مذكرة منقولة
الفصل الأول : الأحــكــــام العــــــامــــة لإعلان القرارات الإداريــــة
إن موضوع إعلان القرارات الإدارية يحتل أهمية بالغة في عالم القانون و القضاء الإداري, و لأجل الإحاطة به من كل جوانبه و لدواعي المنطق في البحث العلمي لابد علينا من عدم الخوض مباشرة في صلب موضوع الدراسة , بل نستهلها بالتعريف بالقرار الإداري و أنواعه و خصائصه وأركانه في مبحث أول حتى نستطيع أخذ فكرة عامة عن المادة الأولية لدراستنا ,و حتى نمكن كل مطلع على الموضوع من فهم الخطوط العريضة لنذهب إلى التخصص و التعمق و تسمية الأشياء بمسمياتها الصحيحة في مبحث ثاني من خلال تناول وسائل إعلانه.
المبحث الأول: مــــــاهيــة القــرار الإداري
سوف نتناول من خلال هذا المبحث ثلاثة مسائل تخص القرارات الإدارية وهو تعريفها وخصائصها في مطلب أول, و أنواعها في مطلب ثاني, لنلخص في مطلب ثالث إلى أركانها.
المطلب الأول: تعريـف القـرار الإداري وخصائـصـه
إن تعريف القرارت الإدارية وخصائصها من أهم عناصر دراسة القرار والتي أسهب الفقه في تناولها ,والتي سوف نتناولهما في فرعين .
الفرع الأول:تـعريـف القـرار الإداري
إن صعوبة تعريف القرار الإداري لم يمنع الفقه من إعطائه تعاريف كثيرة قد تختلف و قد تلتقي. وقد اختلف الفقه في طريقة دراسته إلا أنه متفق على عناصر تعريفه ,و على أن العمل الإداري يصبح قرار إداري عندما تظهر الإدارة إرادتها في سن قاعدة تهدف إلى تغيير الهرم القانوني أو إبقائه على حاله(1) .
تعريف هوريو " هو إعلان الإدارة بقصد إحداث أثر قانوني إزاء الأفراد يصدر عن سلطة إدارية في صورة تنفيذ أي في صورة تؤدي إلى التنفيذ المباشر ".

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
1-رشيد خلوفي,قانون المنازعات الإدارية-شروط قبول دعوى تجاوز السلطة ودعوى القضاء الكامل-,ديوان المطبوعات الجامعية ,الطبعة 2001,ص 33.

تعريف دوجي " كل عمل إداري يقصد تعديل الأوضاع القانونية كما هي قائمة وقت صدوره أو كما ستكون في لحظة مستقبلية معينة ".
تعريف إيزمان " عمل غير تعاقدي ينظم سلوك الأفراد في المجتمع و يصدر عن عامل أو أكثر من عمال الإدارة يعملون معا "(1).
تعريف الدكتور محمد فؤاد مهنا " عمل قانوني يصدر بإرادة إحدى السلطات الإدارية في الدولة و يحدث أثار قانونية بإنشاء وضع قانوني جديد أو تعديل أو إلغاء وضع قانوني قائم"(2) .
تعريف الأستاذ عمار عوابدي " عمل قانوني إنفرادي صادر بإرادة السلطة الإدارية المختصة و بإرادتها المنفردة , و ذلك بقصد إحداث أو توليد آثار قانونية عن طريق إنشاء أو تعديل أو إلغاء حقوق وواجبات قانونية, أي إنشاء أو تعديل أو إلغاء مراكز قانونية و ذلك في نطاق مبدأ الشرعية السائدة في الدولة " .
تعريف الأستاذ محمد الصغير بعلي " هو العمل القانوني الإنفرادي الصادر عن مرفق عام و الذي من شأنه إحداث أثر قانوني لتحقيق المصلحة العامة ".
الفرع الثاني : خــصـائـص القــرار الإداري
يتميز القرار الإداري بخصائص عدة تميزه عن بقية أعمال و نشاطات الإدارة والتي يمكن إستخلاصها من الراجح من التعريفات الممنوحة له ، وهو أنه عمل قانوني إنفرادي صادر عن جهة إدارية من شأنه إحداث آثار قانونية ,بخلق مراكز قانونية لم تكن قائمة أو تعديلها أو إلغائها .
1 -القرار الإداري تصرف قانوني:
إن السلطة الإدارية أو الإدارة العامة تصدر عنها تصرفات كثيرة إلا أن هذه الأعمال لا يمكن أن توصف كلها بأنها قرارات إدارية ,فحتى يكون التصرف أو العمل الصادر عنها قرارا إداريا يجب أن يكون عملا قانونيا يصدر بقصد ترتيب أثر قانوني (3).
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــ
1-الاستاذ عمار عوابدي ,القانون الإداري –النشاط الإداري -,ديوان المطبوعات الجامعية,الطبعة الرابعة ,الجزء الثاني ,الجزائر ,ص 92,91,90.
