مقدمة
تعتبر الشركات متعددة الجنسيات إحدى الأشكال العديدة التي يتخذها الاستثمار الأجنبي المباشر للانطلاق نحو أسواق جديدة. وعادة ما تكون هناك العديد من الدوافع والأسباب التي تشجع هذه الشركات على الانطلاق إلى مواقع أو مناطق خارج أوطانها الأصلية. إلا أن الفائدة هنا لا تكون أحادية الجانب (لصالح تلك الشركات فقط)، حيث تجني الدولة المضيفة فوائد تفوق ما تسعى إليها تلك الشركات، وهو ما يدفع تلك الدول لاستقطاب هذا النمط من الاستثمار الأجنبي المباشر. وتتنوع الفوائد التي تعود على الدولة المضيفة لتشمل؛ تدفق رؤوس الأموال إليها، وخلق فرص عمل ووظائف جديدة وبالتالي الإسهام في حل مشكلة البطالة، نقل واستخدام التقنية الحديثة، رفع مستوى مهارة الأيدي العاملة، الإطلاع على أساليب العمل الحديثة، الاستفادة من خبرات ومعلومات وتجارب هذه الشركات، استقدام المعدات والآليات الحديثة، تنويع موارد النقد الأجنبي[1].

الشركات الكبرى … النشأة و التطور :

إن ظاهرة الشركات الكبرى ، مرتبطة بتطور نمط الإنتاج الرأسمالي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر و كانت بداية ظهورها في دول أروبية صغيرة سوقها الوطني ضيق اضطر معه بعض الشركات إلى التوسع خارج الحدود الوطنية و منها شركة نيستلي ( Nestlé ) السويسرية و فيليبس الهولندية Philips)) و شركة رولكس rolexe لصناعة الساعات بسويسرا ، ثم تلتها شركات أمريكية توسعت خارج الحدود، و بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت شركات أوربية و يابانية عملاقة و أخرى من دول نامية كالبرازيل و كوريا الجنوبية و الكويت و ماليزيا[2] . تزامن هذا الظهور مع تزايد موجات الإصلاح الاقتصادي التي اجتاحت الدول النامية كأحد الملامح الرئيسية للعولمة والتوجه نحو الاندماج في الاقتصاد العالمي، ومن ثم فقد قامت معظم الدول النامية خصوصاً تلك التي ثبتت الفكر الاشتراكي بتبني سياسات وبرامج الإصلاح الاقتصادي والتحول من اقتصاديات السوق والسعي إلى إعطاء القطاع الخاص دور اكبر في الاستثمار والتنمية والسعى الى زيادة معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال تقديم التسهيلات والحوافز للمستثمر الأجنبي ما أدى إلى تشجيع تلك الشركات العملاقة إلى السعى لنيل هذه الفرص المتاحة.
فالدول النامية تسعى إلى تحسين معدلات النمو وزيادة الاستثمار والخروج من أزماتها الاقتصادية، والشركات متعددة الجنسيات ترى في هذه الدول فرصاً ذهبية للاستثمار تبدأ بانخفاض مستوى الأجور وتوافر البنية التحتية لتنمية وتوافر المواد الخام فى بعض الأحيان، وأحياناً أخرى توافر الأسواق الواعدة للتسويق وأحياناً للاثنين معا .



