العلاقة بين المدير ومرؤوسيه في مكان العمل، لها أشكال كثيرة، ومظاهر عدة.. وتقوم على مبادئ قيّمة وثابتة في أحيان، ومبادئ مختلفة ومتضاربة في أحيان أخرى، وتتحكم فيها وترسم طريقها بين الطرفين دوافع داخلية.. ويتوقف نجاح هذه العلاقة أو إخفاقها وفشلها على عوامل عديدة، منها مدى الحرص الحقيقي المتوافر داخل كل من المدير والمرؤوسين على تحقيق أهداف ومراحل الخطط الموضوعة من قبل الإدارة العليا، ويتوقف نجاح هذه العلاقة أيضًا على حجم الثقافة العامة التي يتمتع بها كل من المدير والمرؤوسين، وحجم الكفاءة والخبرة والجدارة - الناتجة عن التعلم والتدريب، والممارسة العملية - لدى المدير،التي تؤهله لقيادة الآخرين بفاعلية، وتلعب دورًا كبيرًا في نجاح توجيههم والإشراف عليهم، وفي المقابل مدى كفاءة ومهارات المرؤوسين..
ومن عوامل نجاح، أو إخفاق العلاقة بين المدير والمرؤوسين في العمل ما يتعلق بالنواحي النفسية، ومدى اتزان العامل النفسي المحرك لكل منهم، وعدم تأثير الحالة المزاجية في عملية اتخاذ القرارات الخاصة بالمرؤوسين من قبل المدير، وعدم تأثير الحالة المزاجية في قبول، أو عدم قبول هذه القرارات من قبل المرؤوسين، والبعد التام عن «شخصنة» المواقف التي تتم أثناء العمل وتتعلق به، ومن عوامل نجاح، أو إخفاق العلاقة بين المدير والمرؤوسين في العمل أيضًا ما يتعلق بالظروف الاجتماعية الخاصة بكل منهم؛ فإن كانت الظروف الاجتماعية للمدير مثلًا يعتريها الكثير من المشكلات وتؤثر على مزاجه العام، وتصيبه بالتوتر؛ فإن ذلك قد ينعكس على تعاملاته مع مرؤوسيه، وتؤثر في طبيعة العلاقة بينهم، وتجعلها علاقة متوترة، وغير مرغوب فيها من قبل المرؤوسين.. ومن عوامل نجاح أو إخفاق العلاقة بين المدير والمرؤوسين وتؤثر على الثقة فيما بينهم، ما يتعلق بالطبيعة الشخصية الخاصة (شخصية حادة المزاج - شخصية متوترة - شخصية غير ناضجة - شخصية متهورة - شخصية سريعة الانفعال... إلخ) لكل منهم، ومنها ما يتعلق بالمكاسب المادية المتوقعة أو المنتظرة، ومنها ما يتعلق بالتقدير المعنوي، ومنها ما يتعلق بالنجاح الشخصي في إنجاز العمل، ومنها ما يتعلق بمشاعر الحب والكره، أو البغض غير المتزنة، ومنها ما يتعلق بطبيعة، أو بيئة العمل الداخلية، ومنها ما يتعلق ببيئة العمل الخارجية، ومنها ما يتعلق بثقافة المنظمة، أو الشركة، أو المؤسسة، أو الهيئة.. كل ذلك وغيره من العوامل الشخصية، والنفسية، والعلمية، والثقافية، والتدريبية، والاجتماعية، والمادية، والعملية... إلخ تؤثر بلا ريب في العلاقة بين المدير ومرؤوسيه، وتحدد شكلها، واتجاهها، وطبيعتها، وملامحها المستقبلية.. وينعكس هذا الأثر على مكان العمل بشكل مباشر، ومن ثم على مستقبل الشركة، أو المنظمة، أو الهيئة بشكل مباشر، وغير مباشر أيضًا.. وغني عن البيان.. إن كانت هذه العلاقة بين المدير ومرؤوسيه قوية، ومتطورة، وفعالة، وعلى الوجه الأفضل طبقًا للمتعارف عليه علميًا، وإداريًا، واجتماعيًا... إلخ فإن ذلك سينعكس بالإيجابية والفعالية على العمل داخل الشركة، أو المنظمة، وسيترجم في جودة ما تنتج من سلع، أو ما تقدمه من خدمات.. والعكس صحيح فإن كانت العلاقة بين المدير ومرؤوسيه ضعيفة، وتتسم بالسلبية، والجمود، وعدم الفعالية.. فإن لذلك أثرًا سلبيًا مباشرًا، وغير مباشر على جودة السلع التي تنتجها الشركة، أو المنظمة، أو الخدمات التي تقدمها.. ومن ثم تؤثر على مستقبل الشركة أو المنظمة، وتهدد استمراريتها، وبقائها.
