رئيس الاتحاد العام للغرف العربية

رجل الأعمال عدنان القصار.. تفوَّق في التجارة والتزم بالمنافسة المصرفية

لم يختر رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية، رئيس الاتحاد العام للغرف العربية عدنان القصار، الطريق التي سلكها أركان العائلة (والده وفيق القصار شغل منصب رئيس مجلس الشورى وسفيراً للبنان في باكستان ثم في تركيا، فمؤسساً وعميداً لكلية الحقوق، وعمه حسن القصار، شغل منصب محافظ منطقة البقاع)، بل اختار، وهو على مقاعد الجامعة في التاسعة عشرة من عمره، طريقاً اخرى أبعد ما تكون عن الوظيفة العامة، طريق التجارة موفقاً بين رغبة والده في اكمال الدراسة وتشجيع الوالدة على المضي في مجال التجارة. وهكذا كان يتابع الدروس حتى الساعة الحادية عشرة قبل الظهر ثم يلتحق بمكتبه عاقداً الصفقات المتواضعة التي تتناول تجارة القطن وبعض المواد الغذائية ومواد البناء والخردة.
ولم يطل الامر بـ«الريس»، كما يسميه عارفوه، حتى انخرط في مجال الوساطة بين الشركات اللبنانية والأوروبية في أوائل الخمسينات، وسرعان ما مد نشاطه الى سورية للحصول على طلبات التجار من اوروبا.
وفي عام 1954 وفق بالتعرف الى الصينيين خلال زيارة له الى كراتشي، واستطاع ان يقيم علاقات تجارية مع العديد من المؤسسات هناك، وبذلك كان اول تاجر لبناني وعربي «يخترق» سور الصين، وكان هذا الاختراق اهم محطة في حياته العملية ونقطة تحول نقلته فوراً الى عالم تجاري دولي، قرنه بتبوؤ اعلى المناصب التجارية، لبنانياً وعربياً ودولياً، بدءاً من عضويته في مجلس ادارة جمعية تجار بيروت عام 1958، فأميناً عاماً للجمعية. وفي عام 1971 خاض انتخابات غرفة التجارة والصناعة في بيروت ففازت لائحته وانتخب رئيساً للغرفة وبقي فيها حتى منتصف عام 2005، اي انه «أتاها في الزمن الصعب وغادرها في الزمن الأصعب». ومع ذلك يقول القصار لـ«الشرق الاوسط»: «لقد جعلنا دور الغرفة قيادياً متصلا مباشرة بالدعم الاساسي لاقتصاد لبنان الحر وإرساء قواعده على اسس سليمة، وطورنا مفاهيم المبادرة الفردية على اصول ناجحة وناضجة ومرنة، وفي احلك اوقات لبنان ومواجهة اقتصاده لأخطر التحديات. وتمكنا من المحافظة على وحدة الغرفة ووحدة شمل أعضائها».
لم يقصر القصار همه على غرفة بيروت، بل سعى الى التنسيق بين كل الغرف حتى توجت محاولاته بإقامة الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة الذي تولى هو شخصياً في حينه منصب رئاسة الاتحاد. ولكونه عربي الهوى والانتماء، وبالنظر الى ما نسجه من علاقات متينة على امتداد العالم العربي، انتخب رئيساً لمجلس ادارة الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية لمدة سنتين في السابق، فنائباً دائماً لرئيس المجلس، ومن ثم انتخب رئيساً له مرة اخرى منذ عامين، وقد دفعه اهتمامه بالاقتصاد العربي الى تحمل نفقات إقامة مقر للاتحاد في بيروت التي تبلغ 9 ملايين دولار.
وفي عام 1999، أهلته علاقاته العربية والدولية المتميزة للفوز بمنصب رئاسة غرفة التجارة الدولية لمدة عامين، وبذلك يكون إنشاء الغرفة الدولية في عدد غير قليل من دول العالم والمنطقة العربية. وتتويجاً لعلاقاته الاقتصادية مع سورية انشأ مجلس رجال الاعمال اللبناني – السوري الذي تناوب القصار والدكتور راتب الشلاح (عن سورية) على رئاسته.
