نسمع من الناجحين، والمهتمين بتنمية وتطوير الذات، والمحللين النفسيين وغيرهم.. كلامًا كثيرًا حول الفشل والإخفاق وكيفية تحويله لنجاح، بل يذهب كثير منهم إلى اتفاق غير مكتوب تتضمنه عبارات كثيرة: «إن الفشل من أهم أسباب النجاح»، «الضربة التي لا تميتني فهي تقويني..»، والحقيقة المعروفة للكثير أن كل المخترعين العظام في تاريخ البشرية لم يتوصلوا إلى اختراعاتهم من أول مرة، بل إن منهم من توصل إلى اختراعه بعد آلاف المحاولات الفاشلة، ولم ييأس وهذا نهج من تتوافر فيهم الهمة والإرادة العالية، والرغبة في تحقيق النجاح والتميز.. وهناك الكثير من العلماء في مختبراتهم في المجالات المتنوعة يتعرضون إلى الإخفاق في تجاربهم التي يسهرون عليها الليل، ويواصلون العمل في النهار، ولم يثنهم هذا الفشل أو الإخفاق عن مواصلة البحث والتجربة حتى يتوصلوا إلى ما يريدون من نتائج واختراعات.
والحقيقة أيضًا أن ما من إنسان (أو إنسانة) يريد أن يكون الفشل أو الإخفاق مصيرًا لأي عمل يقوم به، أو يؤديه سواء كان عملًا خاصًا، أو عملًا في مصنع، أو منشأة أو غيرها.. فالكل بالتأكيد لا يتمنى الفشل لنفسه؛ حتى ولو كان العمل الذي يقوم به بسيطًا وسهلًا، أو غير ذي أهمية كبيرة.. فالكل يسعى إلى أن يكون النجاح حليفه، والتوفيق مصير أي عمل يقدم عليه، سواء كان دراسة، أو وظيفة، أو تجارة، أو صناعة. فالسعي إلى النجاح هو الأمر الطبيعي الذي يستقيم مع الفطرة السوية للإنسان (أو الإنسانة) الطبيعي، الذي يسعى في الأرض لإعمارها، متمنيًا لنفسه الحياة الكريمة.
ومن الحقائق الملموسة أيضًا أن طريق النجاح والتميز، وتحقيق الأهداف ليس مفروشًا بالورود، وليس سهلًا، وفي الوقت ذاته ليس مستحيلًا، ويتطلب من كل سائر فيه بذل الجهد، وبذل العطاء، والجد والاجتهاد، والعمل المتواصل، وعدم التسويف، كما يتطلب التغلب على العقبات والمشكلات، والأسباب التي تؤدي إلى عدم تحقيقه؛ أي أسباب الفشل أو الإخفاق في الوصول إلى تحقيق الأهداف التي رسمها لنفسه، ووضعها في خطة قابلة للتنفيذ، وعمل على تنفيذها.
والأسئلة التي تطرح نفسها: هل كل إنسان (أو إنسانة) قادر على كشف وتحديد المشكلات والمعوقات التي تسبب له الفشل أو الإخفاق، وتقف حائلًا بينه وبين النجاح ؟ وإذا كان الإنسان (أو الإنسانة) قادرًا على هذا الكشف فكيف يحدد هذه المشكلات والعقبات والعوائق، أو بمعنى آخر كيف يكتشف أسباب الفشل أو الإخفاق؟ وكيف يتم التعامل معها للقضاء عليها وتحويلها من أسباب فشل أو إخفاق إلى دافع نحو النجاح؟
بالتأكيد أن لكل مشكلة حلًا، ولكل عقبة وسائل للتخلص منها، والمهم أن نتعرف على المشكلة أو العقبة أو العائق، ونحدد هذه المشكلة تحديدًا صحيحًا؛ ونحدد أسباب نشأتها؛ ومدى خطورتها، ثم نضع بعد ذلك الحلول الكثيرة التي يمكن عن طريق أحدها أن يتم حل تلك المشكلة؛ ونضع بدائل لهذه الحلول؛ لإتاحة فرصة أكبر للتعامل مع هذه المشكلة، ثم نختار الحل الأفضل المتاح أمامنا، ثم نجربه هل فعلًا يحل المشكلة، ويقضي عليها أم هناك حاجة إلى اللجوء إلى حلول أخرى أفضل.. وهكذا إلى أن نتوصل إلى الحل الأفضل من بين الحلول المطروحة بعد خوض وضعه تحت التجربة.