وفى ظل المناخ الاقتصادى والسياسى الجديد انتشرت الشركات متعددة الجنسيات مرة أخرى في معظم الدول النامية محققاً أرباحاً خيالية ومعدلات نمو مرتفعة مما أدى إلى زيادة نفوذها في بعض الدول إلى درجة التأثير على العلاقات الدولية والقرارات الاقتصادية لبعض الدول التى تعمل بها، وأصبح من الأمور العادية أن تتفوق بعض الشركات متعددة الجنسيات في ميزانيتها على الدول الضيفة لها، وقد تباينت علاقات تلك الشركات مع الدول النامية وفقاً لأوزان كل منهما على الصعيد الاقتصادي مما أعطى هذه الشركات نفوذا اقتصادياً وسياسياً غير مسبوق فى كثير من الحالات.
مظاهر القوة والتأثير على القرار السياسي
تتعدد مظاهر القوة عند الشركات المتعددة الجنسية و يكفي أن نًشير إلى حجمها الاقتصادي و المالي لنقف عند حجمها الحقيقي ، فشركة كوبي ستيل copy stell اليابانية التي استثمرت 300 مليون دولار لبناء مجمع للحديد و الصلب قد بلغ رأسمالها عام 1997 أكثر من 12 مليار دولا،أما شركة موبيل mobil النفطية فقد بلغ رأسمالها 241.91 مليار دولار عام 1997 و يمثل ذلك ، مع العلم أن الناتج الداخلي الخام للدول العربية مجتمعة لا يتجاوز 300 مليار دولار سنويا[3] ، و سيبين هذا الجدول مبلغ قوة هذه الشركات حتى بالنسبة إلى الدول المتقدمة(6) :
إسم الشركة البلد الاصلي رقم اعمالها بالمليار دولار
GENERAL MOTORS و . م . أ 127
EXXON و . م . أ 86.6
TOYOTA اليابان 60
B.P بريطانيا 50
IRI ايطاليا 50
ONRON و . م . أ 101
و من مظاهر قوة هذه الشركات العملاقة ، أن شركة TOTAL النفطية الفرنسية استثمرت عام 1998 حوالي ملياري دولار لتطوير حقول إقليم خوزستان الايراني متحدية الكونغرس الأمريكي الذي سبق له أن أصدر في تسعينيات القرن الماضي قانونا يعرف بقانون داماتو نسبة إلى واضعه السيناتور “داماتو” ينزل عقوبات على كل شركة قامت باستثمار أكثر من 40 مليون دولار بكل من ليبيا و إيران ، وقد حذت حذوها شركة سيتروين الفرنسية لصناعة السيارات و التي استثمرت في قطاع السيارات بإيران التي تنتج كل سنة 300.000 سيارة .
إن عمل هذه الشركات قد تطور كثيرا بفضل عقلانية التسيير التي تنهجها مجالسًها الإداريّة، إنها تعيش حاليا أطوار تطورها في ظل اندماج الاقتصاد العالمي ، و يتجسد ذلك في حركة الاندماج القوية التي شهدها العالم في نهاية تسعينيات القرن الماضي ، و حركة الاندماج هاته تعبر في الحقيقة عن السعي الحثيث إلى إيجاد موقع متقدم في القرن الحالي ، فقد كان مبلغ اندماج شركتي MobiL و Axxon (7) يصل إلى 80 مليار دولار و صارت الشركة الجديدة تعرف ب Exxon Mobil Crup و باتت تراقب احتياطيا من النفط يقدر ب 20 مليار برميل ، و كان مبلغ اندماج شركتي مرسيدس (Mercedes ) الألمانية اشترت شركة ترافلركروب Travler crup شركة cuty crup بمبلغ 72.6 مليار دولار ،
اشكال الشركات المتعددة الجنسية:
تتواجد الشركات متعددة الجنسيات في الدول المضيفة تحت ثلاثة أشكال أو أنواع:

1. الشكل الأول: شركات أفقية التواجد بمعنى أن الشركة تكون قائمة لإنتاج السلعة أو الخدمة بشكل متكامل (مثال ذلك ًشركة ماكدونلدز)
2. الشكل الثانى شركات رأسية التواجد بمعنى أن الشركة تكون قائمة لإنتاج مرحلة فقط
من المنتج النهائي لاستخدامه في فرع أخر للشركة في مكان آخر في العالم (مثال ذلك شركة
اديداس)
3. الشكل الثالث: شركات تجمع ما بين الاثنين معا بمعنى أن الشركة تكون قائمة لإنتاج السلعة أو الخدمة بشكل كامل أو بشكل جزء أي أنها تجمع بين النوعين (مثال ذلك شركة ميكروسوفت).

المصالح المتبادلة والانعكاسات الاقتصادية المحلية
وفي إطار العلاقة بين الشركات متعددة الجنسيات والدول المضيفة، ففي مقابل الأرباح الهائلة التي تحققها الشركات متعددة الجنسيات فإنها تقدم للدول المضيفة بقصد أو بغير قصد العديد من الفوائد والمميزات التى يمكن حصر بعضها فى
1. زيادة معدل الاستثمارالأجنبي المباشر للدول المضيفة، ومن نتيجة ذلك
2. زيادة الناتج المحلى الإجمالي للدول المضيفة، والذى يشكل فيه الاستثمار الأجنبى عنصرا رئيسيا.
3. زيادة معدلات التصدير أو خفض معدلات الاستيراد أو كلاهما،
4. خلق فرص عمل جديدة والحد من معدلات البطالة التي عادة ما تكون قد تزايدت بسبب تطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادى وأهمها خصخصة الشركات الحكومية والاستغناء عن العمالة الزائدة.

