في العدد الماضي من مجلتنا التدريب والتقنية تناولنا عددًا من الوصايا للتعامل مع المدير العصبي , ولعلنا نكمل هذه الوصايا بأمر مهم وهو أنه عندما يبدأ المدير العصبي الحديث عن المصلحة العامة نجد أن كلاً منا تأخذه العزة بحيث يعتقد ويطلب منا جميعًا أن نعتقد أنه هو من يعلم المصلحة العامة للعمل أو للوطن أو لفريق كرة القدم حتى وهو ما يعتبر أمرًا بديهيًا جدًا لأنه لا يمكن لأحد أن يتبوأ مقعد المتحدث ويبدأ بالكلام في أشياء هو غير مقتنع بها.
وبمعنى أدق، فإننا عندما نبدأ في التحدث عن أمر ما فإن كلامنا بنسبة كبيرة جدًا يثبت قناعتنا الشخصية بما نقوله وإلا فإنه من غير المعقول أن أتحدث أنا عن ما يثبت قناعتك أنت الشخصية متجاهلاً قناعتي أنا ........... !!
لهذا تجدني دائمًا على أشد القناعة أن حديث أي شخص - حتى ولو كنت أنا شخصيًا - عن المصلحة العامة إنما ينطوي بشكل أو بآخر على بعض المفردات التي تصب في اتجاه المصلحة الشخصية، أو بقليل من التحفظ يمكنني القول إنها تحتوي على مفردات لا تضر بالمصلحة الشخصية ضمنيًا.
لذا كان لازمًا علينا عندما نبدأ في التحدث بأن مصلحة الشركة تقتضي أن يعلق هذا المدير الذي لا يدري ماذا يفعل وكيف يضر بمصلحة الشركة العامة وأن يكون عبرة لمن يعتبر، يجب علينا وقتها أن نمهل أنفسنا بعض الوقت لكي نفكر في سؤال هام جدًا ولكنه بسيط جدًا لأنه سؤال له إجابة واحدة:
هل حقًا أنك تريد المصلحة العامة أم أن هذه المصلحة العامة لها تبعات وظلال على مصلحتك الشخصية؟ تعالوا نكمل ما بدأناه العدد الماضي.
المصلحة الشخصية العامة!!
لا أعتقد أن أحدًا منا سيقول إن المصلحة العامة هي المجردة من أي مصلحة شخصية لأنه حينها سيكون قد نسي الجزء الأهم ألا وهو أن هذه المصلحة المجردة يجب ألا يكون لها أي آثار جانبية على مصلحتك الشخصية ولا توقع بك أي ضرر، وإلا فإنها لن تكون المصلحة العامة التي تريدها للشركة.
هل يمكن أن تنادي بإقالة مديرك لأن هذا هو في الصالح العام للشركة إذا ما علمت أن إقالة هذا المدير قد يؤدي إلى إلغاء الإدارة وتسريح العاملين فيها بما فيهم أنت؟
أعتقد إن كان هذا المضمون هو جزء أساسي من المصلحة العامة التي تريدها للشركة فإنك ستتمهل كثيرًا قبل مناداتك بهذه المصلحة حتى تستطيع تدبر أمورك أولاً وتؤمن عملاً آخر، ووقتها ستقيم الدنيا وتقعدها ضد مديرك هذا........ !!
إن الحديث عن المصلحة العامة يجب أن يكون محددًا بالمستوى الإداري لكل منا لأن كل مستوى يستطيع رؤية ما لا يستطيعه من هم دونه. لذا كان الواجب دائمًا الانتباه لأن المصلحة العامة إنما هي طبقات متتالية لا ندركها إلا عند الوقوف عليها، وأن كلاً منا ترتبط مصالحه الشخصية بموقعه الحالي وبتطلعاته المستقبلية التي قد يرى أن ظروفه ستتحسن كثيرًا إذا ما تم تغيير هذا أو استخدام ذاك، ولكنه طبعًا لن يقدر أبدًا أن يجاهر بما يضمره من متطلبات شخصية وإن كان بكل ثقة يمكن أن يضعها في صورة المصلحة العامة التي يستقيم معها كل الأمور بما فيها أموره هو الشخصية... والحاذق يفهم.
