١. فاكر وإنت طفل صغير... لما الواد مدحت صاحبك في المدرسة الإبتدائي قال لك: "بص العصفورة" وأشار بيده لمكان بعيد... فلما نظرت في الإتجاه الذي يشير إليه لم تجد شيئا... فسألته مستفهما: "فين؟" فأشار إلى مكان بعيد وقال لك: "العصفورة هناك أهيه!"... وبينما أنت تنظر في إتجاه الإشارة... إذا ب "العصفورة" تطرقع على قفاك!!!!


ولأنك مؤمن... والمؤمن كيس فطن... والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين...


فعندما حاول صاحبك أسامة أن يعمل معك نفس المقلب... وقال لك:"بص العصفورة!"... لم تنظر في ذلك الإتجاه وإنما نظرت في إتجاه آخر و قلت له: "إيه دا... أول مرة أشوف عصفورة لونها أحمر!!"... قام هو إلتفت وسألك مستعجبا: "فين؟"... فأشرت أنت إلى مكان بعيد وقلت له: "العصفورة الحمرا هناك أهيه!"... وبينما هو ينظر في إتجاه إشارتك... إذا ب "العصفورة" تطرقع على قفاه!!!!!!


٭٭٭٭٭


٢. طيب... فاكر وإنت طفل صغير في إبتدائي أيضا عندما كنت تلعب لعبة "شد الحبل"... وكان على الطرف الآخر من الحبل الواد مصطفي التخين المكلبظ اللي وزنه ضعف وزنك... يعني مستحيل تهزمه... ومع ذلك هزمته!! فاكر كيف هزمته؟؟ لو مش فاكر أفكرك...


لقد قمت بشد الحبل بأقصي قوة عندك... حتى يضطر مصطفى أيضا لشد الحبل بأقصى قوة عنده... ثم فجأة تقوم إنت بإرخاء الحبل تماما... وتترك الباقي لقوانين نيوتن!!!


فحسب الأستاذ نيوتن: لك فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له في الإتجاه... فعندما كان مصطفي يشد (فعل) في إتجاه كنت أنت تشد في الإتجاه المعاكس (رد فعل) بنفس القوة... ولذلك كان هناك توزن في القوى... فلما قمت أنت بإرخاء الحبل فجأة... إختل توازن القوى... وإختل توازن مصطفي... ورجع للخلف بسرعة حتى كاد يسقط على مؤخرته!!! وبينما مصطفي فاقد لتوازنه وفي أضعف حالاته... قمت أنت بإعادة جذب الحبل مرة أخرى بسرعة... وكسبت المنافسة بدون مقاومة تذكر من مصطفى!!!


٭٭٭٭٭


٣. يروى عن أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان (وكان داهية في عالم السياسية) أنه قال: "لو كان بيني وبين الناس شعرة ما إنقطعت أبدا... فلو هم شدوا أرخيت... ولو هم أرخوا شددت"


٭٭٭٭٭


٤. في لعبة مصارعة الثيران... يجري الثور نحو المصارع (الماتادور) ويحاول أن ينطحه بقرونه... ولأنها "مصارعة ثيران" فالمنطق يقول أن على المصارع هو أيضا أن يهجم برأسه لينطح الثور... لكن المصارع لا يهجم على الثور ويحاول أن ينطحه برأسه!!! لماذا؟ هذا موقف غير أخلاقي من المصارع!!!... فالمفروض أنها مباراة مصارعة بالنطح... ولذلك لو الثور ينطح بالرأس فعلى المصارع أيضا أن ينطح بالرأس!!


لكن طبعا المصارع لا يدخل مع الثور مباراة نطح... لأنه يعرف أنه لو دخل برأسه لينطح الثور... ففي أقل من دقيقة "سينال الشهادة" (أقصد شهادة الوفاة من مشرحة زينهم بتاعة أسبانيا!!)


ولكن ما يفعله المصارع هو أنه يحضر علم أو قطعة قماش (وليس مهما اللون لأن الثور عنده عمى ألوان)... ويقف المصارع خلف العلم ويحركه بسرعة حتى يلفت إنتباه الثور... فيهجم الثور على العلم لينطحه... بينما يتحرك المصارع جانبا لتفادي الثور...


وهكذا يستمر الثور في نطح القماش/الهواء... مرة بعد مرة... حتى يصيبه الإرهاق والإنهاك... وعندما تخور قوى الثور تماما... عندها يبدأ المصارع "الشجاع" يتسلى عليه إلى أن يقتله!!!


٭٭٭٭٭


٥. في كثير من الألعاب القتالية (الملاكمة--المصارعة--الكاراتيه--التايكوندو--إلخ)... لعلك تلاحظ أن اللاعبين لا يقفون وجها لوجه... حيث أن هذا يجعل مساحة الجسم المكشوفة للخصم أكبر... وإنما يقفون "بزاوية"... يعني تجد اللاعب يقف وهو يقدم شقه الأيسر (رجله وكتفه ويده الشمال للأمام) بينما يؤخر شقه الأيمن للخلف... حتى يكاد يكون واقف "بالجنب"... لأن هذا يقلل مساحة الجسم المكشوفة أو المعرضة للضرب من الخصم.... والخصم أيضا يقف بزاوية... ولكن بالعكس... كما لو كان إنعكاس في المرآة للاعب الآخر...