ولم تقعد الحرب اللبنانية عدنان القصار او تحبطه، بل على العكس من ذلك، دفعته نجاحاته التجارية الى القيام مع شقيقه عادل، الذي يتقاسم معه الحلو والمر، وكل الخبز والملح ومع مجموعة من رجال الاعمال والمستثمري ن اللبنانيين والعرب بشراء «فرنسبنك»، وكانت الرخصة آنذاك تحت اسم «بنك الجزائر وتونس العقاري». وفي عام 1984، استطاع اقناع «كريدي غريكول» الفرنسي بالمساهمة في رأس مال «فرنسبنك» وبالتالي اطلاق شراكة استراتيجية مع هذه المؤسسة المصرفية الرائدة التي ما زالت قائمة حتى اليوم بحيث اصبح «فرنسبنك» بنكاً عالمياً، ضم الى فروعه الستين في لبنان فرعاً دولياً في باريس يرأس «الريس» عدنان رئاسة مجلس ادارته، الى جانب رئاسة مجلس ادارة «فرنسبنك» لبنان (شقيقه نائب الرئيس والمدير العام). فضلا عن فروع في سورية والجزائر والسودان وقبل آخر السنة في السوق السورية، وفي ليبيا من خلال مكتب تمثيل واهتمام بالوجود في العراق. ولم يتوقف «فرنسبنك» عن التوسع وعقد صفقات الدمج وآخرها شراؤه «البنك اللبناني للتجارة» بعد «بنك طعمة»، و«البنك اللبناني الدولي» و«بنك البقاع»، مما يزيد من قدراته التنافسية على الصعد المحلية والاقليمية والدولية.
ويمتلك «فرنسبنك» مجموعة من الشركات الشقيقة، والتابعة والمتفرعة ابرزها «فرنسبنك» للاعمال، وشركة الليزنغ اللبنانية، وشركة ناشطة في مجال التأمين المصرفي. وضمن نشاطاته في الحقل الخاص، التجاري والاقتصادي ، أسس وساهم في مؤسسات عدنان وعادل القصار التي تتخذ من بيروت مقراً رئيسياً لها وتنتشر بفروعها في فرنسا وهونغ كونغ وهنغاريا.
وإذا كان القصار قد ترك بصمات عديدة في وزارة الاقتصاد، والواقع الاقتصادي اللبناني خلال تسلمه حقيبة وزارة الاقتصاد والتجارة عام 2005 في حكومة الرئيس عمر كرامي، فانه لا يتردد في القول: «انا لم أحب السياسة، وقد علمتني تجربتي الوزارية القصيرة أن الوزير ليس سيد قراره، وأنا الذي نشأت على كوني سيد نفسي منذ بدأت عملي المهني، وعدم تلقي الأوامر والتعليمات من الآخرين، وذهلت للطريقة التي يدير بها السياسيون الشأن العام». وبقدر ما يتصل القصار بالتراث الاسلامي البيروتي، من خلال «وقف القصار» في وسط بيروت التجاري الذي يعود الى الجد الاعلى الشيخ علي القصار، وتشييد «جامع القصار» في بيروت ايضاً على يد الوالد وفيق القصار، بقدر ما يتصل ايضاً بالعائلة الموحدة والمنضمة على بعضها البعض، والمشاركة بكل أفرادها في ورشة «فرنسبنك» من دون ان يتوقف عن الرحلات السندبادية بحثاً عن مزيد من النجاح، ومن دون ان يغفل تعلقه بالفنون الجميلة، الذي دفعه الى انشاء «متحف القصار» في بيروت، الذي يضم عدداً لا بأس به من الاعمال المتميزة التي جمعها على امتداد اكثر من أربعة عقود من الزمن.