كما أنك ترى المصلحة العامة من وجهة نظرك، فلتعلم أن الآخرين يرونها بعيونهم هم، وأن الجميع يجعل مصلحته الشخصية جزءًا أصيلاً من المصلحة العامة أو على أقل تقدير أن تكون المصلحة العامة لا تتعارض مع المصلحة الشخصية، وهو أمر بديهي حتى ولو أنكرناه جميعًا بدافع الولاء والوطنية وما إلى ذلك من الشعارات الرنانة ولكنها حقيقة تثبتها طبيعة خلقنا جميعًا.
قبل أن تتشدق بالمصلحة العامة التي تحتم هذا وذاك، حاول أن ترى نفسك جيدًا لأنك بكل تأكيد تغلف مصلحتك الشخصية داخل إطار يحترمه الجميع ولا يقبلون المساس به.. إطار المصلحة الشخصية العامة.
حتى إن كان القرار خطأ فهو ليس نهاية المطاف
كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
كلنا يسمع هذا الحديث في كل صلاة جمعة حيث يحرص معظم أئمة مساجدنا على تكرار هذا الحديث لما له من وقع جميل على النفس البشرية عندما تعلم أن خالقها قد أعطاها هذه الهبة التي يتوق إليها أي إنسان عاقل في أن يعلم في داخله أن الخطأ بل وتكرار الخطأ هو طبيعة بشرية يستقيم معها الخلق شريطة أن نتوب التوبة النصوح التي تحررنا من أخطائنا بمشيئة الله سبحانه وتعالى.
فإن كان هذا هو خلقنا، وإن كانت هذه هي عطية الخالق الكريم لكل ابن آدم، فلماذا إذًا يقف كل منا للآخر على خطئه وكأنه نهاية العالم أو كأن هذا الخطأ لا توبة منه ولا غفران.
إن الخطأ أيًا كان ليس هو نهاية المطاف لأننا نتسابق في حياتنا مع أخطائنا التي لن تنتهي إلا بموتنا، ولأننا لن نستطيع أبدًا أن نمنع أنفسنا من الخطأ ليس عن ضعف منا ولكن عن طبيعة جبلنا عليها لأننا في النهاية إنسان يتأرجح بين الخير والشر، فمنا من يستطيع أن يكبح جماح نفسه لفترة ويستطيع أن ينتصر على ضعفه لمرحلة معينة فيقترب من منطقة الخير التي بداخلنا، ولكنه لن يستطيع أبدًا أن يحافظ على نفسه هكذا لأنه في النهاية إنسان يغضب ويثور وينفعل وتفلت منه أعصابه تحت وطأة ظروف وضغوط الحياة، فيضعف ومن ثم يخطئ، ليقوم بعد ذلك بلم شتاته ويعترف بخطئه ويعمل من جديد على نفسه.
فإن كان الأمر كذلك، فلماذا كل هذا التحفز ضد من نعتقد أنه أخطأ سواء كان رئيسًا أو مرؤسًا. فمن منا لا يخطئ بل الأولى أن نقول فمن منا لن يخطئ.


لقد علمني مديري الذي عملت معه منذ ما يزيد عن عشرين عامًا مقولة أمريكية أعتقد أنها السبيل الوحيد لكي نتعلم كيف يمكننا التعامل مع من نراه مخطئًا من وجهة نظرنا بغض النظر عن كونه مخطئًا أم لا. قال لي مديري يوما:
عندما نكون في العمل فإننا سنواجه كل يوم مشكلة.
المشكلة ليست في وجود مشكلة.
ولكن المشكلة الحقيقية هي في طريقة حل هذه المشكلة.
نعم هذه هي مهمتنا في العمل وفي الحياة أن نواجه مشاكلنا ونعمل على حلها. أما من سيتصور أن يومه سيمر في هدوء وبدون مشاكل وأن وجود مشكلة ما ستنغص عليه معيشته فهو مخطئ بكل تأكيد لأن أصحاب العمل يستعملوننا لكي نقوم بحل هذه المشاكل في الوقت المناسب وقبل أن تستفحل وينتج عنها أضرار حقيقية.
