يعد التعليم في مرحلتيه الأساسية والجامعية مفتاح التقدم لجميع الأمم، حيث يؤدي الدور الحاسم في تطوير الاقتصاد والثقافة والصناعة والتنمية العلمية والتكنولوجية والمجتمعية؛ فالتعليم حق من حقوق الإنسان الأساسية وهو غاية في ذاته وإشباع يحتاج إليه البشر لتمكينهم من ممارسة حياتهم وأدوارهم الإنسانية المختلفة على نحو أفضل، والتعليم كذلك من العوامل المهمة لإزالة الفقر ومكافحته عن طريق منح الأفراد مهارات تزيد من قدراتهم على الكسب والحصول على فرص عمل أفضل. كما أن الاستثمار في التعليم يمثل أحد مظاهر تكوين وتراكم رأس المال البشري الذي يعد من ركائز الاستدامة في مجال التنمية البشرية.ومن أولويات التعليم على المستوى القومي وفي جميع المراحل: الانتماء، والحفاظ على البيئة، والوعي الصحي، والسكاني، واكتساب المهارات الفنية، وتنمية الفكر الإبداعي، والعمل الجماعي.
ويرتبط التطور في مؤسسات التعليم العالي عامة، والتعليم الإلكتروني خاصة بعوامل كثيرة، يعد الاهتمام بجودة التعليم، والبحوث، والإدارة المتميزة ذات الخبرة العالية والراغبة للتغير نحو الأفضل من أبرزها، فالجودة قد تعني الحرص على إنجاز العمل بالشكل المطلوب، وتحسين المنتج والابتكار والإنتاجية العالية ذات الطابع المتميز والتخلص من الهدر ويتطلب تحقيق ذلك وجود مؤسسة خاصة بالمعايير والمواصفات، تهتم بعملية تقييم التدريس، والبحوث على أسس علمية عالمية. وللجودة مؤشرات كمية ونوعية عديدة من الصعوبة تحديدها تحديدًا يأخذ هذه المؤشرات دون الأخرى، فعلى سبيل المثال هل يعد نشر بحث في مجلة نيتشر Natureالعالمية أفضل من نشر عشرة بحوث في مجلات علمية عالمية أقل مستوى؟
والقضية المطروحة في التعليم في الآونة الأخيرة هي إعمال الجودة في جميع مراحل التعليم وهذا اتجاه جيد يتفق مع الاتجاهات العالمية الحديثة وسوف يؤدي بالضرورة إلى تحسين مخرجات التعليم خاصةً إذا طبق قولًا وفعلًا، بحيث يمس الجوهر بعيدًا عن المظهر ويجود أرض الواقع ولا يجود أرضًا خيالية‏. و‏من هنا تعد الجودة منطلقًا حقيقيًا لتحسين واقعنا التعليمي الأليم الذي نتعايش معه الآن خصوصًا بعد إنشاء هيئات متخصصة للجودة والاعتماد‏ وبداية تأهيل بعض الكليات، والمدارس للحصول على الاعتماد‏. ولكن السؤال المطروح: ما الجودة التي ننشدها؟ وما السبيل إلى تحقيقها؟ وهل ما نطبقه الآن من إجراءات يؤدي كله أو بعضه للجودة؟
لا يمكن الحكم على جودة التعليم الإلكتروني من خلال التقارير الصادرة عن الجهات أو المؤسسات التعليمية مهما كانت مصداقيتها ومهنيتها في العمل، فتداخل المصالح الذاتية والرغبة في الحضور الإعلامي تجعل الجهات المسؤولة عن التعليم تحتفل بأقل الإنجازات، وتجعل منها حدثًا بارزًا وهي بعيدة كل البعد عن التأثير في واقع الممارسة التعليمية. إن جودة التعليم يمكن أن تكون أكثر مصداقية إذا صدرت من مؤسسات مهنية مستقلة، وبإحصائيات وتقارير علمية مؤكدة وليست شهادات ودروع توزع وتصدر بقرار من أشخاص لهم مصالح معينة.