لكن هل لاحظت أنه بمجرد أن يغير أحد اللاعبين وضعه (من تقديم الشق الأيسر مثلا إلى تقديم الشق الأيمن)... فإن اللاعب الخصم يقوم هو أيضا تلقائيا ولا شعوريا بتغيير وضعه ليتناسب مع الوضع الجديد؟؟


وهذا السلوك اللإرادي منطقي جدا... فعندما تتقدم أنت بشقك الأيسر تقترب من شقي الأيمن... فأرجع بشقي الأيمن لأبتعد عنك... وعندما تتراجع أنت بشقك الأيمن فإنك تترك حيز مكاني لأتقدم أنا بشقي الأيسر... وهكذا فكلا اللاعبين دائما يحاكي أحدهما الآخر كما لو كان يقلده... تماما كما لو كان إنعكاس في مرآة... ولو أنك رسمت خط يمر برأس وكتفي كل لاعب... فستجد أن هذين الخطين دائما متوازيين (هذا بفرض أنهما لاعبين محترفين)


٭٭٭٭٭


٦. هل لاحظت أنه في لقاء أوباما مع أردوغان في البيت الأبيض... وكان إوباما يجلس على اليمين وأردوغان على اليسار... هل لاحظت أن أردوغان كان يحاكي ويقلد كل حركات أوباما تماما كما لو كان مرآة... فلو إنحني أوباما يمينا إنحني أردوغان يسارا... ولو وضع أوباما رجل على رجل (شمال فوق اليمين) وضع أردوغان رجل على رجل (اليمين فوق الشمال)... ولو نظر أوباما للصحفيين نظر أردوغان للصحفيين... ولو هز أوباما رأسه بالموافقة هز أردوغان رأسه بالموافقة!!!


هل سألت نفسك ما هذا الذي يفعله أردوغان؟ ولماذا هذا التقليد "الأعمى" لأوباما؟ وهل هو مجرد تقليد أعمى ومحاكاة... أم أن وراءه هدف نفسي أكثر عمقا؟


٭٭٭٭٭


٧. في لعبة الشطرنج... لو هجم الخصم على جناحك الأيسر هجوم غاشم بوزير وفيل وحصانين وطابية... وأنت تعرف أنك لا تستطيع صد هكذا هجوم فماذا تفعل؟


تقوم بتحريك ملكك من المنتصف إلى جهة الجناح الأيمن... وكذلك إبعاد أكبر قدر من القطع من الجناح الأيسر... بحيث أن الخصم عندما يهجم على جناحك الأيسر لا يجد الكثير من القطع ليكسرها (ويكون كالثور الذي ينطح الهواء)... وفي الوقت نفسه... وبينما الخصم متورط في هجوم فاشل على جناحك الأيسر... تقوم أنت بهجوم مكثف من جناحك الأيمن عليه في جناحه الأيسر... حيث غالبا ما يكون هو غير مستعد لذلك... وتستطيع أنت أن تعمل كش ملك وتنهي الدور بسهولة...


لاحظ... هو هاجمك بيمينه على شمالك فتراجعت... ولكنك في الوقت نفسه تهجم بيمينك على شماله... وهو غير مستعد وغير متوقع ذلك...


٭٭٭٭٭


٨. جرب مرة وأنت في مناقشة حادة مع قريب أو صديق أو زميل في العمل أو حتى غريب في الشارع... جرب أنه كلما هو كشر وتذمر أنت تبتسم... فإذا صرخ وجعر... أنت تضحك... وكلما إرتفعت نبرة غضبه كلما إرتفعت قرقعة ضحكتك!!! جرب مرة واحدة وقل لي ماذا يحدث!!


طبعا... هو فيه إحتمال إنه يقول لك:"بتضحك على إيه يا عبيط يا أهبل؟"... وهناك إحتمال إنه يكسر قلة على دماغك!!!


لكن الإحتمال الأكبر هو أنه سينهار أمامك تماما... وربما يبكي أو يعتذر لك أو يقول أو يفعل أفعال التراجع!!!


فهو عندما ينفعل ويغضب ينتظر منك أن تعامله بالمثل وترفع صوتك حتى يرفع صوته أكثر ... وتتحول المناقشة لمباراة في النهيق!!! لكنك إذا إبتسمت وضحكت فهذا رد فعل غير متوقع... ولا يعرف كيف يتعامل معه... ويصيبه بالإرتباك مثل الواد مصطفي المكلبظ... وعندها يصبح صيدا سهلا تتسلى عليه تماما كما يتسلى الماتادور على الثور بعد أن ينهكه... (صدقني وإسأل مجرب!!!)...


٭٭٭٭٭


٩. الإسرائيليون عملوا فينا مقلب مشابه في حرب أكتوبر ١٩٧٣... وكانت النتيجة أننا تعرضنا في تلك الحرب لهزيمة "عسكرية" تعتبر وكسة ١٩٦٧ مقارنة بها زغزغة أطفال!!!... بل أنها ولا شك واحدة من أسوأ الهزائم العسكرية في التاريخ الإنساني الحديث.


فخطتنا كانت بسيطة جدا: عبور القناة-- إجتياز الساتر الترابي-- إقتحام خط بارليف-- ثم الجلوس في ظل "حائط الصواريخ" حيث لا يستطيع الطيران الإسرائيلي ضربنا-- وإجبار الإسرائيلين على الدخول في معركة برية تكلفهم خسائر بشرية فادحة لا يستطيعون تحملها... فيضطروا للدخول في مفاوضات لحل سياسي...


طبعا خطة العبور كانت بديهية جدا ومتوقعة لأنه لا يوجد بديل غيرها--مثلا هل تطلع القمر ثم تنزل على سيناء بالمظلات؟؟!!! ليس أمامك إلا العبور... مش محتاجة فكاكة!! والخطة بالإضافة لأنها كانت متوقعة كانت أيضا معروفة بالكامل للإسرائيليين (ذهبنا نشتري الزوارق وطلمبات المياه من إنجلترا وهولندا... وكل السلاح والذخيرة أخذها السادات من الروس بعد أن درسوا الخطة وحسبوا مستلزمات العبور وأعطونا على قدرها بالضبط... وكانت الأقمار الصناعية تصور تدريبات العبور على النيل والبحيرات... وكانت الخطة معروفة للسوريين... إلخ إلخ... فقد كانت خطة العبور بكل تفاصيلها معروفة لطوب الأرض... وليست سرا على الإطلاق... هذا حتى إذا تجاهلنا حقيقة أنه كان هناك جواسيس داخل القيادة المصرية ذاتها )...