أسباب نجاح العلاقة بين المدير ومرؤوسيه:
يمكننا استعراض أهم أسباب نجاح العلاقة بين المدير ومرؤوسيه، التي تعمل على هدم الحواجز بأشكالها المختلفة، والمتنوعة، ولا تجعلها تمثل عوائق، أو حوائط صد، أو معاول هدم.. بل تجعلها على النقيض معاول بناء للثقة، وأفكار متبادلة تعمل على التجديد، والتطوير، والإبداع، والابتكار من خلال التعاون البناء.. وهذه الأسباب ليست على سبيل الحصر.. فقد يكون هناك العديد من الأسباب التي تتسم بالقيّمة والفعالية، ولم نأت عليها، ومن أهم هذه الأسباب:
• المشاركة في إعداد الخطة الاستراتيجية الخاصة بالإدارة، أو الوحدة، أو القسم في المنظمة: إن مشاركة المرؤوسين لرئيسهم، أو مديرهم في إعداد الاستراتيجية الخاصة بالإدارة التي يعمل في إطارها الوحدة أو القسم، تعد من أهم العوامل المساعدة في توطيد العلاقة بين المدير ومرؤوسيه، إذ في هذه المشاركة نوع من الاحتكاك، ونوع من التقارب، والتعرف على الأفكار، وتعرف المدير على طبيعة شخصية المرؤوسين عن قرب، وكذلك تعرف المرؤوسين على طبيعة شخصية المدير.. وفي المشاركة بالرأي، أو الاقتراح، أو الفكرة نوع من أنواع تحمل المسؤولية بشكل غير مباشر من قبل المرؤوسين، ويتولد عن المشاركة بالرأي شعور أصيل لدى المرؤوسين أن نجاح هذه الاستراتيجية واجب عليهم لأنها ناتجة من بنات أفكارهم، وينتج عن المشاركة أيضًا رفع الروح المعنوية لدى المرؤوسين، وشعورهم بقيمتهم، وأهمية آرائهم.. وهذا يولد في نفوسهم الولاء للمنظمة، أو الشركة، أو المؤسسة، ويدفعهم ويحفزهم على زيادة الإنتاج، وعلى جودة المنتجات.. ومن مزايا المشاركة أيضًا أنها تساعد على اكتشاف المواهب، وتشجيع التوجه نحو الابتكار، والإبداع.. وكل ذلك يقوي ويعضد العلاقة بين المدير ومرؤوسيه، ويهدم جزءًا كبيرًا من الحواجز المصطنعة بينهم.
