إن حاجة التدريب والتنمية تعرف بأنها فجوة Gapبين المأمول والواقع؛ بمعنى أن هناك مستوى من المعارف والمهارات والخبرات والكفاءة الفنية والسلوكيات.. وغيرها؛ يجب توافرها أو مأمول توافرها في الموارد البشرية العاملة لدى الشركة أو المنظمة، وهذه المستويات حددت لتنفيذ الأعمال والمهام والنشاطات التي تمكن المنظمة أو الشركة من تحقيق أهدافها قصيرة المدى ومتوسطة المدى وبعيدة المدى أي الأهداف الاستراتيجية، وعند مقارنة ما هو مأمول بما هو حقيقي أو متوافر بشكل فعلي في الموارد البشرية من مستوى كفاءة مادي ملموس على أرض الواقع، تكون نتيجة المقارنة لأداء هذه الموارد البشرية العاملة نتيجة سلبية أي غير مرغوب فيها، أي أن هناك فجوة بين ما تريده خطط المنظمة من مستويات عالية في أداء الموارد البشرية وبين ما هو واقع وملموس من مستويات أقل من المستوى المأمول.. وهنا تنشأ الحاجة لبرامج التدريب وبرامج التنمية للقضاء على هذه الفجوة أو التقليل منها إلى أدنى درجة ممكنة بحيث لا تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على تحقيق أهداف المنظمة أو الشركة..
لعل من المفيد للقائمين على تحديد حاجات التدريب والتنمية الاستراتيجية للمنظمة أن يضعوا نصب أعينهم قبل وأثناء عملية التحديد هذه، أن يضعوا أهداف التدريب والتنمية الحديثة المنشودة من وراء استراتيجية التدريب والتنمية.. لتكون مرشدًا تهتدي به، وأهدافًا تسعى إلى تحقيقها على أرض الواقع.. ومن أهم أهداف التدريب والتنمية الحديثة المعاصرة هو اكتشاف جوانب الضعف المهني والفني والإداري في أداء الموارد البشرية أو العمالة الحالية داخل المنظمات والشركات، ووضع البرامج التدريبية التي تجبر كسر هذا الضعف، وذلك بهدف تعديل وتحسين أداء الموارد البشرية لأداء الأعمال - الإنتاجية أو المالية أو التسويقية أو الإدارية أو الخاصة بالمبيعات... إلخ - المطلوبة منها بالكفاءة والجودة المطلوبة.
كما تهدف استراتيجية التدريب واستراتيجية التنمية في المنظمات والشركات والمؤسسات والهيئات إلى اكتشاف جوانب القوة في الأداء المهني والفني والإداري للموارد البشرية داخل المنظمات والشركات، وتصميم برامج تدريبية وبرامج تنمية تعمل على زيادة هذه القوة، فضلًا عن الحفاظ على مستويات القوة الحالية، وذلك للاستفادة القصوى من قوة الأداء في الوقت الحاضر والاستفادة أيضًا منها في المستقبل المنظور والبعيد.
ما هي مستويات حاجات التدريب والتنمية؟
تحدد حاجات التدريب والتنمية بناء على حاجات كل من:
الحاجات الفعلية على مستوى العامل أو الموظف أو القائد الفرد داخل المنظمة أو الشركة للتدريب والتنمية.
الحاجات الفعلية على مستوى فرق العمل داخل المنظمة أو الشركة للتدريب والتنمية.
الحاجات الفعلية على مستوى إدارات وأقسام المنظمة أو الشركة للتدريب والتنمية، مثل: إدارة الإنتاج وإدارة المبيعات وإدارة المشتريات وإدارة التسويق والإدارة المالية وغيرها من الإدارات، وكذلك الوحدات والأقسام التابعة لها.
الحاجة الفعلية على مستوى المنظمة أو الشركة للتدريب والتنمية.
تأقلم وتكييف العمالة مع التغيرات
بالاضافة إلى ما سبق فإن استراتيجية التدريب واستراتيجية التنمية في المنظمات والشركات والمؤسسات والهيئات تهدف أيضًا إلى تأقلم وتكييف العمالة لديها مع تغيرات قد تحدث في داخل المنظمة أو الشركة، فلا يتوقف الإنتاج، أو تقل معدلاته، مما يؤثر بشكل سلبي على أرباح المنظمة أو الشركة.. فالاستعداد المبكر لمواجهة أية تعديلات أو تغييرات تفرضها بيئة العمل الداخلية أو بيئة العمل الخارجية المحيطة بالمنظمة أو الشركة، هذا الاستعداد عن طريق برامج التنمية لأمر مهم للغاية لتمكين الموارد البشرية من التعامل مع هذه التغييرات.