لكن الإسرائيلين بدلا من أن يفعلوا "المتوقع" ويوجهوا لنا ضربة إستباقية... قرروا إستيعاب الضربة الأولى... دع الثور ينطح الهواء... شد يا واد يا مصطفى يا كلبوظة!!


عايز تعبر القناة يا حبيبي؟؟... إعبر ولن أمنعك...!!!


عايز تعملها لي مفاجأة؟؟... وماله... أتفاجئ علشان خاطرك!!!


تستعبط و ترسل الجنود في أجازات والضباط للعمرة قبل الحرب بأسابيع... وتمثل علينا دور الإسترخاء (شوفت العصفورة!!!)... نمثل نحن أيضا دور الإسترخاء ونرسل جنودنا وضباطنا يوم العبور لمنازلهم بحجة عيد كيبور (العصفورة الحمرا)...!!!


وهكذا قام الإسرائيليون بتفريغ خزانات النابالم... وسحب جزء كبير من قواتهم في خط بارليف... وقاموا بتوفير كل السبل لنا لمساعدتنا وتشجيعنا على العبور... (إرخى له الحبل... وحرك له القماشة الحمراء حتى يأتيك ناطحا في الهواء!!)


وكما ذكر سعد الشاذلي فقد كان العبور وإقتحام خط بارليف بدون مقاومة تذكر من الإسرائيليين... وبعكس المخاوف من أن ٨٠٪ من القوات المصرية قد تفنى أثناء العبور... فقد كانت الخسائر بسيطة جدا... وكان العبور كما لو كان "طابور تدريب"!!!!


وبعد أن عبر الجيش المصري وإستقر تحت ظل حائط الصواريخ... لم يقم الإسرائيليون بحرب برية كبيرة كما كنا "نتوقع"... بل تركونا نستمتع بشمس سيناء وركزوا كل جهودهم بالمدفعية على تدمير الكباري التي تربط شرق القناة (سيناء) بغربها (مصر)...


وبعد أسبوع من العبور... أدرك سعد الشاذلي أننا "قد وقعنا في الفخ"... فطلب من السادات التراجع بفرقتين أو ثلاثة إلى الضفة الغربية من القناة لتغطية ظهرنا... فرفض السادات ذلك بدعوى أن هذا سيتم الترويج له إعلاميا على أنه تراجع وهزيمة... وتولى السادات إدارة المعركة بعد أن نحى الشاذلي جانبا.


وهكذا فبعد إسبوعين من العبور كانت أكثر من نصف الكباري التي تربط الجيش في سيناء بمصر قد دمرت تماما... وكان الجيش المصري كله محبوس تقريبا داخل قفص...


فمن الشمال البحر المتوسط... ومن الجنوب خليج السويس... ومن خلفك قناة السويس ومعظم الكباري مدمرة وصلتك بمصر شبه مقطوعة... وأما الأمام في سيناء... فالإسرائيليين لا يقاتلونك بريا... ولكنك بمجرد أن تخرج من تحت ظل حائط الصواريخ يأتي الطيران الإسرائيلي ويدمرك تماما... ففي يوم واحد دمر الإسرائيليون فرقة كاملة (مائتي دبابة بجنودها ومشاتها) عندما قرر السادات "تطوير الهجوم" والخروج من تحت حائط الصواريخ...


وهكذا إختل توازن الواد مصطفى المكلبظ... وأصبح جاهز للسقوط على مؤخرته...


وبينما كان قادة الجيش المصري في قمة الإرتباك والتخبط (لدرجة أن اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني أدخلوه المستشفى بعد أن أصيب بإنهيار عصبي!!!!)... في ظل هذا الإرتباك إستغل الإسرائيليون ثغرة بين الجيش الثاني والجيش الثالث وعبروا هم منها للضفة الغربية للقناة!!!


وهكذا... فعندما توقفت الحرب... كان الجيش الثاني (مائة ألف جندي وأربع فرق مدرعات= ٨٠٠ دبابة) واقف يتشمس في سيناء... لا هو يقاتل الإسرائيليين ولا هو قادر على التقدم في سيناء... ولا هو قادر على التراجع لمصر...


وأما الجيش الثالث (٨٥ ألف جندي وأربع فرق مدرعات) فكانت حالته مأساوية... حيث إنقطعت جميع خطوط الإمداد له من مصر... وإضطر بعض الجنود لشرب ماء بولهم من العطش... إلى أن كانت تصلهم إمدادات الماء والطعام يوم بيوم... عن طريق الأمم المتحدة (إغاثة إنسانية!!!)... وبعد أن يسمح لهم الإسرائيليون بالمرور (إنسانية!!)...


وفي الوقت نفسه كانت هناك فرقتين مدرعات إسرائيلية (٣٠٠ دبابة) على بعد مائة كيلو فقط من القاهرة... عبر طريق أسفلتي ممهد ولا توجد عليه أي قوة مصرية... يعني فعلا "مسافة السكة"!!!


ولعل من الحسنات التي تذكر لحسني مبارك أنه كان القائد الوحيد (تقريبا) الذي رفض ضرب الثغرة بالطيران...


ربما جبن وتخاذل وربما لأنه فطن أن ذلك (ضرب الثغرة) هو بالضبط ما تريده إسرائيل... فقد كان ضرب الثغرة يستلزم بالضرورة إيقاف عمل منظومة الدفاع الجوي (حائط الصواريخ) بما يعطي الفرصة للطيران الإسرائيلي لتدمير الجيشين الثاني والثالث في سيناء تماما... وتصبح مصر بلا قوات برية تماما... لقد أدرك مبارك أن ضرب الثغرة عمل إنتحاري مجنون... وإستجاب السادات له... فأنقذنا من كارثة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية...