وبالنظر إلى واقع تعليمنا الحالي يتضح أنه توجد حالة من عدم الرضا لدى المتعلم، نتيجة عدم حصوله على تعليم جيد يحقق طموحاته ويلائم ميوله وقدراته ويؤهله في النهاية إلى وظيفة مناسبة في سوق العمل المليئة بالتحديات، كما لم يرض ولي الأمر؛ لأنه لا يجد تعليمًا جيدًا لأبنائه يؤدي بهم إلى فرص جيدة في سوق العمل تتناسب مع خبراتهم وتخصصاتهم. أما سوق العمل المعولمة فلم تجد متطلباتها القائمة على منظومات مثل: منظومات السياحة، والتجارة، والصناعة، والأمن، والدفاع، والصحة‏..‏ إلخ؛ لذا لا بد من تأهيل المتخرجين في نظامنا التعليمي بشكل يؤدي بهم للعمل في هذه المنظومات التي تتطلب التزود بالتفكير الإبداعي؛ الذي هو منتج ضعيف في نظم تعليمنا القائمة‏.‏
ويظل السؤال قائمًا: لماذا لا يكون مستوى مؤسساتنا التعليمية بذلك المستوى الغربي المتألق والقائمون عليها قد شربوا من نظمها وإدارتها وجودة أدائها؟ لماذا يبدو أن عطاء البعض منا-قليلًا كان أو كثيرًا يضيع في زحمة المحاضرات، والقاعات الدراسية؟ لماذا تشكو كثير من المؤسسات التعليمية من ضعف المتخرجين فيها وعدم ملاءمتهم لسوق العمل من حيث:المهارة، واللغة، والقدرة على التعاطي مع لغة العمل المعاصرة؟ ولماذا يبدو مستوى الأبحاث العلمية التي ينجزها أعضاء هيئة التدريس أقل مما ينبغي أن تكون عليه مقارنة بالمؤسسات التعليمية التي مارس فيها أعضاء هيئة التدريس البحث والتحصيل؟
إن أطراف الإجابة متعددة، لكن صاحب الكلمة العليا هو المستفيد من جودة المؤسسات التعليمية وهو الزبون أو العميل وهما في لغة التعليم والعمل: الطالب، وجهة التوظيف، ولو أغفلنا كل المسميات المعاصرة للجودة أو التطوير وغيرها وسلكنا طريقًا آخر لحصدنا نهايته طالبًا متخرجًا تتسابق عليه جهات العمل وتثني على أدائه في العمل وحسن استيعابه لمفردات التطوير المستمر، وقدرته على تطوير ذاته وقدراته في زمن يسير. ولو كان للمتخرج من المؤسسة التعليمية شأن لكان لأعضاء هيئة التدريس تبعًا لذلك شأن أكبر وأعظم ولكان لكلماتهم صدى ولأبحاثهم رواجًا، فما يحصد العنب إلا من ثمرة العنب ولا يكون المنتج جيدًا إلا إذا كانت خطوات الإنتاج متقنة ومتألقة.
وقد روى أحد المسؤولين في إحدى الدول العربية أن رئيس المؤسسة المانحة لشهادة الجودة(الأيزو) ذكر له أنه بوسعه أن يعطي مصنعًا للسيراميك شهادة الجودة في صناعة السيارات؛ لأنه ببساطة شديدة لا يقيم المصنوع نفسه، وإنما يقيم أساليب الصناعة، والإدارة تبعًا لمعايير ثابتة درست ووضعت وبوبت سلفًا.
وهذه حقيقة ربما لايدري عنها رجال التعليم شيئًا، فقياس الجودة في التعليم لن يتوجه إلى المناهج ولا إلى مدى الإلمام بها، ولكنه سيتوجه إلى أشياء كثيرة. ويخشى أن تتكرر في قياس الجودة قصة الكاريكاتير البديع الذي قال فيه ضابط المرور للسائق الذي يحمل شحنات المخدرات إنه غير معني بالمخدرات ولا بأن السيارة تسير بدون لوحات معدنية، لكنه معني بالحزام فقط!
ففي ضوء ذلك سوف يتم تناول بعض الجوانب ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بتطوير التعليم الإلكتروني وتحسين جودته في مؤسسات التعليم المختلفة التي من أبرزها الآتي:
أولًا: جودة التعليم، وجودة الصناعة.
ثانيًا: معايير الجودة بلغة التمني.
ثالثًا: النظريات والبحث العلمي.
رابعًا: المؤتمرات والندوات.
خامسًا: الزبون في مؤسسات التعليم العالي.
سادسًا: التضليل الرياضي(التوزيع الاعتدالي نموذجًا).
سابعًا: مبادئ التعليم الإلكتروني.
ثامنًا: التعليم الإلكتروني...خارج الإطار.
أولًا: جودة التعليم، وجودة الصناعة:
إن القطاع التعليمي يختلف عن القطاع الصناعي في أربعة جوانب أساسية هي:الأهداف، والعمليات، والمدخلات، والمخرجات.
أ- الأهداف:
بينما نجد في القطاع الصناعي أن الربح يعد مؤشرًا شائع الاستخدام لقياس الفاعلية والحكم على مدى تحقق الأهداف، فإن الربح في مجال التعليم عامة، والتعليم الإلكتروني خاصة ليس بهذه البساطة، فهدف كل مؤسسة تعليمية يجب أن يكون تزويد كل طالب بفرص للتطور في أربعة مجالات وهي: المعرفة (التي تمكننا من الفهم)، والمهارة(التي تمكننا من العمل)، والحكمة (التي تمكننا من وضع الأولويات)، والمؤهل العلمي (الذي يساعدنا في أن نصبح أعضاء محترمين وموثوق بهم داخل المجتمع). وعلى ذلك نجد أن رسالة القطاع التعليمي طويلة نسبيًا، وأنه ليس هناك مؤشر وحيد كالربح نستطيع الحكم من خلاله على مدى فعالية المؤسسة التعليمية في تحقيق الأهداف السابقة.
