عدم القدرة على تحديد وتعريف القيادة الفاعلة يرتكز أساسًا على الصفات المؤدية إلى الاهتمام بالبحث عن سلوك القادة وكيفية إسهامها في نجاح القيادة أو إخفاقها. عسى أن يكون القائد حريصًا على تبني السلوك الصحيح مع التدريب المناسب. هناك طريقتان أساسيتان لتحديد السلوك وأهميته للقيادة وهما Task-Oriented Behavior وPeople-Oriented Behavior وهذه يمكن تسميتها فوقية الفئات أو بشكل أوسع سلوكيات الفئات والتي وجدت لتطبيقها على القيادة الفعالة في أوضاع وأزمان مختلفة. ومع أنها ليست الوحيدة في السلوك القيادي والمهتمة بالمهام والناس لمستوى معين وأهمية إظهار ممارسات معقولة ومقبولة. وهكذا نجد كثيرًا من المناهج والطرق القيادية تستخدمها كأساس للدراسة والمقارنة. والبرامج والأبحاث في هذا الحقل خرجت من جامعات أمريكية جامعة ولاية أوهايو وجامعة ميشيقن وجامعة تكساس. وهذا يعطينا دلالة على دور الجامعات المحوري في إثراء البحث والتفكير واستقطاب اللامعين لأن التعليم بجميع فئاته العام، المهني، والعالي، بمنزلة العقل في الجسد فلا خير في جسد بلا عقل. ولذلك ينبغي أن يعنى التعليم بتطبيق أفضل الممارسات وسيادة قدسية العلم والعلماء والبحث والباحثين في بيئة جاذبة ومحفزة تقوم على المشاركة وإذكاء المعاني السامية في محيط الجامعات، تقوم على الود والتسامح بين العالم والمتعلم بل من حارس الأمن إلى أعلى الهرم في الجامعة والبعد عن الاضطهاد الأكاديمي الفج والذي يعطل القدرات ويبدد الطاقات، وكم سمعت ورأيت من ممارسات تشي بنفوس مريضة أقل ما يمكن وصفها بثقافة الاستخفاف والتي هي ممارسة فرعونية.
دراسات جامعة ولاية أوهايو مسحت مئات من الأبعاد لسلوك القادة. وحددت سلوكيتين أساسيين أولاً: Consideration وهو نوع من السلوك يصف مدى حساسية القائد للأتباع، هل يحترم أفكارهم ويقدر مشاعرهم ويبادلهم الثقة؟ وهذا النوع من القادة ودود - والتي يراها كثير منا ضعفًا - ومتواصل مع أتباعه، ينمي فرق العمل، ومهتم بصلاح شؤون موظفيه. ثانيًا: initiating structure وهذا النوع من سلوك القائد يصف مدى توجيه القائد نحو تحقيق الأهداف والمهام. وهذا النوع من القادة يعطي التعليمات ، يقضي الوقت في التخطيط، ويحدد نهاية للمهام، ويزود العاملين بجداول صريحة وواضحة لأنشطة العمل. والمشكلة أن هاتين الصفتين مستقلتان وهذا يعني أن القائد الذي لديه consideration أي احترام عال ربما يكون لديه العناية بالتخطيط وتحديد نهاية المهام منخفض أو عال والعكس. الخلاصة من دراسة جامعة أوهايو أن هناك أربعة أساليب في القيادة أفضلها من يكون لديه احترام عال وتخطيط وتحديد للمهام عال وهذا أفضل الأساليب High consideration و High initiating structure وهذا يحقق أداءً عاليًا، ورضًا أعظم من الأساليب الأخرى. بعض الأبحاث تشير إلى الأداء العالي - عالي غير ضروري أن يكون هو الأحسن - وهذه الدراسات تقترح أن القائد الفعال ربما يكون عاليًا في جانب ومنخفضًا في جانب والعكس، وهذا يعتمد على الوضع لكنها لا تستند إلى أرضية صلبة.
دراسات جامعة ميتشقن التي كانت متزامنة مع دراسة جامعة أوهايو، أخذت طريقة مختلفة ومنهجًا مغايرًا لمقارنة السلوك الفعال وغير الفعال للمشرفين والقادة، ووجدت أن أفضل مشرف فعال من كان يركز على أتباعه وحاجاتهم الإنسانية من أجل بناء مجموعات عمل فعالة بأداء عال في تحقيق الأهداف. كما أن باحثي ميتشقن استخدموا مصطلح employee-centered leadersالذي يؤسس فيه القائد أداء أهداف عالية ، ويبرز سلوكًا تعاونيًا تجاه موظفيه. أما القائد غير الفاعل فقد اصطلحوا على تسميته Job-centered Leaders والذي يميل إلى عدم الاهتمام بتحقيق الأهداف والاحتياجات الإنسانية وذلك لصالح جداول الاجتماعات وخفض التكاليف وتحقيق كفاءة الإنتاج. وفي كلتا الدراستين نجد العنصر البشري والعناية به من أهم المعطيات في نجاح المنشآت والمؤسسات فيمن تسنمم وظائف قيادية وإشرافية. هذه الدراسات والبحوث في الجامعات الغربية تؤكد على هذه الميزة وتعلي من قيمة الإنسان وتحقيق تطلعاته وإشباع رغباته وإشراكه من أجل توظيف قدراته وحفظ كرامته وعدم الاستخفاف به. وأينما ذهبت شرقًا أو غربًا وجدت هذه القيمة التي ذبلت في نفوس كثير منا.
وعلى هذه الدراسات بنى Blakeand Moutonمن جامعة تكساس نظريتهما ذات البعدين وسموها Leadership-grid والتي تقيس اهتمامات القائد تجاه العاملين والإنتاج. وخلصت الدراسة إلى أن فريق الإدارة Team-management 9,9 غالبًا يعد الأسلوب الأكثر تأثيرًا والذي ينصح بتبنيه من قبل المدراء لأن أعضاء المنشأة يعملون مع بعض لتحقيق وإنجاز المهام. Country club management 1,9يظهر عندما يكون الاهتمام بالناس على حساب مخرجات العمل. Authority- compliance management 9,1 والتي تظهر عندما تكون الجدارة في العمل والتشغيل هي التوجه المسيطر. Middle-of-the-road management 5,5 وهذا يعكس الاعتدال في الاهتمام بالعاملين والإنتاج. Impoverished management وما يمكن تسميته الفقر الإداري وهو غياب الفلسفة الإدارية، فالمدراء لا يبذلون جهدًا في العلاقات الشخصية أو إنجاز العمل والأمور تمشي بالبركة وهذا النمط والفقر الإداري فيما أظن أنه النمط السائد لدى قطاعاتنا الحكومية وشبه الحكومية والقطاع الخاص في عالمنا العربي إلا ما رحم ربي وقليل أو قل نادر ما هم. فالقائد لا يعرف إلا مكتبه ودائرة ضيقة من المقربين منه أما الكثرة الباقية فلا يبالي بهم ولا يحس بأهمية تجاههم ولذلك لا يسعى لبناء علاقات شخصية معهم، فقر إداري، فقر سلوكي، فقر إنتاجي، فقر بحثي، فقر أخلاقي وقيمي ينتج عنه فقر مادي.

بقلم: د. عبدالرحيم المالكي