غير أن ما تقدمة هذه الشركات إلى الدول المضيفة لا تقتصر فقط على المعدلات الرئيسية السابق الإشارة إليها بل أن هناك العديد من الانعكاسات الغير مباشرة التي تتحقق يمكن رصد البعض منها على النحو الآتى:
1. ارتفاع جودة المنتج أو الخدمة التي تقدمها هذه الشركات بالمقارنة بالشركات المحلية يدفع الشركات المحلية إلى العمل على رفع جودة منتجاتها وتقليل أسعارها حتى يمكن أن تنافس الشركات متعددة الجنسيات وإلا خرجت من الأسواق، مما يؤدى في النهاية إلى منتج على مستوى عالي من الجودة ومتزن السعر وذلك لصالح المستهلك ولصالح التصدير بشكل عام.
2. تقديم تكنولوجيا حديثة ومتقدمة ربما تكون غير معروفة مما يفيد التقدم الصناعي أو الخدمي فى المجتمع الصناعى أو الخدمى وهو ما ينعكس على الاقتصاد القومى بشكل عام.
3. رفع مستوى أداء العمالة من خلال التدريب المستمر واستخدام التكنولوجيا الحديثة لتمكينها من مواكبة التطور التكنولوجى المستمر للصناعة.
4. دفع الشركات المغذية المحلية لهذه الشركات العملاقة إلى تحسين جودة أنتاجها حتى يمكنها أن تقدم منتج وسيط على مستوى جيد يتناسب مع احتياجات الشركات متعددة الجنسيات، وهو ما سوف يتبعه استخدام تكنولوجيا أفضل ورفع أداء عمالها عن طريق التدريب المستمر، و قد ينطبق ذلك أحياناً على شركات صغيرة مغذية للشركات المغذية المحلية، مما قد يساد على النهوض بمستوى الأداء فى محيط هذه الشركات وهو ما سوف ينعكس ايجابيا على الأداء الاقتصادى العام فى نهاية الأمر.
5. المحافظة على البيئة من خلال تواءمها مع مقتضيات بيئة نظيفة.



ميزان المصالح المتبادلة والعمالة المحلية:
غير أن ميزان المصالح المتبادلة والذي يبدو ايجابياً ومشرقا، ليس في واقع الأمر مكتملاً لما يجب أن يكون عليه، على الأقل فيما يخص حقوق وقضايا العمالة المحلية، ففي هذه العلاقة وعلى طرفى الميزان قدمت الدول المضيفة كل التسهيلات والإمكانات لتذليل الصعوبات أمام الشركات متعددة الجنسيات ولكنها تركت وربما لأسباب اقتصادية بحتة قضايا مرتبطة بالعمالة المحلية التي تعمل في هذه الشركات، وبالرغم من الظروف الجيدة والأجور المتزنة التى يحصل عليها العمال في معظم الحالات إلا أن هذه الشركات ترى في أعطاء العمال كامل حقوقهم وخصوصاً النقابية فيها خطر يهددها وإذا بالصورة تبدى على النحو فيه من التناقض الشديد، فإذا نظرنا إلى معظم هذه الشركات فالعلاقة بين الشركة والعمال في شركة (س) ومقرها الرئيسي سويسرا مثلاً، تختلف في الشكل والمضمون عن العلاقة بين نفس الشركة وعمالها ولكن في فرعها في الدول النامية (ص) في أفريقيا مثلاً.

