العاملون في أجهزة العلاقات العامة *

أولاً: الإطار العام لمواصفات العاملين في أجهزة العلاقات العامة

إن الجهد الموفق في العلاقات العامة يعتمد دائماً على التفاعل المستمر بين مختلف أنواع المواهب والمهارات في الإدارة والبحث والإنتاج.

فالنجاح الأسمى للتنظيم يتوقف إلى حد كبير على العنصر البشري في التنظيم، فالطاقة البشرية هي الشرط الأول اللازم للتنظيم. وليس هناك فائدة من إنشاء تنظيم على أسس وقواعد علمية دون توفر الكادر البشري المؤهل للقيام بالواجبات التي يحددها التنظيم.

إن النجاح في اختيار العاملين في أجهزة العلاقات العامة يتوقف أساساً على الفهم الواضح لما تتوقعه المؤسسة من هذه الأجهزة ومن العاملين فيها. وهذا التوقع يمثل الهدف الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند إعداد الخطط والبرامج الخاصة بإمداد جهاز العلاقات العامة بالعاملين ذوي المقدرة والكفاءة.

أما بالنسبة لعدد العاملين فلا يخضع لقانون أو لقواعد ثابتة أو نسبية، فعددهم يتوقف على حجم المؤسسة أولاً وحجم العلاقات العامة ومهماته وطبيعة هذا الجهاز من حيث البساطة والتعقيد وأهدافه وخططه ثانياً.

ومن جهة أخرى إن تسميات المسؤوليات الوظيفية في جهاز العلاقات العامة تختلف من مسؤولية لأخرى ومن دولة لأخرى فهناك من يستعمل مصطلح الرئيس أو المدير للتعبير عن مسؤول جهاز العلاقات العامة وهكذا بالنسبة للمسؤوليات الأخرى كمدير شعبة، أو رئيس شعبة أو ملاحظ شعبة، فإن طبيعة المسؤولية يمكن معرفتها عن طريق وصف الوظيفة.

وبشكل عام إن العاملين في جهاز العلاقات العامة لا بد أن يتميزوا ببعض الصفات والمميزات لما لهذه الوظيفة من أهمية وخصوصية في العمل إضافة إلى التخصص الدراسي والخبرة. ويعطي أحد الخبراء بعلم النفس وصفاً عاماً لصفات رجل العلاقات العامة: (القدرة على النظر إلى المسائل من وجهة نظر شخص أخر، والعمل بما يعود بالنفع على هذا الشخص، والقدرة على تبيين التفصيلات وعلى أداء الأشياء تلقائياً، والرغبة في مساعدة الآخرين، ليس في معنى (تبادل المجاملة) وإنما عن طريق تعرف هوية مصالح الآخرين ويتسم رجال العلاقات العامة، عادة بروح الصداقة، وهم محبون، وليس لديهم غرور وإعجاب بالذات، نسبياً).

إن الذي يعمل في مجال العلاقات العامة له موقع مؤثر في الحياة الاجتماعية والرسمية، فعليه أن يلتزم القصد والرصانة والجد في أحاديثه وأعماله، يتجنب التفاخر والمباهاة، وعليه أن يلتقي مع الناس في صعيد واحد على قدم المساواة متجاوزاً للفوارق الثقافية والاجتماعية، بل يجب أكثر من ذلك، أن يكون ودوداً, فإن خير ما يتسم به المرء في المعاملات هي صفاته الصريحة، الخلابة، الخالية من الادعاء، وهذه تميزه عن غيره ممن يتظاهرون بالكبر والزهو.

وأن يتميز رجل العلاقات العامة بالتصبر والحرص والأمانة والنزاهة والسمعة الطيبة والهدوء والمرونة وغيرها من السمات الذاتية الخاصة لكونها تؤثر بدرجة كبيرة في مهمته إضافة إلى أن هذه الصفات هي أصلاً صفات اجتماعية مستحبة في العالم كله.

إلى جانب مهارات مهينة ينبغي أن يتزود بها حتى يستكمل الصفات التي تجعله أداة صالحة لإشاعة الصدق كمدخل لا غنى عنه في مهنة العلاقات العامة.

وليس صحيحاً ما يعتقده البعض من أن رجل العلاقات العامة مجرد شخصية مرحة، تحسن الاستقبال والترحيب، وتشد على أيدي الضيوف، إذ أنه أعمق من ذلك بكثير، فهو خبير بالنفس البشرية دارس لاستجاباتها وتصرفاتها في المواقف المختلفة. كما أنه يعرف الكثير من العقبات التي تقف في سبيل الإقناع كالتعصب والكراهية والعقد النفسية والأنانية وتضارب المصالح وغير ذلك.

