أدت التطورات التي حصلت في مجال الاتصالات وتقنيات شبكة الإنترنت العالمية إلى ظهور ثورة تطبيقات الويب التي جعلت من بيئة الويب مرجعًا رئيسيًا للتعامل في شتى القطاعات المختلفة. وفي مجال التعليم والتدريب، ظهرت تقنيات التعلم الإلكتروني لتشهد هي الأخرى تطورًا ملموسًا متزامنًا مع تطور تقنيات الويب نفسها. فعلى مستوى الحرم الجامعي، تطور مفهوم التعلم الإلكتروني من كونه وسيلة مستخدمة في التعليم للوصول إلى الموارد التعليمية، إلى توفير حلول متكاملة، تعرف باسم أنظمة إدارة التعلم الإلكتروني LearningManagementSystems، تظهر على هيئة بيئات تعليمية إلكترونية مساندة ومعززة للعملية التعليمية التي تتم داخل حدود الفصل الدراسي. ولم تتوقف حلول الويب لمساندة العملية التعليمية والتدريبية عند هذا الحد، بل أدى ظهور تقنيات الجيل الثاني من الويب (ويب 2.0) إلى ظهور تقنيات حديثة في مجال التعلم الإلكتروني أدت إلى نقلة في مجال التعليم والتدريب، ليصبح المتعلم أو المتدرب هو المحور الرئيسي في العملية التعليمية والتدريبية، ولتنتقل علمية التعلم والتدريب إلى خارج حدود الفصل التقليدي وتشمل العالم أجمع.
نهدف من خلال هذه الزاوية إلى التعريف بأهم مفاهيم التعلم الإلكتروني e-learningواستخداماته في مجالي التعليم والتدريب، مع التركيز على أساليب الاستفادة من تقنيات الويب 2.0 لجعل العملية التعليمية والتدريبية أكثر تفاعلًا ومتعة لكل من الأستاذ والطالب أو المدرب والمتدرب. كما نهدف إلى تعريف القارئ بأساليب الاستفادة من خدمات نظام إدارة التعلم «جسور» والمتوفر من خلال المركز الوطني للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد والتابع لوزارة التعليم العالي، لاستخدامه في بناء وإدارة المقررات الإلكترونية. كل ذلك سيكون عبر سلسلة من المقالات ستقرؤونها في هذا العدد والأعداد القادمة من مجلتنا التدريب والتقنية.
ما المقصود بالتعلم الإلكتروني؟
يمثل التعلم الإلكتروني أحد الاتجاهات الحديثة في منظومة التعليم والتعلم. ويمكن تعريفه على أنه نهج من التعلم يعمد على استخدام الوسائط الإلكترونية (من أجهزة الحاسب الآلي وشبكات الاتصالات وغيره) في عملية نقل وإيصال المعلومات بين المعلم والمتعلم. بالتالي، فإن مصطلح التعلم الإلكتروني يتضمن جميع الأنشطة التعليمية التي يقوم بها الأفراد أو المجموعات (سواء تلك المتصلة بالشبكة Onlineأو غير المتصلة Offline، والمتزامنة منها Synchrounousأو غير المتزامنة Synchrounous) والمعتمدة بشكل أساسي على تقنيات الحاسب الآلي. يوضح الجدول (1) ملخصًا لأنواع الأنشطة المختلفة من التعلم الإلكتروني.
وفي الحقيقة، فإن مصطلح التعلم الإلكتروني يشتمل على مجموعة واسعة من التقنيات والمنهجيات المختلفة. ولتوضيح أهم تقنيات ومفاهيم التعلم الإلكتروني، نقوم بالتفريق بين الأنماط التالية: التعليم المدمج BlendedLearning، التعليم عن بعد DistanceLearning، التعلم المتنقل M-Learning.
التعليم المدمج:توظيف تقنيات التعلم الإلكتروني في خدمة التعليم والتدريب
تعمد أغلبية الجامعات والكليات ومعاهد التدريب إلى دمج نهج التعليم الإلكتروني مع أساليب التعليم التقليدية لغرض تعزيز عملية التعلم وخلق التفاعل الفعال بين المعلم والطالب، لينتج عن ذلك مفهوم التعليم المدمج BlendedLearning. من الأمثلة على ذلك:
• استخدام أسلوب المحاضرات التقليدية مع وضع ملاحظات المحاضرات والوسائل المرئية والواجبات...إلخ، لتكون متاحة للوصول على الشبكة العالمية أو من خلال بيئات التعلم الافتراضية.