ما هي الأسباب التي قد تؤدي إلى الفشل أو الإخفاق؟
من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في الأسباب التي تؤدي إلى الفشل أو الإخفاق من إنسان (أو إنسانة) لإنسان آخر.. فالناس متنوعون ومختلفون في كثير من الأشياء؛ فليس هناك إنسان مطابق لآخر بنسبة كبيرة، قد يتشابه إنسان مع آخر في بعض الأشياء، ولكن الاختلاف يكون في كثير من الأشياء، وهذه من سنن الله في خلقه.. ثم يرجع ذلك إلى اختلاف الثقافات، والمعرفة، والخبرات، والتجارب، والبيئة، والظروف الحياتية، والمستويات الاجتماعية، والحالات الصحية - وغيرها - بين الناس.. ومن ثم فإن أسباب الفشل أو الإخفاق التي تعيق نجاح الإنسان في أي عمل يقدم عليه، أو يقوم به، تختلف بالتأكيد وتتنوع من إنسان لآخر.. وهناك الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى الفشل أو الإخفاق نتعرض هنا لبعضها.. أو لأهمها:
• سبب للفشل أو للإخفاق؛ عدم هدف غير مُحَفِزْ: كثير من الناس وخاصة الشباب، عند تحديدهم أو وضعهم الهدف يتصورون الحصول على شيء ما مادي ملموس، مثل: المؤلف الذي يتصور خروج كتابه للنور وحصد المبالغ المأمولة من ورائه، أو التاجر الذي يتصور الحصول على ربح كبير من وراء تجارته، أو اللاعب الذي يتدرب بجدية لتحقيق هدف اللعب في أكبر نادٍ والحصول على مبالغ كبيرة، والشاب الذي يضع المذاكرة وسيلة لتحقيق هدف الحصول على درجات تؤهله الالتحاق بالكلية التي يرغب فيها... إلخ.. إن الخطأ هنا يكمن في تصور كل إنسان للنتيجة، إذا كان الهدف الذي يسعى لتحقيقه ينحصر في تحقيق نتيجة مادية ملموسة فقط، ولا يسعى إلى تحقيق الإشباع النفسي المعنوي المتمثل في الشعور بالنجاح لحظة تحقيقه، فإن هذا الهدف ينقصه أهم شيء؛ ألا وهو الحافز الإيجابي الداخلي الكامن في النفس؛ الذي له الدور الأكبر في تحقيق هذا الهدف.
• سبب للفشل أو للإخفاق؛ عدم توافر التخطيط السليم: إن من الأسباب الجوهرية للفشل أو الإخفاق أن يحدد الهدف من دون توافر آليات التخطيط السليم، فمن الطبيعي أن ما بني على خطأ ستكون نتيجته خطأ، إذ إن عدم وجود طريق سليم يسلكه صاحب الهدف، فإن الطرق ستتعدد به، ويضل الطريق الصحيح الذي يوصله إلى تحقيق هدفه، وقد يصل بسلوك طرق متعددة وملتوية، وفي هذا إهدار كبير للجهد والمال، وقد لا يعوضه النفع المادي المنتظر من وراء تحقيق الهدف، فمثلًا: أراد شاب توافر لديه مبلغ من المال أن يدخل مجال صناعة منتج ما رأى رواجه التجاري، فأخذ قراره دون أن يجري دراسة جدوى للمشروع، ومن خلالها يستطيع أن يستكشف هل السوق ستتحمل منتجه الجديد أم متشبعة بما يطرح فيها؟ وهل لديه الإمكانيات المالية والبشرية التي ستمكنه من تقديم منتج يتمتع بجودة أعلى وسعر منافس لما هو مطروح من نفس المنتج لشركات أخرى قائمة؟ وإلى غيرها من الأسئلة التي تجيب عليها دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع الذي يريد أن يستثمر ماله فيه.. فمن الخطأ أن يغامر من دون علم وتخطيط مدروس، ويعرض نفسه للفشل أو الإخفاق.