ب- المدخلات:
على خلاف المصانع فإن المدخلات الخاصة بمجال التعليم عرضة للتغيير الهائل حيث نجد أن المؤسسات التعليمية لا يمكنها التحكم بجودة المدخلات (الطلاب)، فعلى الرغم من أن بعض متطلبات الدخول للمؤسسات التعليمية يمكن أن يتم فرضها على المتقدمين فإن المؤسسات التعليمية تواجه صعوبة في الحصول على الطلاب المرغوبين بسبب الزيادة المطردة في عدد المؤسسات التعليمية في السنوات الأخيرة، يضاف إلى ذلك أن معايير الجودة الخاصة باختيار الطلاب ليست على نفس درجة دقة المعايير الخاصة باختيار المواد، حيث إن الأداء الأكاديمي السابق والخصائص البيئية هي المعلومات الوحيدة المتاحة أمام المؤسسات التعليمية لاتخاذ القرار الخاص بقبول الطلاب. في حين أن هناك العديد من الجوانب المهمة التي يمكن أن تؤثر في جودة المدخلات التي لا يمكن تقييمها بسهولة مثل: اتجاهات الطلاب نحو التعليم، ومهاراتهم في التفاعل مع الآخرين وغيرها.
وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من التوسع في استخدام مقابلات القبول في المؤسسات التعليمية إلا أنها لم تثبت فعاليتها في الكشف عن الجوانب السابقة، فالطلاب كائنات بشرية، وبالتالي فمن المتوقع تفاوت أدائهم بتفاوت الحالة التي يمرون بها، بمعنى أن السلوك الإنساني لا يمكن أن يخضع لمقياس دقيق، الأمر الذي يعقد ويزيد من صعوبة قياس جودة الطلاب كمدخلات للنظام التعليمي.
جـ- العمليات:
تختلف عملية التعليم والتأهيل تمامًا عن تلك العمليات التي تتم في خطوط التجميع، فهي عملية تفاعلية بين المعلمين والمتعلمين، وعلى ذلك فإن الإجراءات التي تتم داخل هذه العمليات لا يمكن ضبطها مسبقًا خطوة بخطوة كما هو الحال في خطوط التجميع.يضاف إلى ذلك أن كلا الطرفين (المعلم والمتعلم) كائنان بشريان يخضع سلوكهما لحوافز وأهداف مختلفة، وتقلبات عاطفية، وأنماط فردية من المهارات التفاعلية، ولعل ما يزيد الأمر تعقيدًا أن سلوك أحد الأطراف هو عادة ما يكون استجابة لفعل الطرف الآخر، الأمر الذي يجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل وضع تعليمات وإجراءات متسلسلة للعملية التعليمية في قاعات الدراسة.
د- المخرجات:
من الصعوبة أن يتم وضع مقاييس دقيقة لقياس جودة المخرجات التعليمية، فبالنسبة للشركات الصناعية نجد أن المخرجات التي تتسم بالجودة هي تلك التي يمكنها إرضاء متطلبات الزبائن، أما في المجال التعليمي فهناك العديد من الزبائن:الطلاب، والآباء، والمعلمون، وإدارة المؤسسة، وأرباب الأعمال، والمجتمع ككل، وبالتالي من منهم ستكون مصلحته لها الأولوية عند حدوث صراع بين المصالح؟وبالتالي هل يمكن تطبيق مفهوم «ديمنج» حول العيوب الصفرية على القطاع التعليمي الذي يعني أن جميع الطلاب يجب أن يحصلوا على تقدير ممتاز، فإذا لم يتحقق ذلك يتم إرجاع المسؤولية عن ذلك للمعلم، والنظام التعليمي متمثلًا في أنظمة إدارة التعلم الإلكتروني.
ثانيًا: معايير الجودة ولغة التمني:
يمكن القول إن نجاح الاتحاد السوفييتي السابق عام (1957م) في إطلاق أول صاروخ في الفضاء لجمع معلومات يعد البداية أو سببًا من الأسباب الرئيسة لموضوع المعايير، فهذه الحركة اقتضت إعادة النظر في بنية العلوم كلها، وشاع وصف «جديد» لمناهج المواد المختلفة في المدارس؛ وكانت العناية الكبرى في هذه الحركة موجهة إلى محتويات المنهج؛ للتأكد من أنها صادقة بمقاييس التقدم العلمي المعاصر، وأنها مشروعة ومبررة اجتماعيًا، وأنها قابلة للتعلم، وكان حجر الزاوية في هذه الحركة مقولة (برونر Bruner,J): «إنك تستطيع أن تعلم أي شيء للمتعلمين في أي عمر إذا استطعت أن تضع المادة المتعلمة في صورة أمينة وملائمة للبنية الذهنية للمتعلمين» وتلك معادلة صعبة التحقيق لأسباب كثيرة.
