بعد أن باع الأب مزرعته التي يملكها بسبب مرضه انتقلت الأسرة للعيش في منزل بالإيجار وعمل ذلك الفتى الحالم الصغير في مؤسسة لنشر الصحف، ولحبه الشديد للرسم والذي لم يجده في المدرسة النظامية الصباحية اضطر للالتحاق بصفوف مدرسة ليلية لتعليم الرسم، ليبدأ هذا الفتى أولى خطواته في تحقيق أكبر ترفيه وسعادة لكل طفل في العالم، ولحبه للأفلام فقد انتقل للعمل لدى مؤسسة للإنتاج الفني براتب لا يتجاوز 50 دولارا شهريًا، وكان يقوم بتصميم غلاف البرنامج الأسبوعي لمسرح نيومان للأطفال. وخلال عمله في هذه المؤسسة التقى شابا في مثل عمره يحمل نفس اهتماماته، قام الشابان عام 1920 بإنشاء مؤسسة في مجال الدعاية والإشهار، غير أن هذا المشروع لم يلبِ طموحات ذلك الفتى المولع بإنتاج أفلام الكرتون، فبدأ وبمساعدة زميله وأخيه الأكبر بإنشاء استوديو للرسوم المتحركة وكان مقره جراجًا لعمهما ربورت ومن ثم قاموا بإنتاج أفلام كرتونية قصيرة لا تتجاوز مدة الفلم الواحد الدقيقة وبيعها لعدد من مؤسسات الإنتاج، وقد أغرت هذه الأفلام الجماهير وسحرتهم لأنها كانت تنبض بمشاكلهم وتنتقد أوضاعهم وهمومهم، وبعدها تدرج في إنتاج الأفلام الكرتونية حتى تحولت لقصص صغيرة ومن ثم أكثر طولاً، ومن أشهر تلك القصص الموغلة في الخيال والتي تدمج ما بين الشخصيات الكرتونية والصور والمشاهد الحقيقية مشروعة (أليس في بلاد العجائب) والذي استطاع به أن يدخل عالم هوليود، وبعدها بدأ هذا الفتى يصعد درجات النجاح شيئًا فشيئًا من خلال خياله المبدع وذلك حين وقعت شركته عقدا في نفس السنة لإنجاز 12 فيلمًا، ولم يتوقف خيال هذا الفنان العظيم عند هذا الحد بل طرح حلمه الرائع والمتمثل في احتضان الأطفال والناس في مدينة ترفيهية كبيرة يلمسون بأيديهم الشخصيات الكرتونية التي قام برسمها (ميكي ماوس والعم بطبوط والساذج بندق وغيرهم..) والتي كان الناس يشاهدونها كأفلام كرتونية فقط إضافة إلى إيجاد أغرب وأكبر الملاهي الترفيهية في بيئة كاملة كل ما فيها يدعو ويشعر بالابتهاج والفرح والسعادة، وبعد جهد جهيد وعمل دؤوب تم إنجاز هذا المشروع.
ذلك الفنان صاحب الخيال الواسع هو والت دزني الذي كان من أصل إيرلندي مؤسس شركة والت دزني للإنتاج وحدائق الترفيه الشهيرة دزني لاند الموجودتين في معظم بلدان العالم ويعمل بها أكثر من 150 ألف موظف بعائدات تزيد عن 40 مليار دولار. والت دزني الذي يعد أكثر شخص في التاريخ حصل على جوائز أوسكار والذي رحل عن العالم غير أن خياله لم يرحل والذي أهدى العالم أكثر ما أثار بهجته ومرحه.
إنه الخيال وما أدراك ما الخيال فالخيال هو ما نرسمه في عقولنا ونتأمله في خيالنا قبل أن نقدم على العمل وهو ما يحدد النجاح في ذلك العمل قبل أن يحدده أي عامل آخر، يقول الدكتور جوزيف ميرفى في كتابه قوة العقل الباطن: إنه عندما تكون رغباتك وخيالك متعارضين فإن خيالك يكسب لا محالة.
ومن عجيب ما قرأت حول مدى تأثير الخيال أن أحد العلماء ويدعى د.بورهيف قام بتجربة لاكتشاف قوة الخيال المذهلة حيث قام بتوظيف بعض المجرمين في تجاربه وأبحاثه العلمية المثيرة، وبالتنسيق مع المحكمة العليا وفي حضور مجموعة من العلماء المهتمين بتجاربه أجلس هذا العالم أحد المجرمين المحكوم عليهم بالإعدام، واتفق معه على أن يتم إعدامه بتصفية دمه بحجة دراسة التغيرات التي يمر بها الجسم أثناء تلك الحالة، عصب الباحث عيني الرجل، ثم ركب خرطومين رفيعين على جسده بدءًا من قلبه وانتهاء عند مرفقيه، وضخ فيهما ماءً دافئًا بدرجة حرارة الجسم يقطر عند مرفقيه، ووضع دلوين أسفل يديه وعلى بعد مناسب حتى تسقط فيهما قطرات الماء من الخرطومين وتصدر صوتًا يشبه سقوط الدم المسال، وكأنه خرج من قلبه مارًا بشرايينه في يديه وساقطًا منهما في الدلوين، وبدأ تجربته متظاهرًا بقطع شرايين يد المجرم ليصفي دمه وينفذ حكم الإعدام كما هو الاتفاق، بعد عدة دقائق لاحظ الباحثون شحوبًا واصفرارًا يعتري كل جسم هذا الشخص، فقاموا ليتفحصوه عن قرب، وعندما كشفوا وجهه فوجئوا جميعًا بأنه قد مات ! مات بسبب خياله المتقن صوتًا وصورة دون أن يفقد قطرة دم واحدة! بل إنه مات في الوقت نفسه الذي سيستغرقه الدم ليتساقط من الجسم ويسبب الموت، مما يعني أن العقل يعطي أوامر لكل أعضاء الجسم بالتوقف عن العمل استجابة للخيال المتقن كما يستجيب للحقيقة تمامًا!
ومن الأمور التي مررت بها في أكثر من مرة أني في بعض الأحيان أقنع نفسي بأني مرهق للهروب من أمر لا أحب أن أعمله والعجيب هي استجابة الجسم السريعة لهذا الخيال فأحس أني في أشد أوقات حياتي إرهاقًا وتعبًا، أعتقد أن من أهم المهارات الحياتية التي يجب أن نعتني بها لنعتلي سلم النجاح أن نعطي عقولنا رسائل إيجابية وأن ندمن الخيال الإيجابي لكل الأمور التي نريدها والتي نحلم أن نحصل عليها تلك الأمور التي تشعرنا بأننا أقوياء ونستطيع التحمل وأن لدينا قسطًا كبيرًا من النشاط والحيوية والسعادة، عندها سيستجيب العقل مباشرة لهذا الخيال وهذه الرسائل الإيجابية، وصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي سبق أن حذرنا من الخيال القاتل حين قال: (لا تمارضوا فتمرضوا فتموتوا).