• الفهم الواضح للأهداف العامة للخطة الاستراتيجية للمنظمة، وكذلك الأهداف الخاصة للخطة الاستراتيجية للإدارة، أو الوحدة، أو القسم بعد وضعها، وبلورتها: إن مشاركة المرؤوسين لمديرهم في إعداد خطة الإدارة أو القسم لا يعد كافيًا في حد ذاته.. بل يجب عليهم دراسة أهداف هذه الخطة، وألا يبخل عليهم المدير بالمعلومات المساعدة على عملية هذا الفهم الواضح الشامل.. وأن يشعرهم بحرصه على رفع مستواهم المعرفي، والثقافي، وأن هذا الأمر له أولوية كبيرة عنده، وأن ارتفاع مستواهم المعرفي، يعمل على ثقل خبراتهم، وزيادة مهاراتهم، وأن هذا يجب أن يسخر في خدمة نجاح الخطة التي شاركوا في وضعها، وفهموا أهدافها.. ومما لا شك فيه أن حرص المدير على جعل مرؤوسيه في مستوى علمي، ومعرفي، وثقافي متقدم يساعد في فهمهم لأهداف الخطة الموضوعة، ومن ثم يساهم في إنجاز العمل في المنظمة على الوجه المحدد في الخطة، فضلًا عن مساهمة ذلك في تطوير وتنمية أداء المرؤوسين لمواجهة أعباء العمل الحالية، ورفع كفاءتهم لمواجهة الأعمال المستقبلية التي تتطلب تطويرًا مستمرًا في مستواهم المعرفي، والمهاري.. وهذه المساهمة في النهاية من شأنها أن تشعر المرؤوسين بمدى حرص، واهتمام مديرهم بتنمية، وتطوير قدراتهم، ورفع كفاءتهم، مما يشعرهم بالأمان الوظيفي، وعدم الخوف على مستقبلهم العملي.. هذا فيما يتعلق بالأهداف الخاصة للخطة الاستراتيجية للإدارة، أو الوحدة، أو القسم، أما فيما يتعلق بالأهداف الخاصة بالخطة الاستراتيجية العامة للمنظمة أو الشركة فيجب على المدير أن يربط بينها وبين الأهداف الخاصة للخطة الاستراتيجية للإدارة، أو الوحدة، أو القسم، ويوضح لمرؤوسيه أن أهداف الإدارة جزء لا يتجزأ من الأهداف الموضوعة في الخطة الاستراتيجية العامة للمنظمة، التي تتكون في مجملها من مجموع خطط الإدارات المتنوعة في المنظمة، ويجب على المدير أن يبين ويشرح أهداف الخطة الاستراتيجة العامة للمنظمة، وأن دورنا كإدارة,كقسم مهم وأساسي في نجاح هذه الخطة العامة، من خلال نجاحنا في تحقيق خطتنا الخاصة، فالكل يعمل من أجل هدف واحد، وهو رفعة شأن المنظمة أو الشركة، من خلال كفاءة منتجاتها، وتعظيم أرباحها، ونيل رضا عملائها، والعمل على كسب شرائح جديدة دومًا من الزبائن والعملاء.. كل ذلك وغيره من قِبل المدير يساعد على بناء الثقة في العلاقة بينه وبين مرؤوسيه؛ ومن خلال هذه الثقة يتم التعاون البناء بينهم في رفع شأن المنظمة، أو الشركة، أو المؤسسة التي يعملون بها..
• الفهم الواضح للأهداف المرحلية التنفيذية: إن وضع الخطط موضع التنفيذ هو غاية التخطيط الفعال، إذ التخطيط للتخطيط لا يفيد، ولا يغني من جوع، فلابد من تنفيذ ما جاء في هذه الخطط.. والتنفيذ لا يكون إلا من خلال خطط مرحلية، أي أهداف مرحلية لابد من تحقيقها في أوقاتها الزمنية، حتى يتم تحقيق الخطة الخاصة بالإدارة، وكذا الإدارات الأخرى، وبالتالي تتحقق الخطة العامة للمنظمة أو الشركة.. ولذلك يقع على المدير الناجح أن يوضح لمرؤوسيه أهمية تنفيذ الخطة في مراحلها التنفيذية المخططة سلفًا حتى تؤتي ثمارها.. وأن يعلم المدير أن هذا البيان أو التوضيح ليس من باب الفضول، بل من باب الواجبات عليه.. حتى يضع مرؤوسيه في موضع المسؤولية.. وألا يترك مجالًا للتخاذل أو التهاون في تنفيذ الخطة في مراحلها الزمنية، حتى لا تتعرض الخطة للإخفاق أو الفشل.. والمدير الذي ينجح في توضيح الأهداف المرحلية التنفيذية للخطة، والتعامل بشفافية مع مرؤوسيه بلا شك يبني علاقة وطيدة معهم، ويشعرهم بدوره التوجيهي الحريص على مصلحة العمل، ومصلحتهم الشخصية، وهذا الدور يساعد بشكل كبير في بناء الثقة بينهم.
