نسمع كثيرًا مصطلح النخبة المثقفة، ولم نسأل أنفسنا هل نريد أن نكون منها، أو نحسب عليها، فالثقافة يسعى إليها وتطلب من المهد إلى اللحد، وهي الناقلة من حياة الظلام إلى حياة النور، فالعلم نور، والجهل ظلام.
إن القراءة هي الوسيلة الأكبر في اكتساب الثقافة - وليست الوسيلة الوحيدة بالطبع- ولذلك سيتم التركيز على دورها الهام وفوائدها العظيمة التي من أهمها تحصيل الفرد للمعرفة ومن ثم الثقافة.

إن العلم والجهل..! كلمتان متساويتان في عدد الحروف.. ولكنهما متضادتان في المعنى.. الفارق بينهما كبير.. فما أعظم شأن العلم والعلماء.. وما أدنى شأن الجهل والجهلاء.
العلم يرفع من شأن صاحبه.. قال سبحانه وتعالى: }... يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات...{ سورة: المجادلة.. الآية: (11).. وقال أيضًا عز وجل: }... إنما يخشى الله من عباده العلماء...{ سورة: فاطر.. الآية: ( 28) ولعل ما يبرهن على عظم العلم وشأنه أن أول آية تنـزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم هي: }اقرأ باسم ربك الذي خلق{ سورة: العلق.. الآية: (1).. وعن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا، اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا». (رواه البخاري).
والجهل يحط من شأن صاحبه.. ويجعله في المراتب الدنيا.. قال سبحانه وتعالى: }وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقًا في الأرض أو سلمًا في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين{ سورة: الأنعام.. الآية: (35).. وقال سبحانه }خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين{ سورة: الأعراف.. الآية: (199).. وقال سبحانه: }وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا{ سورة: الفرقان.. الآية:63.. وعن أنس بن مالك قال سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لا يحدثكم به غيري، قال: «من أشراط الساعة: أن يظهر الجهل، ويقل العلم، ويظهر الزنا، وتشرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة قيمهن رجل واحد». (رواه البخاري).
حقًا إن فضل العلم يدفع العقلاء دومًا إلى طلبه.. ويا له من فضل عظيم يستحق أن يبذل نحوه الوقت والجهد..
فوائد القراءة:
- يستطيع المسلم الذي يعرف القراءة تلاوة القرآن الكريم؛ والفوز بأجر التلاوة الكبير.. إذ لكل حرف يقرؤه حسنة إن شاء الله؛ والحسنة بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء.
- تمكِّن القراءة المسلم من معرفة تفسير القرآن العظيم، ومعايشة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيرته العطرة، والتي تمثل مع القرآن الكريم للمسلم وللمسلمين أجمعين النبراس والضياء المنير.
- تنقل القراءة الفرد من عالم الجهل بالشيء إلى عالم معرفة هذا الشيء؛ فمهما كان علم الفرد، ومهما كانت مكانته فعدم معرفته بعلم ما يعد جهلًا به، والقراءة عن هذا العلم هي وسيلته لمعرفته، والإحاطة به.
- القراءة توفر للقارئ غذاء الروح والعقل، وتحقق له المتعة والسعادة، وترفع من روحه المعنوية.
- القراءة تزيد من خبرات ومعارف القارئ، فعن طريقها يتعرف على تجارب وخبرات الآخرين مهما بعد المكان والزمان بينهم.
- القراءة تمكن القارئ من التعرف على حضارات وثقافات وعادات وتقاليد الأمم والشعوب؛ سواء الأمم السالفة أو الأمم المعاصرة؛ وهذه المعرفة توفر له بكل تأكيد ثروة معرفية تساعد في تكوينه المعرفي وبنائه الثقافي، بما ينمي قدرته ويشجعه على المساهمة في حضارة أمته بعلم يتخصص فيه، أو عمل مفيد يؤديه.
- القراءة تمكن صاحبها من الغوص في أسبار ودهاليز لم يكن ليصل إليها بنفسه، فهو قد يقرأ عن الفضاء والفلك، وقد يقرأ عن أعماق المحيطات والبحار، وقد يقرأ عن أغوار النفس البشرية.. فالقراءة تأخذ القارئ إلى عوالم لا يمكنه رؤيتها بالعين المجردة، وتنقله من واقعه المحدود إلى آفاق اللامحدود في الكون والعوالم البشرية وغير البشرية.
