كثيرًا ما تأخذنا مشاكل الحياة وهمومها نحو الارتجالية والفوضى في إدارة شؤوننا، فقليل من الناس من يضع لنفسه خطة استراتيجية ليسير عليها لمدة زمنية طويلة الأمد، وقليل من الناس أيضًا من يضع لنفسه خطة خمسية يسعى إلى تحقيق أهدافها، وقليل من الناس أيضًا من يضع لنفسه خطة سنوية وهكذا..
فالكثير يعتبر وضع الخطة من فضول الأعمال أو من الأمور غير الضرورية أو غير العملية، فهم يفضلون الجوانب العملية أي العمل الحقيقي الذي يأتي من ورائه الرزق على الجوانب النظرية مثل التخطيط أو كتابة خطة يسير على هداها، وهذا بالتأكيد في غير صالح من يتبع هذا الأمر.. فالإنسان الذي يسير على خطة واضحة يحقق من ورائها أهدافه المنشودة أفضل حالًا من الذي لا يتبع أسلوب التفكير والتخطيط.. وقبل أن نستطرد في المساهمة في بيان كيف تدير وتقود حياتك.. علينا أن نتفق على أن العلوم الإنسانية والاجتماعية والنظريات العلمية والطرق والوسائل والأساليب التي تفسر هذه النظريات.. كلها من نعم الله سبحانه وتعالى على البشرية جمعاء، وأن هذه النعم يجب علينا أن نأخذ بها، ونوظفها في مكانها الصحيح، ويجب علينا أيضا الاستفادة القصوى من علوم وخبرات ونظريات كل إنسان - بشرط ألا تخالف عقيدتنا - بغض النظر عن دينه أو جنسه، وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلب العلم، وجعله فريضة على كل مسلم، كما جاء في حديث أنس بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) رواه ابن ماجة.
ومن الضروري أيضا قبل أن نحدد معالم كيفية قيادة وإدارة حياتك أن نعرف ما هي القيادة؟ وهل تختلف عن الإدارة؟
القيادة والإدارة:
• القيادة: عن طريقها تحدد أهدافك، وتحدد الأغراض من وراء هذه الأهداف.
• الإدارة: ممارسة أمور حياتك اليومية بعناية فائقة، تؤدي إلى تحسين أدائك وكفاءتك، بما يمكنك في النهاية من تحقيق أهدافك التي حددتها لنفسك.
وللتوضيح نسوق هذا المثال: الطالب الذي يدرس ويذاكر دروسه بجد واجتهاد، تسمى هذه المرحلة..إدارة حياته بكفاءة، أما القيادة.. فتسبق مرحلة الإدارة بوضع الهدف من وراء هذه الدراسة وهو النجاح والتفوق.
وكذلك الموظف الذي يؤدي عمله بكفاءة وجودة عالية من أجل الصعود في السلم الوظيفي والترقية في عمله داخل الشركة أو المؤسسة التي يعمل بها.. تسمى هذه المرحلة..إدارة حياته العملية. أما القيادة فهي أن تعرف الغرض الأساسي من وراء الصعود والترقية في السلم الوظيفي وهو الوصول إلى أعلى المناصب الوظيفية في مجال عملك، والذي يوفر لك حياة كريمة ورغدة في المستقبل سواء بقيت في مؤسسك أو انتقلت للعمل في مؤسسة أخرى، تحت آخر مسمى وظيفي وصلت إليه في مؤسستك السابقة.
ولكي تقود وتدير حياتك بكفاءة عالية، يجب عليك الاسترشاد بالآتي:
أولًا: الاستعانة بالله سبحانه وتعالى واللجوء إليه والتوكل عليه واستخارته سبحانه في كل شأن من شؤون حياتك، فهذه الاستعانة وذاك التوكل تلك الاستخارة - ثم الأخذ بالأسباب - هـي الضمانة الأكيدة لتحقيق كل ما تصبو إليه من نجاح في قيادة وامتلاك زمام نفسك، وإدارة شؤون حياتك بالكيفية الرشيدة والكفاءة العالية.
ثانيًا: حدد رؤيتك: وذلك بتخيل وضعك الوظيفي، أو العلمي، أو الاجتماعي، أو المادي... إلخ بعد فترة طويلة من الزمن ولتكن عشرين سنة.
ثالثًا: حدد رسالتك في الحياة.. ولكي تتمكن من هذا التحديد قم بطرح عدة أسئلة على نفسك:
1- أين أقف الآن؟
2- ماذا أريد أن أكون في المستقبل؟
3- كيف أحقق ما أريد؟
رابعًا: قم بتحديد أهدافك التي عن طريقها ستحقق رسالتك.