وبالنظر في معظم المعايير القومية لإصلاح التعليم، نجد أنها مصاغة في لغة خاصة؛ هي لغة التمني ويطلق عليها - أيضًا- أنها «لغة الرغبة» وأنها ليست حقائق أو أفعالًا يمكن التحقق من صدقها أو بطلانها باختبارها تجريبيًا؛ ولكنها وصف لأشياء أو كيانات في صورة توقعات يقوم بها آخرون، وتحقيق هذه التوقعات، وعدم تحقيقها يتوقف على مدى فهم المشاركين في عمليات التعلم والتعليم لمضمونها، وتلك حقيقة يفرضها الفهم العام وأكدتها البحوث الحديثة بالنسبة للمعايير والمحاسبية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أكدت أن تغيير سلوك الأفراد يتضمن مكونًا عرفانيًا، وهذا يعني أن أول شيء يقوم به من توجه إليهم المعايير من أعلى هو: تفسير هذه المعايير، واستيعاب ما ترمي إليه، وهذا الفهم والاستيعاب هما الأساس الذي يتخذ المعلمون، ومديرو المدارس قرارهم في ضوئه بالنسبة للمعايرة وذلك: بتجاهل المعايير أو إهمالها، أو بتبنيها، أو بمحاولة التكيف معها.
ثالثًا: النظريات والبحث العلمي:
من يرصد مؤسساتنا في الوقت الحالي يجد أنها مشغولة بقضايا استخدام الاستراتيجيات الحديثة من أجل تنمية الإبداع وتنمية التفكير وغيره من المتغيرات البحثية المستحدثة على الساحة البحثية من أجل الارتقاء بجوانب العملية التعليمية كافةً.
ومن ثم فهي تتبنى وتستورد الأفكار والطرق وتعمل على تفعيلها في مؤسساتها التعليمية دون النظر في وضع هذه الأفكار وحقيقتها وسلامتها. ويرمي بهذه الأفكار في المنظومة التعليمية بما تحمله من قوانين وتصورات سابقة فتربك العمل التعليمي، ومن ثم أصبح الميدان التربوي مليئًا بكثير من القضايا وأصبح حقلًا للتجارب دون تحديد ما الأهداف التي ترمي المؤسسة التعليمية إلى تحقيقها؟
وتعد النظرية السلوكية التي ظهرت وبدأت في الانتشار منذ خمسينيات القرن العشرين وألفت فيها كثير من الكتب وعقدت كثير من المؤتمرات والندوات تشرح مبادئها وتطبيقاتها في مجال التعليم ويتلقاها الدارسون في الكليات التربوية من أجل أن يكون معلمًًا تربويا فقطً وهذا ما يعد أبرز السلبيات فيها.
وبناء على هذه النظرية فقد فرض على المعلمين طريقة إعداد الدرس وفق قواعدها ولا تخلو دورة تدريبية من الإشارة والإشادة بها، حتى تجرد الجميع من إعمال العقل والتفكير، فالمعلم مثلًا لا يستطيع أن يكتب تحضير درسه وفقًا لحاجات الطلاب والظروف البيئية، فقد تدخلت النظرية في طريقة تحضير المعلم الدرس وألزمته بكتابة الأهداف التي صنفها السلوكي «بلوم ورفاقه عام 1956م» إلى ثلاثة مستويات هي: المعرفية، والحركية، والوجدانية. يتبعها مجموعة من الخطوات المكررة، ويتكرر ذلك كل عام دراسي مهما اكتسب المعلم من خبرات جديدة أو تطورت الظروف البيئية المحيطة بالمؤسسة التعليمية. ومن ثم أصبحت تحضيرات المدرسين ثابتة لا تتغير، حيث يقوم المعلم بنقل تحضير العام السابق في العام الحالي، وقد لا يغير سوى التاريخ فقط، وبعض المعلمين لا يغيرون دفتر التحضير بل يغيرون التاريخ فقط.
ولفترة طويلة ظلت النظرية التربوية محكومة بفكرة «الأهداف» التي توضع مسبقًا التي تدور في ضوئها المكونات الأخرى للمنظومة التربوية بدءًا من مدخلاتها وانتهاء بمخرجاتها. ولقد كان لسيطرة الثورة الصناعية والانبهار بخطوط التجميع الإنتاجية أثر واضح في تبني التربويين لهذه النظرية أو النموذج السلوكي؛ حيث إن أي مؤسسة إنتاجية تحدد مواصفات مسبقة لمنتوجاتها السليمة، وتدور عجلة الإنتاج وفي آخر المرحلة توجد عملية التحكم في الجودة، وذلك بمقارنة المنتج مع المواصفات التي سبق تحديدها أو بتعبير آخر في ضوء الأهداف والمرامي التي تم تبنيها مسبقًا.
وتعددت صيغ شراح متن هذه النظرية هنا وهناك بين أهداف عامة وأهداف سلوكية وغيرها مثل: الغايات العامة، والأهداف العامة، والأغراض التدريسية، ويدور النقاش فترة كبيرة من الزمن حول التفريق بين هذه المترادفات، مما يعده البعض زوائد «بيداجوجية» وتمسك البعض بالشكل دون الجوهر فالويل لمن لا يبدأ هدفه بحرف «أن» ومن لايتبعه بفعل «سلوكي» وعظائم الأمور لمن لا يضمن عمله الأقانيم «البلومية» الثلاثة: المعرفية، والوجدانية، والنفس حركية.