إن الدول الصناعية الكبرى والتي تنتمي إليها الشركات متعددة الجنسيات قد تشكلت لديها رؤية فيما يخص هذه الشركات، فهذه الدول الصناعية الكبرى ومعها العديد من المؤسسات الدولية رصدت أن بعض الشركات متعددة الجنسيات ربما تتجاوز خلال تواجدها وعملها وخصوصاً في الدول النامية العديد من المعايير المتعارف عليها دوليا، وإن على هذه الشركات أن توازن بين ممارستها في كل من الدولة الأم والدول المضيفة سواء كانت من الدول النامية أو من غيرها خارج حدود الدول الأم، فقد تباين أداء هذه الشركات في كل من الحالتين بل أن مدى التزام نفس الشركة قد يختلف من دولة مضيفة إلى أخرى وفقا للدولة ووفقاً للشركة وفى هذا الإطار فإن الدول الصناعية والمؤسسات الدولية ترى ضرورة أن تأخذ الشركات متعددة الجنسيات في اعتبارها قضايا مثل البيئة والشفافية ومكافحة الرشوة وحماية مصالح المستهلك والتعاون مع المجتمعات المحلية وغيرها بالإضافة إلى قضية هامة جداً وهى التوظيف والعلاقات الصناعية أو بمعنى آخر حقوق العمال.
ومن هذا المنطلق قامت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية و هي منظمة دولية، تتكون عضويتها من الدول المتقدمة التي تلتزم بمبادئ الديمقراطية واقتصاديات السوق الحر، نشأت في البداية عام 1948 تحت مسمى منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي بهدف أعادة أعمار أوروبا بعد نهاية الحرب العالمية النائية وذلك من خلال تنفيذ ما كان يطلق علية خطة مارشال لإعادة أعمار أوروبا، وفى عام 1960 ثم التوسع في عضويتها وتعديل الاسم إلى ما هو معروف حالياً، وتضم حالياً في عضويتها ثلاثون دولة.
بالاضافة الى المجلس الاستشاري للنقابات العمالية وهو جهة استشارية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهمزة اتصال ما بين المنظمة وبين النقابات العمالية المختلفة، وتعمل بالتنسيق الكامل مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وخصوصاً في قضايا النقابات والمنظمات العالمية.
فالشركات العملاقة عادة ماتزيد درجات تجاوزها عندما تعمل في احد الدول الصغيرة النامية، بينما تقل درجات تجاوز نفس هذه الشركات عندما تكون عاملة في دول متقدمة كالدول الأوروبية، كما ان أوجه التجاوز تختلف من مجال لآخر.[4]
الشركات المتعددة الجنسية وسوق الادوية العربية
الاسواق العربية اصبحت مشاعا للشركات المتعددة الجنسية تطأ اقدامها بكل ثقة لالتهام هذه الوليمة الممتدة من المحيط الى الخليج وهذا يبدو واضحا في سوق الدواء حيث لا يتخط سوق الدواء العربي حاجز 2% من حجم تجارة الدواء في العام برغم أن تعداد الوطن العربي أكثر من300 مليون نسمة وتشير الاحصائيات الى ان استهلاك الدواء في الوطن العربي يقدر بـ 5 مليارات دولار سنويا وهو يمثل 5,1 من الاستهلاك العالمي بينما يقدر الانتاج المحلي في الدول العربية بي 6,1 مليار دولار وهذا يعكس وضع هذه الصناعة الاستخراجية لشعوب عربية تعيش معظمها في ظروف اقتصادية تحت خط الفقر.
تترض الصناعة الدوائية لمنافسة شديدة من الشركات متعددة الجنسيات علاوة على السياسة الاغراقية التي تقوم بها الدول الصناعية الامر الذي سيؤدي الى تدهور هذه الصناعة على المدى البعيد وارتفاع أسعار المنتجات الدوائية فضلا عن التحكم به‏.
تؤكد الاحصائيات أن العالم العربي يمتلك براءات اختراع لا تتعدى 5% من اجمالي الأدوية المستهلكة والمنتجة في حين أن نسبة التصنيع بامتياز من شركات أجنبية 41% من الناتج المحلي العربي وبالتالي يتم استيراد هذا الدواء كاملا فنجد أن الأدوية المطروحة في الأسواق العربية بامتياز تصنيع تمثل في مصر 40% وسوريا 50% والمغرب 90% واليمن29% فهناك مأزق صناعة الدواء العربي ودور الشركات متعددة الجنسيات في المنطقة في ذلك.
ان جوهر المشكلة يكمن في ان حجم أصول الشركات الأجنبية الدوائية يصل الى 130 مليار دولار في حين ان الاستثمارات العربية متفرقة تتراوح ما بين 4 -5 مليار دولار ولا يتعدى عدد الشركات 250 شركة برؤوس أموال ضعيفة لا ترقى بمستوى الصناعة وينحصر دورها في الغالب على تقليد الدواء وليس تقديم براءات اختراع او استحداث مواد حيوية جديدة ويرجع هذا الى ضخامة الاستثمارات التي يتطلبها خلق دواء كيميائي جديد والذي قد يتعدى 150 مليون دولار ان الاستثمار في الدواء يفوق طاقة أي شركة عربية مما سمح للشركات المتعددة الجنسية بفرض واقع احتكاري على صناعة الدواء في الوطن العربي‏.‏[5]


