إن أسرار ذلك تكمن بالتأكيد في برامج التدريب الذاتي.. الذي يبدأ بوعيك أنت.. وبمستوى الفهم لديك وفقًا لعدة أمور مهمة يأتي في مقدمتها: طموحك الشخصي ورؤيتك الخاصة لمستقبلك الوظيفي الذي تتمناه.. وذكائك في تطوير خيالك العلمي واهتمامك المهني في تخصصك الدقيق.. وتطبيق ذلك كله أولًا بأول وبإخلاص.. في مجال عملك الوظيفي المتدرج.. وباستثمار أدوات التقنية الحديثة.. وتوظيف كل طاقاتك في تحقيق أعلى مستويات الجودة دائمًا.
من هذا المنطلق تتنافس شركات التدريب عربية وأجنبية ومؤسسات التطوير الفني والتقني والمهني.. في سباق مع الزمن على انتقاء نخبة من هؤلاء الأذكياء العباقرة.. واختيارهم لتكوين الصفوف المتقدمة في كل منشأة.. وذلك بترشيحهم عن طريق منشآتهم لانضمامهم لبرامج التدريب المميزة.. دعمًا لقدراتهم وفتح آفاق التدريب لهم وتحفيزهم بكل الوسائل.. حتى يرتقوا بالعمل النوعي المتطور والفكر المؤسسي الوثاب.. حرصًا على أن يواصلوا الجهد والعطاء.. ليصلوا بالمنتج المطلوب أو المستهدف إلى التفرد والتميز والإتقان.. ويرتفعوا بمستوى الخدمة إلى نطاقات أرحب من السلاسة والتيسير.. وبالجودة إلى أعلى مراتبها ومقاييسها المعتمدة.. وأفضل معاييرها الدولية.. مما يرتقي بالمجتمع إلى مصاف العالمية.
هُم «قِلَة».. ولكن!
إنهم قليلون.. أولئك الموظفون النابغون.. المحبون للعمل الجاد..
والمؤمنون به كمبدأ رفيع الشأن.. وقيمة حياتية عالية.. هي أشبه بقيثارة نغم جميل في مقطوعة إدارية راقية.. وموسيقية جاذبة..وفق منظومة العمل اليومي في المنشأة.. أو كأنها معزوفة سيمفونية رائعة.. في مسرح الحياة الصاخبة.
نعم قليلون.. هم الذين يطورون إمكاناتهم التقليدية وقدراتهم الذاتية وأسلوبهم الكلاسيكي الرتيب في حياتهم العملية إلى الأفضل.. دون توجيه أو تلقين من أحد.. ويدربون أنفسهم بوعي كامل لاكتساب أكبر قدر من أسرار المهنة وتفاصيلها الممتعة.. والحصول على أقصى قدر من الخبرة الميدانية المتجددة.. وذلك أثناء أدائهم مهام الوظيفة المنوطة بهم.
لكن هؤلاء الأذكياء يعملون بثقة كبيرة في النفس.. وبشغف كبير في العمل.. ويشعرون ليس فقط بالمسؤولية والأمانة.. بل بمتعة التغيير والتطوير والإنجاز وخاصة إذا تم بأيديهم وجهدهم وتعبهم.. منطلقين بارتياح تام في هذا الاتجاه الصاعد بهم نحو التفرد والتميز.. من أكثر من زاوية وموقع على مر الأيام.. وبرؤية ثاقبة نحو المستقبل المهني المنشود.. ومستخدمين أكثر من طريق مستقيم مباشر وغير مباشر.. ولو كلفهم ذلك المزيد من الجهد والوقت والمال وسهر الليالي.
إنهم يعملون بمنتهى الجدية والإخلاص من أجل تحقيق هذا الهدف المهم والمثير في نفس الوقت.. والنافع لهم بالتأكيد في إضاءة حياتهم الشخصية وفي تأصيل مسيرتهم الوظيفية.

كيف يحققون أهدافهم كما يرجون؟
إنه بلا شك هدف حيوي يختصر لهم سنوات العمل الناجح المنظم.. ويمنحهم أسرع درجات الترقي وأوسع خطوات التقدم.. ويحميهم على الأقل من مغبة الرجوع إلى الخلف.. ومن الهبوط في دركات السكون والتوقف أو الجمود عند نقطة واحدة.. ومكان يدعى عندنا (محلك سر).. بل ويجعلهم يحظون دائمًا برضا الرؤساء وثناء المجتمع النوعي..