• استخدام أسلوب التدوين الصوتي P-dcastلتسجيل ملفات صوتية ليتمكن الطلاب من الاستماع إليها لاحقًا.
• حث الطلاب على استخدام المدونات bl-gsلتبادل الأفكار المتعلقة بموضوعات المادة وكذلك توثيق المراحل والإنجازات التعليمية للطالب.
• استخدام تقنية الويكي Wikiلإعداد التقارير المشتركة بين مجموعات الطلاب.
• استخدام أسلوب المحاكاة Simulationلتنفيذ التجارب العلمية في مواد العلوم التقليدية.
• استخدام أسلوب التعليم عن بعد DistanceLearningمع الحرص على عقد لقاءات دورية (وجهًا لوجه) بين المعلم والطلاب.
هنالك المزيد والمزيد من الأساليب والإمكانيات التقنية المتوفرة لمساندة عملية التعليم التقليدية. يوضح الشكل (1) مفهوم التعليم المدمج.
التعليم عن بعد: بعيدًا عن أسلوب التعليم التقليدي
يختلف التعليم عن بعد DistanceLearningعن التعليم التقليدي في أنه يعتمد على مفهوم التعليم الذاتي وتوظيف الوسائط التقنية الحديثة لتوفير إمكانية عدم وجود المعلم والمتعلم في مكان واحد أو توفير إمكانية عدم وجود المعلم والمتعلم في توقيت واحد (الشكل (2)). فالتعليم عن بعد هو تنفيذ المقرر ونقله تقنيًا عن طريق شبكة الإنترنت وباستخدام تقنيات الفيديو الحديثة، وهو يمثل أسلوبًا جذابًا للمتعلم غير المتفرغ للدراسة. هذا وقد تم تعريف هذا النوع من التعلم على أنه «عملية لخلق وتوفير فرص الوصول إلى التعلم في تلك الحالات التي يتم فيها الفصل بين المتعلم ومصادر المعلومات، إما من خلال الوقت أو المسافة أو كلاهما». ويجب هنا التفريق بين هذا النوع من التعليم ونوع آخر يعمد على استخدام تقنيات التعليم عن بعد لتنفيذ ونقل المقررات عبر الإنترنت مع إلزام المتعلم الحضور شخصيًا في بعض الأحيان (مثل أوقات عقد الاختبارات) إلى الجامعة أو مركز التعلم، حيث تم تصنيف هذه النوعية من التعلم على أنه تعليم مدمج BlendedLearning.
هذا وقد بدأت الموجة الأولى فيما يسمى بالتعلم الإلكتروني البحت مع نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وركزت على توظيف التطورات التقنية التي حصلت في مجال الشبكات والاتصالات، لتحويل الفصول التقليدية إلى فصول افتراضية VirtualClassrooms. وبالتالي، ارتبطت فاعلية هذا التعليم على مدى الوقت الذي يعطيه المتعلم للوصول إلى المهارات التي يهدف إليها من الدرس والجهد الذي يرغب في عطائه. ومع مرور الوقت، أظهرت التجارب والبحوث التعليمية جوانب القصور في تلك الفصول الافتراضية التي أدت إلى انعدام التفاعل الإنساني وبالتالي فقدان المتعلم فرصة التدرب على الحوار والمناقشة وتبادل الآراء.

تسخير تطورات الأجهزة المحمولة لخدمة العملية التعليمية
يمثل هذا النهج من التعليم توظيف تقنية الأجهزة المحمولة لتوصيل المادة العلمية إلى المتعلم في أي مكان وفي أي وقت، حيث التركيز في هذه الحالة على المتعلم المتنقل، ويطلق عليه مصطلح التعلم المتنقل MobileLearning(الشكل (3)). من الأمثلة على استخدام هذا النوع من التعلم:
• تنفيذ الاختبارات البسيطة أو استبانات سريعة.
• استمرارية التواصل مع الشبكات الاجتماعية المخصصة للأغراض العلمية.
• تطبيقات الألعاب التعليمية.
• توزيع مقطوعات من المدونات الصوتية التعليمية P-dcasts.
هذا وينتشر استخدام أسلوب التعلم المتنقل في العديد من الجامعات والمعاهد العالمية، وذلك من خلال دمجه مع أساليب التعلم الأخرى ليمثل بذلك جزءًا من أجزاء التعلم المدمج BlendedLearning، يوضح الشكل (4) المفهوم الحديث للعملية التعليمية.