وكانت مكافئته هي أن جعله السادات نائبا له...!! ولعل هذا ما يفسر إنبطاح مبارك أمام إسرائيل... فقد كان من القلائل الذين لم يصدقوا الكذبة... وهو يعلم جيدا أن إسرائيل تقدر تطحننا وقتما تشاء... لكنها لا تريد!!


وفي وقت من الأوقات... كان الفريق الجمسي رئيس العمليات يقوم بنفسه بنقل الأسرى الإسرائيليين وإعادتهم لقادتهم عند الكيلو ١٠١... بينما كان السادات يتوسل لحكام الخليج أن يعيدوا ضخ وتصدير البترول لأمريكا والغرب وعدم إستخدام "سلاح البترول" حتى لا تحتل إسرائيل القاهرة... بل ولأثبات حسن النوايا سمح السادات للسفن الإسرائيلية بمعاودة العبور في خليج العقبة!!


لقد فعل الإسرائيليون معنا تماما كما فعلت أنت مع الواد مصطفي المكلبظ في لعبة شد الحبل... أو كما يفعل مصارع الثيران الأسباني!!!


٭٭٭٭٭


١٠. هل تعلم أن أسماك القرش في المحيط تموت من الجوع... بينما الأسود في الغابة تموت من التخمة؟؟!!... وذلك لأن سمك القرش عندما يهاجم سرب من الأسماك فإنه لا يحدد لنفسه هدف واحد... وإنما يجرى خلف هذه السمكة لبعض الوقت... ثم يتركها ليتتبع سمكة أخرى... ثم يتركها ليلاحق ثالثة... وهكذا يقضي وقته في مطاردة الأسماك... فتفر جميعها دون أن يمسك منها إلا القليل... فتكون حصيلة ما يصيده من الأسماك أقل من المجهود المبذول في ملاحقتها... ويموت جوعا...


أما الأسد... فينظر من بعد على قطيع من الغزلان... ويختار منها واحدة بعينها... ثم يهجم بإتجاه هذه الواحدة وهذه الواحدة فقط... بل أنه لو سقط أحد الغزلان تحت رجليه فإنه لا يتوقف ليأكله... وإنما يستمر نحو هدفه الأصلي حتى يناله ويلتهمه... ولا يستطيع أحد تشتيته عن هدفه...


فيمكن القول أننا نحن العرب نفكر بعقلية سمك القرش... لذلك نخسر كل معاركنا... أما الإسرائيليون فيفكرون بعقلية الأسد... ولذلك دائما يربحون معاركهم..


فالإسرائيلى يتميز (مثل الأسد--للأسف) بثبات إستراتيجي مع مرونة في التكتيك... أما العربي فيعيبه (مثل القرش--للأسف) جمود في التكتيك مع سيولة إستراتيجية...


فمثلا لو أننا نريد الإنتقال من نقطة ألف إلى نقطة باء... فالهدف الإستراتيجي هو الوصول للنقطة باء... لكن لنفرض أنه في الطريق إلى النقطة باء إعترضنا حائط خرساني ضخم...


فالإسرائيلي عنده مرونة في التكتيك... فقد يتسلق الحائط... وقد يحاول أن يتجاوزه من اليمين أو الشمال أو يبحث أي عن مسار آخر... فهدفه هو الوصول للنقطة باء وليس تحدي وتدمير الحائط...


أما العربي فعندما يعترضه الحائط يقف أمامه يفكر... ثم يبدأ ينطحه برأسه... ثم يحضر شاكوش ثم مرزبة إلخ إلخ... ويقضي وقته كله في محاولة تدمير الحائط... وقد ينجح أو لا ينجح... ولكن ليست هذه المشكلة... وأنما المشكلة هي أنه ينسى هدفه الإستراتيجي الأصلي (الوصول للنقطة باء) و يصبح تدمير الحائط (الذي هو في الأصل تكتيك) هو هدفه الجديد... ولذلك يفشل العربي دائما في تحقيق أهدافه... تماما كما تموت أسماك القرش جوعا...


٭٭٭٭٭


١١. لو أن معك كرة قدم... وتضربها بكل قوة بإتجاه حائط خرساني... فإن الكرة ترتطم بالحائط وترتد إليك... وتستطيع أن تضرب الكرة بالحائط الخرساني مئات المرات دون أن يصيب الحائط أي ضرر.


لكنك لو ضربت الكرة على حائط مصنوع من لوح زجاجي... فإن الحائط يتهشم تماما ويتحول لفتافيت زجاجية... فقط بعد أول ضربة...


ولكنك لو ضربت نفس الكرة بإتجاة شبكة (مثل شبكة المرمى في لعبة الكرة)... فإنه مهما كانت قوة ضربتك فإن الشبكة تمتصها دون أن يلحق بالشبكة أي أضرار!!! ولكن لاحظ أن الشبكة في حقيقتها ضعيفة جدا... فما هي إلا فراغات هوائية تربطها خيوط ضعيفة... خيوط يسهل تقطيعها بإستخدام قطع الزجاج !!!


إذا لم يكن في مقدورك أن تكون حائط خرساني... فلا تجعل من نفسك لوح زجاج... وربما يكون من الأفضل أن تجعل من نفسك شبكة... فالمهم هو أن تصمد أمام ضربات الكرة.


٭٭٭٭٭
سؤال: ماهي العلاقة بين كل هذه الحواديت؟ هل هناك فكرة جوهرية تربط كل هذه المواضيع؟ وما هي؟


الجواب: طبعا هناك علاقة... وهناك فكرة جوهرية تربط بينها...