الشركات المتعددة الجنسية والبحث عن التكاليف المنخفضة:
في ظل المنافسة الكبيرة البقاء لمن يضغط تكاليف إنتاج السلع فأدى ذلك إلى نشوء نظام تصنيع عالمي يرتكز على أرضية تصدير النشاط الصناعي الذي بدأته الشركات المتعددة الجنسيات في المناطق ذات الأجور المنخفضة باستخدام التكنولوجيا المتقدمة التي تسمح بتجزئة عمليات الإنتاج، وبالتالي انتقال القدرة التصنيعية باتجاه لامركزية مواقع الإنتاج. واعتمدت هذه الشركات على الكثافة العمالية، وساعدها في ذلك تدني الأجور، وارتفاع مؤشرات البطالة في مجموعة كبيرة من الدول النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وأقامت منصات خاصة لصناعة التجميع المعدة للتصدير مع التركيز على المنتجات ذات القيمة المضافة العالية.

وهكذا لن تجد في الأسواق اليوم سيارة ألمانية صرفة دون مخمدات تشيكية، وساعات ومكثفات إندونيسية ومقاعد مكسيكية. أو جراراً أمريكية أصيلاً دون علبة سرعة ماليزية. ولن تستطيع شراء جهاز كهربائي ياباني دون أجزاء كورية أوصينية. وأحذية نايكي الأمريكية الشهيرة تصنعهاأيدي النساء الماليزيات والإندونيسيات. أما سراويل الجينز التي ابتدعها الأمريكيون في بداية القرن الماضي لعمال المزارع ورعاة البقر في أمريكا، فتصنعها اليوم نساء الصين.
لقد انتشرت منذ ثمانينيات القرن الماضي أكثر من40 ألف شركة عابرة للقارات من جميع الأحجام تعمل على ابتزازالمجتمعات والدول، وإذا كان أجر العامل في ألمانيا 50 ماركاً فسنلج أإلى التشيك فهم يرضون بعشرة ماركات في اليوم.. أما في البيرو وإندونيسيا فلن ندفع أكثر من مارك واحد..


تقود الشركات المتعددة الجنسيات حالياً عمليات الاستثمار العالمي دون منازع، وتتوزع استثماراتها بين القارات،وتسيطر على ثلثي التجارة العالمية البالغة8730ملياردولار عام 2007 ، وتستخدم الشركات الصناعية العملاقة جميع الوسائل كي تخرج السلع من مصانعها المنتشرة في البلدان النامية والفقيرة بأقل كلفة للحصول على الوضع التنافسي عالمياً، وهذا ما قاد العديد من الشركات إلى التركيز على العنصر الأضعف في القوة العاملة في تلك البلدان : المرأة التي خسرت عملها في هذه الشركات في الوطن الأم في أوربا وأمريكا الشمالية بسبب نقل نشاط هذه الشركات إلى دول الجنوب والمرأة في دول الجنوب التي لم تربح عملا ًمحترماً بعد انتقال هذه الشركات إلى بلدانهاالفقيرة في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

تُظهر معظم الدراسات منذ عام 1985 أن النساء اللواتي يعملن في الشركات المتعددة الجنسيات، يواجهن مختلف التأثيرات السلبية، مثل عزلتهن في أعمالهن، وقلة فرص الترقي، وعدم الأمان الوظيفي، والتهديد بفقدان العمل، والأجور الأقل من تلك التي يتقاضاها الرجال. وغالباً ما تسود مستويات أجور الكفاف، وتلجأ بعض الشركات العاملة في إندونيسيا إلى إقامة مراكز إنتاجها في المناطق الريفية، اذ يمكنها بذلك أن تدفع للعاملات اللواتي يجري استخدامهن أجوراً أقل بسبب إقامتهن مع عائلاتهن. أما الشركات العاملة في كولومبيا، فأقامت مجمعات صناعية ريفية، تستخدم فيها النساء بأجور أقل من أجر الكفاف لإنتاج الأحذية والملابس المعدة للتصدير. كذلك لجأت الشركات العاملة في المكسيك والولايات المتحدة و تايوان والصين والهند وبنغلادش إلى التعاقدات الفرعية (من الباطن ) مع المصانع المحلية الصغيرة التي تعتمد على النساء للقيام بصناعة التجميع في منازلهن. وبذلك تنخفض الأجور التي تدفعها هذه الشركات من جهة،وتتجنب الخضوع لبعض القوانين المتعلقة بالمزايا وشروط إنهاء التعاقد من جهة أخرى. إن العاملات في مثل هذه الأعمال غالباً ما يكنَّ متزوجات وربات بيوت، ومثل هذا العمل هو خيارهن الوحيد للجمع بين واجبات المنزل، والحصول على دخل لتحسين أوضاعهن المعيشية في ظل ارتفاع مؤشرات الفقر في هذه البلدان، التي تصل إلى أكثر من 40% من عدد السكان.

