لاشك أن البيئة الأخلاقية لها علاقة بما يسمى بالأزمة الإدارية, فمن هو صاحب القرار الحقيقي ومن يتخذه المسئول أم مدير مكتبه أو سكرتيره الذين هم بمثابة سلطة خفية ومراكز قوى بشكل جديد، فهم الحاشية وهم رؤساء الظل وهم الكيان الفوقي، وذلك يساعد على سريان الشخصية السلطوية ومنظومة النفاق والرشوة إلى أن اصبحت البيروقراطية هي الوجه القبيح لمديري المكاتب وسكرتارية المسئولين. ولاشك أن الخصوصية الجيدة بين المسئول ومدير مكتبه أو سكرتيره تنعكس بالإيجاب على الطرفين، فإما مقبول وناجح وإما فاشل. وعلى سبيل المثل الذي يقول (وراء كل رجل عظيم امرأة) فوراء كل مسئول ناجح مدير مكتب أو سكرتير ناجح.. ولكن هل الحقيقة الواقعة تفصح عن ذلك، فمديرو المكاتب والسكرتارية موضوعون في مكانة و(برستيج) أكبر من حجمهم.. أم هل أصبح النفاق أحد السمات الأساسية لمتطلبات هذه الصورة أم المكاسب الشخصية والحزازات هي التداعيات لإظهار الوجه القبيح.. وهل توجد اتفاقات مسبقة بين المسئول ومدير مكتبه أو السكرتير على أساسيات معينة لسير العمل بالوجهة التي يراها المسئول.. وهل للمسئول أن يكون دائم التشكك في مساعديه ووضعهم بصفة مستمرة حتي يتحرى الصدق في المعلومات التي تصله.. وماهي المواصفات المثلى لمدير المكتب والسكرتير للمسئول الكبير.

إن وظيفة مدير المكتب أو السكرتير نشأت لتغطية النطاق الزمني والنطاق البدني والذهني لتدعم وتساند المدير أو صاحب القرار وإن المسئول قد استعان بمدير مكتبه أو سكرتيره لأنه لايستطيع أن يوفي جميع الالتزامات (غرقان) في زخم الأحداث الإدارية والاتصالات مع أجهزة رسمية وغير رسمية. أما الجانب الخفي فإن كثيرا من الناس يضعون العيب على مدير المكتب أو السكرتير، وليس معنى ذلك أن هؤلاء ليس بهم عيوب، ولكن أحيانًا يظهر مدير المكتب أو السكرتير كوجه قبيح أمام الراغبين في الاتصال بالمسئول أو صاحب القرار وذلك لحجبهم ومنعهم عن الدخول له ويكون ذلك في الأصل بتوجيهات من المسئول نفسه.
أما الصفات المثالية لمدير المكتب أو السكرتير فلابد أن يكون من خلال أدواره ككاتم أسرار وضابط اتصال وصمام أمان وذاكرة طبوغرافية ومفكرة إلكترونية وداعم ومساند ومكمل للمسئول وفلتر معلومات وترمومتر حساس ومحدد ويتحلي بالأخلاق الحميدة ومجتهد ومرن ومتواضع ومتعاون ويقظ ومبتسم وخبير (اتيكيت) لقياس الرأي العام ومهندس علاقات إنسانية ويتمتع بالديناميكية والأمانة في العرض وأن يكون لديه القدرة العالية على التفاوض بل يجب أن يكون فارسًا وممارسًا ودارسًا للتفاوض ومتى يتكلم ومتى يصمت في النهاية ليكون إنسانا متوازنا ومدير مكتب أو سكرتيرا ناجحا. أما إذا كان المنع ففي هذه الحالة يفقد هذا المدير أو السكرتير مهنيته فمن المفروض أن هؤلاء هم صفوة الصفوة فقد اختار المسئول مدير مكتبه أو سكرتيره واصطفاهم دون غيرهم من العاملين لأن يكونوا شركاء له وداعمين ومساندين فهذه هي الشراكة فهما وجهان لعملة واحدة.. فماذا لو كان يوجد غيره أصلح منه فسوف يتم التغيير حتى يستطيع المسئول تحقيق الإنجازات في الإدارة حتى يظل المسئول في منصبه أو الارتقاء إلى مناصب أعلى وهذه هي الخصوصية بين المسئول ومدير مكتبه أو سكرتيره.