• الرغبة في الإنجاز والنجاح: إن أداء المرؤوسين لأعمالهم المخططة والمرسومة، لم يعد أمرًا كافيًا كي تحقق المنظمة، أو الشركة، أو المؤسسة، المكانة المرموقة، في ظل التنافسية الشديدة التي تجتاح العالم، فضلًا عن التنافسية الشديدة في المحيط الإقليمي، والمحيط المحلي.. والمدير من الضروري أن يكون على دراية كبيرة بحقيقة هذا.. ومن ثم عليه أن يحث مرؤوسيه على بذل كل الجهد، وإخراج كل الطاقة، فضلاً عن استخراج الأفكار المبدعة، والابتكارات الخلاقة، التي تميز منتجات المنظمة أو الشركة، وتحقق من خلالها ميزة تنافسية، تمكنها من تثبيت أقدامها في سوق الأعمال، فضلاً عن زيادة حصتها السوقية.. ولكي يتمكن المدير من ذلك عليه أن يهدم الحواجز بينه وبين مرؤوسيه، وأن يبني جدرًا عالية من الثقة، والتعاون البناء معهم.. فوجود الرغبة الراسخة للنجاح والإنجاز في نفوس المرؤوسين، فضلًا عن تأصيلها في نفس المدير، ووضع هذه الرغبة موضع التنفيذ الفعال.. لا شك أن هذه الرغبة المشتركة من أهم عوامل بناء علاقة وطيدة بين المدير ومرؤوسيه.. هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى لا تقل أهمية عن ذلك وجود رغبة مشتركة بين المدير ومرؤوسيه تجاه عدم الإخفاق، أو عدم الفشل.. من العوامل المساعدة والأساسية في بناء تعاون فعال وقوي بين المدير ومرؤوسيه.. وهذا يدعم، ويقوي أيضًا أواصر الثقة بينهم.. وكل ذلك يصب في صالح المدير، وصالح المرؤوسين، فضلًا عن تحقيق المصلحة العامة للمنظمة، أو الشركة، أو المؤسسة.. وفي نهاية المطاف تحقيق المصلحة الكلية للوطن.
• العمل بروح الفريق: إن ترسيخ المدير لفكرة العمل بروح الفريق، وأن إدارته بما فيها من مدير، ومشرفين، وموظفين، وعاملين.. إنما هي كالبيت الواحد، الذي يشتمل على أسرة واحدة.. تجمعها أهداف واحدة، يعم خير نجاحها عليهم جميعًا، يعملون بروح الفريق الواحد لإنجاز الأعمال بكفاءة عالية، وجودة مميزة، كل ذلك وغيره يضع أهم اللبنات في جدار الثقة بين المدير ومرؤوسيه.. وتجعل منه الحصن الحصين الذي تتكسر عليه معاول الهدم في المستقبل.
• بناء أواصر اجتماعية: إن المدير المتواضع، البشوش، لين الجانب في حزم غير منفر، أو مفتعل، الودود، المقدر دومًا لأهمية العلاقات الإنسانية بين وبين مرؤوسيه في العلم، تراه مقربًا إلى نفوس هؤلاء المرؤوسين، وتراهم يتقبلون توجيهاته، وإرشاداته، وأوامره بصدور رحبة، وعقول متفتحة، وهمة ونشاط وفاعلية في تنفيذها، وتراهم أيضًا يثقون في تقديره - المالي أو المعنوي - لهم، ولما يبذلون من جهد، وتفان وإخلاص في إنجاز الأعمال.. فبناء المدير لأواصر اجتماعية إنسانية بينه وبين مرؤوسيه، وحرصه على تقويتها، وتفعيلها، يعد من أهم العوامل المذيبة لجبال الثلج التي قد تعترض بناء جدار الثقة بينه وبين مرؤوسيه.. إذ إن التعامل الإنساني القائم على احترام الإنسان كإنسان، يشعر المرؤوسين بنوع من الراحة، والتقدير الذاتي لأنفسهم.. فتودد مديرهم معهم، وقيامه بمشاركتهم في مناسباته الاجتماعية، تزيد من تلك الأواصر الاجتماعية، وتعضدها.. وكل ذلك يسهل المسير في طريق النجاح المنشود في الإدارة، أو الوحدة الإنتاجية، أو القسم، ومن ثم في طريق نجاح المنظمة، أو الشركة، أو المؤسسة ككل.
