عندما يكون اسم السيدة: "شيريل ساندبرج" واسم زوجها: "ديف جولدبرج" واسم مديرها: "مارك زكربرج" فمن الطبيعي أن تبرق وترعد وتمطر. وعندما تكون وظيفتك الأولى في البنك الدولي، والثانية في وزارة الخزانة، والثالثة في "جوجل" والرابعة في "فيسبوك" فمن المنطقي أن تدعوك منظمة "تيد" لتتحدث عن أي موضوع تريد، مهما كان حديثك سطحيًا، وأن يجاملك الجمهور ضاحكًا، مهما كانت نكاتك سخيفة.

يحتل كتاب "اقتحمي الصعاب: المرأة والوظيفة والإرادة في القيادة" للسيدة "ساندبرج" المرتبة الأولى في قائمة الكتب الأكثر مبيعًا. فور صدور الكتاب قررنا قراءته ومراجعته لعلنا نجده يستحق التلخيص والنشر ضمن سلسلة "خلاصات". إلا إننا صدمنا بسطحيته، وتقادم أفكاره، والقضايا المفتعلة التي يثيرها.

تعمل "ساندبرج" مديرة للعمليات في "فيسبوك"، وتدعي في كتابها أن المرأة الأمريكية والنساء حول العالم لم ينلن حظوظهن وحقوقهن بعد، وعليهن أن يكافحن ليصعدن سلالم القيادة. مثل هذه الدعوات أطلقت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وصارت اليوم من القضايا الممجوجة التي لم يعد يصغي إليها أحد. فقد أخذت المرأة الأمريكية أكثر من حقها، والمؤلفة الشابة "شيريل ساندبرج" دليل على ذلك. إذ دعاها "كريس أندرسون" للتحدث في "تيد" عام 2010 وروجت لها محركات "جوجل" و"فيسبوك"، فشاهد محاضرتها أكثر من مليونين حتى الآن. وعلى "أمازون" يحظى كتابها برعاية أبوية طاغية من "جيف بيزوس" رئيس "أمازون" لأسباب تعلمها الدوائر اليهودية المفتوحة على نفسها، والمغلقة على العالم.

هاجم كثير من القراء الأمريكيين كتاب "اقتحمي الصعاب" ووضعوه في حجمه الحقيقي، إلا إن أحدًا منهم لم يجرؤ على القول بأن مؤلفة الكتاب والناشر "نوبف" والموزع "أمازون" والمروجون "تيد" و"جوجل" و"فيسبوك" كلهم يهود. فالمؤلفة الحسناء تحظى بكل هذه الرعاية لأسباب عقائدية وعنصرية بحتة، لا لجدارتها ومهارتها في الكتابة والتحليل والتعليل.

بعد صدور الكتاب مباشرة أفردت لها مجلة "تايم" غلافًا كاملاً بعنوان: "لا تحسدوها لأنها ناجحة." ثم عرض الكتاب في كل دوريات الأعمال العالمية، وفي الصحف اليومية، ومن الطبيعي أن تتحدث عنه محطات ومجلات "بلومبرج"، على اعتبار أن كل ما "يبرج" ذهبًا. ولم تنسها قطعًا "وول ستريت جورنال" و"الفايننشال تايمز" و"الواشنطن بوست" ومجلة "أتلانتك" لأنها الطفلة المدللة للإعلام الإلكتروني والمطبوع والمرئي والمسموع.

فما الذي يقوله هذا الكتاب المعجزة الذي ملأ الدنيا وشغل الناس رغم سطحيته؟ النصائح الثلاث التي يقدمها الكتاب للمرأة هي:
- اجلسي معه – أي مع الرجل – في المكتب على نفس الطاولة.
- كوني له – في البيت – شريكة لا أريكة.
- لا تنسحبي من وظيفتك بسهولة، بل اقتحمي الصعاب.

ما تتناوله المؤلفة ليس أكثر من مواقف يومية وروتينية لا علاقة لها بالقيادة والريادة. إلا إن التسويق والتصفيق جعل منها نجمة شباك بسبب نفوذها و"لوبي" العلاقات العامة الذي يساندها. مثل هذا التجييش الإعلامي والتسويق للسطحية يحدث أيضًا في واقعنا العربي. فهناك كتب كثيرة تنشر وتوزع بكميات ضخمة لأن مؤلفيها نجوم شباك، يستغلون لاوعي القارئ، وعدم قدرته على التفريق بين الجوهري والمظهري. حتى إن بعض دور النشر التجاري تزور المحتوى، وتعيد طباعته على ورق مصقول ولامع وبأربعة ألوان؛ فتحولت كتب إدارة الأعمال إلى كتب أطفال. هذه الكتب اللامعة ليست نافعة؛ هي فقط تلمع كالذهب المغشوش، لأنها كتب "فالصو."


نسيم الصمادي [مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]