وفي طريقنا لحل مشاكلنا، منا من يصيب ومنا من يخطئ ومنا من يكون هادئًا ومنا من يكون في شدة العصبية، وهي القاعدة البديهية التي تكلمنا عنها منذ قليل. فإن أجاد الواحد منا فهذا هو المطلوب منه، وهو ما تم استعماله من أجله. أما إذا أخطأ أحدنا تحت ضغط العمل أو محدودية البصيرة أو حتى التسرع في اتخاذ القرار فإن هذا ليس بنهاية المطاف لأن غدًا يوم جديد ومشاكل جديدة وقضايا جديدة.
إنها لعبة الكراسي الدوارة التي نتبادل مواقعنا عليها ليخرج من يتأخر ويجلس من عمل بجد اليوم، ولكن غدًا تأكد أنك ستكون في مكان من خرج بالأمس. فلا تجعل من أخطاء الآخرين سبيلاً لإظهار عبقريتك في تقدير الأشياء ورؤيتك الثاقبة لكل ما حدث وما سيحدث لأنك غدًا ستجد من يقف موقفك يتباهى بما كنت تتباهى به منذ قليل.
لا تجعل من أخطاء الآخرين حصانًا تمتطيه اليوم لأن فارس اليوم هو فرس الغد.
سهام النقد التي انطلقت منك اليوم ستطولك غدًا
في رائعة الكاتب الكبير نجيب محفوظ (الحرافيش) تحدث كاتبنا عن مدى تجبر فتوة الحي الذي كان واحدًا من الحرافيش واستطاع أن يصل بقوته وبذراعه لأن يكون هو فتوة الحي الذي يأمر فيطاع ليبدأ في تحصيل الإتاوات من الحرافيش الغلابة الذين يجدون ما يكفي قوت يومهم بالكاد حتى يأتي اليوم الذي يهب فيه واحد من هؤلاء الحرافيش ويأخذ مكان الفتوة ويعد الحرافيش بأن كل مالاقوه من ظلم هذا الفاسد سوف يتغير، وأنه سيكون زعيمًا لهم بالحق يحافظ على حقوقهم ويحسن من مستواهم ويعالج مشاكلهم الذي يعلمها جيدًا لأنه في الأصل واحد منهم.
وتمر الأيام ويبدأ الحرفوش في تذوق نعمة السلطة بعدما جلس في كرسي القيادة ليبدأ رويدًا رويدًا في التقيد بمتطلبات كرسي الإدارة التي لا يعلمها هؤلاء الحرافيش لينتهي بنا المطاف ونحن نقر في داخلنا أننا كلنا نفس الرجل.
إنها دورة حياة مستمرة بدأت منذ قديم الزمان ولن تنتهي إلا بنهاية الزمان.
إنها دورة حياة انتقال الإدارة من ..... إلى لنجد أن (إلى) تتشابه كثيرًا جدًا مع (من) حتى مع اختلاف حروفها ولكنها في النهاية تقع في نفس المكان الذي يلقي بظلاله على من يقف به أو يركن إليه.
لا تتخيل أبدًا أنك لن تقع في مثل ما وقع فيه مديرك من أخطاء تراها أنت وحدك وتحاول أن تمنعها لأنك غدًا ستكون أنت المدير وسيكون خلفك من يراك مخطئًا بنفس القدر الذي ترى فيه مديرك عندما يستشيط غضبًا وأنت لا تدري لماذا هو بهذه العصبية ولماذا لا يكون أكثر هدوءًا ولماذا ..... ولماذ ... ولماذا؟
إن سهام النقد وعدم الرضا التي انطلقت منك اليوم ستطولك غدًا ... لأننا ببساطة ... كلنا هذا الرجل.

ماذا إذا تساوى احتمال الخطأ والصواب؟

هل نتفق جميعًا على أن الخطأ والصح هي مسألة نسبية تتوقف في معظم الأحوال على المعطيات المتاحة أمامنا ومساحة الرؤية التي قد تعطينا الأفضلية في بعض الأحيان كما أنها قد تعطي الآخرين نفس الأفضلية، وإن كنا لا ندرك هذه الأفضلية للآخرين إلا بعد أن نصطدم بخطأ تصورنا ونظرتنا.