كما يشعرهم في النهاية بتفوقهم وتميزهم.. وتصالحهم من النفس.. واتساق أفكارهم مع أغراض العمل وأهداف المؤسسة.. وأيضًا مع طبيعة الحياة من حولهم.. وتوافقهم مع الآخرين.
لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا هو : كيف يستطيع هؤلاء الموظفون النابهون النابغون تحقيق غايتهم وأهدافهم كما يرجون ويأملون.. وتحويل طموحاتهم الكبيرة إلى واقع رائع وجميل؟
الإجابة ليست سهلة.. لأنها كثيرة الأبعاد.. عميقة الآماد.. فهي مختلفة ومتباينة بين إنسان وآخر وفق حجم الهدف وطبيعة المهمة.. وطول المسيرة.. لأنها تكمن في الكيفية الذاتية والعملية للموظف.. وفي عمق أسرار الشخصية المستنيرة البانية.
وفي نظرة شاملة نرى أن هؤلاء الأذكياء النبهاء.. يتفقون بصفة عامة في نقاط محددة أيًا كان موقع أحدهم وطبيعة عمله.. فهم يلتقون جميعًا عند «الفكرة اللامعة» في البداية.. وكذلك عند «الهدف المراد».. أولًا بمعناه العام في ختام كل مرحلة كنقطة عملية متقدمة أو عند اكتشاف جديد أو كنتيجة لجهد عملي منظم وتخطيط علمي مدروس بعناية.. وثانيًا في معناه الأصيل في نهاية المطاف
.. كأمل عظيم وإنجاز قد تحقق بعد أن كان حلمًا وخيالا.. وبعد أن كان أمرًا مستحيلًا لدى البعض.
وبين الفكرة والإنجاز مشوار طويل من الجد والاجتهاد.. وسعي نبيل من الفهم والاستيعاب والتدريب والابتكار.
الفكرة أولًا..

لذلك فهم يعيشون أولًا في رحاب الفكرة التأملية الذكية التي تلمع في عيونهم منذ البداية.. أي يبدؤون من موقع الفكرة الحية حيث يوجد نبتها الأوَلِي المدهش في الأذهان.. لدى العامل المخلص أبو (فكرة جنان) بالتعبير النسائي.. أو ربما الفكرة (الجهنمية) كما يحلو للبعض تسميتها.. ولكنها الفكرة العلمية المدروسة القابلة للتطبيق.. القائمة بإلحاح في خاطر الموظف المجتهد المنبثقة من خبرته أثناء العمل.. وليست الفكرة العبثية أو العشوائية العابرة.. إنها الفكرة المقرونة بالاهتمام البالغ الذي يتفق ويتسق تمامًا مع الهدف المنشود.. والمشحونة في الوقت ذاته بوهج الأمل وشغف العمل.. وشدة اقتناع الموظف أو العامل بها اقتناعًا كاملًا.. سعيًا إلى إضافة الجديد.
تلك الفكرة التي تُوَلِدُ عندهم قدرًا هائلًا من الحماسة التي يستطيعون بها تفجير طاقاتهم ويتمكنون من خلالها من تحديد الهدف المطلوب بوضوح.. ولو بشكل مرحلي محدد ومحسوب بدقة.
دقة الملاحظة
ينتقلون إلى استخدام طريقة الملاحظة المتعمقة.. أثناء ساعات دوامهم اليومي ومحاولاتهم دمج الدراسة العلمية في مواقع العمل ومراكز الإنتاج مع التجربة العملية الواعية.. والاجتهاد ما أمكن في تجنب الأخطاء.. والاهتمام بالمتابعة.. وتجميع المعلومات باستخدام أدوات التقنية الحديثة.. وتحديد النقاط المهمة المطلوب التركيز عليها والاستفادة منها عندما يحين الوقت اللازم لاستثمارها وتوظيفها في مكانها المناسب لها تمامًا.
وتراهم يلتزمون بكل قيم المهنة أو الحرفة.. ويتواصلون في تقديم الجديد.. من أسس البناء المهني والتجديد العلمي والتطوير العملي والتجربة الميدانية.. وتحويل المؤسسة الصغيرة الناشئة خلال سنوات إلى مكانها الشامخ العملاق في أبراجها العالية.. ومكانتها العالمية التي تستحقها.