• المرونة في العمل، وفي التعامل بين المدير ومرؤوسيه: المرونة سلاح قوي وفعال في إنجاز الأعمال بكفاءة، وفي تبادل الأفكار، وفي نقل الخبرات، وفي اكتساب المهارات، فليس هناك من يملك الحكمة كاملة، وليس هناك من يعرف كل شيء في أي شيء، فكل إنسان مهما أوتي من علم، فهو جاهل لعلوم أخرى.. ولذلك من أكثر الناس جهلًا من يظن في نفسه أن يملك العلم وحده، وأن رأيه لا يعلى عليه، وأن رأي غيره لا يرقى إلى رأيه، ومن هذا المنطلق على المدير الذي يريد أن يبني جدرًا صلبًا من الثقة بينه وبين مرؤوسيه أن يرى دومًا أن رأيه ليس صحيحًا على طول الخط، وأن رأي مرؤوسيه خطأً على طول الخط.. ويحذر من النداء الداخلي الخادع لصاحبه: أنت المدير.. إذًا فرأيك لابد أن يكون صوابًا.. ورأيك يجب أن ينفذ من دون نقاش، أو حوار مع المرؤوسين، فأنا أكثر منهم علمًا، وخبرة، فأنا المدير..! ليس هكذا تنجز الأعمال بنجاح.. حتى لو قدر النجاح لعمل فرضه المدير على مرؤوسيه فرضًا.. فهذه ليست القاعدة في تسيير العمل.. إنما القاعدة في تسيير العمل لابد أن تقوم على الحوار، والمشورة، أي المشاركة بالرأي.. فكما يقول العلماء: «رأي الاثنين أفضل من رأي الواحد، ورأي الثلاثة أفضل من رأي الاثنين... وهكذا» فالمدير مهما أوتي من علم وخبرة، وكفاءة، ومهما تمتع بمهارة فإن نظرته للعمل ككل قد يصيبها شائبة، وقد يعتليها قصور، هذا القصور قد يجبره أحد مرؤوسيه، الذي يراه بشكل أكثر وضوحًا من المدير.. وعلى المدير أن يتمتع في هذه الحالة بالمرونة المنجزة، بمعنى أن يتجنب الجمود عند فكرته، وأن يبعد من رأسه فكرة أن المرؤوس صاحب الرأي الأصوب قد ينظر إليه نظرة الأكثر خبرة، وأن ذلك سيؤثر على صورتك، أو هيبتك في نفسه، أو في نفوس زملائه من المرؤوسين، ويكون القرار رفض الرأي الأصوب، وتفضيل الوساوس على الحقائق، ومن ثم يزداد جدار الحواجز لبنة.. تؤثر بلا شك في تدعيم عدم الثقة بين الطرفين.. وتؤثر في النهاية على العمل، ونجاح المنظمة في تحقيق أهدافها.
إن المدير الناجح، والمتميز، هو من ينزل على الرأي، مهما كان مصدره، فالمهم عنده مصلحة العمل، وليس الانتصار لرأيه.. فاتباع المرونة، وتجنب الجمود بشكل عام فيه فوائد كبيرة.. من أهمها:
• ترسيخ مبدأ المشاركة بين المدير ومرؤوسيه.