يحكى أنه في أمسية غير مقمرة على أحد الطرق في الولايات المتحدة الأمريكية المكونة من حارتين مروريتين في اتجاهين متقابلين كان هناك سيارتان تسيران بسرعة عالية نوعًا ما، وكل منهما يضيئ الأنوار العالية حتى إذا تقابلا فإذا بأحدهما يصرخ في الشخص الآخر بأعلى صوته وكأنه يصيح عليه: خنزير.
فما كان من الشخص الآخر إلا أن استسلم لنوبة غضب شديدة جدًا وبدأ في الصياح والسباب لهذا المتهور، وهو ينظر إليه في المرآة وكأنه يراقبه حتى يتبعه إلى أن يجد نفسه يصطدم بجسد خنزير بري ميت وملقى في منتصف الطريق، وتنقلب سيارته لأنه ترك ماهو واجب عليه من مراقبة طريقه وتفرغ إلى الكيل للشخص الآخر الذي تصرف معه بعصبية غير مبررة من وجهة نظره - السليمة طبعًا قبل الحادث - ولكنها المخطئة كل الخطأ بعد الحادث كما نستطيع أن نرى هنا.
إن في جميع تصرفات من هم حولنا عادة نسبة من الخطأ ونسبة أخرى من الصواب، وهذه النسبة يحددها كما أسلفنا المعطيات المتاحة لدينا وموقعنا من الحدث. وتصوروا لو كان هذا الشخص على علم بما يقصده الشخص الآخر الذي كان يحاول تحذيره بناءً على المعطيات المتوفرة لديه وبناءً على موقعه الذي مكنه من رؤية جسد هذا الخنزير عند مروره أولاً، أولا تعتقدون أن القصة كانت ستتغير الآن بنسبة مائة وثمانين درجة لنجد هذا الشخص يقف وينزل من سيارته ليقدم عظيم الشكر والامتنان لهذا الغريب الذي لا يعرفه، ولكنه أدى ما هو عليه من تحذيره لإنقاذ حياته.
إنها معادلة مجموعها عادة في النهاية لا بد أن يكون مائة بالمائة فكلما زادت قناعتك بصحة موقفك ووجهة نظرك كلما زادت قناعتك بالتبعية بخطأ الشخص الآخر بحيث أنه إذا كانت قناعتك بنسبة 80% أنك على صواب فهذا يعني أن نسبة الصواب المتاحة للطرف الآخر هي فقط 20%، وهي نسبة قد تكون مقبولة إذا كنت في موقف استراتيجي يتيح لك تحمل تبعات تمسكك بموقفك هذا كأن تكون في منصب وظيفي متميز أو أن تكون في موقف لا يحتوي على الكثير من المخاطرة.
ولكن ما بالك لو كانت قناعتك بنسبة 100% أنك على صواب ... إن هذا يعني أن كل ما تركته لمن هم حولك هو 0% أي أنك لا تراهم ولا تسمعهم ولا ترى إلا نفسك أنت فقط وهو موقف شديد الخطورة لأن الآخرين مهما كان وضعهم أو مكانتهم لا يزال لهم رؤيتهم الخاصة ومعطياتهم التي تمكنهم من رؤية بعض التفاصيل التي لا تستطيع أنت أن تراها.
فما بالك لو كان الآخر هذا هو مديرك الذي يرى ما لا تراه ويعلم ما لا تعلمه من سياسات الشركة وخططها الاستراتيجية بما يجعله يصل في بعض الأحيان إلى مراحل الانفجار العصبي والذي بطبيعة الحال سيخرج فقط فيمن هم أقل منه وظيفيًا لأنه لن يستطيع إخراجه في رؤسائه.