التعلم الإلكتروني: نحو تعلم مدى الحياة
هنالك العديد من الجوانب في البعد المعرفي التي لايوفرها التعليم والتدريب بالأسلوب التقليدي ولايلقيها أهمية مناسبة. وبما أن المعرفة طريقة وليست نتاجًا، ومن خلال توظيف تقنيات التعليم الإلكتروني في التعليم والتدريب، يكتسب الطالب أو المتدرب طريقة الحصول على المعرفة عندما يريدها بالإضافة إلى المهارات الفعالة لتوليدها. وبذلك، يتم تحويل المعرفة من كونها نتاجًا للتعليم إلى أسلوبًا ليكون نتاج التعليم الجامعي والتدريب يكون قد أسهم بخدمة كبيرة للطالب والمتدرب لمتابعة تعلمه في المستقبل. والتعليم الإلكتروني الحديث يُبنى على مشاركة الفرد في نشاطات التعليم والتدريب، مما يخلق جوًا من الإقبال على التعلم والرغبة في المتابعة، بخلاف الطرق التقليدية. وبالتالي، يكتسب الطالب والمتدرب مهارة كيفية التعلم التي يتولد منها استمرارية التعلم مدى الحياة lifelonglearning.
أنظمة إدارة التعلم LMSsوأنظمة إدارة المحتوى CMSs
في بداية انتشار استخدام خدمات شبكة الويب لتطبيق التعلم الإلكتروني، كان الأسلوب المستخدم من قبل أعضاء هيئة التدريس الراغبين في الاستفادة من تلك التقنيات يكمن في القيام ببناء صفحة خاصة بالمادة الأكاديمية أو المقرر الدراسي على الشبكة العالمية. كان ذلك الأسلوب يتطلب استخدام لغة ترميز النصوص التشعبية HypertextMark-upLanguage(HTML) كونها اللغة المستخدمة آنذاك لتصميم صفحات الويب. وعلى الرغم من أن تلك اللغة تعتبر من اللغات السهلة من ناحية الاستخدام، إلا أنها تتألف من نمط معين وفريد يحتوي على رموز وعلامات خاصة ذات طابع معين مما قد يكون عائقًا لاستخدام المعلم غير المتخصص لتلك التقنية. ظهرت بعد ذلك بعض الحلول التقنية المتطورة لمساعدة غير المتخصصين ليتمكنوا من تصميم مواقعهم، مثل برنامج فرونت بيج Fr-ntpageوغيره من الحلول الأخرى المقدمة من الشركات الأخرى المعنية بذلك. نتج عن ذلك انتشار مفهوم المواقع الإلكترونية المخصصة للمواد الأكاديمية في المجتمع التعليمي. بدأت الجامعات العالمية بعد ذلك في تطوير أنظمة مخصصة لأغراض إدارة المقررات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، تمتعت تلك الأنظمة بسهولة الاستخدام بالنسبة للمدرسين كما وفرت الخصوصية المطلوبة للمقرر الدراسي وحرصت على تضمين أدوات متعددة لتعزيز التواصل بين المعلم والطلاب وبين الطلاب وبعضهم البعض فيما يخدم سياق المادة الأكاديمية. وفي الوقت الحالي، تتوفر هذه الأنظمة بشكل تجاري مما يضمن توفر الدعم المطلوب بالنسبة للمنظمة التعليمية المستفيدة من تلك الأنظمة.
نتعرف هنا على مفهومي أنظمة إدارة المحتوى التعليمي LearningContentManagementSystems(LCMSs) والتي يوضحها الشكل (7) وأنظمة إدارة التعلم LearningManagementSystems(LMSs) والتي يوضحها الشكل (6) ونستعرض الفرق بين تقنياتها ونتطرق إلى الدور الذي تقوم به لخدمة التعليم والتعلم كما نتعرف على أشهر الإصدارات التجارية من تلك الأنظمة.
أخيرًا، إن أساليب التعلم الإلكتروني فتحت الآفاق لظهور أساليب متطورة من التعلم، حيث أصبح من الممكن للعملية التعليمية أن تتمحور حول المتعلم ليصبح قادرًا على اكتساب المعرفة وبناء المهارات دون الحاجة الإلزامية لوجود المعلم. وفي مجال التدريب، فإنه من الممكن تطبيق أساليب التعلم الإلكتروني أثناء المراحل الأولية من التدريب، أو لاكتساب مهارات جديدة أو كجزء من خطة التدريب المستمر. كما أنه من الممكن أن يتم توظيف تقنيات التعلم الإلكتروني لتوفير إمكانية وصول المستفيدين إلى خبراء في مواضيع خاصة لطرح الأسئلة والحصول على المزيد من المعلومات والدعم.

بقلم: غادة النفيعي