- القراءة توفر للقارئ معرفة خلاصة فكر العلماء والمفكرين، وتوفر له خلاصة بحث الباحثين، من دون تحمل المعاناة والمتاعب التي تحملوها في رحلاتهم العلمية والبحثية، فالقارئ تصله المعرفة الخالصة، المنقحة والخالية من الشوائب.
- تطوي القراءة الزمان والمكان للقارئ؛ فتوفر له البيانات والمعلومات والأخبار عن كافة مجالات الحياة العلمية والاجتماعية، والطبية والثقافية، والرياضية... إلخ.. والتي من المستحيل أن يعرفها من دون الكتب التي تنقل هذه العلوم المتنوعة.. فالقارئ وهو جالس بين يدي الكتب يتمكن من الاطلاع كل هذه البيانات والمعلومات الأخبار من دون عناء السفر، ومن دون إنفاق المال.. فالقراءة سياحة العقل غير المكلفة.
- تساعد القراءة في بناء الوجدان الإنساني، فقراءة الشعر، والقصة والرواية تساهم في تشكيل وجدان القارئ، وتعمل على صقل موهبة الموهوبين من القراء.
- تساعد القراءة في توسيع مدارك وأفق وخيال القارئ، فقراءة قصص الخيال العلمي والكتب التكنولوجية وكتب الاختراعات تزيد من دون شك من قدرة القارئ على التخيل، وقد تدفع الموهوبين منهم إلى المحاكاة والتقليد مما يصقل وينمي موهبتهم، وقد يصبحون من علماء المستقبل.
- تساعد القراءة على تنمية قدرات القارئ الذاتية، فقراءة الكتب العلمية المتخصصة في مجال ما تساهم من دون شك في اكتساب القارئ المعرفة التي تنمي فيه قدراته ومواهبه الذاتية، وتساعده على الإبداع والابتكار.
وسائل وطرق مساعدة في إكساب وتنمية مهارات القراءة:
إن وسائل طلب العلم كثيرة ومتعددة، ومن أهم هذه الوسائل القراءة.. وللقراءة طرق ومهارات متعددة تفيد القارئ كثيرًا، وتساعده على تطوير مهاراته.. ومن هذه الوسائل:
1- حدد هدفك من وراء عملية القراءة:
إن عملية القراءة شأنها شأن أي عملية ترغب في القيام بها، ولعلها من أهم العمليات التي تقدم عليها؛ إذ تحصل من ورائها المكانة العلمية والمعرفية؛ ويا لها من مكانة يبذل لنيلها الغالي والنفيس من الوقت والجهد والمال.. وتحديد الهدف من القراءة أمر هام وجوهري يجب الانتباه إليه؛ إذ إن القراءة للقراءة ليست مفيدة في جل الأحوال.. فلابد أن تحدد الهدف من وراء قراءة كتاب ما قبل الشروع في قراءته.. إذ يساعدك هذا التحديد على اقتناء النافع والمفيد من الكتب؛ التي تحمل بين طياتها العلم والمعرفة التي ترغبهما.
2- اقرأ فهرس الكتاب ومقدمته:
إن تصفح فهرس الكتاب يعطيك انطباعًا أوليًا ومهمًا من خلال استعراض عناوين الموضوعات التي يطرحها، وكذلك تعطيك المقدمة ملخصًا سريعًا عن أهم الفوائد التي ستجنيها من وراء قراءة هذا الكتاب.. ومن خلال استعراض الفهرس والمقدمة اطرح واكتب عدة أسئلة تريد أن تحصل من الكتاب على إجابات شافية عليها.. وبهذا تحقق الموضوعية من وراء القراءة؛ وتنمي وتطور من ذاتك.. إذ ستحصل على معلومات كنت تجهلها في موضوع يطرحه الكتاب، أو ستزيد حصيلتك المعلوماتية بمعلومات جديدة ومتطورة يحملها الكتاب.