أما التمييز حسب الجنس والعرق والنوع والطبقة والثقافة- ، ليس في البلدان النامية والفقيرة فحسب، بل أيضاً في البلدان الصناعية الكبرى، ففي كوريا الجنوبية وتايوان استمر التمييز في الأجور بين الرجال والنساء، وحتى بين النساء أنفسهن يجري التمييز بين عرق وآخر. فالعاملات من أصول صينية في كوريا يتقاضين أجوراً أقل من العاملات الكوريات، وفي ماليزيا تستخدم الشركات النساء من عرق (المالاي ) وخاصة في عمليات التجميع، بينما تبحث النساء من العرق الصيني عن أعمال أقل قدراً. وفي ترينيداد تشغِّل العاملات السوداوات خطوط الإنتاج في صناعة النسيج، وصناعة تجميع المكونات. أما مراقبو تلك الخطوط، فهم من الرجال، وأغلبهم من العرق الأبيض. أما في لوس أنجلوس فتتألف معظم القوة العاملة لصناعة الملابس من النساء اللاتي يشكل91%منهن أقليات معظمها من أصول أمريكية لاتينية. وتبين بشكل عام أن النساء العاملات في هذه الشركات المتعددة الجنسيات يحصلن على أجور تقل بنسبة تتراوح بين 10و 50 % من الأجور التي يحصل عليها الرجال لعمل متساوٍ. ويزداد الفارق كلما ابتعدنا عن مركز الشركة الأم في أمريكا وأوربا باتجاه مصانع الشركة في دول الجنوب. وإذا علمنا أن الحذاء الذي يباع في الأسواق العالمية بمبلغ يعادل 70 دولاراً يكلف الشركة في مصانعها في إندونيسيا أربعة دولارات فقط. فأي أجر تتقاضاه العاملة الإندونيسية في يوم عملها في هذه الشركة الأمريكية..؟[6]

نستطيع أن نخرج بخلاصات حول النتائج المباشرة لعمل الشركات العملاقة في الدول السائرة في طريق النمو كما يلي:
تراجع سيادة الدولة أمام الطموح المتزايد للاحتكارات من أجل تحقيق ربح أقصى بتكلفة أقل سلاحها في ذلك تكنولوجيا متطورة وتسريح للعمال.
نهب العالم الثالث وعرقلة تطوره عن طريق تمويل النزاعات المسلحة أو عن طريق مراقبة المؤسسات الاقتصادية الدولية ، فالمعدل الوسطي لمكافأة رؤوس الاموال يتراوح بين 25% إلى 30% [7] و الأرباح تعود للمركز مما يترك الدول الفقيرة ترزح تحت نير الفقر ونير المؤسسات الدولية التي أدت بزمبابوي مثلا إلى خدمة دينها الخارجي.
الإضرار بالبيئة بتصديرها الصناعات الملوثة كصناعة السيارات بالعالم الثالث.
جلب فائض رأس المال إلى الدول المصنعة على حساب الأمم الفقيرة ، خصوصا إذا علمنا أن اقتصاد الشركات كان ينمو طيلة تسعينيات القرن الماضي بمعدل 10% سنويا فيما الدول الصناعية ينمو اقتصادها ب 4%.
التحكم في الاقتصاد العالمي وفي أسعار المادة الخام لتلافي ارتفاع سعر الفائدة ، فارتفاع إنتاج النفط مثلا يؤدي إلى انخفاض أسعاره و بالتالي تخفيض سعر الفائدة المصرفية ، وكمثال على ذلك ، هدد الرئيس الأمريكي كلينتون الدول المنتجة للنفط باستخدام الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي في أواخر شهر فبراير من العام 2000 لما بلغ سعر البرميل 30 دولارا وقد قررت السعودية والمكسيك و فنزويلا الزيادة في الإنتاج لأن الشركات العملاقة تضررت من رفع سعر الفائدة الذي يؤدي إلى درء خطر التضخم.
الغزو الفكري والثقافي، فالبشر أصبحوا تحت تخدير وسائل الإعلام التي تنقل القيم الغربية على حساب القيم الوطنية.
السيطرة على مراكز القرار السياسي ، فرؤساء الدول الصناعية الكبرى يجتمعون سنويا للتباحث حول المشاكل الاقتصادية و يدافعون عن مصالح الشركات الكبرى و غالبا ما يصحبون معهم مدراء البنوك المركزية بقصد اتخاذ الإجراءات الملائمة للحد من المشاكل الاقتصادية و درءا للصراع بين الاحتكارات العملاقة في إطار قمة الدول السبع المصنعة.