2-الدكتور محمد فؤاد مهنا,مبادئ وأحكام القانون الإداري في جمهورية مصر العربية,مؤسسة شباب الجامعة للطباعة
والنشر ,الإسكندرية ,مصر,ص 670.
3-الاستاد الدكتور محمد الصغير بعلي,القرارات الإدارية,دار العلوم للنشر والتوزيع, الجزائر,ص 9.
فالعمل القانوني هو العمل الذي له آثار قانونية ، و هذه الآثار يمكن أن تتجسد في إحداث
قاعدة ذات طابع عام أو خلق وضع قانوني فردي, فيخلق بذلك حقوقا وواجبات و يعدل النظام القانوني القائم ,فهذا الأثر هو من يتمم بنيانه و بذلك يكون للمكلف به الطعن فيه و
للقاضي الإداري مراقبته مثل تعيين موظف في منصب معين بموجب مرسوم و الذي يخلق له حقوق مثل الراتب ، المنح ، التشغيل الفعلي ،........وواجبات بالعمل الموكل إليه .
أما إذا مثلا قامت لجنة إدارية برفع إقتراح إلى سلطتها الرئاسية حول قائمة بأسماء موظفين لأجل ترقيتهم ، فلا يمكن الطعن فيها لكونها مجرد إقتراح لم ترتب بعد آثار قانونية
و بهذا يكون العمل القانوني الذي هو محل القرار الإداري, يختلف كليا عن العمل المادي ذددددوهو تصرف إداري ليس له آثار قانونية مثل : إصدار والي ولاية قرار يمنع فيه دخول الناس إلى مكان معين, فقيام السلطة بتشكيل حزام يمنع ذلك عمل مادي .
2 -القرار الإداري ذو طابع تنفيذي ( Exécution ):
فيكون من شأنه ترتيب آثار أو أدى بذاته بإحداث مركز قانوني جديد مثل قرار تعيين شخص في وظيفة معينة أو تعديله مثل ترقيته أو إلغائه مثل فصله, من خلال الإمتيازات المعترف بها للإدارة في إتخاذ القرارات الإجبارية دون الحاجة للجوء للقضاء ,عكس الوضع الطبيعي و تنفذ بلا وساطة و هذا ما يطلق عليه" بمبدأ الإمتياز و الأولوية". فالقرارات الإدارية تتمتع بالإلزامية مند صدورها لإحترامها الإجراءات القانونية التي تخضع لها وفق ما تنص عليه القوانين و التنظيمات, و كل من يدعي خلاف ذلك عليه إثباته ضد الإدارة التي تكون دائما في مركز المدعى عليه .
و تجدر الإشارة في هذا الصدد أنه من خلال الإطلاع على أحكام الغرفة الإدارية للمحكمة العليا سابقا ,و قرارات مجلس الدولة حاليا و الغرفة الإدارية بالمجلس يشترط في القرار الإداري أن تتوافر فيه الصفتان معا, بأن يكون تنفيذي و يلحق أذى بذاته و وإلا ترفض الدعوى. و نلمس ذلك في قضية شندري رابح ضد والي ولاية تيزي وزو,و قضية عباس مولود ضد رئيس المجلس الشعبي البلدي للبليدة سنة 1976.


من خلال ما سبق نصل إلى أنه توجد أعمال تقوم بها الإدارة و لا تعد قرارات إدارية وفقا للقانون منها ما يلي :
* الأعمال التحضيرية للقرارات الإدارية خاصة منها الآراء فقد اجتمع الفقه على عدم إمكانية الطعن فيها أمام القضاء بدعوى الإلغاء ,و الأمر ذاته ينطبق على الاقتراحات و الاستعلامات .
* التعليمات و المنشورات و الأنظمة الداخلية لأنها لا تحدث أثر بذاتها ,و إنما هدفها هو التسيير الداخلي لمصالح الإدارة و تفسير النصوص القانونية العامة مثل : قرار وزير التعليم العالي الخاص بالإمتحانات أين تقوم مصالح الوزارة بتعميم منشور لاحق يفسر كيفية تطبيقه بشكل لا يغير محتواه .
أما المنشورات التنظيمية فتضع قواعد جديدة يمكن أن تلحق أذى بذاتها فتكون بذلك
قرارات إدارية خاضعة للرقابة القضائية .
* الأعمال اللاحقة للقرارات الإدارية وهي الإجراءات التي تتخذها الإدارة بعد إصدار القرار الإداري لأجل تبليغه و نشره .
* الأعمال النموذجية وهي الوثائق التي وضعتها الإدارة لأجل توحيد عملها فإذا كانت لا تخلق حقوق وواجبات لا تعد قرارات إدارية .
* أعمال السيادة و تتوافر فيها كل خصائص القرار الإداري إلا أنها لا تخضع للرقابة القضائية(1).
وبهذا نخلص إلى أن الطابع التنفيذي للعمل الإداري هو إحدى رموز مظاهر السلطة العامة(2).