ومن أجل أن يكون رجل العلاقات العامة صالحاً لأداء عمله عليه أن يتفهم الاتجاهات والتطورات التي تحدث في الرأي العام، كما يجب أن يكون على علم تام بسياسات الإدارة ومشكلاتها، وأن يؤمن إيماناً كاملاً بعمله ورسالته التي يؤديها. متيقظاً لما يدور حوله داخل المؤسسة وخارجها من أحداث تتيح له طريق الاستفادة من كل فرصة لخدمة الجمهور وتحقيق مصالحه سواء بنقل المعلومات إليه أو بالرد على أسئلته أو بأداء خدمة واقعية له. وهذه اليقظة أيضاً تتيح له فرصة اتخاذ القرار السريع في العمل وهي صفة أساسية لرجل العلاقات العامة، حيث يتطلب الأمر من رجل العلاقات العامة أن يبت مثلاً في مدى أثر نشر خبر في نفوس الجمهور، خلال عدة دقائق.
وكذلك أن يكون رجل العلاقات العامة موضوعياً في تفكيره وأن يهتم بمشكلات الجمهور وأن يتميز بالشجاعة في نقل اتجاهاتهم. وأن يكون اجتماعياً بطبعه وذا شخصية مكتملة ونضج عاطفي وذاكرة قوية وعقل منظم، وأن يكون مؤدباً لبقاً، سريع الخاطر ولديه القدرة على الاستمالة والاعتراف بالخطأ حين الوقوع فيه.

وترتبط مواصفات وخصائص ومميزات العاملين في العلاقات العامة بأخلاقية العمل بشكل عام في مجال العلاقات العامة، وقد حظيت أخلاقيات العمل في ميدان العلاقات العامة باهتمام الكثير من المختصين والجمعيات الدولية.

وفي دستور جمعية مستشاري العلاقات العامة حددت فيه عشرة نقاط يتعلق بأخلاقيات العمل والعاملين بالعلاقات العامة أوجبت أعضاؤها التقييد بها.

لكل عضو واجبات محددة بصورة واضحة اتجاه الأمور:
1. أن يتعهد كل عضو بعدم الاشتغال في أية مهنة تقود إلى فساد سلامة وسائل الاتصال الجماهيري والقوانين.
2. على العضو أن لا يقوم بنشر معلومات كاذبة ومضللة.
3. على العضو أن لا يقدم خدمات لأسباب أو لأغراض غير مكشوفة أو يعطي أسباب غير واقعية.
4. على العضو أن يحمي ثقة جمهوره الحالي والسابق وأن لا يستخدم هذه الثقة.
5. على العضو أن لا يقبل استشارة جهتين لديها مصالح متضاربة إلا بعد أخذ موافقة كل منها.
6. على العضو إخبار الشخص المتقاعد معه عن أية ممتلكات أو مصالح مالية تعود له (أي للعضو) نفسه لدى أية شركة أو مؤسسة أو شخص عندما يقترح استخدام ذلك الشخص أو الشركة.
7. على العضو أن لا يقترح على الزبون المتوقع بأن يتوقف عن رفع الأجور والتعويضات المالية على تحقيق نتائج معينة، أو أن تتأثر الأجور بنفس الطرقة بالنتائج المتحققة.
8. على العضو أن لا يقدم إلى الزبون المتوقع مقترحاً تفصيلياً لبرامج العلاقات العامة قبل تعينه فعلاً.

وفي عام 1961 صدر دستور جمعية مستشاري العلاقات العامة من قبل جمعية العلاقات الدولية وقد أدخل عليه بعض التعديلات في عام 1965، عندما صار مرتبطاً بدستور السلوك المهني المعروف بدستور أثينا والذي اتخذ في وقت واحد من قبل الجمعية العالمية للعلاقات العامة والمركز الأوروبي للعلاقات العامة.