• سبب للفشل أو للإخفاق، الخوف المرضي والخوف الطبيعي من الفشل: إن الخوف المرضي (الفوبيا) من الفشل يؤدي بالإنسان إلى عدم الخوض أصلًا أو عدم الإقبال على فعل شيء ما يخشاه، أما الخوف الطبيعي فمن الخطأ أن يمنع صاحبه على الإقبال على تحديد هدف ما والسعي إلى تحقيقه، فلا ينبغي أبدًا أن يتجنب الإنسان العمل في تنفيذ هدف ما نظرًا لخوفه من تحمل مخاطره، أو تحمل نتيجة فشله إن فشل في تحقيق الهدف.
• سبب للفشل أو للإخفاق، الأفكار الهدامة، واستحضار الذكريات الأليمة: إن الأفكار الهدامة من أهم أسباب الفشل الذي قد يتعرض له الإنسان، فترى الإنسان يقعد عن تحقيق هدف علمي بين يديه خوفًا من أنه قد يعرضه لاكتساب صفة الكبر في تعامله مع الناس، أو إذا حقق هدف تجميع ثروة كبيرة قد تعرضه فتنة المال إلى إنفاقه في طريق الحرام والملذات، والبخل به عن أوجه الخير، وأن هذا الثروة قد تكون سبب هلاكه في الدنيا والآخرة، وبالتالي الفقر أفضل وأوقى له.. وغيرها من الأفكار السلبية الهدامة التي تقعد الإنسان عن تحديد هدف نافع والسعي إلى تحقيقه.. ومن العواقب الوخيمة التي تساعد الأفكار السلبية الهدامة في تحقيقها شعور صاحبها بالتعاسة، وعدم الراحة، وتملأ نفسه بالتشاؤم، وعدم الاطمئنان للمستقبل، وتدفعه إلى الانطواء والابتعاد عن الاختلاط بالناس، وعدم الاستفادة من الحياة الاجتماعية السوية، مما قد يصيبه بالاكتئاب وما يحتويه من أضرار كبيرة على صحته النفسية والعقلية.
وسائل مساعدة للتعامل مع أسباب الفشل أو الإخفاق والقضاء عليها:
• أوجد ورسخ (رسخي) في نفسك هدفًا مُحَفِزًا ودافعًا: بالتأكيد أن لكل إنسان أهدافًا يتمنى تحقيقها في حياته، ولكن في واقع الأمر؛ نجد كثيرًا من الناس يفشلون في تحقيق الكثير من أهدافهم، ومن ضمن أسباب هذا الفشل أنهم ينظرون لما يحصدون، ولا يحفزون أنفسهم كما ينبغي لتحقيق هذه الأهداف، ومن أهم ما يحفزون به أنفسهم هو الجانب المعنوي - هذا بجانب الناحية المادية التي سيجنونها من وراء تحقيق أهدافهم - المتمثل في الشعور الجميل الذي يستشعره الإنسان عند تحقيق أهدافه، وهذا الشعور يعمل عمل السحر داخل النفس البشرية، ويلهم صاحبه ويحفزه دومًا، ويكون دافعًا إيجابيًا له.
• امتلك (امتلكي) وسائل وطرق التخطيط السليم للهدف الذي حددته: إن امتلاك وسائل وطرق التخطيط لا يأتي من دون تعلم ذلك، وهو أمر ضروري ومهم لكل من يبتغي النجاح والتميز.. إذ إن التخطيط السليم للهدف يضمن له نسبة كبيرة في النجاح، ومن أهم وسائل التخطيط أن يكون لدى الإنسان علم ينير له بصيرته عند التفكير في هدف ما، إذ الحلم بتحقيق هدف ما والإنسان يجهل كل شيء عن وسائل تحقيقه هو درب من الأماني التي لا يمكن تحقيقها. ومن الوسائل أيضًا أن يلجأ الإنسان بعد العلم إلى أصحاب الخبرة ليستشيرهم، فالمستشار مؤتمن، وهو ينقل خبرته وتجاربه لمن يستشيره سواء كانت الاستشارة مقابل أجر أو من دون مقابل.. وأيضًا من الأسباب أن يرى الإنسان في نفسه القدرة الذهنية، والبدنية، والصحية لتحمل تنفيذ أعباء هدفه الذي حدده.. فمن غير المنطقي أن يحدد إنسان هدفًا يتطلب منه أن يكون لائقًا صحيًا وهو لديه مرض مزمن، فهذا غير منطقي.