تهدف استراتيجية التدريب واستراتيجية التنمية في المنظمات والشركات والمؤسسات والهيئات إلى إكساب العمالة أو الموارد البشرية معارف ومهارات وخبرات واتجاهات سلوكية إيجابية حديثة وجديدة ومتنوعة، لتمكين هذه الموارد البشرية من أداء أعمال جديدة ومتطورة قد تلجأ المنظمة أو الشركة إلى تطبيقها في المستقبل.. فقد تتوقع المنظمة أو الشركة نتيجة لظروف المنافسة الشديدة أنها قد تحتاج إلى إدخال خطوط إنتاج جديدة بآلات حديثة لزيادة كفاءة المنتجات التي تنتجها، أو إدخال تعديلات عليها في الشكل والجودة، فلا تنتظر المنظمة أو الشركة حتى تأتي بالآلات أو المعدات الحديثة وتقوم بعمل برامج تدريبية عليها، فعنصر الوقت مهم في ظروف المنافسة الشديدة، ومن هنا نجد أهمية استراتيجية التنمية في إكساب الموارد البشرية المعارف الخاصة بهذه الآلات والمعدات الحديثة، حتى إذا وصلت للمنظمة أو الشركة، يتم العمل عليها فورًا دون انتظار لفترات التعليم، وقد تلجأ الشركة أو المنظمة إلى إرسال العمالة التي ستعمل على هذه الآلات في المستقبل للأماكن أو المصانع التي ستستورد منها هذه الآلات والمعدات للتدريب العملي المسبق عليها، واكتساب المهارة اللازمة للتشغيل الفوري عند التركيب في أقسام الإنتاج في المنظمة أو الشركة.
وماذا عن مصادر حاجات التدريب والتنمية؟
تستطيع المنظمة أو الشركة أن تتعرف على حاجات التدريب والتنمية لمواردها البشرية عن طريق عدة مصادر داخلية وخارجية .. من أهمها:
- الاستراتيجية العامة أو الكلية للمنظمة أو الشركة:
إن الاستراتيجية العامة أو الكلية للمنظمة أو الشركة شاملة لاستراتيجيات الإدارات واستراتيجيات الوظائف، وهي تعبر عن صورة المنظمة أو الشركة المأمولة في المدى البعيد، وطبيعي أن توضح هذه الاستراتيجية التغيرات التي ستطبق في كل مرحلة من مراحلها الزمنية، وما يتطلبه هذا التغيير من تغييرات في هيكل المنظمة أو الشركة وفي آلاتها ومعداتها، فضلًا عن التغيرات المطلوب إحداثها في مواردها البشرية لكي تتوافق مع التغيرات المطلوب إحداثها طبقًا للتخطيط الاستراتيجي.. وهذا معناه أن هناك فجوة متوقعة بين أداء وكفاءات ومهارات وسلوكيات الموارد البشرية الحالية في المنظمة أو الشركة، وأداء وكفاءات ومهارات وسلوكيات الموارد البشرية التي تحتاجها الشركة أو المنظمة لإنجاز أعمالها المستقبلية.. ومن ثم يستطيع القائمون على تحديد حاجات التدريب والتنمية أن يستنتجوا أو يحددوا أو يعرفوا هذه الحاجات من خلال استراتيجية المنظمة أو الشركة.
- التحليل التنظيمي للمنظمة أو الشركة:
إن التحليل التنظيمي للمنظمة أو الشركة يعتبر من أهم مصادر تحديد حاجات التدريب والتنمية، إذ يعد هذا التحليل مسحًا دقيقًا لكافة وحدات وأقسام ووظائف وأنشطة العمل داخل المنظمة أو الشركة.. فضلًا عن مسح كافة اللوائح والسياسات والإجراءات وغيرها .