3- التركيز على الفائدة المطلوبة من القراءة:
هناك مفهوم انتشر هذه الأيام أن مهارات القراءة السريعة أمر ضروري وهام؛ ولابد أن تتوافر في القارئ؛ للدلالة على مدى استيعابه، وفهمه السريع وإدراكه الواسع، وتعقد كثير من الدورات التدريبية لإكساب وتنمية مهارات القراءة السريعة؛ ومع التسليم بفوائد القراءة السريعة؛ حيث توفر الوقت للقارئ؛ بما يتيح له الاطلاع على المزيد من الكتب، والاستزادة المعرفية.. إلا أن ذلك المفهوم لا يمكن التسليم به على الإطلاق، إذ إن الفائدة العائدة من القراءة تعد المقياس الحقيقي من وراء عملية القراءة، فمقياس سرعة القراءة تتوقف على نوعية الكتاب الذي يقرأ.. فالقراءة السريعة تأتي بشكل طبيعي عند قراءة مقال فني أو مقال رياضي أو إخباري أو اجتماعي، وتقل سرعة القراءة عند قراءة مقال سياسي أو اقتصادي أو مجموعة قصصية أو رواية أدبية، وتقل السرعة أكثر عند قراءة كتاب يناقش نظرية علمية أو سياسية أو أدبية أو اقتصادية أو كتاب فكري، أو كتاب يتناول أمورًا فقهية... إلخ.. فالعبرة ليست بالقراءة السريعة من دون تحقيق أي فائدة معرفية، أو تكوين مفاهيم داخلية حقيقية من وراء عمليـة القراءة. واعلم أن كل أمر مكتسب يزداد مع زيادة التدرب عليه وممارسته؛ فالقراءة السريعة ستأتي مع الممارسة الكثيرة، والفهم والإدراك سيتسع مع كثرة القراءة والاطلاع.. فالقارئ النهم لم يولد بهذا الحب وهذا الإقبال المفرط على القراءة.. بل مارسها وتدرب عليها حتى أصبح قارئًا نهمًا محبًا شغوفًا للقراءة.
4- درِّب ورسخ في نفسك حاجتك المستمرة إلى التعلم:
كثيرة هي مشاغل الحياة اليومية التي تفرض عليك، أو تقوم بعملها طواعية، وكثيرة هي الملهيات التي تعترض طريقك.. وكثيرًا ما تجد قواك قد أنهكت بسبب هذه المشاغل وتلك الملهيات.. وقليلًا ما تجد وقت فراغ يتيح لك فرصة الإمساك بكتاب تود أن تقرأه.. فماذا أنت فاعل؟ الحصيف هو من ينظم وقته، ويعمل على استغلاله والاستفادة منه إلى أقصى درجة ممكنة.. فإن كان وقت الفراغ قليلًا فاستغله في قراءة الكتاب الأكثر أهمية من وجهة نظرك.. الكتاب الذي يزيد من قدراتك المعرفية في علم يرتبط بعملك.. الكتاب الذي يزيد من مهاراتك وخبراتك العملية، مما يساهم في تقدمك وترقيتك في عملك.. الكتاب الذي يزيل جهلًا مترسخًا في داخلك ويسبب لك حرجًا في تواصلك مع زملائك في عملك، أو تواصلك الاجتماعي... إلخ.
رسخ في نفسك أنك في حاجة دائمة ومتواصلة إلى التعلم والتدريب.. وأن التعلم لا ينقطع إلا بعدم قدرة الإنسان المادية والحسية على تحصيل العلم.. ورسخ في نفسك أنك مهما أوتيت من العلم فهو قليل.. قال تعالى: }... وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا{ سورة: الإسراء.. الآية: (85).. فاحذر من الاغترار بما لديك من علم.. واعلم أن كثيرًا من العلماء يقرون بجهلهم مع كل علم جديد يطلعون عليه أو يكتشفونه.
5- نظّم عملية القراءة:
قال لي أحدهم: إني أقرأ أي كتاب أو مقال أو بحث أو... يقع بين يدي، فأنا قارئ نهم أحب القراءة.. وأريد أن أعرف كل شيء في كافة المجالات.
قلت له: هنيئًا لك حبك الجم للقراءة.. ولكني أنصحك بألا تقتل هذا الحب..