خامسًا: قم بتحـديد البرامج التنفيذية لهذه الأهداف، وذلك بوضع خطط سنوية وشهرية وأسبوعية ويومية تعمل من خلالها على تحقيق الأهداف المنشودة، والتي بدورها تعمل على تحقيق رسالتك ورؤيتك.
سادسًا: استعن على نفسك بضوابط ومهارات تمكنك وتساعدك على قيادة وإدارة حياتك.. ومن أهم هذه الضوابط والمهارات:
1- حُسن إدارة حياتك، عن طريق الكفاءة في إدارة وقتك.
2- تحديد المشكلة التي تواجهك بدقة ووضوح.
3- فكر في أفضل الحلول لهذه المشكلة.
4- اختر أفضل حل من بين الحلول التي حددتها، وقم باختباره، وتوقع نتائجه قبل تنفيذه.
5- إذا تأكدت من كفاءة الحل لعلاج المشكلة فنفذه فورًا، ولا تضيع الوقت فقد تتفاقم المشكلة وتستعصي على الحل بعد ذلك.
6- ضع الأشياء دومًا في حجمها الطبيعي، فلا تضخيم أو تهويل لمشكلة ما ووضعها في الموضع الذي لا تستطيع مواجهته، ولا تهوين لها ومن ثم إهمال التعامل معها، أو التعامل معها بجهد أقل من المطلوب، وبالتالي لا تتمكن من حلّها.
سابعًا: تحقيق التوازن:من المتعارف عليه أن لكل إنسان طموحاته التي يسعى إلى تحقيقها، ورؤاه الخاصة بالحياة ورسالته وأهدافه ومشكلاته ورغباته وحـاجـاته الأساسية (الفسيولوجيـة) من مأكـل ومشرب وملبس ومسكن... إلخ، وحاجاته النفسية ( السيكولوجية ) من مكانة اجتماعية ومكانة علمية ومكانة عملية مرموقة... إلخ ومن الطبيعي أن تكون هناك نسب تعارض بين هذه الحاجات وتلك الرغبات والإمكانيات المادية والجسدية، والإنسان الرشيد الذي يعمل على قيادة وإدارة حياته بكفاءة هو الذي يجعل نسبة التعارض هذه في أقل درجاتها.
ومن هنا يجد الإنسان نفسه في أشد الحاجة إلى عملية التوازن بين الحاجات والرغبات والإمكانيات ومطلوبات الآخرين سواء داخل أسرتـه أو داخـل عمله... إلخ. فكل إنسان ناجح في عمله يريد أن ينجح في محيط أسرته، ولكن الصعوبة تبدو والمشكلة تظهر في حال تغليبه جانب العمل على جانب الأسرة، فيجد نفسه ناجحًا في عمله فاشلًا في محيط أسرته أو العكس.
تعريف التوازن: يقول ستيفن ر. كوفي في كتابه «إدارة الأولويات الأهم أولًا»:
«إن التوازن لا يعني: إما هذا أو ذاك؛ إنه يعني: بالإضافة إلى.. «ويقول أيضًا:
«نحن نرى تطبيقات للتوازن في كل ما يحيط بنا، فالتوازن موجود في الكون، وفي التجارة، وفي ميزان القوى بين الدول وبين عناصر الغذاء».
ويقول أيضًا: «ولكن كيف نبني ذلك التوازن في حياتنا؟ هل هو ببساطة مجرد الركض بين الأدوار المختلفة في الحياة التي نمارسها جميعًا وبصفة يومية؟
أم هناك طريقة أخرى أكثر فاعلية تمكن من رؤية هذا التوازن بشكل يحقق نتائج أكثر فاعلية في حياتنا؟
العناصر الأساسية لعملية التوازن:
1- أدوارنا الطبيعية في الحياة يجب أن تنبع وتستقى من رؤيتنا ورسالتنا وأهدافنا الشخصية: إن الأدوار الخاصة بنا في الحياة والتي لا تنبع من رسالتنا وحاجاتنا ومبادئنا الشخصية لن تكون لها قوة دافعة لأنها لم تنبع من داخلنا. فالعمل الذي نقوم به وليس لنا غرض من ورائه إلا العائد أو المنفعة المادية فقط، هو عمل لا يحقق ذاتنا لأنه غير رسالتنا الشخصية الحقيقية التي تعد أكبر بكثير من مجرد تحقيق منفعة مادية سريعة وزائلة، وكذلك العلاقات الإنسانية مع الآخرين إذا بنيت فقط على المصالح الشخصية المحدودة، ولم تبن على قيم ومبادئ فإنها سريعًا ما تنتهي ولا تحقق شيئًا لطرفي العلاقة. فدور الإنسان الطبيعي الرشيد في الحياة لابد أن ينبع من ذاته ويخدم رسالته ذات القيمة، وهو بذلك يحقق التوازن في عمله، وفي علاقاته مع الناس، وفي أسرته، وأهم من ذلك يحقق التوازن النفسي له، وهذا التوازن يقوده بلا شك إلى عدم الجور أو إهمال دور هام في حياته كنجاحه في إدارة شؤون أسرته، ويفضل عليه نجاحه في عمله بإعطائه كل أولوياته ووقته وجهده.