وعن طريق هذا المسح وما يسفر عنه من نتائج ، يستطيع القائمون على عملية تحديد حاجات التدريب والتنمية أن يتعرفوا على مواطن القوة ونقاط الضعف في كافة المجالات داخل المنظمة أو الشركة، ومن ثم يستطيعون أن يضعوا البرامج التدريبية وبرامج التنمية للموارد البشرية لعلاج مواطن الضعف، والمحافظة على نقاط القوة وزيادتها.. فمن مواطن الضعف التي قد تكتشف في الموارد البشرية ضعف المعرفة أو عدم مناسبة المهارات للعمل المنوط بها أو وجود سلوكيات سلبية خاطئة في كثير من الموارد البشرية... إلخ، فهنا توضع البرامج التدريبية وبرامج التنمية لعلاج هذه النقاط بزيادة المعارف وإكساب المهارات وتغيير السلوكيات الخاطئة وإكساب سلوكيات إيجابية بناءة.. وهكذا.. ويجب التعامل مع نقاط القوة ببرامج تدريبية تزيدها لدى الموارد البشرية عن طريق التوسع في المعرفة، وإكساب مهارات جديدة لمواجهة التغيرات المستقبلية.
- تحليل وتوصيف الوظائف داخل المنظمة أو الشركة:
يعد تحليل وتوصيف الوظائف والأعمال داخل المنظمة من أهم المصادر أو الروافد المساعدة بشكل فعال ورئيس في تحديد حاجات التدريب والتنمية للموارد البشرية العاملة داخل المنظمة أو الشركة.. إذ من خلال المقارنة الدقيقة ما بين نتائج تحليل وتوصيف الوظائف وما تحتاج توافره من مواصفات لأدائها بجودة وكفاءة عالية، وبين ما هو متوفر في المورد البشري الذي يشغلها.. فإذا كانت نتيجة هذه المقارنة إيجابية فهذا يعني أن المورد البشري كفء ويستطيع أداء الوظيفة الموكلة إليه.. أما إذا كانت نتيجة المقارنة سلبية؛ أي أن المورد البشري لا يستطيع أداء الوظيفة بشكل فعال وبكفاءة عالية.. فهنا تظهر الحاجة إلى تدريبه لسد هذه الفجوة، ورفع كفاءته الإنتاجية.. ولعل من المفيد الإشارة إلى أن توصيف الوظيفة – خاصة في الوظائف الإدارية - عادة يوضع في بدايات العمل داخل المنظمة أو الشركة، ويبقى على ما هو عليه لفترات طويلة؛ وهذا يتنافى من التطور والتقدم الذي يتسم به زماننا الذي يقوم على المنافسة الشديدة.. وهذا يتطلب ألا تصف المنظمة أو الشركة الموظف الذي يؤدي العمل المطلوب منه بأنه موظف صاحب كفاءة عالية.. وإن كان هذا صحيحًا طبقًا لمواصفات الوظيفة التي وضعت منذ زمن طويل.. أما مواصفات الوظيفة نفسها التي تتناسب مع أجواء العمل التنافسي الحالية أو أجواء العمل التنافسي في المستقبل؛ فتحتاج هذه المواصفات إلى موظف ذي كفاءات أعلى، ومهارات وخبرات ومستوى علمي متميز.. لكي يستطيع أن يؤدي الوظيفة على الوجه الأمثل بما يحقق أهداف المنظمة.. ومن هنا تظهر الحاجة إلى البرامج التدريبية وبرامج التنمية لرفع كفاءة هذا الموظف أو المورد البشري.
- تقييم أداء الموارد البشرية داخل المنظمة أو الشركة:
إن عملية تقييم أداء الموارد البشرية شأنها شأن أي عمل إداري آخر، تقوم على معايير تعرَّف سلفًا، ويحدد فيها مستوى أداء الموارد البشرية المطلوب، والواجب توافره في العمل الذي تقوم به هذه الموارد البشرية داخل المنظمات، وعلى أساس هذه المعايير تستطيع إدارة الموارد البشرية بالتعاون مع الإدارات الأخرى داخل المنظمة تحديد ما إذا كان أداء الموارد البشرية محل التقييم مطابقًا للمعايير السابق وضعها أو مغايرًا لها.
وهذا التحديد للمعايير يوفر للمقيّم مرجعية هامة في عملية تقييم أداء الموارد البشرية، إذ تعد هذه المعايير المؤشر الرئيس لقياس أداء الموارد البشرية، وتعد المعايير من ناحية أخرى أهدافًا تسعى الموارد البشرية محل التقييم إلى الوصول من خلال أداء أعمالها المكلفة بها إلى تحقيقها كي تحقق ما هو مطلوب منها من قبل إدارة المنظمة، ومن ثم تحافظ على وجودها ومكتسباتها داخل المنظمة.
ولكي تتم عملية تقييم أداء الموارد البشرية بنجاح يجب أن يستخدم المقيِّمون الأساليب السليمة والمناسبة والمؤدية إلى نجاح عملية التقييم.