إنهم هم وحدهم - وهذا دأبهم - الذين يملكون القدرة على الإضافة النافعة والابتكار الذكي.. والتعديل المفيد.. والتطوير الجيد.. وعلى ضخ الجديد من الأفكار المناسبة.. والإجراء العملي الأمثل.. وهكذا مما يدفع بعجلة الإنتاج والتنمية.. إلى الأمام.. ويرتقي بالخدمة إلى المستوى الأفضل.. ويحسن دائمًا من صورة المؤسسة.. من كل زاوية ومشهد.
يستخدمون جديد التقنية..
لقد نجح هؤلاء المميزون في تعاملهم معًا وفي تعاونهم.. وفي تبادل الآراء بينهم واقتراح الأفكار.. باستخدام جديد التقنية عبر وسائطها المتعددة ومن خلال تصفح مواقع الشبكة العنكبوتية بما فيها ما استجد من شبكات التواصل الاجتماعي المنوعة..
إضافة إلى تطوير مهاراتهم عبر صفحات الـ(شات) والمدونات و(الفيس بوك) و(التويتر) و(ماي سبيس).. وغيرها كذلك مثل (اليوتيوب) و(سكايب) في أوقات مختلفة.
وهكذا لم تعجزهم وسيلة قديمة أو حديثة إلا واستفادوا منه وسخروها لخدمة أهدافهم العالية في مختلف مجالات التقدم والتنمية في سبيل رفعة البلاد ورحمة العباد.. إن تلك الوسائل التقنية المتجددة بما تحمله في جعبتها الواسعة من معلوماتية مبهرة.. تزيدهم ثقافة ووعيًا وعلمًا وتمنحهم أفكارًا وابتكارا.
أعرف أناسًا من هؤلاء الموظفين ممن أصبحوا كبارًا ورموزًا في مختلف المجالات..فلم يبلغوا ما بلغوا إلا بجهد جهيد.. دفعني ترقيهم السريع إلى الرغبة في ملاحظتهم عن قرب.. شغوفًا بإخلاصهم وحرصهم على التغيير للأفضل..
فكنت عبر رحلة عملية طويلة.. أرقب إصرارهم على تطوير قدراتهم في حياتهم العملية.. ومثابرتهم على اكتساب الخبرات في تنقلاتهم الوظيفية.. وتواصلهم في العطاء.. وتدرجهم التلقائي السلس في الوظائف الأعلى عن جدارة وتواصلهم اللافت في المناصب الأرقى.. فكنت أدهش كثيرًا لشغفهم المستمر.. وأيضًا لسباقهم أحيانًا ولتنافسهم نحو الإنجاز.. ربما في المجال الواحد.. أو العمل الجمعي المشترك المعروف أكاديميًا بـمسمى (بروح الفريق).

من الملل.. إلى الأمل

إن الموظف هو حجر الزاوية في تحقيق الانطلاق الحقيقي لأي منشأة. فمهما كانت ظروفه صعبة ومهما كانت معاناته كبيرة في العمل أو في حياته بصفة عامة.. فمن المؤكد أنه يستطيع التغيير.. فقط لو عقد العزم وفكر جيدًا في الهروب من دائرة الملل الضيقة إلى رحاب الأمل العريض.. وأصر على اختراق السلبيات لينساها خلفه تمامًا ويتركها وراء ظهره.. ثم انطلق بكل عزيمته إلى الإيجابيات.
لذلك لا ينبغي للموظف على الإطلاق أن يركن إلى التكاسل والسأم.. والتراجع والملل ذلك الشعور الذي يقوده دون أن يدري إلى الإهمال واليأس ومقدمات الاكتئاب.. بل عليه أن يجاهد نفسه.. ويصبر ويثابر.. ويحرص على تجديد حياته باستمرار.
وهذا ما يدعونا إليه بقوة أهل الذكر في جميع التخصصات الدقيقة.. فهم أهل العلم والخبرة معًا.. وهم علماؤنا الكرام ورثة الأنبياء والأساتذة المختصون في شتى المجالات.
هم جند التنمية..
وآخرون تراهم هنا في بلادنا.. وهناك في كل قطر عربي وفي كل بلدة ومصر من الأمصار.. هم أساس جند التنمية.. ورصيد أمة التقدم.. ومواهب الازدهار.. وكنوز العلم والمعرفة.