أما الرؤية الواقعية لمديري المكاتب والسكرتارية للمسئولين فهم يسيؤون استغلال ثقة المسئولين فيهم وينحرفون بهذه الثقة بعيدًا ويتم تعطيل مصالح الجماهير ويمنعون ويحجبون عن الالتقاء بالمسئول إلا للمكاسب الشخصية أو لحزازات شخصية أو لتصفية الحسابات. وذلك بالرغم من أن مدير المكتب أو السكرتير هو الترموتر الحساس لقياس المواقف التي يتعامل معها ومعطياتها وأبعادها وتداعياتها إلا أنه أحيانًا كثيرة يرجع إلى المسئول فيما يفعل (وهذا لايصلح في هذه الحالة) فمن المفروض أن يكون مدير المكتب يتمتع بإدارة ذاته في المواقف التي يتعامل معها وفقًا لنمط شخصية المسئول وتوجهاته، فلا يجوز أن يكشف ما لايريد المسئول نفسه الكشف عنه وإلا أصبح مدير المكتب أو السكرتير فاشلا.
ولذلك فالنصيحة التي نقدمها لهذه الفئة أن يكونوا حذرين فحينما تقترب من أهل السلطة فإنهم يستعظمون منك العتاب ويستصغرون فيك ضرب الرقاب ويكون البطش بشراسة. أما النصيحة للمسئولين فعليهم أن يتحروا الدقة في انتقاء مديري مكاتبهم وسكرتاريتهم بحق وإلا أصبحوا هالكين لا محالة بل عليهم أن يضعوهم دائمًا موضع الاختبار والشك حتى يتأكدوا من أن منظومة العمل تسير وفق ما يريدون وللصالح العام.






أما أبرز الصعاب التي تواجه مديري المكاتب والسكرتارية فإنهم كثيرًا ما يئنون بالشكوى من فرط سلبيات المسئول من رفض الأمر المعروض ثم طلبه بغضب والعكس أيضًا صحيح. وبالرغم من ذلك فإن مديري المكاتب والسكرتارية يتفاوتون في تطبيق (الميكانزيمات) والأدوات والآليات الإدارية لتحقيق إنجازاتهم، وإن للمسئولين في حالة الفشل أن العيب كان في مدير المكتب أو السكرتير فالعيب هنا نتيجة عدم الاختيار الصحيح، فعلى المسئول أن يتحرى الصدق فيما ينقل إليه من معلومات عن طريق اختيار شخصيات موثوق فيها غير مدير المكتب أو السكرتير. وأيضًا من أبرز الصعاب تردد المسئول في زخم تقييمه للمواقف وتناقض تعليماته مما يظهر مدير المكتب أو السكرتير كوجه قبيح للمتعاملين. وهنا تكون الطامة الكبرى وهي عدم وجود الأمانة والمصداقية بما يشوش ويشوه القرارات ويعكر الصفاء والنقاء الإداري ويجعل القرارات تنحرف عن مقاصدها ولا تصب في بحيرة الصالح العام للمجتمع أو للمؤسسة.. فلا يوجد عذر لمسئول أن النقص والقصور كان نتيجة مدير المكتب أو السكرتير.
ولذلك فإن من المفروض أن يكون مدير المكتب أو السكرتير هو الصورة الحسنة للمسئول بناءً على الثقة التي أوكلها إليه المسئول لتعامله بشكل مباشر مع الموظفين والمواطنين وحتى لايضع نفسه تحت مسمى (السلطة الخفية) التي أصبحت ظاهرة. وتنبع المشكلة هنا من قداسة السلطة نفسها فيجد المواطن الصعوبة الكبيرة في مقابلة المسئول وذلك لعدم توزيع الاختصاصات في العمل التي تيسر من سهولة الأمور واتخاذ القرارات الصحيحة بالشراكة بين مختلف القطاعات ويعتبر ذلك أحد الحلول لهذه المشكلة، والتي أصبحت ظاهرة داخل مؤسسات كثيرة من أجهزة الدولة.