ثانياً : الخصائص الواجب توفرها بالعاملين في أجهزة العلاقات العامة:
1. النشاط: العلاقات العامة عمل مستمر وحيوي ومتعدد المجالات وجهد متواصل مما يتطلب أن يتصف من يعمل بالعلاقات العامة بالقدرة على التحرك السريع ودون ملل وبذل أقصى الجهود لنجاح مهمته.
2. حسن المظهر والمنطق والجاذبية: من مظاهر هذه الشخصية سماحة الوجه ورقة الحديث والكلام. وتناسب القوام وحسن الهندام وقادر على التعبير الكلامي بشكل مؤثر وأن يتميز بالشخصية الجذابة لينال إعجاب الآخرين . ويرشدهم باللفظ والعبارة وقوة الشخصية فالناس يجتذبون ما هو محبب لهم.
3. الشخصية المستقرة والمتزنة: لا بد أن يتصف رجل العلاقات العامة بالشخصية المستقرة والمتزنة والهادئة لتحقيق التفاهم مع الأفراد والجماعات وكسب تأييدهم وخلق انطباع طيب عند الجماهير عن المؤسسة التي تمثلها العلاقات العامة.
4. الشجاعة: لا بد أن يكون رجل العلاقات العامة قوي الشخصية، متصفاً بالشجاعة ليتمكن من عرض آرائه واقتراحاته بقوة والدفاع عن وجهة نظره أمام الإدارة العامة. لأن ضعف مدير العلاقات العامة يعني تأخر علاج المشكلات الناتجة عن أخطاء الإدارة العليا وبالتالي يزداد الأمر سوءاً. فرجل العلاقات العامة مسؤول عن إسداء النصح للمؤسسة، وإيضاح مواطن الخلل ومصادر الأزمات وأسبابها قبل وقوعها.
5. الإقناع: ومن المميزات المهمة لرجل العلاقات العامة أن تكون له القدرة على التأثير في نفوس الناس، وإقناعهم بلباقة. فهو ليس بالشرطي الذي يستعمل القوة. كما أنه ليس ساحراً أو محتالاً يستغل الدعاية الكاذبة. وإنما هو خبير بالنفس البشرية، والجماعة الإنسانية ويعرف كيف يوجه ويرشد وكيف يقنع باللفظ والعبارة وقوة الشخصية فلا بد أن يكون قادراً على استمالة الغير للأفكار التي يعبر عنها، وإمكانية تحليله لوجهات النظر المعروضة قبل تقديم أفكاره.
6. الذكاء: لا بد أن يكون رجل العلاقات العامة ذكياً، ناضج الشخصية، أهلاً للثقة. فالذكاء عنصر هام في تكوين شخصية رجل العلاقات العامة. فهو يقوم بتمثيل المؤسسة وحل مشكلاتها الإنسانية وتوطيد علاقاتها الاجتماعية.
7. التكيف: عامل أساسي في العلاقات العامة الطيبة، ومن الحقائق المتفق عليها أن الناس والجماعات والهيئات يعوزها أن تتكيف فيما بينها إذا أريد أن يكون لنا مجتمع متجانس. فمن واجبات العلاقات العامة تحقيق التفاهم عن طريق الاتصال بالآخرين. لذا من الواجب أن يكون رجل العلاقات العامة مقبلاً على التغيير، محباً للاندماج معهم. لكي يتعرف على طريقة تفكيرهم وأساليب التأثير فيهم. فالمؤسسة التي لا تتكيف اتجاهاتها وأعمالها مع الجمهور، سيرتب عليها الفشل هذا وأن التكيف يرتكز على نقل المعلومات والإقناع.
8. الكياسة: إن المثل الأعلى لرجل العلاقات العامة هو الاتصاف بالكياسة ودقة السلوك فإذا لم تكن الكياسة طبعاً فيه، فعلى الأقل أن يتطبع بها، فهي تطلب سليقة وذاكرة واعية، لم تتح لكل إنسان وعليه أن يتجنب التورط في أعمال قد تعتبر منافية للذوق السليم. كما يتطلب منه الدقة بالعمل فالخطأ يولد دائماً الامتعاض والاستياء.
9. الاستقامة والصدق: ينبغي لكل من يعمل في العلاقات العامة أن يكون قادراً على عرض الحقائق عرضاً سليماً على الجمهور، لكي يظفر بتأييده ويكسب ثقته وأن يتحلى بالسمعة الطيبة والأخلاق الفاضلة وأن هذه الصفات هي من الصفات الاجتماعية التي يؤكد عليها المجتمع والدين وأنها تدل على خلفية وتاريخ العائلة والمجتمع، ويقول "ادوارد برينز" في كتابه (العلاقات العامة): "إن من واجب أخصائي العلاقات العامة أن تدعم سمعته وسمعة مهنته وأن الخبرة الملحوظة في هذا المجال تتطلب لائحة أخلاقية تتضمن مجموعة من المبادئ الأخلاقية الصارمة. ويجب عليه أن يعكس أخلاقه على الجمهور. وما لم يؤكد أخصائي العلاقات العامة هذه اللائحة الأخلاقية بأفعاله ويؤيدها بأقواله فإن النجاح سوف لا يكون بجانبه وكما سيفقد ثقة الآخرين به، تلك الثقة التي لا غنى عنها من أجل التقدم والنجاح في أساليب الاتصال التي يستخدمها".