من يقرأ تاريخ الأوائل.. وسير العصاميين رجالًا ونساءً.. يكتشف الكثير من أسباب عزمهم الأكيد.. وأصالة إيمانهم بقيمة العمل.. وضرورة الاستزادة من مناهل العلم وينابيع المعرفة.. وأهمية اكتساب الخبرات وتواصل التدريب تلو التدريب.. من أجل الانطلاق إلى آفاق المستقبل الذي نتمناه كلنا لنا ولأبنائنا عظيمًا ملؤه العزة والرخاء.
لقد حقق لنا الآباء والأجداد الذين مضوا.. أمجادًا عظيمة في أيامهم في شتى ميادين العمل.. وابتكروا الكثير وتفوقوا.. وأرسلوا واستقبلوا.. وأضافوا وأبدعوا.. حتى ملكوا مشارق الأرض ومغاربها.. وصنعوا المعجزات.. واستطاعوا أن يكونوا أسعد الناس وأعز الأمم.. وسادة العالم كله.. حين أقاموا في الأندلس أكبر امبراطورية إسلامية حضارية دامت نحو ثمانية قرون من الزمان.
سر ذلك أنهم آمنوا بالعلم وتسلحوا بالمعرفة.. وقدسوا منحة السماء لهم التي تجسدت في حرف (نون).. وفي القسم العظيم (والقلم وما يسطرون).. وفي أسرار وأغوار كلمة (اقرأ) ونتائجها الحتمية وآفاقها الإبداعية.. فأحسنوا تدبر المعاني وتأمل المباني.. وأدركوا أن الحياة جد واجتهاد..
فكان حرصهم شديدًا على توارث حب العمل وإتقان الصنعة والحرفة والمهنة الشريفة.. رغم ما فيها من قسوة الحر أو البرد والجَلَد.. فاعتادوا على الصبر والمصابرة.. بل كانوا يعملون على تطوير كل أنواع المهن واستمرار تحديثها لتواكب كل جديد وتناسب العصر تلو العصر.. وحافظوا على كثير من خصوصياتهم وطرقهم الأصيلة وتراثهم البديع.

إتقان العمل عبادة

حتى مشايخنا الكبار يدعوننا إلى التفاؤل والتجديد.. أذكر منهم فضيلة الشيخ العالم الجليل محمد الغزالي السقا - يرحمه الله - في كتابه القيم المشهور: (جدد حياتك).. بما فيها الحياة العملية أو الوظيفية.. وكذلك فضيلة الشيخ ذائع الصيت عائض القرني - يحفظه الله - في كتابه الشائق المعنون بـ(لا تحزن).
وفي الترجمات العربية كثير من الكتب والمؤلفات الحديثة التي تسابقت في تناول قضايا التدريب الذاتي وتطوير الشخصية وبناء الوعي وتنمية القدرات وتفجير الطاقات الكامنة وغيرها كثير.. مما يزيد المرء ثقة في نفسه واكتشافًا لمواهبه وكيفية استثمارها في العمل.. فالطموح والابتكار بلا شك سعي مطلوب وأمر محمود على طول الخط.
فعلماؤنا الأفاضل وخبراء المهنية والتنمية.. وأساتذة التدريب والتجربة.. لا يعرفون اليأس ولا القنوط.. ويتفقون على أن حب العمل وإتقانه والإخلاص فيه والعطاء له.. هو أصل أصيل من أصول الدين.. فالعمل الصالح المتقن المتصل.. من أعظم قربات العبد إلى الله تعالى.. }وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون{ وفي الحديث الشريف: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه).
ترى هل أنت من هؤلاء..؟ بادر بتنشيط وعيك وتطوير أدائك..وتفعيل اهتمامك بالعمل والدقة فيه.. وتعظيم قيمك ودورك في ترسيخ رسالة المؤسسة.. وبذل المزيد من العطاء والإخلاص.. اهتم بالتفاصيل ولا تهملها.. واقترح الممكن والمفيد.. واقرأ وتأمل.. ابتكر الجديد النافع.. فإن فعلت فتأكد أنك حتمًا وقريبًا جدًا.. ستكون واحدًا من هؤلاء الرموز الكبار..؟