شركة تويوتا اليابانية

في العام 1933أنشأت شركة تويودا لأشغال النسيج، قطاعاً جديداً مخصصاً لإنتاج السيارات، وذلك تحت إشراف ابن مؤسس الشركة. فقد سافر السيد (كيشيرو) إلى أوروبا والولايات المتحدة خلال العام 1929ليستطلع تقنيات إنتاج السيارات الشائعة هناك، وسرعان ما بدأ في العام 1930يدرس إمكانية إنشاء قطاع جديد بشركة النسيج يكون متخصصاً في إنتاج السيارات،
وقد شجعت الحكومة اليابانية شركة تويودا على إنتاج السيارات لأن الحكومة كانت ترى أن اليابان بحاجة إلى تدشين صناعة سيارات محلية لمواجهة الكساد العظيم (الذي اجتاح الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا والعالم خلال الفترة من 1929إلى 1933) الذي كان يحول دون استيراد اليابان لما تحتاجه من سيارات ركوب وشاحنات لازمة لإنعاش الأحوال الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، فضلاً عن أن الحكومة كانت بحاجة إلى إمدادات مستمرة من السيارات وقطع غيارها لخدمة الجيش الياباني في حربه ضد الصين التي كانت دائرة آنذاك.

وقد تأسست شركة تويوتا للسيارات كشركة مستقلة ومنفصلة عن مجموعة تويودا في العام 1937.ومنحت اسم تويوتا وذلك بهدف فصل شخصية واسم المؤسس عن صورة الشركة تأكيداً على مبدأ التخصص والاحترافية في العمل، وكذلك بهدف جعل اسم الشركة أسهل في النطق على مستوى العالم.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في العام 1945، باشرت الشركة إنتاج سيارات الركوب التجارية من جديد، إن المبادئ العامة للإنتاج والجودة التي استقرت عليها وأخذت بها تويوتا منذ بدايتها نشأت عن برنامج تعليمي حصل عليه بعض خبراء الشركة في أكاديمية العلوم العسكرية التابعة للجيش الأمريكي في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

وفي العام 1950تم تأسيس شركة جديدة مستقلة مخصصة لبيع وتسويق السيارات التي تنتجها الشركة، وقد ظلت تلك الشركة باقية حتى العام 1982حين تم استبدالها بشركة لإدارة أنشطة تويوتا غير الإنتاجية ككل. وخلال العام 1951أصبحت السيارة تويوتا كراون هي أول سيارة يابانية يتم تصديرها إلى الولايات المتحدة. وخلال حقبة الستينيات بدأت تويوتا تختبر تقنيات بحوث وتطوير جديدة أسهمت في ابتكار نظام "المخزون الصفري" وفي تحسين فكرة ناقل السرعات شبه الآلي. وخلال الستينيات أيضاً أنشأت الشركة تواجداً دائماً لها في تايلاند، وتجاوز حجم إنتاجها الإجمالي منذ تأسيسها حاجز العشرة ملايين سيارة، وأنشأت جائزة للجودة والتفوق تحمل اسم عالم الإدارة الأمريكي البارز (إدوارد ديمينج)، وعقدت شراكات مع شركتي دايهاتسو وهينو اليابانيتين. وفي العام 1963تم إنتاج أول سيارة تويوتا بالكامل خارج اليابان، وكان ذلك في ملبورن بأستراليا. وبنهاية عقد الستينيات، كانت تويوتا قد خلقت لنفسها تواجداً عالمياً مميزاً بوصول العدد الإجمالي للسيارات التي صدرتها إلى الخارج منذ تأسيسها إلى أكثر من مليون سيارة.

