دع الماضي يمضي وأحاديث الناس تمضي فهل سمعت بخشص ربح سباقا وهو ينظر خلفه؟ يقول أحد الحكماء "لا تفكر بالماضي فيكفي أنه مضى" ويقول آخر "من النَّاس من يفكر بالماضي فيعيش فيه فيبقى فيه ولا يتخلى عنه".
إن الماضي سجن إذا فكر الإنسان فيه علق بين قضبانه، في الماضي ألف قصة وقصة وحكايات تروى عن الأمراء والمساكين، وعن الحكام والمحكومين، تروى روايات المظلومين، وعن الأبطال الذين أنقذوهم، وتروى روايات روميو وجوليات، وقيس وعبلة، والطائر الحزين وملك الغابة السعيد، قصص قد لا تحصى.
أستغرب بالأشخاص الذين يعيشون بماضيهم يتذكرون كل لحظة، لمَ عاشوها بتفاصيلها،بل وينقلب شعورهم الحالي ليصبح كالشعور الذي أحسّوه من قبل بل وأقوى، لأنهم ينقلون تجربة حصلت منذ سنة أو أكثر إلى حاضر، ينقلون مشاعرهم السلبية كلها إلى حاضرهم، فيساعدهم العقل على ذلك فيذكرهم في أمور صغيرة لكنها تكون بمثابة نقلة فريدة من نوعها، إذ أنهم يتركون كل السعادة التي أنعم الله عليهم بها، وينطلقون مسرعين إلى الوحدة والإنطواء والبكاء وسماعِ الأغاني المحزنة والأشعار المبكية، ويبتعدون عن النَّاس ولا يتقبلون الكلام ولا يطيقون اللقاءات، أليس غريبًا أمر هذه الناس، ينسون أن لهم نعم لا تحصى وكأنهم يجهلونها.
أعرف أنك تفكر بما هي تلك النعم وتتسائل، فلن أطيل عليك بالمقدمات لأجيبك، فهل فكَّرت يومًا بالقدرة الهائلة التي وهبك الله إياها في قدميك؟ العصب من أين جئت به؟ ولماذا تمشي؟ ولماذا تسمع؟ وكيف ترى؟ أغمض عينيك لو سمحت ثانية!! أرأيت الظلام الذي ظهر بين جفونك ؟ هذا هو حال الأعمى والآن إفرد قدميك ولا تحركهما لمدة دقيقة فقط وكأنك لا تقدر على ذلك،كم هو صعب، فهذا حال المقعد، أنت لم تحتمل دقيقة فكيف هو؟ إن الله أنعم عليك بالنعم التي لا تحصى فقل الحمد لله.
نرجع للماضي، فكم من حالة أقابلها هي أسيرة الماضي، قالت لي امراة مرة: تذكرت الذي كان خطيبي انا أحبه ولا أريد العيش بدونه. فرأيت الدمع في عيناها فقلت لها: أين هو؟ فأجابت بجواب صعقني حيث قالت: لقد تزوج وهو مسافر الآن. الذي صعقني أنها ما زالت تفكر برجل قد يكون نسيها أصلا، وأستغرب أيضًا ببعض الرجال الذين يحاولون الإنتقام لأنفسهم من أشخاص بريئين ارتكبوا أخطاءً بسيطة ولكنها كبيرة بالنسبة لمن ارتكبت بحقهم، فلا يرون إلا الأذى ولا يتصرفون إلا بالأذى فهم لا يفكرون إلا الأذى.
هذه الحياة جميلة لمن يعرف قوانينها، فكما أنَّك لا تستطيع العيش في بلد إلا وتلتزم في قوانينه، فهذه الدنيا كذلك، فلن تستطيع العيشَ فيها إلا بالخضوع لقوانينها، فلا بُدَّ من معرفة أن الذي مضى مضى، وأن الذي أنت فيه سينتهي وأنك إلى المستقبل مقبل، ففكر بالمستقبل بدلًا من الماضي، وتذكر جيدًا أنك اليوم تعيش ما فكرت به سابقًا، وأنك غدًا ستعيش ما ستفكر به اليوم، فتفائل.
بقلم عمر الفاكهاني