ومن هنا يمكن القول: إن من أهم مصادر تحديد حاجات التدريب والتنمية للموارد البشرية داخل المنظمة أو الشركة؛ عملية تقييم الأداء الفعلي لهذه الموارد البشرية لأعمالها وأنشطتها؛ وهذا التقييم من دون شك يزود القائمين على تحديد حاجات التدريب والتنمية بمعلومات مهمة ومفيدة لأقصى درجة، إذ يعد تقييم الأداء إحدى الوسائل المهمة في الحكم على أداء المورد البشري داخل المنظمة أو الشركة، فعن طريق تقييم الأداء يتبين للمقيِّم ما إذا كان المورد البشري يقوم بأداء الأعمال والمهام الموكلة إليه على الوجه المخطط له مسبقًا أم لا؟ وعن طريق تقييم الأداء ووسائله المتعددة يستطيع المقيِّم أن يحدد أسباب الإخفاق أو الضعف في أداء المورد البشري.. وفي المقابل يمكن تقييم الأداء من معرفة مواطن القوة في أداء المورد البشري..
فعن طريق تقييم الأداء يستطيع القائمون على تحديد حاجات التدريب والتنمية؛ تحديد هذه الحاجات بالإضافة إلى المصادر الأخرى تحديدًا أكثر دقة وفعالية.
- تقييم أداء المنظمة أو الشركة:
إن تقييم إنتاجية المنظمة أو الشركة بشكل عام، يعد من المصادر المهمة في تحديد حاجات التدريب والتنمية.. إن مؤشر انخفاض إنتاجية المنظمة أو الشركة بشكل عام، يعد دليلًا قويًا على أن هناك خللاً ما يجب تحديده وتعريفه.. فقد يكون هذا الخلل ناتجًا بشكل كبير عن تدني مستوى أداء الموارد البشرية أو مستوى كفاءتها؛ وهنا تظهر الحاجة الماسة إلى وضع برامج تدريب عاجلة لرفع مستوى أداء الموارد البشرية؛ لمعالجة هذا الخلل، والسير بإنتاجية المنظمة أو الشركة في مسارها الصحيح.. فضلًا عن وضع برامج تنمية مستدامة لتفادي وقوع هذا الخلل في المستقبل.. وتحويل التدني في مستوى أداء الموارد البشرية الذي ينعكس بالتدني في مستوى الإنتاجية للمنظمة أو الشركة، إلى رفعة ونمو وكفاءة في مستوى أداء الموارد البشرية، ومن ثم ليس فقط زيادة في إنتاجية المنظمة، بل وجودة عالية في السلع أو الخدمات التي تقدمها.
- رضا المستهلكين:
إن قياس رضا المستهلكين يعد من أهم المصادر التي يلجأ إليها القائمون على تحديد حاجات التدريب والتنمية.. لما يتمتع به هذا القياس من مصداقية عالية، تتولد هذه المصداقية من إقبالهم أو إحجامهم عن شراء منتجات المنظمة أو الشركة.. فإن كان هناك إقبال كبير على منتجات المنظمة أو الشركة دل ذلك على جودة هذه المنتجات، وبالتالي كفاءة عالية للموارد البشرية المساهمة بالدور الأكبر في هذه الجودة، وهنا توضع برامج تدريب للمحافظة على هذه الكفاءة وزيادتها.. وفي المقابل إن كان هناك إقبال ضعيف أو إحجام على شراء منتجات المنظمة أو الشركة دل ذلك على انخفاض جودتها، ومن ثم ضعف أداء وكفاءة الموارد البشرية، أو قدم الآلات والمعدات، أو ضعف التكنولوجيا المستخدمة.. وما يهم في هذا المجال هو رفع كفاءة الموارد البشرية بالبرامج التدريبية المناسبة، فضلًا عن تحديث الآلات واستخدام التكنولوجيا الحديثة في حال عدم توافرها.
- سجلات إصابات العمل:
ما من شك أن من الواجبات الأساسية الملقاة على عاتق الإدارة العليا والمديرين في المنظمات والشركات والمؤسسات، توفير بيئة عمل صحية، وتوفير عوامل الأمان والسلامة للموارد البشرية.. ولعل من خلال سجلات إصابات العمل وتحديد الأماكن الأكثر تعرضًا للإصابات أو الأوبئة، يستطيع القائمون على تحديد حاجات التدريب والتنمية؛ أن يضعوا البرامج التدريبية التي تساعد الموارد البشرية على تجنب أو تفادي هذه الإصابات، والمساعدة في جعل بيئة العمل أكثر صحة وأمانًا وسلامة للموارد البشرية.