ولكن أتركك أنت لتستكشف وتكتشف هذه العلاقة بنفسك... حتى تشعر بلذة الإكتشاف !!


نظرية إنعكاس المرايا:
الجزء الثاني: النظرية
=============
في الجزء الأول تعرضنا لعدد من المواقف... بعضها مقالب طريفة... وبعضها هزائم مؤلمة... وإذا كانت هذه هي نقطة بدايتك فرجاء البحث عن الجزء الأول لهذا المقال ثم المتابعة هنا حتى تكون الفكرة أوضح.
سؤال: ماهي العلاقة بين كل هذه الحواديت؟ هل هناك فكرة جوهرية تربط كل هذه المواضيع؟ وما هي؟
الإجابة: طبعا هناك رابط... وهناك فكرة لو تنبهنا لها نحن العرب والمصريين... فربما نحقق نتائج أفضل بكثير من واقعنا الذي هو في مجمله فاشل ومهزوم...
-------------
كل هذه الأمثلة تربطها أنها تعتبر تطبيقات عملية لما يقول عليه علماء الإدارة نظرية "إنعكاس المرايا" Mirroring... وهي ضمن مجموعة من التطبيقات في إطار منظومة "كيف تجعل الآخرين يفعلوا ما تريد؟!".
وتستطيع صديقي... أن تجرب بنفسك تكنيك "المرايا" هذا وستجد أنك ستنجح في تحقيق أمور لم تكن تتخيل أنها ممكنة...
وتستطيع تطبيق هذا التكنيك مع أولادك وأفراد أسرتك، مع العائلة، مع الجيران والأصدقاء، ومع الزملاء في العمل--رؤساء ومرؤوسين... فهذا التكنيك ليس قاصرا على لعب الأطفال... أو الألعاب القتالية والشطرنج... أو السياسة والحروب... بل إنه تكنيك صالح لجميع السلوك الإنساني وجميع المعاملات الإنسانية...
وللأسف... فإن اليهود ماهرون جدا في هذا التكنيك... ولذلك غالبا ما يحصلوا على ما يريدون... أما نحن ففاشلون جدا في هذا التكنيك... ولذلك فغالبا ما نموت مثل أسماك القرش.
٭٭٭٭
وخلاصة نظرية المرايا هي أنه...
إذا كان الخصم أو المنافس أقوى منك (وليس شرطا قوة عضلية أو عسكرية... وإنما القوة بمفهومها العام... أي أنه في وضع تنافسي أفضل)... وحسب جميع المقايس الموضوعية فإن فرصته في الفوز أفضل منك بكثير...
فإنه ليس من الحكمة مواجهته والصدام معه في معركة تعرف مقدما أنها خاسرة...
ولكن هذا لا يعني بالضرورة الإستسلام والإنبطاح... وإنما يعني تفادي الهزيمة عبر البحث عن بدائل أخرى غير المواجهة... لتحقيق النصر...
ونظرية المرايا تقوم علي فكرة تفادي المواجهة أو المقاومة (Resistance)... وإستبدالها بالمرونة والإستجابة (Compliance)...
ليس بغرض الهزيمة... وأنما بغرض النصر... عبر إنهاك الثور... عبر إخلال توازن الواد مصطفى المكلبظ... عبر إمتصاص الضربة الأولى... عبر التظاهر أنك شوفت العصفورة!! أن تكون أنت شبكة تستوعب الكرة وتمتص طاقتها بدلا من أن تكون لوح زجاج تهشمه الكرة.
فنظرية المرايا تقول:
٭٭٭ بدل ما تزقه... شده وكعبله... فالمهم هو أن توقعه على الأرض٭٭٭
٭٭٭ بدل ما تزقه... شده وكعبله... فالمهم هو أن توقعه على الأرض٭٭٭
٭٭٭ بدل ما تزقه... شده وكعبله... فالمهم هو أن توقعه على الأرض٭٭٭
المقاومة ليست غاية... وإنما هي وسيلة لتحقيق النصر... فإن لم تكن المقاومة ستمكنك من تحقيق النصر... فإبحث عن وسيلة أخرى لتحقيق النصر...
هدفك هو الإنتقال من النقطة ألف والوصول للنقطة باء... مهما كانت الطريق... وليس هدفك هو تدمير الحائط الذي يعترضك في الطريق... هدفك هو صيد الفريسة وليس تضييع الوقت والجهد في مطاردتها...
٭٭٭٭٭
وبالطبع... فإن كثير من القراء قد يرون أن هذا أسلوب خسيس في التفكير...
فما هو إلا إعادة صياغة التفكير الماكيافيللي (الغاية تبرر الوسيلة)... التي يراها البعض فكرة سياسية حقيرة...
يمكن... إحتمال...
وجهة نظر خاطئة ولكن تحترم!!!
ولكنها هذا السلوك يمكن أن يكون إعادة صياغة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
[[الحرب خدعة]] (صحيح البخاري:٣٠٣٠)
فليس المقصود ب "الخدعة" فقط المفاجأة... أن تضربه على غفلة... أن تخفي موعد العبور حتى تستطيع أن تضربه "على خوانة" وهو غير مستعد!!! الخدعة ليست أن تضربه على قفاه على غفلة منه بينما هو يبحث عن العصفورة... الخدعة ليس الخيانة أو الغدر أو الإستغفال...
الخدعة... هي أن تفعل ما لا يتوقعه منك الخصم... فيختل توازنه... ويفقد قوته... ويصبح طوع أمرك...
الحرب خدعة... في أن تقف أمام بئر بدر... لتحرمه من الوصول للماء (وهو لم يتوقع ذلك ولم يستعد له)
الحرب خدعة... في أن تحفر خندق يحميك فلا يستطيع الوصول إليك... وهو أمر لم يكن يعرفه ولا يتوقعه