2- إعطاء كل دور في حياتك حقه وأهميته اللازمة: إن أمانة المسؤولية تجاه عبادتك لربك وتجاه نفسك، أو تجاه عملك، أو تجاه بيتك وأسرتك، تفرض عليك ألا تغلب دورًا على دور، فإذا أهملت في عملك لصالح بيتك فهنا تكون في مقام خائن الأمانة لعملك، أو إذا أهملت شؤون نفسك وأهلكتها في العمل، تكون مقصرًا في أداء أمانتك تجاه نفسك.
ومن هنا كان التوجيه النبوي الخالد لتحقيق التوازن في الأدوار واضحًا وجليًا وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن لبدنك عليك حقًا، وإن لأهلك عليك حقًا، وإن لربك عليك حقًا؛ فأعط لك ذي حق حقه».
3- اجعل نظرتك للحياة أكثر شمولية: فلا تغلب دورًا على دور تحت أي مبرر كان، فكل دور مطلوب منك أداؤه أده في وقته، وابذل الجهد المناسب لإنجازه، وراع في هذا الدور كل أبعاده، فمن المعروف أن كل دور في حياتنا له عدة أبعاد أهمها البعد الروحي بعلاقتك مع ربك سبحانه وتعالى يفرضه عليك دينك، ومن خلال أدائه على الوجه الذي يرضي الله عنك وبرحمة منه سبحانك تفوز في الدارين الدنيا والآخرة، ومع نفسك من خلال إشباع رغباتها وحاجاتها دون المعصية، وبذلك تضمن توازنها ومن ثم توازنك الذي يساعدك على إنجاز أدوارك الأخرى، وبعد اجتماعي في علاقتك مع الناس، وأسرتك المحيطة بك وهذه العلاقة إن كانت سوية تريحك نفسيًا وتحقق لك السعادة، ومن ثم تدفعك نحو المزيد من العمل والتقدم، وبعد مادي تسعى من خلاله لتغطية نفقات معيشتك، وكف نفسك عن سؤال الناس، وبعد عقلي يتطلب منك التعلم والتدريب، وبذلك تنمي عقلك ومهاراتك، وتكتسب الخبرات التي تساعدك على النجاح في أداء عملك، ومن ثم تحقيق التقدم فيه.
وأخيرًا: إن قيادتك وإدارتك لحياتك أمر مهم بالنسبة لك ولمجتمعك ولوطنك، فهذه القيادة وتلك الإدارة ليست أمرًا من أمور الترف، إنما هي أمر من الأمور الملزمة للإنسان الذي يسعى إلى النجاح وينشد التميز، فالتخطيط لهذه القيادة وتلك الإدارة، والمعرفة لأساسيات وطرق وأساليب وفنون الإدارة والقيادة يمكناك من التعامل باحتراف مع نفسك، ومن ثم تملك زمامها، وتوجهيها نحو الأفضل دومًا، فالفوضى والارتجالية لا يأتيان بخير لك، فهما من أعداء النجاح، وهذا أمر لا خلاف فيه، فالإنسان الفوضوي لا يحقق نجاحًا لنفسه ولا لمجتمعه، وبالتالي يكون عالة على مجتمعه ووطنه. أما الإنسان المنظم في شؤونه فيعلم أين مكانه، ويعلم إلى أي اتجاه يسير، وإلى أية مكانة سيصل إن شاء الله.. فالتخطيط السليم والقيادة الراشدة والإدارة الحكيمة تأخذ بيد صاحبها إلى بر الأمان، وتساعده على تحقيق طموحاته وآماله وأهدافه، التي بالتأكيد ستكون أهدافًا ذات قيمة تعود عليه بالخير العميم في حياته.. سواء في الناحية الاجتماعية أو الناحية العملية أو الناحية الشخصية، ومن ثم يفيد مجتمعه ووطنه.

بقلم: فاطمة موسى