وإذا أردنا الحديث عن المجال التربوي فإننا أمام حالة لا تسر ولا يتوقع من أحد ما أن كل النظريات التربوية التي استوردناها أتت ثمارها, ولا الشهادات التربوية جعلت منا مربين قادرين على التغيير والانطلاق برؤية جديدة. لماذا تزدحم مكتباتنا الجامعية بالآلاف من رسائل الماجستير، والدكتوراه, ولا نجد لها أثرًا على أرض الواقع؟ ولا نريد أن نذهب بعيدًا ونتحدث عن رسائل الدكتوراه في العلوم التطبيقية بل في العلوم الإنسانية على مختلف ألوانها وأشكالها. ‏فمعظم هذه الرسائل حبيس الجدران ولم ير النور, ولم نجد نظرية علمية واحدة كانت وليدة هذا البحث.‏
هل هي فجوة بين النظرية والتطبيق نحن سببها أم أننا نكتفي بالقول دون العمل.. والسؤال الأهم: لماذا لا يؤتي زرعنا حصاده.. هل علينا أن نعيد النظر في كل ما استنفدناه من حبر وأتلفناه من ورق تحت مسمى البحث العلمي؟
رابعًا: المؤتمرات والندوات:
بالنظر إلى الندوات والمؤتمرات تعودنا أن تنتهي ببيان يختم أعمالها، وتوصيات وأبحاث تذهب إلى أدراج المكاتب الشخصية، أو توزع على المكتبات المختلفة، ويتنفس منظموها الصعداء، سعداء بنجاح الندوة، ووفرة الأبحاث، والزوار يلتقطون أنفاسهم بانتظار ندوة أو مؤتمر قادم؛ تتكرر فيها الفصول والمشاهد مع بعض التغيير في الوجوه، والعناوين قد يصل التغير إلى المكان والزمان.
أي أن ندواتنا أو مؤتمراتنا تنتهي بأقوال لا أفعال لا يترتب على المشاركين فيها والمنظمين لها أي التزامات بمتابعة التنفيذ للوصول إلى الأفعال، وهي سمة المجتمعات التي فقدت فاعليتها؛ مما جعل أكثر الأفراد تفاؤلًا يحلم بتطبيق نصف العشر من الشعارات المطروحة والتوصيات المعلنة في الندوات أو المؤتمرات وورش العمل وحلقات النقاش المنعقدة في طول الجامعات العربية وعرضها.
وبالنظر إلى نظم العمل في المجتمعات المتقدمة يبدأ العمل عقب انتهاء الندوات والمؤتمرات وتشمل لجان المتابعة التي يقع على سواعدها تنفيذ التوصيات والأقوال سعيًا لاقترانها بالأفعال، والأعمال الخاصة بخدمة المجتمع.
خامسًا: الزبون في مؤسسات التعليم العالي:
لا يوجد اتفاق محدد حول تعريف الزبون في مؤسسات التعليم العالي، فالمؤسسات التعليمية تتحفظ تمامًا على اعتبار الطلاب بأنهم الزبائن وبالتالي الأخذ بالمقولة «الزبون دائمًا على حق» وذلك لأن المؤسسات التعليمية تعتقد بأن تلبية رغبات الطلاب كزبائن لن يقود بالضرورة لتعليم ذي جودة مرتفعة، ويستند هذا الاعتقاد إلى فرضية أن الطالب أو الزبون الراضي هو ذلك الطالب الذي يجتاز الامتحانات بنجاح ويتخرج فحسب، وبالتالي فإن الطلاب يهتمون بالرضا قصير الأجل (النجاح) الذي قد يتعارض مع متطلبات النمو طويلة الأجل التي تسعى المؤسسات التعليمية لتحقيقها. ومن هنا نجد أن المؤسسات التعليمية تخوفت من اعتبار الطالب وحده زبون لديها.
لأن العلاقات التسويقية بين الجامعة والطلاب، وبين الجامعة والأساتذة، وبين الأساتذة والطلاب، لا يمكن أن تكون في خدمة الجودة إن طغى عليها طابع الزبونية ولا يمكن أن تكون أكاديمية وزبونية في آن واحد، فالطالب ليس زبونًا، فلا يوجد زبون حقيقي يتنازل عن حقه، كما يتنازل الطلاب عن حقهم في الحضور إلى القاعات الدراسية، وعن حقهم بالقيام بكل الواجبات لإتمام المقررات الدراسية، فالشهادة ليست من حق الطالب، إنما هي نتيجة بلوغه مستوى أكاديمي معين، ومن ثم فإن اعتبار العلاقة بين الطالب والجامعة علاقة زبونية يضلل الجميع ويلغي العلاقة المعرفية ويطيح بمفهوم جودة التعليم لذا لابد من التمسك بخصوصية الجامعات كمساحات للتثقيف وتبادل المعرفة، حتى مع السيادة العالمية للتصنيع والتسويق على المعرفة.
ولكن يمكن اعتبار أن زبون التعليم العالي هو الطالب متلقيًا للمعرفة والخدمة، ورب العمل المستقبلي مستخدمًا للطالب (كمنتج)، والمجتمع كله مستفيد من العمليات التربوية التي تقدمها المؤسسة التعليمية.