الحرب خدعة... في أن تجذب العدو لمعركة ضيقة بين جبلين... فتصبح جيوشه الجرارة وأعداده الكبيرة عبئا عليه وعقبة في طريق تحركه...
الحرب خدعة... في أن تسيبه يعبر القناة... ثم تقفل عليه القفص...
الحرب خدعة... فى أن تجذب العدو لساحة منافسة... لا يستطيع فيها إستخدام عناصر قوته وتفوقه... فيصبح مثل ثور ينطح في الهواء...
إنك عندما تتخلى عن "المقاومة" حينما يكون الخصم أقوى منك بكثير... فهذا ليس إنبطاح ولا تخاذل ولا نفاق أو إستسلام... ما دمت لازلت تبغي النصر... وإنما هو مرونة تكتيكية بغية تحقيق النصر...
هذا ليس "الغاية التي تبرر الوسيلة"... وإنما "الحرب خدعة"...
٭٭٭٭٭
ولكن هذه القضية تحتاج لتصحيح عقائدي عند كثير من المسلمين...
فإنك تجد كثير من المسلمين يتسائلون: لماذا ينصر الله الكفار على المسلمين في كل مكان؟ لماذا ندعو الله ونسأله النصر فلا يستجيب لنا؟
متي نصر الله؟؟؟
أنا أقول لك لماذا لا يأتي نصر الله...
لأنك تستعبط وتتواكل على الله...
إعلم يا هذا... أن الله قد خلق الكون... وحكمه ونظمه بقوانين تسري على المؤمن كما تسري على الكافر... وهذه القوانين الطبيعية هي التي تحكم كل أمور الحياة...
صحيح... أن الله قد يسير بعض المعجزات علي يد الأنبياء وأولياءه الصالحين... لكننا لسنا أنبياء ولسنا أولياء... ولن يغير الله قوانينه التي زرعها في كونه من أجل بضع ركعات تصليها أو أيام تصومها... وحتى من يزعمون أنهم "علماء" فإنهم لا يمنوا على الله بما أنعم عليهم من علم...
زمن المعجزات إنتهى بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم... وما يحكمنا هو قوانين وضعها الله لتسري على المؤمن والكافر سواء...
لن ينزل الله ملائكة من السماء لتقاتل معك وتنصرك... إلا في حدود نسبة "الضعف" المذكورة في قوله تعالى:
[[ الْـَٔـٰنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةٌۭ صَابِرَةٌۭ يَغْلِبُوا۟ مِا۟ئَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌۭ يَغْلِبُوٓا۟ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّـٰبِرِينَ]] (الأنفال: ٦٦)
فلو أنكم مؤمنون وصابرون... فقد ينصركم الله على عدو في ضعف قوتكم...
أما أن توجهوا عدو أقوى منكم مائة مرة... ثم تطلبون النصر من الله... فهذا إستهبال...
ولو كانت الملائكة المسومين تنزل هكذا... تحت الطلب... ديلفري... فلماذا إنسحب خالد بن الوليد بجيش المسلمين من مواجهة جيش الروم الذي كان أكبر منه بعشرات الأضعاف؟ لماذا لم ينتظر خالد نزول الملائكة لينصروه ومعه جيش فيه كبار الصحابة؟ ولماذا حمد رسول الله صلى الله عليه وسلم له ذلك ولم يتهمه بالفرار من الزحف؟
لأن هؤلاء القوم كانوا عندهم عقيدة صحيحة... يعرفون جيدا حدود سنة الله في كونه...
وليس معنى أن يكون الخصم أقوى منك مائة ضعف أن تستسلم له وتنبطح... ولكنه أيضا لا يعني أن تدخل في حرب إنتحارية وتستغرب عندما لا تقاتل الملائكة معك...
وإنما "الحرب خدعة"... فلا تستسلم ولا تقاوم... وإنما إبحث عن مجال آخر للحرب... ساحة أخرى... ميدان آخر... يفقد فيه الخصم ميزته وتفوقه عليك... يفقد إتزانه... فيسهل عليك أن توقعه على مؤخرته مثل الواد مصطفى المكلبظ!!!
٭٭٭٭٭
كما أننا أيضا في حاجة لتصحيح العقيدة في مفهوم الحرب وهدفها وغايتها...
فإنك تجد كثيرا من المسلمين يقولون: "النصر أو الشهادة"... ويقولون: "شهدائنا في الجنة... وقتلاهم في النار"...
وهذا حقا قول صحيح... ولكن هل تفهم حقا ما المقصود به؟
إن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة... كانوا عندما يدخلون حربا كانوا يدخلونها بنية "النصر أولا"... فإن كانت هناك شهادة (للبعض ومع تحقق النصر للكل) فلا بأس...
فالشهادة لم تكن أبدا غاية في ذاتها... وإنما هي تكريم من الله لمن فاته حضور شرف النصر...
النصر هو الغاية... ﴿ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾.
أما أن تدخل حربا بنية "الشهادة أولا" (مع الثقة في الهزيمة)... فهذا... هذا إستهبال...
الله ورسوله يريدونك منتصر لإعلاء كلمة الحق في الأرض... ولك ثواب الشهيد... والمؤمن القوي خير عند الله من المؤمن الضعيف...
أما أن تموت مهزوما... فقد تنال أنت الشهادة... ولكن هذه أنانية منك...
فعندما تترك أهلك وأولادك للظالم والكافر... يقتلون أبنائك ويستحيون نسائك... وعندما يتولى الكافر تربية أبنائك في غيابك فسيربيهم على الكفر... وهذا هو أصل مصيبتنا...