إن كل المطلوب منك هو أن تحتفظ دائمًا لنفسك بقدر من التفهم أن من يختلف معك في أسلوب الأداء أو طريقة اتخاذ القرار لديه من المعطيات التي تجعل من رأيه أو قراره هذا يحتوي على قدر من الصواب لأنك إن لم تستطيع التوصل إلى هذا القدر من التفهم فإنك ستعيش وأنت تحمل هم التفكير الدائم في خطأ هذا المدير الذي ابتلاك به الله والذي لا يقنعك أبدًا طريقة أدائه وعصبيته التي تحيل حياتك إلى جحيم وإن كان السبب الرئيسي في الجحيم الذي تعيشه هو تشبثك أنت بقناعتك بصحة رأيك ورفضك الداخلي في أن تعترف أن المدير الذي يتخذ قرارًا ما يكون تحت ضغط عصبي هائل وأن قراره هذا يحتوي على نسبة من الصواب لا بد من الإقرار بها حتى وإن لم نعلمها.
إن عدم قدرتنا على الرؤية في الظلام لا تعني أبدًا أننا قد فقدنا البصر .... ولكنها تعني أننا لانملك الآليات التي تتيح لنا الرؤية الآن.

الوصية التاسعة: النصيحة الصادقة لاتكون أبدًا بالانتقاد
في عالمنا العربي تعيش بيننا ثقافة خاصة جدًا بالإنسان العربي تنبع دائمًا من مقدار تصديقنا في أنفسنا ورفضنا للآخر أيًا كان موقفه أو منصبه ألا وهي ثقافة الانتقاد.
إن الإنسان العربي بصفة عامة يتربى منذ صغره على أن النصيحة واجبة ... !!
والمعنى المقصود هنا هو معنى عكسي تمامًا للمعنى الذي فهمتموه من وجوب النصيحة... لقد تربينا جميعًا على أن النصيحة إذا خرجت من فم ناصح فهذا يعني إقرارًا من المنصوح برجاحة عقل الناصح، وإلا لما ذهب إليه طالبًا النصيحة. وعليه فإن الناصح يجد أن له الحق في أن يتم العمل بنصيحته طالما هو قالها، بل قد يصل الأمر إلى الامتناع عن إعادة النصح أو الامتناع عن المساعدة إن هو قدم نصيحته ولم يتم العمل بها.
ولكن في حقيقة الأمر فإننا عندما نذهب للأخذ بالنصيحة فإننا عادة نكون في مفترق طرق، وقد يكون لدينا ميل ما إلى إحدى الطرق، ولكننا نحتاج إلى التحدث مع أحد نثق في رجاحة رأيه أو في قدراته الفنية أو في معلوماته العامة أو درايته ببواطن الأمور ليس من أجل أن نطلب منه ترجيح أمر على الآخر ... ولكن بغرض معرفة رأيه بناءً على معطياته، ووقتها قد يكون رأيه هذا موضحًا لنا بناءً على رؤيتنا نحن أن الطريق الآخر هو الأجدر بأن نسلكه.
عندما تجد نفسك في موقف نصح، فإنه من الواجب عليك التجرد الكامل من نزعتك العربية التي تجعلك تعتقد أنك الأفضل وإلا ماطلب منك النصيحة، وأن تستطيع أن تعطي نصيحتك متجردة من شهوتك الإنسانية في انتقاد من هو أمامك والذي يشعرك طلبه للنصيحة بأنه إنسان ضعيف أو لا يعلم ما تعلمه أو في احتياج للدعم.
إن صدق النصيحة ينبع عادة من داخلك، من قناعتك أنت أن ما تعطيه هو واجب عليك بناءً على ما يتوفر لديك من معلومات وهو ما لا يعطيك أبدًا الحق في انتقاد من هو أمامك حتى ولو شعرت حقًا بضعفه أو بعجزه.
إذا أردت إسداء النصح لمديرك يومًا ما بالتقليل من عصبيته والتي تراها مبالغًا فيها بالرغم من كل ما أسلفناه من توضيحات بأسبابه التي قد تقبلها أو لا تقبلها ولكنها في النهاية أسبابه هو التي يرتكن إذا ما انفلتت أعصابه يومًا ما. لهذا كان واجبًا عليك أن تخرج نصيحتك له في شكل نصيحة خالصة مفادها خوفك على مستوى أدائه أو تأثيرها على صحته أو على مناخ العمل العام، ولكن أن تتوجه بالنصيحة بناءً على انتقاد أسلوبه ومستوى أدائه سواء توجهت بالنصيحة له أو تناولتها في حديثك مع أحد المدراء الآخرين، إذًا فلتعلم أنك بهذا لا تنصح أبدًا ولكنك تنتقد مديرك وهو ماسيجعله يأخذ حذره منك ويعمل في وقت قريب جدًا على أن يرد الكيل بمكيالين... وهو الأقدر على ذلك.