كما أن عدم التسليم المطلق للأجهزة المساعدة أحد الحلول الأخرى وأن يكون دائمًا محل شك برغم الثقة فيهم لأن ما يجري يعتبر أزمة عامة تخص المجتمع، لأن قياس مدي تقدم أي مجتمع يكون على أساس احترامه للإنسان، ولابد أن يؤخذ ذلك في الاعتبار لاسيما في المرحلة الحالية في ظل السياسة الجديدة للدولة نحو الاتجاه للديمقراطية والتحديث للجهاز الإداري، لأن مشكلة الإدارة في مصر أصبحت ظاهرة اجتماعية ترتبط بمنظومة من البيروقراطية وتعقيدات الجهاز الإداري والمتسببة بصورة مباشرة في وجود هذه الظاهرة، فكما توجد ثورة في مجالات كثيرة فمن المفروض أن توجد ثورة أيضًا في الجهاز الإداري بالتغيير إلى الشكل الأفضل والأيسر من أهداف وأدوات حتى لاتؤثر هذه الظاهرة (البيروقراطية) الإحباط والاضطراب والعجز وعدم التمكن من الوصول والتحدث مع الكيان الفوقي، بينما من الممكن أن يكون الكيان الفوقي بسيطًا ولكن يحول دون ذلك السلطة الوسيطة بالاستعلاء والتملق والرياء بما يتفق مع التفسير العلمي بما يسمي (الشخصية السلطوية) لما يمارسه من قهر علي من هم أقل شأنًا منه ويظهر الضعف والذل لدي الأعلى منه شأنًا. فالبيروقراطية ظاهرة سلبية ليست في صالح المجتمع ولا في صالح التماسك الاجتماعي الذي إذا توفر سيكون المجتمع متقدما ببنيان متماسك.
أما المردود الاقتصادي لهذه البيروقراطية في أجهزة الدولة فهذه البيروقراطية تساهم بشكل مباشر في ضياع الوقت سواء من المواطنين أو المسئولين نتيجة تعنت مديري المكاتب والسكرتارية مما يترتب عليه إنتاج مفقود يحقق عائدا ضائعا على الاقتصاد القومي. لذلك يكون من الضروري اختيار هذه الفئة بدقة ووفقًا لمعايير من الكفاءة وحسن التعامل بالإضافة إلى التدريب الجيد المستمر لتمكينهم من استيعاب تطورات التكنولوجيا في مجال الإدارة المكتبية التي تمكنهم من سرعة إنجاز ضغط التعاملات على مكاتب المسئولين دون الحاجة إلى تحويل هذه المعاملات علي المكاتب الفرعية. وذلك يساهم بشكل مباشر على عنصر الوقت الذي أصبح أحد التحديات التي تواجهنا والتي إذا تم استخدامها بشكل أفضل سوف تكون إضافة حقيقية للإنتاج تؤدي إلى زيادة الناتج القومي بصورة مباشرة ويترتب عليها بصورة غير مباشرة زيادة في دخول ورواتب الموظفين الحكوميين بما يؤدي بفعل آثار المضاعف إلى زيادة الإنتاجية للجميع وكفاءة أكبر في الإدارة الحكومية.
وللكشف عن حقيقة خفية فإن مدير المكتب أو السكرتير لايستطيع أن يصدر قرارا أو الإدلاء بأي معلومة إلا أن يرضى عنها المسئول وبذلك لا يستطيع المسئول أن يظهر السلبيات ويظهر كل ما يصدر إيجابيات لأنه إذا أظهر السلبيات سيكون مصيره الإقالة أو إجباره على الاستقالة، وبذلك تصبح كل المعلومات التي يصدرها هي المعلومات البراقة التي تتناغى مع صانع القرار الأقرب، وهذا هو الحال في غالبية بلدان العالم الثالث وتصبح البيانات والإحصائيات كاذبة ولا مرجعية لها.. وللأسف يعلم العالم الخارجي أن 98% من إحصائيات دول العالم الثالث غير سليمة، بالإضافة إلى امتلاك العالم الخارجي من وسائل التكنولوجيا الحديثة بما يؤهلهم لمعرفة المعلومات أكثر من المسئولين داخل هذا العالم.
وبذلك نستطيع القول أنه توجد أزمة مجتمعية كاملة في السياسة والاقتصاد والثقافة ولا يوجد حل غير إعطاء الحرية الحقيقية وليست بدرجات أو جرعات ليتحرك المجتمع حتى في ظل وجود أخطاء لن يكون ذلك لأكثر من دورة أو دورتين وبعد ذلك ستفرز الحرية مزيدًا من الحرية.

بقلم: أحمد العدوي