سادسًا: التضليل الرياضي (التوزيع الاعتدالي نموذجًا):
كثيرًا ما يحاول بعض التربويين وعلماء علم النفس التربوي أن يحاكموا نتائج امتحانات الطلاب في المدارس والجامعات وفق معايير نظرية التوزيع الاعتدالي؛ وبحسب هذه النظرية فإن القلة فقط هي التي تتفوق (ممتاز وجيد جدًا) بنسبة (16%) تقريبًا من مجموع الطلاب، وتظل الفئة الأكبر عددًا بنسبة (68%) تقريبًا في مجال الدرجات العادية (جيد) والقلة الباقية (مقبول وراسب) بنسبة (16%) أيضًا.
أ- عدم صحة أسطورة المنحنى الاعتدالي(الجرسي):
ارتبطت نظرية المنحنى الاعتدالي منذ بدايتها بفكرة أن الذكاء وراثي، وتبلورت هذه الفكرة خلال النصف الأول من القرن العشرين وقدم الأساس العلمي لها عالم بريطاني مشهور في مجال علم النفس الرياضي وهو السير سيرل بيرت (1893-1971م) وقد أكد من خلال أبحاثه على التوائم أن السمات الوراثية هي العوامل المؤثرة في تحديد ذكاء الطفل منذ الولادة. وقد تولى «بيرت» في الأربعينيات من القرن العشرين الإشراف على نظام التعليم في بريطانيا، وقام بتطبيق نظرية المنحنى الاعتدالي في مجال التعليم من خلال تصنيف التلاميذ حسب نتائج اختبارات الذكاء والاختبارات التحصيلية ابتداءً من سن الحادية عشرة وجعل الفئة المتفوقة فقط في نتائج هذه الاختبارات هي التي تحظى بالعناية ابتداءً من هذه السن المبكرة وتواصل تعليمها في المدارس الأكاديمية البريطانية. أما الغالبية العادية فكان يوجهها إلى التعليم الحرفي الأقل مستوى.
والتعليم وفق هذه النظرية هو بمنزلة غربلة للتلاميذ، ويهدف إلى الكشف عن القلة الصالحة من التلاميذ في سن مبكرة وعزلها عن الغالبية العادية، ليتم صقل ذكائها الموروث بحكم البلاد. وكان لـ«بيرت» سطوة ونفوذ كبير، حيث بجانب قدرته الفذة في الإحصاء كان خطيبًا جماهيريًا مفوهًا. وقد استندت الأرستقراطية البريطانية إلى فتواه في صراعها ضد الحركة الليبرالية المتصاعدة في بريطانيا.ولم تتوقف سطوة «بيرت» وتسلطه باسم العلم على مقدرات التعليم في بريطانيا إلا حينما تصدى له وزير تربية وتعليم شجاع هو الذي أكد عكس «بيرت» في أن عملية تحسين التعليم وبيئة المتعلم تؤدي دورًا كبيرًا في تنمية القدرات الإنسانية للطفل، ورفض فكرة أن الذكاء قدر وراثي يتحدد بالميلاد، وأنه موزع بين الناس على أساس إطار التوزيع الاعتدالي.
لقد أدت أسطورة المنحنى الاعتدالي والذكاء الوراثي دورًا تاريخيًا رديئًا في مجال التربية، وأحدثت هذه الأسطورة التي تدثرت بالإحصاء والعلم عند «بيرت» وأتباعه تشويشًا علميًا هائلًا لم ير تاريخ الفكر التربوي مثيلًا له. الأمر الذي أحدث ثورة قوية مناهضة «لبيرت» فبعد وفاته بعام واحد اتهم في محاضرة مشهورة بالخداع، والتضليل العلمي ففي عام 1967م اتهمته «التايم والنيوزويك» في أعداد خاصة بذلك صراحة بالتزييف الإحصائي واستخدام بيانات وهمية، وقد تم في عام 1979م إصدار كتاب شهير بذلك أكدت فيه هذه الاتهامات مدعومة بالوثائق العلمية، وفي عام (1980م) أصدرت جمعية علم النفس البريطانية بيانًا رسميًا أدانت فيه «بيرت» وأتباعه وفعلت الجمعية النفسية الأمريكية الشيء نفسه عام 1992م حيث أقرت التزيف العلمي «لبيرت».
ب- الجودة خارج الإطار:
يقتنع معظم المعلمين بمبدأ: المنحنى الاعتدالي في تقدير درجات الطلاب، حيث تصمم الاختبارات التحصيلية لتعرف الاختلافات بين الطلاب وحتى لو كانت ضئيلة من حيث المادة الدراسية، كما جرت العادة على توزيع درجات الطلاب وفقًا للمنحنى الاعتدالي، بحيث يكون هناك فئة حاصلة على تقدير ممتاز وفئة مساوية لها راسبة وباقي الطلاب في وسط التوزيع وإذا انحرفت النتائج عن هذا التوزيع ينتاب المعلمون القلق الشديد (Block,1971).إن دور المنحنى الاعتدالي لا يعدو أن يكون رصدًا جامدًا لقدرات الأفراد قبل أن يبدأ التعليم دوره لرفع قدرات الأطفال وعلاج القصور عندهم, والقبول بنتائج هذا المنحنى يشكل استسلامًا للتفرقة وتكريسًا للدونية وتحجيمًا لتطلعات الأطفال والشباب وطموحاتهم وبخاصة في عصر التطور التكنولوجي.
