الثقافة التنظيمية والتمكين


جوهرياً، فالتنفيذ الفعال للتمكين يتطلب ثقافة تنظيمية جديدة. وثقافة المنظمة تأخذ بعين الاعتبار اتجاهات الفرد، سلوكياته، والممارسات التنظيمية كعناصر ترتبط بحياة المنظمة Martin, 1992)). ويقصد بثقافة المنظمة " أنماط من الافتراضات الأساسية الذي ابتدعته أو اكتشفته أو طورته مجموعة معينة خلال مراحل تعلمها كيفية التصدى للمشاكل الناشئة في بيئتها والتى اثبت نجاحها فاعتبرتها صحيحة وفعالة في جميع الأحوال وتصلح لأن تنتقل بطريقة التعلم إلى الاعضاء الجدد في هذه الجماعة كأسلوب ومنهج صحيح للتفكير والإحساس والادارك في كل ما له علاقة بهذه المشاكل "( Schein, 1984:3). وبالتالي، تحدد ثقافة المنظمة الإطار المرجعي للأفراد داخل التنظيم التي يتم توضيحها وتنظيمها من خلال الغايات التنظيمية، السياسات، الأساطير، الحكايات والطقوس .(Schrivastava, and .Schneider, 1984) . وجزء Hofstede, et. Al (1990) معنى الثقافة التنظيمية إلى ممارسات مثل الرموز، الأبطال، الطقوس، وقيم مثل الجيد/والشرير، والجميل/والقبيح، العقلاني/ وغير العقلاني. وفقاً Hofstede et al. (1990) يتم تحديد جانب القيم من الثقافة التنظيمية بالثقافة الوطنية، أما جانب الممارسات فيتم تحديدها من قبل المنظمة كوسيلة للتكيف مع المتطلبات البيئية للتغيير. فالثقافة الوطنية أو الثقافة المشتركة للمجتمع تاثر على ثقافة المنظمة، وبالتالى تأثر على عملية التمكين. هذا، يقود مفهوم الثقافة العديد من الأسئلة حول تنفيذ برنامج للتمكين، هل تحتاج المنظمات لتغيير كل من جوانب القيم والممارسة للثقافة التنظيمية؟ واذا كان هناك حاجة لتغيير كل من جوانب القيم والممارسة، كيف يمكن تغيير جوانب القيم؟
وجد Hofstede (1990) أن المجتمعات تتألف من ثقافات متعددة الأبعاد:
· التفاوت في السلطة
· تجنب الغموض
· الفردية/الجماعية
· الذكورية/الأنوثة
سنتطرق لبعدين أساسين من تصنيف Hofstede et al لأهميتهما في عملية التمكين: التفاوت في السلطة، وتجنب الغموض.


التفاوت في السلطة


يشكل التفاوت في السلطة أحد الابعاد الثقافية التي حظيت بأهتمام العديد من الباحثين، ويقصد بتفاوت السلطة إلى إي مدى يتوقع ويقبل الأفراد ان القوة موزعة بشكل متباين بين مختلف مستويات الهيكل التنظيمى .(Hofstede, 1984, 1994) كما يعكس مدى احترام الأفراد لهيكل السلطة والترتيب في المنظمة. فالأفراد في المجتمعات ذات الثقافة المنخفضة في التفاوت في السلطة، يعتقدون في المشاركة في لسلطة بين الرئيس والمرؤوس. أما الأفراد في المجتمعات ذات الثقافة العالية في تفاوت السلطة، فيعتقدون انه يجب على المرؤوس أن يلعب دور الفرد الذي يتبع أوامر وتعليمات رئيسة. ويشير مفهوم تركيز السلطة إلى أن المجتمعات ذات التفاوت الكبير في السلطة تفضل المركزية في الهياكل التنظيمية والمستويات الادارية المتعددة في التنظيم.
وفقاً لتصنيف Hofsted (1980, 1994) فالمنظمات في المجتمعات ذات الثقافة العالية في التفاوت في السلطة مثل الفلبين، المكسيك، فنزويلا، سنغافورة، وبعض الدول الاسلامية، الأكثر ترجيحاً أن يتم تفضيل أسلوب المركزية في اتخاذ القرار، المركزية في الهياكل التنظيمية وتعدد المستويات الادارية، والثقافة الموجهة نحو التحكم والتوجيه. ويشكل إحداث تغييرات أساسية في فلسفة وثقافة المنظمة فيما يتعلق بالسلطة والقوة أمرا جوهرياً لتبنى ونجاح التمكين. فالمديرين في تلك المنظمات قد يشعرون بعدم ارتياحهم في حالة تبنى التمكين لأنة قد يؤدى إلى غياب الاحترام للسلطة الرسمية للمديرين. أما الموظفين قد يشعرون بعدم الارتياح في اتخاذ قرارات دون الرجوع إلى المديرين والحصول على أذن. وهذا الشعور قد يوجد ظروف وبيئة لا تسمح بإيجاد بيئة ممكنة وبالتالي فشل التمكين.
أما المنظمات في المجتمعات ذات الثقافة المنخفضة في التفاوت في السلطة كالنمسا، السويد، استراليا، الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا ( Hofstede, 1984, 1994)، فالأغلب ترجيحاً أن تتبنى المنظمات الأسلوب المركزى وتمكين العاملين.