إن دليل صدق النصيحة هو الأمانة في توصيلها مجردة من أي انتقاد شخصي .... كن أنت الناصح الأمين.

هل تشعر فعلاً أنك أعلم من كل المديرين فوقك؟
عندما تخرجت من كلية الهندسة وبدأت حياتي العملية، قام صاحب المكتب الهندسي الذي عملت معه في أول حياتي وهو في نفس ذات الوقت أستاذي بالجامعة الذي درست على يده، قام أستاذي بوضعي تحت إمرة مراقب مشروعات متمرس ذي خبرة، وذلك حتى أستطيع فهم مبادئ الهندسة على الطبيعة ومن خلال التطبيقات العملية وليست النظرية وعلى يد إنسان تمرس في مهنته لعشرات السنين.
وبالرغم من أن هذا المراقب قد ساعدني كثيرًا جدًا على فهم أساسيات العمل الموقعي ومفرداته وأبجدياته إلا أنني أتذكر جيدًا كيف كان هذا المراقب يعيش حياة بائسة يملؤها العبوس ليلاً ونهارًا.
لقد كان هذا المراقب - بالرغم من أنه يعتبر من الموسريين في طبقته في ذلك الوقت - ولكنه كان دائم التأفف من وضعه الذي لم يتغير من سنين طويلة بالرغم من أنه يعلم كل المهندسيين الذين يمرون عليه في مواقع العمل، والذي يراهم هو من وجهة نظره طلبة في مدرسته وبما يجعلهم دائمًا لايستحقون أبدًا أن يتولوا مناصب إدارية أعلى منه.
لقد كان هذا المراقب يعيش في حلم واحد جعل من حياته جحيمًا لأنه كان على أشد القناعة أنه هو من يجب أن يدير هذا الموقع، وأنه لو أخذ هذه الفرصة فإنه سيستطيع أن ينجز أضعاف ما ينجزه هؤلاء المهندسون الذي كان هو المسؤول عن تدريبهم وإكسابهم الخبرات الهندسية التنفيذية.
لقد نسي صديقنا المراقب أن المناصب الإدارية تحتوي على بعض المؤهلات الفنية والبعض الآخر من المقومات الشخصية فضلاً عن البعض من الحس الإداري المدعوم بالخلفية الهندسية التي تميز بكل تأكيد المهندس عن مساعد المهندس عن المراقب عن العامل.
إن هذه المعضلة التي يعيشها معظم موظفينا هي السبب الآول في عدم قبول الموظف لمديره لأنه يرى من نفسه الخبير الذي يقوم بكافة العمل في إدارته، وأن هذا المدير يقوم بتجميع عمله وعمل وزملائه لوضعه في تقرير وعرضه على رؤسائه، وهو ما يجعله يرى مديره دائمًا يستفيد من خبرات ومستويات أدائه وأداء وزملائه وإن كان لا يستحق هو نفسه أن يكون مديرًا يأمر هنا ويصيح هناك بل ويعكر جو العمل بنوبات الغضب التي تراوده من فترة لأخرى.
ولكننا في هذا الصدد ننسى أن هذا الشخص هو المدير الذي تم تعيينه من قبل الإدارة العليا، وأنه لا بد له أن يكون لديه بعض الميزات الإدارية أو الشخصية التي أهلته لهذا المنصب ووضعته دائمًا تحت هذا الضغط العصبي أثناء تناوله لمهام وظيفته بينما مرؤسوه لازالوا على قناعتهم بأنهم أفضل منه.