• إفساح المجال للحوار الهادف الفعال، والنقاش المجدي، من خلال ورش العمل التي تتيح طرح جميع الأفكار في إطار العصف الذهني.. وما يخرج من وراء ذلك من أفكار كثيرة بعضها مناسب للتطبيق، والآخر غير مناسب، وما يخرج من وراء ذلك أيضًا من أفكار مبدعة، قد تحقق للمنظمة أو الشركة ميزة تنافسية.
• القضاء على الجمود - حتى وإن كان يحقق الاستقرار في الوقت الراهن - لتجنب، عدم التقدم، وعدم التطور، والتخلف، والإخفاق أو الفشل، الذي سيحققه هذا الجمود حتمًا في المستقبل.
• المرونة هي جوهر اللامركزية في إدارة الأعمال، والجمود هو جوهر المركزية في إدارة الأعمال.. والناظر إلى الدول المتقدمة صناعيًا، وتجاريًا، وثقافيًا... إلخ نراها قد أخذت منذ زمن بعيد بنظام اللامركزية في الإدارة، ونراها غلّبت بفاعلية المرونة على الجمود في كل أنشطتها، وأعمالها.. فالرأي السديد ليس حكرًا على أحد.. فالكل يتحاور مع الكل حتى يصلوا إلى الرأي السديد الذي يحمل الخير للجميع، والذي يضمن النجاح للجميع.. فالمصلحة العامة هي الغالبة.
• إن المدير المتميز يجب أن يبتعد تمامًا عن العجب والكبر، ولا يضخم الأنا في نفسه، لأن ذلك سيصيبه حتمًا بالغرور، وهذا الغرور هو آفة خطيرة تدمر النفس الإنسانية، وهو العدو اللدود لصاحبه.. فلابد للمدير المتميز أن يرسخ في نفسه أنه مهما بلغ من المراتب فليس معنى ذلك أنه امتلك زمام الحقيقة، وليس معنى ذلك أن يفرض رأيه بغض النظر عن الأصوب من آراء الآخرين ولو كانوا مرؤوسيه.. ويجب على هذا المدير أن يحذر الجمود، والوقوف عند رأيه.. لأن ذلك مدعاة لجمود فكره، وعدم تطوره، ومن ثم قد يكون من أحد الأسباب الجوهرية في الإطاحة به خارج المنظمة أو الشركة التي يعمل بها.. ويعلم أن الجمود وعدم المرونة سيحجبان عنه الآراء المفيدة التي ينأى المرؤوسون بأنفسهم عن طرحها لعلمهم سلفًا بأن المدير الجامد غير المرن سيلقيها جانبًا غير عابئ بما تحمله من أفكار قد تكون أكثر فائدة من رأيه.. وهذا يحطم جدار الثقة بين المدير والمرؤوسين، ولا يعود على المدير أو العمل بأي فائدة، بل على العكس يصيب العمل في مقتل؛ إذ يحجب عنه آراء العاملين المحتكين الحقيقيين بالعمل، العالمين ببواطنه، القادرين على التعامل الفعال مع مشاكله، والقادرين على المساهمة الحقيقية في حلها..
• إن تطبيق المرونة في العمل بشكل عام، وبين المدير ومرؤوسيه بشكل خاص، أمر مهم وضروري، كي تنساب العملية الإنتاجية في سهولة، ويسر، والمرونة أساس مهم من أسس بناء الثقة بين المدير ومرؤوسيه.. فعندما يتقبل المدير بصدر رحب آراء مرؤوسيه، وينزل على هذه الآراء إن كانت أصوب من رأيه، فإن ذلك يشعر المرؤوسين بأن آرائهم ذات شأن، ويرفع من روحهم المعنوية، يدفعهم إلى إسداء المزيد من النصائح، وعرض المزيد من الآراء، وكل ذلك يلعب دورًا إيجابيًا، مؤثرًا للغاية في النهوض، والتقدم، والتطور للمرؤوسين، والمدير، وللمنظمة، أو الشركة، أو المؤسسة من دون ريب.