وبعد أزمة النفط التي ضربت الاقتصادات الغربية أثناء وبعد حرب أكتوبر 1973بين مصر وإسرائيل، وبسبب الحظر النفطي الذي فرضته الدول العربية وبخاصة دول الخليج العربي على دول غربية بعينها مؤيدة لإسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة، بدأ المستهلكون الأمريكيون وللمرة الأولى يفضلون السيارات صغيرة الحجم على السيارات الضخمة الفارهة التي لطالما ولعوا بها، وذلك نظراً للوفر في استخدام البنزين الذي تتميز به السيارات الصغيرة. وتحول نمط الطلب الأمريكي على السيارت من السيارات الأمريكية الرائدة (مثل فورد وشيفروليه وكرايسلر) التي لم تكن قد جربت من قبل أبداً إنتاج سيارت صغيرة واقتصادية، فإنه - أي ذلك التحول - كان كفيلاً بمنح تويوتا وغيرها من الشركات اليابانية - وبخاصة نيسان وهوندا - فرصة لا تُعوض للهيمنة على السوق الأمريكية، وبالطبع لم يُضع اليابانيون تلك الفرصة نظراً لأنهم كانوا دائماً يفضلون السيارات الصغيرة ويجيدون إنتاجها.
أن تويوتا بدأت خلال التسعينيات في التحول بشكل نسبي من التركيز المطلق على إنتاج السيارات الصغيرة إلى الانفتاح أيضاً على إنتاج السيارات الكبيرة والفارهة التي تُعد أعلى ربحية سواء عند بيعها أو لدى صيانتها وخدمتها، وجرياً على عادة الشركة في التجريب والابتكار منذ مطلع التسعينيات، فقد أطلقت الشركة في العام 1997سيارتها المهجنة الأولى التي تحمل الاسم تويوتا بريوس والتي أصبحت الآن الأكثر مبيعاً حول العالم بين السيارت المهجنة (أي التي تعمل بالوقود وبالكهرباء معاً). وخلال التسعينيات أيضاً أصبحت الفئة تويوتا كورولا هي السيارة الأكثر مبيعاً على مستوى العالم على الإطلاق، حيث بيعت منها حتى نهاية التسعينيات أكثر من 30مليون نسخة.

لقد تحولت تويوتا على مر الأيام من شركة نسيج ومعدات حياكة صغيرة الحجم ومغمورة بالكامل، إلى شركة سيارات عملاقة متعددة الجنسيات. فبحلول الربع الأول من العام 2007كانت الشركة قد أصبحت هي أكبر شركة سيارات على مستوى العالم من حيث قيمة المبيعات، مزيحة بذلك شركة جنرال موتورز الأمريكية عن ذلك المركز بعد أن احتلته لعقود كاملة. وكذلك فإن تويوتا ثُعد من أعلى شركات السيارات ربحاً على مستوى العالم، حيث صافي ربحها عن العام 2006إلى 11بليون دولار. وتملك تويوتا اليوم حصص أغلبية من أسهم شركات سيارات يابانية متعددة مثل دايهاتسو وهينو وفوجي للصناعات الثقيلة (المنتجة للسيارة سوبارو). وفي نوفمبر من العام 2006استحوذت الشركة أيضاً على نحو 6% من أسهم شركة إيسوزو.

ووفقاً لقائمة مجلة فورتشن الأمريكية لأكبر 500شركة على مستوى العالم عن العام 2006، فإن تويوتا تحتل المركز الثامن. ورغم أن الاقتصاد الأمريكي يعاني الركود النسبي منذ العام 2001، إلا أن حصة تويوتا من السوق الأمريكية لم تعرف سوى النمو منذ ذلك الحين، على أساس أن الشركات الأمريكية والأوروبية العاملة في السوق الأمريكية لم تفلح في مواجهة الآثار السلبية المترتبة على ذلك الكساد بمثل ما فعلت تويوتا، بل ويمكننا القول أيضاً إن قدرة تويوتا على التصدي لمظاهر الركود في الاقتصاد الامريكي فاقت قدرة منافسيها اليابانيين التقليديين مثل نيسان ومتسوبيشي[8].


المركز الوطني المصري للتوثيق قاعدة المعطيات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية[1]

الامبريالية، فيليب باريلارد، ترجمة عيسى عصفور،ص 13 [2]

د حسن العنبري، محاضرات في العلاقات الدولية ص 51.[3]

[4] ادوارد م. جراهام *معهد الاقتصاديات الدولية واشنطن دي سي موقع الانترنت الاستثمار الاجنبي والتجارة

[5] 1-الاهرام العربي العدد 538 غول الدواء المستورد / موقع الانترنت

بشار المنير جريدة النور العدد 351/30/7/2008[6]

بيير غالية، الامبريالية ونهب العالم الثالث ص70[7]

ملتقى الادباء والمبدعين العرب ،موقع الانترنت.[8]