بالرغم من أننا قد نعيب على الأشخاص الذين يثقون بأنفسهم بشكل مبالغ به مثل هذه الصفة، إلا أننا نتأثر بتصرفاتهم ونعجب بهم في غالب الأحيان. هذا لا يبرر "الغرور" بوصفه السلوكي، بل يجعلنا نفكر في أهمية إيمان الإنسان بذاته، ومدى تأثير ذلك في الآخرين من حوله.
وقد نعتقد بأن "الثقة الزائدة" كالغرور، إذ ينشأ عن الثقة في بادئ الأمر، لكنه لا يلبث حتى يتعثر ويهوي إلى سقوط متوقع، ليفسح المجال أمام الأشخاص الواثقين من أنفسهم بطريقة عقلانية. وعلى أي حال، فالسالف ذكره لا يحدث دائماً.
وقد تناولت البحوث النفسية أسباب ذلك، وقدمت بعض الأجوبة الممكنة، وخلصت إحداها ، إلى أن الثقة الزائدة يظل سحرها طاغياً حتى حين لا تكون نتائجها مقبولة. وقد نتوقع بأن أي شخص يمتلك مثل هذه الصفة أكثر من امتلاكه للمهارات المميزة الأخرى، سيعكس أداء وظيفياً ضعيفاً في حال تم الضغط عليه. غير أن الدراسة اختبرت هذا التوقع، ووجدت أنه دقيق إلى حد معين فقط، وغير صحيح دائماً.
وهي لا تبرز في حال تم اختبارها موضوعياً، لكنها في غالب الأحيان تمنح صاحبها القدرة على إغواء الناس، إلى درجة أنهم قد يتجاهلون حقيقة النتائج، لصالح إبقاء مثل هذا الشخص في أفضل مكانة.
فإذا بحثنا عن السبب، سنجد أن المسألة متعلقة بالمكانة الاجتماعية، التي تنمي هذ الصفة بصورة كبيرة. وفي حال تم إدارتها بشكل جيد، فإن هذه المكانة تشتت انتباهنا عن النتائج القابلة للقياس.
هنا يكمن التناقض في الاستنتاج، إذ كيف نكون رافضين ومتأثرين في الوقت نفسه بإغواء سحر هذه الصفة ؟ ومما يزيد الأمر غرابة، أن دراسة أخرى أظهرت احتمال التغاضي عن إساءة شخص ما في حال كانت ثقته الزائدة تمنحه مكانة معينة.
ففي إحدى التجارب، شاهد المشاركون مقطع فيديو يظهر رجلاً يجلس على رصيف أحد المقاهي، ويضع قدميه على كرسي آخر، ويرمي رماد السيجارة على الأرض، ويطلب وجبته بفظاظة. ورجح المشاركون أن هذا الرجل أكثر قدرة على اتخاذ القرارات والتأثير في الآخرين، من رجل آخر يتصرف بأدب. ومن خلال بعض التجارب الأخرى أيضاً، تم التوصل إلى النتائج ذاتها، وهي أن الأشخاص يميلون إلى وضع الخارجين عن القاعدة على أنهم أكثر سيطرة وقوة، مقارنة بالأشخاص الذين يلتزمون بالحدود ولا يتخطونها.
لكن، ما هو العنصر الأساسي الذي يدفع احدهم للاعتقاد أنه فوق القواعد كلها؟ إنها الثقة الزائدة طبعاً. وهذا قد يساعد على فهم قدرة مندوبي المبيعات الجريئين على نحو مبالغ فيه، بالتفوق على غيرهم في البيع، لاسيما في المحال الفاخرة.
فيما شرحت الدراسة هذا الموضوع كما يلي: في حالة الثقة الزائدة، فإن الإيمان بقدرة المرء يولد وينشئ طاقة خاصة تبدو كأنها "معدية". وحتى لو كانت لا تتناسب والواقع، إلا أنها تظل سيلة فعالة لإقناع العالم برؤية الأشياء على طريقتك.
وقد طلب من المشاركين في الدراسة (مجموعة من طلاب الجامعات) تقييم قدراتهم الخاصة وقدرات أقرانهم في بداية دورة مدتها 6 أسابيع. فأشارت النتائج إلى أن نصفهم اتسم بضعف الثقة بالنفس، فيما اتصف أقل من نصفهم بالثقة الزائدة. ثم طلب منهم إعادة التقييم في نهاية الدورة، فظهر أن الطلاب الواثقين من أنفسهم، حازوا على تصنيفات عالية وثابتة نسبياً من أول الدورة إلى آخرها. وفي الواقع، لا تكاد تكون النتائج ذات أهمية مقارنة بالإشارات المغرية التي بعث بها أولئك الذين يعتقدون بأنهم أفضل؟
ويشخص الباحثون ظاهرة أخرى أيضاً، يعبرون عنه بقولهم: "نتائجنا تشير إلى أن الأشخاص قد يميلون أكثر إلى مكافأة الشخص الذي يتميز بقدرته على الخداع الذاتي، أكثر من الذين ينجزون أعمالهم ببراعة".
ويشير مجمل ما سبق، إلى أن إيمان الآخرين بقدراتك، مرهون بمدى إيمانك بنفسك أولاً. وهذا ما ينطبق على صفة "الاعتدال في الشعور بالثقة" مثلما ينطبق على الغرور أو الثقة المبالغ فيها.