تجنب الغموض


بعد تجنب الغموض يتعامل مع إلى إي مدى يشعر الأفراد بالحاجة لتجنب المواقف الغامضة والى إي مدى يمكن للأفراد إدارة تلك المواقف من خلال التزود بأنظمة وتعليمات واضحة ورفض الأفكار الجديدة. ففي المجتمعات التي تأتى في مرتبة عالية من تجنب الغموض مثل اليونان، البرتغال، اليابان، والأرجنتين،تشيلي، بلجيكا، وبعض الدول الإسلامية ( Hofestede, 1984, 1994)، يشعر الأفراد بعدم الارتياح في ظل غياب الهياكل والسياسات والاجراءات. ولا يرغب الأفراد في الحصول على درجة عالية من الصلاحيات. وهذا بدورة قد يؤدى أن تتبنى المنظمات في تلك المجتمعات نظام قيم موجهة نحو التحكم والتوجيه وبناء تنظيمي ميكانيكي جامد وبالتالي قد لا يساعد على إيجاد بيئة مناسبة لتبنى التمكين.
أما في المجتمعات التي تأتى في مرتبة متدنية من حيث تجنب الغموض كسنغافورة، هونج كونج، السويد، الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، فان الأفراد يشعرون بعدم الارتياح من النظام الذي يركز على السياسات الصارمة. ويرغب الأفراد في الحصول على التمكين والمرونة في اتخاذ القرارات بأنفسهم. فالمنظمات في تلك المجتمعات على الأرجح أن تتبنى هياكل تنظيمية مرنة، ولديها فرص أكبر لتنفيذ برامج للتمكين.
الاعتقاد البارز أن التمكين كممارسة إدارية يمكن أن تتطابق مع القيم الثقافية لبعض المجتمعات مقارنة مع مجتمعات اخرى.
هل المنظمات العربية جاهزة لتبنى أو تطبيق مفهوم التمكين؟
· في ظل هياكل تنظيمية جامدة.
· في ظل قيادة إدارية تؤمن بالسلطة والقوة.


التدريب والتمكين


لكي يمكن تنفيذ برنامج لتمكين العاملين، تحتاج المنظمة أن تبذل جهود حثيثة ومكثفة لتدريب المديرين والموظفين. ونوة Bowen and Lawler (1995: 80) على أهمية التدريب الذي يحقق للموظف الإطلاع الشامل على أنشطة الوظيفة التي يقوم بها. وأوضح Byhan (1997:28:30) أن من بين خصائص المنظمات الممكنة " التدريب على قيادة التمكين... التدريب على الوظيفة والمهارات الفنية... التدريب على مهارات الاتصال وحل المشاكل". وذكر Gandz (1990:76) أيضا " أن التدريب الفنى، مهارات اتخاذ القرار، مهارات التعامل مع فرق العمل متطلبات أساسية لتقبل التمكين وللحصول على النتائج المأمولة".
وأكد Jones et al (1996) الحاجة للتحول من مفهوم المراقبة والتحكم إلى مفهوم التمكين لكي يمكن للعاملين المساهمة وإنجاز العمل بشكل أفضل. وذلك يتطلب بحسب Jones et al تأكيد مهارات جديدة للمديرين لتعظيم جهود العاملين. وهذه المهارات تتعلق بالأشراف، التسهيل والتيسير،الالتزام والثقة، تقدير التعلم وتملك العاملين، الاندماج مع قيم المنظمة، التفويض، والثقة الذاتية للأفراد التي تمثل صفة أساسية لمشاركة العاملين ( Potter, 1994). وقد أقترح Nicholls (1995) برنامج تدريبي للمديرين من ثلاث مراحل. في المرحلة الأولى، يتم تحليل القدرات الحالية، ومساعدة العاملين للعمل بأقصى طاقاتهم وقدراتهم. في المرحلة الثانية، المديرين بحاجة لاستخدام أساليب المدرب لجعل العاملين يبذلون جهد أكبر من قدراتهم الحالية. أما في المرحلة الثالثة، فيتم الحصول على التزام العاملين من خلال مشاركتهم في الرؤية والقيم. وعند الانتهاء من المرحلة الثالثة بشكل نهائي يتم تحقيق التمكين الكامل.