أهلك وأولادك... والإسلام والمسلمين... يحتاجونك حيا... لتدافع عنهم... وتنصرهم وتنتصر لهم...
أما أن تموت شهيدا... ومهزوما... فهذا يضرهم ولا ينفعهم...
أرجوك إفهمني...
لا أدعوك للجبن والتخاذل... ولا للإنبطاح والإستسلام... وإنما أدعوك للنصر...
النصر بكل السبل... لأن الحرب خدعة...
ولكن إعلم أن "الصمود" و "المقاومة" هي مجرد وسائل لتحقيق النصر وليست غاية في ذاتها...
فإن كانت "المقاومة" ستدمرك ولن تجلب لك النصر... فإبحث عن وسيلة أخرى لتحقيق النصر...
٭٭٭٭٭
تقول لي: ولكن يا حاج مصر جديدة... هذا كلام نظري... فكيف تطبيقه على الواقع؟
أقول: إذا كانت كل الأمثلة التي ذكرتها لك في الجزء الأول من هذا المقال لا تشبعك... فأسمح لى أن أقدم لك مثالين تطبيقيين عمليين لنظرية المرايا...
عن كيف تحقق النصر حتى وأنت في موقف الأضعف!!
تطبيق عملي ١: مندوب المبيعات
----------------------------
وهذا التطبيق سهل... حيث يعرفه كثير من مندوبي المبيعات ويتدربون عليه كثيرا... ويمكن تلخيصه في مقولة: "الزبون دائما على حق".
وليس المقصود ب "علي حق" أي أنه يعرف الحقيقة والصواب... ففي كثير من الأحوال قد يكون الزبون جاهلا بالمواصفات الفنية للمنتج... ولا يعرف مزاياه ولا عيوبه... بل أنه لو كان الزبون دائما يعرف الأفضل والصواب لما تمكن صاحب البضاعة الرديئة من بيعها ولسرعان ما خرجت البضاعة الرديئة من السوق!!!
لكن المقصود ب "الزبون دائما على حق" هو أنه لا يجب عليك معارضة الزبون حتى لو كان على جهل بين... لأنك لو عارضته فستكون أنت الأكيد الخاسر... و لكن طبق نظرية المرايا: بدل ما تزقه شده وكعبله... بدلا من "المقاومة" إستوعبه "بمرونة"...
فإفرض أنك تعرض على الزبون قطعة قماش حمراء اللون... فقال لك الزبون: "لا... أن لا أحب القماش الكحلي اللون"... فهنا أمامك خيار من إثنين:
الخيار التصادمي:
وهو أن تقول للزبون "سلامة النظر يا حاج... هذا القماش أحمر وليس كحلي... إنت عندك عمى ألوان؟"... وقد يصر الزبون على أنك أنت الأعمى وأن القماش لونه كحلي... وقد يتطور الأمر إلى خناقة... لكن الشئ المؤكد أنه في اللحظة التي عارضت فيها الزبون (رغم أنك على الحق ١٠٠٪) فأكيد "البيعة ضاعت"... لأنه في جميع الأحوال لن يشتري الزبون من بائع عنده عمى ألوان... وكمان قليل الذوق والأدب ويتهم الزبون أن عنده عمى ألوان!!!!
الخيار التجاوبي:
حسب نظرية المرايا... تمتص الضربة الأولى... تترك الثور ينطح الهواء... تشده وتكعبله...
وتقول له: "صحيح... عندي زبائن كثير لا يحبون اللون الكحلي... فما هو اللون المفضل لديك؟؟"
لاحظ أنك لم تعترف بأن القماشة (الحمراء) لونها كحلي كما يزعم الزبون...وظاهريا بدأت كلامك بموافقته... أنت لم تقاوم ولكنك لم تستسلم وتنبطح... وإنما أنت إمتصصت موقفه القوي وعكسته في المرآة ورددته عليه مرة أخرى... فالزبون الآن عليه أن يحدد اللون الذي "يفضله" وليس اللون الذي لا يفضله... فإذا أحضرت له قماش بهذا اللون فلن يكون مقدوره الإعتراض مرة أخرى على اللون!!
وهكذا فإن عدم المعارضة (المقاومة) لا يعني بالضرورة الإستسلام والإنبطاح للطرف الآخر... وإنما يعني تغيير مسار العلاقة بما يمكنك من تحقيق ما تريد دون مشاكل أو صدام.
تطبيق عملي ٢: علم الحوار والمناقشة
---------------------------------
إفرض أن واحد قال لك: "اليهود دول مساكين وغلابة... وعانوا من الإضطهاد والكراهية لآلاف السنين".... فهنا أمامك خيارين:
الخيار التصادمي:
بأن تقول له "اليهود دول أحفاد القردة والخنازير... ومجرمين وقتلة"... وتقعد تعدد له في المذابح التي إرتكبوها في حق الفلسطينين... فيقوم هو بالرد العكسي ويعدد لك الأعمال "الإرهابية" التي إرتكبها الفلسطينيون في حق اليهود... وهكذا تشتد حدة الحوار بين شد منك وجذب... وقد ترتفع الأصوات وربما حتى الإشتباك بالأيدي... لكن الشئ المؤكد أن هذا هو حوار الطرشان... أو هو مباراة في الردح والسباب... دون أن يكون من ورائها فائدة... فالأكيد أنك لن تقتنع ب "وجهة نظره"... كما أنه لن يقتنع بوجهة نظرك...
الخيار التجاوبي: حسب نظرية المرايا...