وهو في الوقت نفسه إلغاء لفكرة التعليم الذي يجب أن يعمل على تنمية الثروة البشرية والانتهاء بها إلى أقصى إمكاناتها. ومن الثابت علميًا أن (90%) من الأطفال على الأقل يستطيعون أن يصلوا إلى مرتبة الامتياز أي خارج إطار التوزيع الاعتدالي إذا ما أعطوا الوقت الكافي والتعليم المناسب لهم، فأساس التعليم هو النجاح، كما أن الفرد يولد ليعيش ومعنى هذا: أن كل فرد يتوقع النجاح والاستمرار في التقدم وعلينا أن نساعده في تحقيق ذلك وهو هدف المؤسسات التعليمية.
إن العصر الحالي عصر التعليم الإلكتروني، والمعلوماتية، والتنافسية، وصناعة المستقبل، وهو عصر يقوم على تدخل الإنسان وكفاحه اليومي المتواصل من أجل تحقيق العدل الاجتماعي بين الأفراد، وتحصين التعليم واتخاذه أداة لصناعة التفوق بين الغالبية العظمى للمجتمع إن لم يكن المجتمع ككل، وتقوية الفئات المهمشة في المجتمع مثل: الطفل، والمرأة، وذوي الاحتياجات الخاصة. لقد انخرط الأفراد جماعيًا بفضل تقدم تكنولوجيا الاتصالات وشبكات الإنترنت وقد أدى ذلك إلى تغييرات بنيوية لتحويل مجتمعاتهم من مجتمعات الصفوة الذكية إلى مجتمعات الجماهير المبدعة وتقوية المجتمع المدني المندمج والمتكامل.
ويؤكد أحد فلاسفة الجودة الشاملة أنك إن طلبت من مدرب كرة قدم أن يكتفي بقلة متفوقة في فريقه وفقًا لنظرية المنحنى الاعتدالي لرفض رفضًا قاطعًا، حيث يجب أن يكون كل أعضاء الفريق من الأبطال. ومن ثم وبظهور التعليم الإلكتروني وأجيال الويب المختلفة أصبحت المؤسسات التعليمية تتسابق لحصول أفرادها على الامتياز للجميع أو غالبية أفرادها أي خارج إطار التوزيع الاعتدالي المقيد للتفوق ولإبداع العلمي.
سابعًا: مبادئ التعليم الإلكتروني:
لكي يؤدي التعليم الإلكتروني دوره بصورة فعالة، ويكون خارج الإطار الطبيعي، يجب أن يؤخذ في الاعتبار المبادئ الآتية:
1- التفاعل Interactivity:
يقوم التعليم الإلكتروني على مبدأ مهم وهو التفاعل، وأول أنواع هذا التفاعل هو تفاعل المتعلم النشط مع المحتوى، حيث يقوم المتعلم بممارسة عدد من أنشطة التعلم في أثناء تفاعله مع المحتوى، منتظرًا التغذية الراجعة من المعلم أو الأقران أو من البرامج الإلكترونية المخصصة لذلك. والنوع الثاني من التفاعل هو التفاعل الشخصي والاجتماعي مع المعلم والأقران، حيث يتم خلال هذا التفاعل طرح أسئلة وإجراء المناظرات والمناقشات المتواصلة بين المتعلمين والمعلم.
2- التمركز حول المتعلم LearnerCentered:
حيث يظل المتعلم المستفيد الوحيد من التنوع في استخدام أدوات التعليم الإلكتروني، فقد أسهمت أدوات التعليم الإلكتروني المتنوعة في دراسة احتياجات المتعلمين وأنماط تعلمهم؛ من أجل تصميم المقررات التعليمية التي تناسب الغالبية العظمى منهم وتطويرها، وتنوعت أدوات التقويم لتناسب أنماط استقبال المعرفة وتطبيق المهارات المختلفة لدى المتعلمين.
3- التكامل Integration:
في ظل تكنولوجيا المعلومات الرقمية الهائلة، أصبحت الأدوات التقليدية التي اعتاد المعلمون وأساتذة الجامعات استخدامها داخل الفصول والقاعات الدراسية مختلفة تمامًا في شكلها وإمكانياتها، فقد تحولت من عالم الميكرو إلى عالم النانو ميكرو، وتكامل واندماج معظمها؛ مما أدى إلى تضاؤل المسافات الزمنية والمكانية بين الحدود إلى درجة لم تكن موجودة من قبل.
4- دعم التعلم المستمر Continuouslearning:
يعمل التعليم الإلكتروني على تنمية قدرات المتعلم، ودافعيته للمبادرة، والاعتماد على الذات في التعليم والتعلم المستمر. فالمتعلم يمكنه الرجوع إلى العديد من المجالات في أي وقت إلى أن يكتسب المعارف والمهارات التي يحتاج إليها من خلال استخدام البرامج التعليمية الرقمية، ومن ثم نضمن وصول التعليم لكل متعلم حسب سرعته وقدراته في التعلم.