قال متسائلًا.. وقد ارتسمت على محياه علامات الدهشة: كيف أقتل حب القراءة بداخلي.. وقد اعتدت على القراءة منذ الصغر؟
قلت: تقتل حب القراءة بالإفراط في استخدامه من دون تنظيم.. فأنت - كما قلت- تقرأ في كل الموضوعات، وعن كل الموضوعات.. فمن المؤكد أنك ستمل يومًا ما.. وإن نظمت جهدك في قراءة ما تميل إليه نفسك.. ويتماشى مع موهبة لديك.. أو تقرأ بهدف التخصص في علم ما.. سيكون ذلك استثمارًا ذا عائد مربح تجنيه من وراء حبك الكبير للقراءة.. فأنت لست بحاجة إلى القراءة في كل مجال أو عن كل مجال.. فهذا لن يفيدك على المدى البعيد.. بغض النظر عن الفائدة التي تجنيها في الوقت الحاضر وهي تحقيق رغبة القراءة؛ فهذه الفائدة غير جديرة بأن تضيع وقتك وجهدك وعمرك لتجنيها.. فالتخصص مطلوب، وليس هناك إنسان يفهم في كل شيء.. وإن ظن إنسان أنه يفهم في كل شيء فهو يخدع نفسه.
6- أقوالك دليل أفكارك:
إن قراءة الكتب تعتبر المدخلات التي تغذي بها عقلك بأفكار، وتجارب وخبرات وأبحاث المؤلفين، والقارئ الحصيف هو من يشغِّل هذه الأفكار بداخله، ويستفيد منها، ويُعمل تفكيره ونظره فيها إن كان مؤهلًا لذلك.. ويظهر آراءه الشخصية في الأفكار التي التي تحملها هذه الكتب.. ويطرحها على الثقات وأهل الخبرة المقربين منه.. وإن كانت آراؤه ذات قيمة يطرحها كنقدٍ بناء.. وإن كانت جديرة بنشرها في كتاب فليفعل.. كل هذا يؤدي بلا ريب إلى تطوير ذاتي فعال.. تظهر مبشراته الإيجابية في المدى القصير، وتظهر آثاره المفيدة والعظيمة في المدى البعيد.
7- اختر الزمان والمكان المناسبين للقراءة:
في كثير من الأحيان يكون سبب عزوفك عن القراءة الإرهاق الذهني، أو المكان غير المناسب للاستمتاع بالقراءة، فصفاء الذهن من هموم ومشاكل الحياة وروتين العمل اليومي أمر ضروري وهام للاستمتاع والاستفادة من القراءة، وكذلك المكان الهادئ والنظيف والأنيق والمعطر يضفي جوًا مشجعًا على القراءة، فضلًا عن الجلسة المريحة غير المرهقة للعين أو للعمود الفقري.. كل ذلك يساعدك على الاستمتاع والإفادة الفعالة للقراءة.
8- درِّب نفسك على القراءة المتواصلة:
من آفات القراءة المتقطعة أنها تشعرك بعدم جدوى ما تقرأ، فقد تنسى ما قرأته سابقًا.. وتضطر أن تعيد ما قرأته لتتواصل مع الجديد مما قد يصيبك بالملل من الكتاب أو الموضوع الذي تقرؤه، وقد يدفعك هذا الملل إلى ترك الكتاب أو فقدان الرغبة في القراءة رويدًا رويدًا.. وللتغلب على هذه الآفة أو هذه المشكلة لابد من وضع خطة زمنية لإنهاء الكتاب الذي بين يديك.. وأن تدون في هوامش الكتاب أهم النقاط التي تسترجع من خلال قراءتها ما يساعدك على التواصل في القراءة دون انقطاع حبل الأفكار التي يحملها الكتاب بين صفحاته.. وبذلك تشعر بفائدة ما تقرأ.
9- درِّب نفسك على الكتابة من خلال القراءة:
حقًا إن الثقافة تلعب الدور الأبرز في تطوير الذات، إذ من ضمن فوائدها بمفهومها الشامل.. تغيير حالة الجهل بالشيء إلى العلم به، وهذا هو جوهر تطوير الذات.
.. وحاول أن يكون لديك ملف لعروض الكتب مصنفًا على أساس الموضوعات أو المجالات المتشابهة؛ فقد تحتاجه في يوم ما في بحث تقوم بإعداده، أو كتاب تقوم بتأليفه في نفس المجال، فتجد لديك رصيدًا علميًا متنوعًا يثري ويزيد مخزونك الثقافي الذاتي.
حقًا إن الثقافة تلعب الدور الأبرز في تطوير الذات، إذ من ضمن فوائدها بمفهومها الشامل.. تغيير حالة الجهل بالشيء إلى العلم به، وهذا هو جوهر تطوير الذات.

بقلم: فاطمة موسى