- مسارات التقدم الوظيفي للموارد البشرية داخل المنظمة:
إن كل موظف أو عامل يلتحق بالعمل في منظمة ما، أو شركة ما ، يتم التعرف على ما يمتلكه من قدرات ومهارات، ومن ثم يتم رسم مسار وظيفي خاص به، بمعنى تحديد الوظائف التي يمكن أن يشغلها في الوقت الحاضر، والوظائف التي يمكن شغلها في المستقبل المنظور، فضلاً عن الوظيفة التي يمكن شغلها في المستقبل، ويتوقف عندها.. وبالتالي يمكن للقائمين على تحديد حاجات التدريب والتنمية؛ أن يضعوا له البرامج التدريبية، وبرامج التنمية التي تتفق مع قدراته، وتتفق مع حاجات الوظيفة التي يشغلها، والوظائف التي سيشغلها في المستقبل..
- استقصاء الموارد البشرية العاملة داخل المنظمة:
يعد استقصاء الموارد البشرية العاملة داخل المنظمة أو الشركة من أهم مصادر تحديد حاجات التدريب والتنمية، وهذا الاستقصاء يفرد فيه مساحة من الحرية لكل مورد بشري يحدد فيه احتياجاته للتدريب في جزئية ما، أو التدريب على آلة ما، أو التدريب لاكتساب مهارات إضافية.. فالمورد البشري يعرف تمامًا نقاط الضعف لديه، وطبيعي أن يكون أحرص على المكاشفة بها، وطلب التدريب لعلاجها، وذلك انطلاقًا من باب حرصه على الاستمرارية في العمل داخل منظمته أو شركته التي يعمل بها.. ولذلك يجب على القائمين على تحديد حاجات التدريب والتنمية زرع مساحة كبيرة من الثقة بينهم وبين الموارد البشرية، وألا يؤخذ أحد بما يفصح عنه من نقاط ضعف، بل على العكس يجب أن يشكر على شجاعته.. هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى يستقصى من المورد البشري أيضًا مواطن القوة لديه، وأن توضع برامج تدريبية لنموها وزيادتها، وتشجيع المورد البشري على ذلك.. وهذا كله يصب في مصلحة المورد البشري الخاصة، ومصلحة المنظمة أو الشركة بصفة عامة.. فضلًا عن تحقيق مصلحة وطنية في النهاية.
وأيضًا تعد الموارد البشرية في المنظمة أو الشركة؛ صاحبة الخبرة الطويلة والكفاءة المشهودة؛ تعد من أهم مصادر تحديد حاجات التدريب والتنمية، لما لها من خبرات ومهارات وكفاءات واحتكاكات داخل العمل بالموارد البشرية المشرفة عليها أو التي ترأسها.. يمكنها كل ذلك من النجاح في التعرف على مواطن القوة ونقاط الضعف للموارد البشرية.. ومن ثم تحديد حاجات التدريب والتنمية لهذه الموارد البشرية التي تعمل معها داخل المنظمة أو الشركة.. وترى أداءها الفعلي رأي العين.
كيف تحدد المنظمة حاجات التدريب والتنمية الاستراتيجية؟
سؤال يطرح نفسه أمام القائمين على وضع استراتيجية التدريب واستراتيجية التنمية في المنظمة أو الشركة.. فما لا شك فيه أن عملية تحديد هذه الاحتياجات تعد خطوة رئيسة وأساسية يُرتكز عليها في تصميم استراتيجية المنظمة أو الشركة لتدريب وتنمية العاملين لديها.. بهدف رفع كفاءاتهم، عن طريق إكسابهم المهارات المطلوبة والخبرات المنشودة... إلخ.
ويمكن للقائمين على وضع استراتيجية التدريب واستراتيجية التنمية تحديد احتياجات التدريب والتنمية عن طريق تعريف حاجات التدريب والتنمية، وتحديد مستويات حاجات التدريب والتنمية، ومصادر حاجات التدريب والتنمية داخل المنظمة أو الشركة أو الهيئة أو المؤسسة.
