: الكادر المؤهل وذو الخبرة لتقديم البرنامج التدريبي، المتدرب المستفيد من هذا البرنامج، بيئة التدريب، أدوات التدريب، منهج التدريب ومدى ملاءمته لموضوع التدريب، وأخيرًا المحتوى أو مادة التدريب.
ويتحقق نجاح العملية التدريبية عندما تتكامل تلك الأبعاد جميعها بحيث يستوفي كل بعد شروطه ومعاييره وإمكاناته مما ينعكس على تأثير وجودة مخرجات التدريب. وتختلف شروط ومعايير كل بعد وما يتطلبه من إمكانات بحسب نوع التدريب: هل هو خاص أم عام؟ وأيضًا بحسب مجال التدريب: هل هو إداري أم فني؟ وكذلك بحسب طبيعة التدريب: هل هو نظري أم عملي؟ لكن برغم الاختلاف بين الشروط والمتطلبات إلا أن تكامل أبعاد التدريب لا بد منه لنجاح العملية الإدارية وتحقيق أهداف التدريب.
المدرب وهو أول تلك الأبعاد لا بد أن يتم اختياره وفق ما يحمله من تأهيل وخبرة تتناسب مع موضوع التدريب المستهدف، وكذلك أن تتوفر لديه صفات وجدارات تتصل بنوع التدريب ومجاله وطبيعته، فالتدريب العام مثلا يتطلب صفات وجدارات تكون لدى المدرب غير التي تتوفر لدى المدرب في التدريب الخاص، حيث إن التدريب الخاص يحتاج عادة لدقة ووضع أكاديمي متخصص أكثر مما يحتاجه التدريب العام والذي تشترك به عدة جهات مثل العلاقات ومهارات الاتصال والتفاوض والإشراف وما إلى ذلك من عوامل ترتبط بثقافة العمل، بينما في التدريب الخاص مثل برامج التدريب على الحاسب الآلي والأنظمة المتخصصة لا بد أن يكون اختيار المدرب أكثر صرامة وبتأهيل محدد مع نوع خبرة أعلى في مجال التدريب المعني.
نلاحظ أن المتداول في ثقافة سوق العمل خاصة بالوضع المحلي أن التدريب الإداري دائما ينظر إليه بأنه تدريب عام بينما التدريب الفني دائمًا ينظر إليه بأنه تدريب خاص، وهذه نظرة تنقصها الدقة إذ إن تقسيم: عام وخاص، يختلف عن تقسيم: إداري وفني. فالتدريب الإداري قد يكون عامًا وقد يكون متخصصًا، وكذلك الفني، مثلا عندما نتحدث عن علاقات عامة ومهارات اتصال أو مهارات تفاوض فهي أنواع من التدريب الإداري تصنف ضمن التدريب العام، بينما هناك تدريب إداري متخصص وأمثلته: إعادة التنظيم، وإعادة الهيكلة، وتحليل القرارات الإدارية... إلخ. ومن ناحية التدريب الفني نجد أغلبه تدريبا متخصصا إلا أن ذلك ليس دائمًا فهناك برامج تدريب فنية قد لا تتطلب في المتدرب تأهيلا محددًا أو خبرة فنية مسبقة حيث تكون طبيعة تلك البرامج الفنية مما يحتاجه سوق العمل وبمهارات أقل تتوفر لدى متدربين يعملون في وظائف ليست بالدقيقة مثل برامج إدخال البيانات أو تشغيل بعض الأنظمة.
أما عن مدى ما يتسم به التدريب من طبيعة نظرية أو عملية فذلك تقسيم ثالث مختلف عن التقسيمين السابقين إلا أن الأخذ به مهم جدًا لأنه يؤثر على منهج التدريب ومادته، فمحتوى المادة يتم إعداده بتأسيس نظري أو بتركيز على جانب عملي أو بنسب متفاوتة بينهما بحسب موضوع التدريب المقترح.
وكلما وضعنا ما نريده من البرنامج التدريبي وفقًا لنوع التدريب ومجاله وطبيعته تمكنا من تحقيق تكامل الأبعاد في العملية التدريبية، وبذلك تكون اختياراتنا سليمة للمدرب ولفئة المتدربين ولمحتوى التدريب وما يناسبه من منهج ينسجم مع موضوعه، وأيضًا تحديد أي أدوات ووسائل بعناية، وكذلك بيئة التدريب الملائمة من حيث مكان التدريب وتجهيزاته وما يرافقه من عوامل مساندة.
بمقارنة ما أوردناه مع واقع التدريب في بلادنا نجد ضعفًا في مراكز ومؤسسات التدريب، وثغرات وسلبيات في منظومة التدريب، ونقصا في التكامل بين أبعاد التدريب، ولهذا فإن من النادر أن يكون هناك نجاح تام في العملية التدريبية، وفي تحقيق أهداف التدريب المنشودة.
وعند النظر أولا لبيئة التدريب نجد أغلب الجهات المسئولة عن التدريب لم تعمل على تهيئة المكان المناسب للتدريب ولا الإمكانيات ولا الأجهزة ولا الخدمات المساندة اللازمة لتنفيذ التدريب، ومن حيث الكوادر التي تتولى التدريب لا يتم اختيارها وفقًا لنوع التدريب ومجاله وطبيعته، وأيضًا لا يؤخذ في الاعتبار ما لدى المدرب من ثقافة إدارية وخبرات وجدارات وعناصر إبداع ولذا من النادر أن تصل رسالة البرنامج إلى المتدرب بحسب الأهداف التدريبية، وإنما يثقل كاهل المتدرب بمحتوى نمطي لا يوازن بين جانبي النظر والتطبيق ولا يتوافق مع آخر المستجدات الثقافية والمعرفية ولا يتناول النظريات الجديدة، ونجد معظم الحقائب التدريبية وقد أعدت منذ أعوام سابقة دون أي تحديث أو حتى مراجعة لها، ولذلك فإن جهات ومراكز ومؤسسات التدريب تركز على العائد المالي منها. وإذا كانت الجهات المستفيدة من برامج التدريب في القطاعين العام والخاص لم تضع شروطا وأهدافا ولم تخطط لمستقبلها ومستقبل العاملين فيها بسبب إهمال دور التطوير والتدريب، فإن المخرجات التدريبية في سوق التدريب لن تتغير إلى الأفضل وسيستمر ضعفها الأدائي والمنهجي، وبالتالي فهذا من ناحية كفيل بأن تظل الجهات المستفيدة من التدريب على وضعها الحالي دون محاولة تقييم ما يأتي من واقع مؤسسات التدريب لأن تلك الجهات أصلا لم تضع في تنظيمها إدارة تطوير تكون مسئولة عن مراجعة برامج التعاقد ومقارنة نتائج التعاقدات مع مدى حدوث عوامل التغيير لدى العاملين ومع مؤشرات نجاح المنظمة نفسها. وربما لمثل تلك الأسباب ولعدم انتظار جهات التدريب والجهات المستفيدة حتى تصحح وضعها نحو التطوير وأهدافه لأن ذلك الانتظار قد يطول وقد لا يأتي كان من الضروري تدخل مؤسسات تنظيمية ورقابية على سوق التدريب حتى يتقدم إلى الأمام بدلا من رجوعه إلى الخلف.

بقلم: حمد الراشد