تقول له: صحيح... هناك كثير من المراجع التاريخية والإعلامية تتحدث عن أن اليهود تعرضوا لكثير من الإضطهاد والمذابح عبر تاريخهم... من أيام الإمبراطور قسطنطين وإلى هتلر... (ولذلك) فالمفروض أن يكون اليهود هم أكثر الناس حساسية ورفضا للظلم والإضطهاد... (ولذلك) فما يفعلونه من جرائم ضد الفلسطينين الذين لم يرتكبوا ضدهم أي جرائم في الماضي... هو أمر غير مفهوم... تفتكر لماذا ينتهج اليهود هذا السلوك المتناقض؟
لاحظ أنك لم (تقاوم) تعارض ما قاله الطرف الآخر... وظاهريا بدأت بموافقته... ولكنك أيضا لم (تستسلم) تقبل أقواله وما يدعيه من معاناة اليهود... وإنما أنت أقررت بأن كثير من كتب التاريخ تقول ذلك... ثم أنك إستخدمت نفس سلاحه في الهجوم (أن اليهود ضحايا) وقلبته عليه بالعكس... فقد أصبحت هذه هي "الثغرة" التي دخلت منها لأن ما يفعله الإسرائيليون أشد إجراما ممن سواهم...
ولاحظ أنك نبهته لأن كل من إرتكب جرائم ضد اليهود كانوا أوروبيين مسيحيين وليسوا فلسطينيين... ثم أنك قلبت الكرة عليه وحولته هو للموقف الدفاعي... حيث أصبح عليه هو تبرير لماذا تفعل اليهود هذه الجرائم ضد الفلسطينيين الذين لم يؤذوهم في الماضي من أيام قسطنطين وحتى هتلر.
ولاحظ أنك دائما لا تعارض (بإستخدام كلمة "لكن") وإنما تجاري وتتجاوب (بإستخدام كلمة "لذلك")... بدل ما تزقه شدة وكعبله..!!!
====================
تطبيق علمي ٣: الوضع في مصر
====================
أولا: عليك أن تحدد هدفك... هل أنت تريد أن "يستعيد الشعب حريته وكرامته وإرادته ويصبح هو السيد ومصدر السلطات حقا"... أم أنك تريد "إسقاط حكم العسكر"؟
لاحظ أن "إسقاط حكم العسكر" ليس غاية... وإنما هو مجرد عقبة (جدار خرساني في الطريق)... وأما الغاية (النقطة باء--النصر--إصطياد الفريسة--إيقاع الواد مصطفى المكلبظ على مؤخرته) فهي تحقيق إرادة الشعب.
فلو إستطعت تحقيق غايتك دون إسقاط حكم العسكر... فما المشكلة؟ الحرب خدعة!
ثانيا: لو أنك تريد "إسقاط حكم العسكر" فعليك أن تحدد هدفك... هل تريد هزيمة منظومة الفساد والدولة العميقة التي يقودها عصابة كبار الضباط... أم أنك تريد هزيمة الجيش المصري؟
لو كنت تريد هزيمة الجيش المصري (يعني تدخل لتنطح الثور برأسك)... فعليك أن تعد لهم "ما إستطعتم من قوة"... وتهجم بكل عزيمة وإيمان ويقين... وأعدك أنك نهايتك ستكون مجرد مانشيت في صحيفة يقول: "قتلت قواتنا المسلحة بالأمس ٢١ إرهابي في سيناء"... ستكون مجرد رقم في كومة من الإرهابيين القتلى...
فحتى تستطيع هزيمة الجيش (والشرطة والبلطجية والقضاء والإعلام إلخ) بالقوة... تحتاج أن تكون عندك قوة مساوية أو مكافئة: مثلا ٦٠٠ طائرة و ٢٠٠٠ دبابة... أما ما دون ذلك فأنت خاسر أكيد... لأننا لم نسمع أبدا عن ماتادور نطح ثورا فسقط الثور مغشيا عليه...!!!
فإذا لم تكن عندك هذه القوة فإن "المقاومة" ليست خيارك الأفضل... ليس معنى ذلك الإستسلام... ولكن معناه أن تبحث عن ساحة تنافس أخرى تكون فيها طائراته ودباباته عديمة الجدوى.
أما لو طبقت نظرية المرايا... فستجد أنك تستطيع أن تسقط حكم العسكر دون أن تهزم الجيش الذي يستخدمه العسكر كأداة للبطش... تستطيع أن تهزم العسكر دون أن تسقط قطرة دم واحدة... لا منك... ولا من الجيش أو الشرطة أو القضاة أو البلطجية!!! عليك فقط أن تتركهم ينطحوا في الهواء حتى يصيبهم الإعياء ثم تتسلى عليهم... تتركهم يعبروا ثم تحبسهم في القفص!!
ثالثا: عليك أن تحدد هدفك... هل هو إسقاط حكم العسكر أم التخلص من الكابتن عبدو الجحش... لاحظ أن التخلص من عبدو الجحش (جسديا) سهل جدا... وليس الجحش بأذكى أو أحرص من السادات... ولكن عليك أن تفهم أن عبدو الجحش ليس شخص واحد... وإنما هو فكرة وعقيدة وأسلوب حياة... وكما أننا عندما تخلصنا من السادات جائنا مبارك... فلو تخلصنا من الجحش فسيأتينا بغل أو حمار آخر... فالإسطبل مليئ بذوات الأربع!!
رابعا: عليك عدم شخصنة الصراع... ففي الماضي خلط الناس بين "النظام" وبين شخص حسني مبارك حتى ظنوا أن الإثنين متلازمان... فيقولوا "النظام لا يريد"... "النظام قال"... "النظام ذهب لألمانيا للعلاج"... إلخ
فلما خرج "الشعب يريد إسقاط النظام"... وإستقل النظام طائرته للإسترخاء في منتجع شرم الشيخ... ظن الشعب أنه فعلا قد أسقط النظام!!!
وإحتجنا ثلاثة أعوام وعشرات الآلاف من القتلي والجرحى والمعتقلين والفارين بدينهم... حتى نفهم أن مبارك كان مجرد المتحدت الرسمي بإسم النظام: مندوب النظام في قصر العروبة... وأننا لم نسقط النظام ولا حتى خدشنا حياءه