• رسخ (رسخي) في نفسك أن الخوف الطبيعي من الفشل من أهم أسباب النجاح: كثيرًا ما نسمع عبارات، وترددها ألسنتنا «إن من خاف سَلِم» و«الخوف نصف النجاح» وهذه العبارات صحيحة.. إذ إن الخوف الطبيعي من الفشل لا يمنعك؛ ولا يجب أن يمنعك من تحديد هدفك والخوض في تنفيذه، فتحمل الأخطار والأخطاء هو جزء كبير من النجاح، فمن المعلوم أن كافة المخترعات التي أفادت البشرية منّ الله سبحانه وتعالى بها على من سعى في اختراعها بعد محاولات وتجارب كثيرة فلم يصل أي مخترع إلى اختراعه من أول مرة، والنماذج على ذلك كثيرة، فالخوف الطبيعي من الفشل يولد في صاحبه قوة التحدي لقهر هذا الفشل، وإن وقع الفشل في محاولة يأخذ من هذا الفشل قوة دفع جديدة تدفعه نحو التخلص من هذا الفشل، وهذا هو العلاج الداخلي الصحيح للتعامل مع الخوف الطبيعي للفشل، فضلًا عن العلاج الخارجي المتمثل في أن أي عمل يحمل نسبة معينة من الفشل، إذ لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى، وعلى الإنسان ألا يقعده هذا الخوف الطبيعي عن الخوض في التجربة أكثر من مرة، ويتعلم من كل مرة يخفق فيها إلى أن يصل إلى تحقيق هدفه الذي خطط له تخطيطًا علميًا سليمًا، وسعى في تنفيذه بجد واجتهاد؛ من دون كسل أو تسويف.
• استبدل (استبدلي) الأفكار الهدامة (واستحضار الذكريات الأليمة) بالأفكار الإيجابية البناءة (واستحضار الذكريات الجميلة): ردد في نفسك دومًا لا للأفكار الهدامة، لا للذكريات الأليمة.. نعم للأفكار الإيجابية، والذكريات الجميلة.. وتذكر أن الاستسلام إلى الأفكار الهدامة لن يعود على صاحبه إلا بالفشل والإخفاق في كل شيء، لأن هذا الاستسلام سيقعده عن العمل أصلًا، ومن المؤكد أن العمل هو سبب قوي ومباشر لتحقيق الأهداف.. وعلى النقيض من ذلك تمامًا.. تدفع الأفكار الإيجابية البناءة صاحبها إلى النظر في المآل الحسن الذي سيكون عليه بعد تحقيق أهدافه، فمن كانت أهدافه من تجميع ثروة كبيرة: نفع نفسه وآله، ومجتمعه ووطنه، عن طريق استثمارها في مشاريع توفر فرص عمل، وتفتح بيوت من ورائها، ويخرج زكاة هذه الثروة لأصحابها من الفقراء والمساكين... إلخ، ويساهم في تقوية اقتصاد وطنه، ويساهم في أعمال الخير المتنوعة.. ومن كان هدفه أن يكون عالمًا ينتفع بعلمه في حياته وبعد مماته فهو فائز بالتأكيد.. كما بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية وعمل صالح ينتفع به وولد صالح يدعو له» رواه مسلم.
•إن الأفكار الإيجابية البناءة يدفع الإنسان إلى عدم الخوف من النجاح، بل العكس هو الصحيح؛ إذ إن الأفكار الإيجابية البناءة تدفع إلى الحث على العمل الدؤوب المفيد، والبحث عن الفرص المتاحة، والحث على الابتكار والإبداع، وإخراج مكامن النفس من الطاقات غير المستغلة، ومن آثار الأفكار الإيجابية البناءة، واستحضار الذكريات الجميلة أنها تشعر صاحبها بالسعادة، والإقبال على الحياة بروح وثابة مشرقة، وثقة كبيرة فيما عند الله من ثواب في الدنيا، وأجر كبير في الآخرة، وثقة في إمكانيات وقدرات صاحبها على التفكير السليم، والتخطيط الصحيح، والعمل الجاد النافع، ومن ثم القضاء على أسباب الفشل أو الإخفاق التي تضيق الخناق على صاحبها، وتحصر تفكيره في نطاق ضيق، واستبدال ذلك بالانطلاق نحو آفاق النجاح والتميز الواسعة الرحبة.

بقلم: فاطمة موسى