نعم، قد تكون أنت أفضل من مديرك فنيًا في تناول الجزء الخاص بمهامك الوظيفية والتي تم تعيينك من أجلها والتي لا تعطيك أبدًا الأفضلية لأن تعيينك بالشركة قام في الأساس على قدراتك الفنية في تناول مهامك. ولكن مازال مديرك له الأفضلية التي جعلت منه المدير بموافقة الإدارة العليا ولأسباب لا تعلمها أنت، وقد لا تتمكن أبدًا من معرفتها ولكنها لازلت أسبابًا منطقية أعطته الأفضلية. فلاتعتقد أبدًا أنك الأفضل لأن كلاً منا هو الأفضل في أداء أساسيات عمله سواء فنيًا أو مهاريًا أو إداريًا. ولكن حاول دائمًا أن تقنع نفسك أن لكل منا أفضليته، وأن على كل منا أن يلتزم بمهام عمله إن نحن أردنا إنجاح إدارتنا ومن ثم شركتنا.
إن اعتقدت أنك أفضل من مديرك، فاعلم أن أفضليتك يثبتها إخلاصك في عملك وتناولك لمهام وظيفتك ولكن لن يثبتها أبدًا ما ترويه وتعتقده كونك أنت الأفضل.
مهما كان مديرك عصبيًا أو متقلب المزاج أو حتى حاد المزاج، فإن كل ما هو مطلوب منك هو أن لا تتخذ من عصبية مديرك سببًا أو حجة لكي تغير مستوى التزامك وأدائك ثم تقوم بإلقاء اللوم على مديرك الذي أفسد المناخ العام للعمل. فليبق كل منا في موقعه وليعتد كل منا أن يعمل تحت الضغوط ووسط الظروف التي لا نقبلها لأن هذا هو دليل الاحترافية في الأداء. أما العمل وسط مناخ نحبه ونرتضيه ونقبله فهو ما يستطيع كل واحد فينا بطبيعة الحال عمله بدون أن يعطي ذلك أي ميزة إضافية لأحد منا. ولكن ميزتك واحترافياتك يثبتها فقط ثبات مستوى أدائك وسط الصعاب ووسط ما لا نقبله من مديرنا أو من مجال عملنا بصفة عامة. لهذا تذكر دائمًا هذه الوصايا العشر وأنت تتعامل مع مديرك الذي لا ترضى أسلوبه .... ولكنه هو مديرك رغم ذلك:
1- إن قرارتنا دائمًا ما تكون بناءً على مساحة الرؤية التي يتيحها لنا موقعنا من الأحداث، لذا كن على يقين أن مديرك يرى ما لا تراه ويعلم ما لا تعلم.
2- إن نقطة ماء واحدة يتم وضعها في قدر مملوء تمامًا بالماء لن ينتج عنها إلا أن يسكب الماء خارج القدر.
3- أعط مديرك العذر ولا تشكك في نواياه، لأن هذا هو ما سيجعلك تتعامل مع قرارته بهدوء يصب في مصلحتك أنت في النهاية.
4- لا تكن بهذا الكرم بحيث تجعل من تمسكك برأيك حجة قوية لإخفاق الآخرين. أعط مديرك الحق في استعمال حقه في الإدارة، وقم بما يجب عليك فقط عمله.
5- قبل أن تتشدق بالمصلحة العامة التي تحتم هذا وذاك، حاول أن ترى نفسك جيدًا لأنك بكل تأكيد تغلف مصلحتك الشخصية داخل إطار يحترمه الجميع ولا يقبلون المساس به.... إطار المصلحة الشخصية العامة.
6- لا تجعل من أخطاء الآخرين حصانًا تمتطيه اليوم لأن فارس اليوم هو فرس الغد.
7- إن سهام النقد وعدم الرضا التي انطلقت منك اليوم ستطولك غدًا.... لأننا ببساطة كلنا هذا الرجل.
8- إن عدم قدرتنا على الرؤية في الظلام لا تعني أبدًا أننا قد فقدنا البصر .... ولكنها تعني أننا لا نملك الآليات التي تتيح لنا الرؤية الآن.
9- إن دليل صدق النصيحة هو الأمانة في توصيلها مجردة من أي انتقاد شخصي .... كن أنت الناصح الأمين.
10- إن اعتقدت أنك أفضل من مديرك، فأعلم أن أفضليتك يثبتها إخلاصك في عملك وتناولك لمهام وظيفتك ولكن لن يثبتها أبدًا ما ترويه وتعتقده كونك أنت الأفضل.

بقلم: محمد شاهين