ذهب جاد إلى العمل باكرًا، وفي طريقهِ كعادته أوقف سيارته التي اقتناها منذ فترة، اشترى جريدة وكوبًا ساخنًا من النسكافيه، وعندما وصل إلى عمله وجلس على مكتبه، نظر حوله مرارًا وتكرارًا، لاحظ أن هناك شيئا ما ناقصًا، فحاول أن يتذكر فلم يستطع، فعاد في اليوم الثاني وكرر نفس العملية ولاحظ أيضًا أن هناك شيئا ناقصا، ولكنه لم يتذكر أي شيئ أبدا.
الذي حصل مع جاد، هو الذي يحصلُ مع أي شخص يوميًا، بل إن الذي حصل معه يحصل مع كل الذين لم يخططوا لحياتهم ولم يدركوا أوقاتهم الثمينة فاستغلوها، فما يفعله جاد اليوم يعيده غدا، فبعد مدة لاحظ أن الوضع لا يحتمل، ولكنه لم يعرف لماذا! فأصابته حالة من الإكتئاب مما أدى إلى التراجع في مستوى آدائه وفصله من العمل، ورغم عدم معرفته، إلَّا أننا نعرف جيدًا مالذي حصل معه، لقد إمتلئ كوبه!!
فقرر أن يعرف الحكمة من هذه الحياة، فظل يسأل سنين، حتى وصل لعجوز طاعن في السن، فسأله "كيف أمضيت حياتك هذه، ألم يضيق صدرك من الملل، لماذا أنت سعيد، كيف أمضيتها؟ فابسم العجوز وقال "هل إذا أحضرت كوبًا فارغًا ووضعته أمامك ستسطيع شرب الماء إذا ظمأت" فقال طبعًا لا، فأجاب العجوز بحكمة "إن الفراغ الموجود في الكوب هو حياتك وأعمالك الروتينية التي تحولت لسلبية، فأول ما اشتريت الكوب أي بدأت بحياتك المهنية كان الفراغ شيئًا جميلًا فأنت تنهي أعمالك بسرعة وتنطلق، أما اليوم هذا الفراغ صار سلاحا ضدك، فعليك أن تملئ الكوب بقيامك بأعمال جديدة تستفيد منها، وتستطيع تعبئة كوبك بأمور جديدة إيجابية.
ذهب جاد إلى المنزل وهو يتفكر بما حصل معه عند العجوز، فقال لنفسه "إنه على حق"، فبدأ بالتخطيط لحياة جديدة، وكأنه ولد من جديد، فأدرك حينها أن العجوز كان على حق حين قال " خطط لحياتك واكسب وقتك".
التخطيط للحياة لا يتطلب دراسة الهندسة ولا دراسة الرياضيات، فالشيئ الوحيد الذي يطلبه التخطيط، والقانون الوحيد الذي تبني السعادة عليه مبادئها، هو القرار، فكل ما في الأمر هو أن "تقرر" و"تخطط" و"تنفذ" وتلاحظ السعادة.
بقلم عمر الفاكهاني