إن تحديد حاجات المنظمة أو الشركة أو المؤسسة لتدريب وتنمية مواردها البشرية يمر بعدة مراحل يراعى فيها الوقت بشكل كبير .. ومن هذه المراحل:
المرحلة الأولى:
حاجة المنظمة أو الشركة أو المؤسسة لتدريب وتنمية مواردها البشرية؛ وذلك بهدف تطوير وتقدم وتحسين أداء هذه الموارد البشرية في الوقت الحالي أو الآني، فعندما تكتشف فجوة خطيرة بين الأداء الفعلي والأداء المعياري أي المخطط من قبل والمأمول أو المطلوب تنفيذه، وأن هذه الفجوة من شأنها أن تؤثر بشكل قوي وفعال، ومباشر على إنتاجية الموارد البشرية داخل المنظمة أو الشركة أو المؤسسة فعلى متخذ القرار اللجوء إلى التعامل مع هذه الفجوة مباشرة وبشكل سريع فعال، فيتم البدء في تحليل أسباب وقوعها، وآثار نتائجها على العملية الإنتاجية بشكل دقيق، ومن ثم يتم وضع آليات التعامل معها وعلاجها وطرق الوقاية التي تحمي المنظمة من تكرار وقوعها... إلخ.. وهنا تظهر الحاجة إلى تدريب الكوادر البشرية لرفع مستواهم الإنتاجي.. فعلى سبيل المثال: إذا كان مخططًا إنتاج طلبية مكونة من 1000 وحدة في مدة زمنية لا تتجاوز أسبوعًا من صنف معين لقسم معين في شركة ما، وهذا التخطيط مبني على أسس علمية مدروسة، وطبقًا للطاقة الإنتاجية المتاحة، وطبقًا لأعداد الموارد البشرية العاملة.. وبعد انتهاء الأسبوع كان الإنتاج الفعلي 900 وحدة.. هنا تظهر الفجوة ما بين الإنتاج المطلوب تحقيقه، والإنتاج الفعلي متمثل في 100 وحدة.. وهذا يدل على أن إنتاج الموارد البشرية في هذا القسم لم يصل إلى الحد المخطط له والمطلوب تحقيقه.. أي أن هناك فجوة تحتاج إلى تدريب الموارد البشرية لرفع كفاءتها للوصول بها إلى إنتاج الكميات المحددة سلفًا في خطط الإنتاج، بمعنى آخر تحتاج الموارد البشرية إلى برامج تدريبية لرفع وتطوير وتحسين أدائها الحالي لتصل إلى الأداء الذي تحقق به الإنتاجية المطلوبة وهي 1000 وحدة.
المرحلة الثانية:
حاجة المنظمة أو الشركة أو المؤسسة لتدريب وتنمية مواردها البشرية؛ وذلك بهدف؛ رفع مستواها إلى أقصى درجة ممكنه لمواجهة وتحقيق الإنتاجية المطلوبة مستقبلًا.. فإذا كانت الإنتاجية المخططة أو عدد الوحدات المخطط للموارد البشرية في القسم إنتاجها 1300 وحدة ، والإنتاج الحالي لهذه الموارد هو 900 وحدة، إذًا الفجوة بين ما تريده الشركة في المستقبل وبين الأداء الحالي تتمثل في (1300 – 900 = 400 وحدة) وعلى القائمين على وضع البرامج التدريبية أن يضعوا برامج لسد هذه الفجوة، وليس فقط للوصول بأداء الموارد البشرية إلى الأداء المطلوب في الوقت الراهن وهو إنتاج 1000 وحدة بل إلى الأداء المطلوب في المستقبل وهو إنتاج 1300 وحدة.
المرحلة الثالثة:
حاجة المنظمة أو الشركة أو المؤسسة لتدريب وتنمية مواردها البشرية؛ وذلك بهدف ؛ مواجهة حاجات العمل الجديدة من المعارف، والعلم والخبرات والمهارات والسلوكيات والكفاءات .. إلخ التي تفرضها التغيرات البيئية سواء داخلية أو خارجية، والمتوقع حدوثها، والتي ستتعامل معها المنظمة أو الشركة أو المؤسسة مضطرة في المستقبل، فهنا الفجوة التي تحتاج إلى تدريب تتمثل في معرفة وتحديد الجديد الذي سيطرأ على البيئة الداخلية أو المحيطة بالمنظمة أو الشركة، والبدء في تصميم البرامج التدريبية، والبرامج الخاصة بالتنمية لمواجهة هذه التغيرات عن طريق رفع كفاءة ومهارات الموارد البشرية، وهو عمل استباقي وقائي يقي المنظمة أو الشركة من آثار قد تعرض مستقبلها للخطر..

بقلم: محمود عيسى