5- المرونة والمساواة Flexibilityandequality:
التعليم الإلكتروني تعليم مرن، حيث يتيح الفرصة للمتعلم أن يتعلم في الوقت المناسب له، وفي المكان الذي يفضله، وحسب قدراته الذاتية وسرعته في التعلم. كما أن شبكة المعلومات الدولية تتيح للمتعلم أن يبحر وينتقل بين كافة الصفحات بحرية تامة للتنقيب والبحث عن البيانات والمعلومات المفيدة التي يحتاج إليها.
6- المصداقية Credibility:
تعطي شبكة الإنترنت الفرصة للمتعلم في التخاطب أو التفاعل مع الاستعانة بالخبراء المتخصصين في حقل تعليمي معين، وكذلك الوصول إلى قواعد بيانات حقيقية والمشاركة في تطبيقات مباشرة، كل هذه العوامل تجعل عملية التعلم أكثر مصداقية وموثوقية للتعلم.
7- التعلم الجماعي Collectivelearning:
يعمل المتعلمون في التعليم الإلكتروني سويًا في مراحل دراسية مختلفة، ويساعد هذا المبدأ في تشكيل ما يسمى بمجتمع التعلم CommunityofLearningالذي يحقق الرؤية الفلسفية الابتكارية للتعليم الإلكتروني وبإمكان المعلم أن يستخدم بمشاركة المتعلمين عدة استراتيجيات تدريسية تساعد على تحقيق مبدأ التعلم الجماعي مثل: العصف الذهني عبر المناقشات المتواصلة، وحل المشكلات الافتراضية الموازية ParallelProblemSolving.
8- الحداثة Modernity:
يعد مبدأ الحداثة من أهم المبادئ التي تحكم سياق عملية التعليم الإلكتروني. فالمتعلم بمقدره الحصول على أحدث المعلومات FreshInformationوأكثرها ارتباطًا بالموضوع الذي يدرسه أو يتعلمه، كما أن الحصول على أحدث المعلومات سوف يزيد من مصداقية التعليم الإلكتروني، الأمر الذي يؤدي إلى تفعليه وجعله أكثر إجرائية.
ثامنًا: التعليم الإلكتروني..خارج الإطار:
يشير «بلوم Bloom» إلى أن التوزيع الاعتدالي ليس شيئًا مقدسًا، ولكنه توزيع يتناسب أكثر مع الأنشطة التي تحكمها المصادفة أو الارتجال، في حين أن التعليم الإلكتروني نشاط مقصود نسعى من خلاله إلى جعل المتعلم يتعلم بذاته ويتعلم ما نقوم بتدريسه، فإذا كان تدريسنا فعالًا، جاء توزيع التحصيل مختلفًا عن التوزيع الطبيعي، ويؤكد «بلوم Bloom» أنه يمكن التأكد من فشل جهودنا التعليمية كلما قرب توزيع التحصيل من التوزيع الطبيعي؛ لذا فإن التفوق في الجغرافيا أو الرياضيات قد لا يكون كافيًا لتكوين قيادات ونخب المستقبل، بل إن القدرة على العمل خارج إطار التخصص وامتلاك المهارات الشاملة ستكون هي العوامل الحاسمة والمفيدة للمجتمع؛ ولذلك نجد العديد من المتخرجين في كليات الهندسة، والكليات العملية في بريطانيا يتوجهون للعمل في القطاع المالي والمصرفي، حيث يتم اختيارهم لقدراتهم في التحليل واتخاذ القرارات السريعة.وهذا يتطلب من المسؤولين عن التعليم الإلكتروني في شتى المراحل التعليمية، نهجًا تعليميًا مغايرًا لما هو قائم، لذا يجب الاهتمام بالتفكير والتخطيط لنظام تعليمي إلكتروني يعتمد على عوامل كثيرة أهمها الآتي:
• الاهتمام بالمنافسة بين الطلاب داخل الجامعة الواحدة، وبين الجامعات المختلفة للوصل إلى مبدأ التميز للجميع وليس على فئة معينة كما هو موضح في فئات المنحنى الاعتدالي السابق ذكرها.
• تنمية كفاءات ومؤهلات الموارد لبشرية في شتى التخصصات العلمية لتخدم المجتمع.
• تطوير المحتوى الإلكتروني، بحيث يتناسب مع خصائص العصر وما يتضمنه من تطورات علمية مذهلة.
• التعاون، والانفتاح الأكاديمي والعلمي بين الجامعات العربية، والجامعات الأجنبية.
• الإدارة اللامركزية للجامعات، والمرونة التنظيمية والهيكلية لمختلف مؤسساتها.
لذا يجب على المهتمين بالتعليم عامة والتعليم الإلكتروني خاصة التفكير في مسألة العلاقة بين التعليم التدريب، وسوق العمل وأن تكون هذه المسألة الأساس للإصلاح والاستقلالية، فالجامعة الإلكترونية الحرة جامعة تخدم حاجات المجتمع لتدريب ما يحتاجه، في الوقت الذي يتم فيه التأكيد على الاستفادة من تجارب الآخرين، لكن لا يجب استنساخ التجارب، وتفصيل أقسام على مقاسات جامعات أخرى أو مجتمعات أخرى، فلكل جامعة ومجتمع ظروفهما الخاصة بهما.

بقلم: د. أحمد عبدالمجيد