بعدَ يومٍ حافلٍ بالمتاعب، عودة إلى المنزل الهادئ، وجلوسٌ في تلك الغرفةِ التي نورها ضوءُ القمر، وهواءها نسيم الأشجار، هدوءٌ تام، وعقاربُ الساعةِ تمرُّ كعادتها "تك، تك، تك" والقطةُ تلهو بكرتها البيضاء المصنوعةُ من نسيج الحرير، فما الذي يجعلُ إنسانًا يعيش هذه الأجواء التي يتمناها أغلبُ البشر؟
طالب، هو ذاك الإنسان الذي يرى ظلام الليل دون القمر، ويرى هدوء المنزل ضجر، ولا يشعرُ بنسيم الأشجار إلَّا أنها نسائمٌ من نارٍ موقدة، وينظرُ للقطةِ يتخيلَّها صيدًا ثمينًا للانتقام؟ من هو طالب؟ ولماذا لا يرى عقارب الساعة تتحرك؟ أصحيحٌ هي لا تتحرك، أم أنَّهُ يحلم؟ أو أنَّهُ متعبٌ وحزين؟
الحزن وما أدراك يا سعيدُ ما الحزن، الحزنُ رغمَ درجاتهِ الكثيرة وتعاريفه المثيرة، إلَّا أنَّهُ يبقى شعورًا يشعرُ صاحبه بالنقص والخمول. لا أذكرُ أنني رأيت حزينًا يضحك من قلبه، لأن الشعور لا يتناقض، فربما يكذبُ الإنسان على البشر، لكنه لا يكذبُ على نفسه، وربما يستطيع أن يُشعِرَ النَذاس بأن قلبهُ حجر، ورغمَ ذلك قد يكون من أطيب البشر.
إنَّ طالب يرى السَّاعة لا تتحرك لأنَّ كلَّ حركةٍ في جسدهِ مشوشة، وسؤالٌ يمرُّ على أذهانِ الكثير، وهو لماذا عندما نكون سعداء يمرُّ الوقت بسرعة؟ والجواب عن هذا هو لأن العقل يكون مرتاحًا فيفرزُ كميات ضخمة من الهرمونات، فيتدفق الدمُ بارتياح، ويتصاعدث الأوكسيجين بهدوء واعتدال، فيكون بهذا كلُّ شيءٍ على ما يرام، إلى أن تأتي اللحظة الفاصلة، فتشعرُ بتغيرٍ غريب يؤثر على بصيرتك تارةً وعلى بصرك تارةً أخرى، فلذلك كلُّ ما عليك إدراكه هو أنَّ الحزن شعورٌ مكتسب، كما أنَّ الفرح شعورٌ مكتبس.
والإكتساب فعلٌ مميز، فلولاه لما تعلَّم الإنسان، فالإنسان ومنذ اللحظة الأولى له في الدنيا، يكتسب أشيءً وأشياء، يكتسب أن المرأة التي تحضنني تحبني ومع الوقت يعرف أنَّ اسمها ماما، وأنَّ ذاك العملاق الخشن الملمس الذي لا يراهُ إلا مرة في النهار هو بابا، ومع الوقت يدرك الطفل أن بابا هو مصدرُ العيش وأمي هي مصدرُ الحنان، وهكذا إلى أن يدركَ تمامًا أن أهله هم مصدرُ الحياة.
الإنسان عندما يكتسبُ شيئًا فهو غالبًا ما يكررهُ، فلو رأيت ابن الجيران وكلُّ يومٍ ينادوه أهله باسم مختلف، فمن الطبيعي أن لا تحفظ اسمًا له، أو على الأقل أن لا تعرف اسمه، ولكن إن كررت اسم أحدهم ثلاث مراتٍ على الأقل، فإنك حتمًا ستحفظ اسمه.
فهذا ما يحصل في الإكتساب، لقد أطلتُ على القارئ الموضوع حيثُ أنني تعمَّدُ أن آخذهُ برحلة حول الاكتساب، وأعود للحزن هذا الشعور المكتسب، فإذا أردت أن تتخلصَ من الحزن فكلُّ ما عليك هو أن تكتسب شعورًا جديدًا.