10. الموضوعية: وهي القدرة على النظر بتجرد عن الذات إلى المشكلات المعروضة والتوصيات المطروحة وأسلوب العمل. وتجنب التمييز العنصري أو الشعوبي أو الديني أو الاجتماعي وما إلى ذلك من الاتجاهات التي تفسد سلوك الفرد ولهذا فإن الموضوعية تعني التجرد من الآراء والأفكار والاتجاهات والمعتقدات. فمن الضروري أن يكون رجل العلاقات العامة موضوعياً مع نفسه في حكمه على مقدرته في أن يعمل كأخصائي للعلاقات العامة، لأنه إذا لم يكن موضوعياً إزاء نفسه فسوف يكون من العسير أن يكون موضوعياً اتجاه الآخرين.
11. الإحساس العام: أن يتميز رجل العلاقات العامة بالقدرة على الشعور بمدى توافقه مع الغير أو العكس. وأن يعرف متى يتكلم ومتى ينصت، ومتى يدافع أو يهاجم ومتى ينتظر ظروفاً أفضل للدفاع أو الهجوم، ما أن الحرص ضروري حتى لا يؤدي زلة لسان إلى مشكلات يصعب حلها. وأن تتوافر لديه المقدرة الإيجابية على التحليل والتأليف مستمداً مقاييسه في الحكم من بداهته ومنطقه وفطنته السليمة.
12. الخيال الخصب: العلاقات العامة وظيفة خلاقة تعتمد على الابتكار في مواجهة المشكلات الجديدة والتغلب على الآراء المعارضة في أضعافها لكسب فئات جديدة من الجماهير كما لا بد أن يتميز بالخلق والإبداع والمبادرة.
إضافة إلى الصفات الشخصية التي تم استعراضها لا بد من توفر مؤهلات علمية والتي تتلخص بما يلي:
1. أن يكون مزوداً بالأصول العلمية والعملية في علم العلاقات العامة كدراسة علوم الاجتماع والنفس والإدارة إلى جانب دراسة المنهج العلمي في العلاقات العامة وأساليب قياس اتجاهات الرأي العام وتعديلها وتوجيهها وأن يكون رجل العلاقات العامة حاصلاً على شهادة علمية من معهد أو كلية بإحدى اختصاصات الإدارة، أو اللغات، أو الإعلام أو الصحافة أو السياحة أو المكتبات أو علم الاجتماع.
2. له القدرة على القراءة واستيعاب المعلومات وتأثيرها وكما لا بد أن يتمتع باليقظة والانتباه عند الاستماع للجماهير أو لوسائل الإعلام ليتمكن من صحة التحليل. فإن رجل العلاقات العامة الناضج هو الذي يراقب الناس وهو يستمع إليهم.
3. كما أن تكون له القدرة على الكتابة والتعبير بهدف الإقناع، وأن تكون الكتابة خالية من المصطلحات المعقدة، فالكتابة وظيفتها نقل الأفكار والمعلومات والأحداث مما لا بد منه أن تكون بسيطة وواضحة ومؤثرة.
4. الخطابة: القدرة على التحدث إلى الأفراد والجماهير بشكل جذاب ومنطقي لنقل الأفكار إلى الجمهور والتأثير فيهم. وقد يتطلب من رجال العلاقات العامة إعداد خطب وكلمات الرؤساء أو المسؤولين أياً كانت درجتهم الوظيفية، فعليه صياغة الخطبة بالأسلوب الذي يساعد المتحدث على الحديث المؤثر السلس، الذي يتفق مع شخصيته وطريقة أدائه.

5. الصحافة: لا بد أن يتمتع رجل العلاقات العامة بخبرة حتى لو كانت بسيطة عن أسلوب التحرير الصحفي والتحقيقات الصحفية، والمقال وفن الإخراج، لأن هذه الفنون هي الأساس الذي يعتمد عليه في تقديم مادة الاتصال إلى الجمهور.

6. الاطلاع الفني: يستخدم رجال العلاقات العامة، بالإضافة إلى الوسائل المطبوعة، الأفلام، والمعارض، والإذاعة الداخلية، والشرائح المصورة وكذلك وسائل الاتصال السمعي والمرئي والسينما مما لا بد أن يتوفر لدى رجل العلاقات العامة مقدار من الاطلاع والحس الفني.

وعلى ضوء ما تقدم لا بد من ذكر حقيقة أنه ليس هناك رجل مثالي في العلاقات العامة يلم بجميع الصفات المذكورة، لكون هذا الرجل كائن إنساني يتأثر بخبرته وبيئته مما يجعل من العسير أن يحوز كافة السمات، التي ذكرت، بل أن هناك رجل العلاقات العامة الناضج الذي تتشكل أخلاقياته وخبراته وفقاً لبعض المستويات والمعايير المحددة.


* العلاقات العامة في الإدارة.