3 -القرار الإداري صادرعن مرفق عام:
وهو بذلك يختلف عن العمل التشريعي و القضائي ,بل مصدره بصفة عامة هي المرافق العامة القائمة في إطار السلطة التنفيذية مركزية كانت أو محلية أو حتى مرافق مصلحية .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
و بالتالي فالأعمال الصادرة عن السلطة التشريعية ( البرلمان ) من مصادقة على القوانين,و الأحكام و القرارات القضائية الصادرة عن المجالس و المحاكم لايمكن وصفها بالقرارات الإدارية ,فلا تكون محل دعوى إلغاء أمام مجلس الدولة بل تخضع للرقابة الدستورية عندما يتعلق الأمر بالقوانين وإلى طرق الطعن العادية وغير العادية بالنسبة للأحكام أو القرارات .
إلا أن المشرع اعتبر أن بعض الأعمال الصادرة عن منظمات مهنية من قبيل القرارات الإدارية مثل ما نصت عليه المادة 9 من القانون 98 – 01 و المتعلق باختصاص مجلس الدولة, بحيث منحت له النظر في الطعون بإلغاء ضد القرارات الصادرة عن الهيئات و المنظمات العمومية و الوطنية, منها منظمات المحامين و الغرفة الوطنية للمحضرين و الموثقين و منظمة الأطباء, أما الهيئات و التنظيمات الخاصة مثل الجمعيات و النقابات و الشركات المدنية و التجارية الخاصة و المؤسسات العمومية ذات الطابع الإقتصادي, فلا يمكن أن تصدر قرارات إدارية إلا إذا كان نشاطها منصبا على مرفق عام.
4 - القرار يصدر بالإدارة المنفردة للإدارة:
و عليه فالعقود التي تبرمها الإدارة طبقا للمرسوم الرئاسي 02- 250 المؤرخ في 24 جويلية 2002 و المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية المعدل و المتمم, و التي تتطلب وجود إرادتين متقابلتين ليست قرارات إدارية, إلا أن ذلك لا يعني صدور القرار الإداري عن إدارة واحدة ففي كثير من الأحيان يلزم القانون مروره بعدة إدارات مثل رخصة البناء و الهدم .
بل الأمر يتعدى إلى القرارات التي تصدرها الإدارة بناءا على طلب إرادة أخرى مثل طلب التوظيف و التحويل, فلا يمكن إزالة عنها صفة القرار الإداري لأن في النهاية قرار التعيين أو التحويل صدر عن إرادتها المنفردة . والأثر ذاته ينطبق على القرارات الناتجة عن التفاوض مع النقابات و ممثلي الموظفين ,و قد نجد في أحيان كثيرة أعمال مختلطة صادرة عن الإدارة تجمع فيها بين العمل التعاقدي و الانفرادي مثل عقود الامتياز .
إلا أن الإدارة و في إطار تمتعها بالإرادة المنفردة تتأرجح بين السلطة التقديرية و السلطة المقيدة التي يضبطها القانون ,فقد نجد الإدارة لها السلطة التقديرية و الحرية في تقدير الظروف و تكييف الوقائع المعروضة أمامها فلا يلزمها القانون بإجراء أو تصرف معين, مثل قرارات الضبط الصادرة عن سلطات الضبط من رئيس الجمهورية إلى رئيس المجلس الشعبي البلدي, فللساهرين عليها كامل الحرية في تقدير الأوضاع و اتخاذ الإجراءات التي يرونها مناسبة .
و الأمر ذاته ينطبق على القرارات التي تصدر عن الإدارة في إطار التسيير الداخلي لموظفيها و ترقيتهم و تثبيتهم و توزيع الوظائف بينهم ,حسب تخصصهم و كفاءتهم لأنها في موضع يسمح لها بتحديد احتياجاتها و تقييم موظفيها و قدراتهم ومؤهلاتهم. إلا أن السلطة التقديرية التي تتمتع بها الإدارة لا يعني أبدا حريتها المطلقة التي لا تولد إلا التعسف و تخريب الإدارة ,لأن دولة القانون تفرض خضوعها للرقابة القضائية إلا إذا قرر القضاء عدم ولايته و اختصاصه ,مثل منح رخصة البناء من قبل المجلس الشعبي البلدي فقد حدد القانون مكونات الملف و شروط منحها وبذلك قيد الإدارة .
من جهة أخرى قد نجد سلطة الإدارة مقيدة من قبل القانون و ذلك عندما تكون الإدارةملزمة بالتصرف أو رفضه حسب توافر الشروط التي فرضها القانون ,من عدمه مثل منح التقاعد للموظفين ببلوغ السن المحددة و أيضا في مجال الآجال و المواعيد و الإجراءات و السعي لتحقيق المصلحة العامة ,فهذه المسائل و غيرها قيد فيها القانون الإدارة و كبح سلطتها التقديرية .
المطلب الثاني: أنـــــواع الـقــرار الإداري
تحتل القرارات الإدارية حيز بالغ الأهمية و مكانة جد حساسة في نشاط الإدارة الأمر الذي جعلها متنوعة و متمايزة ,و يمكن تصنيفها إلى عدة أنواع حسب المعيار المعتمد في ذلك .
الفرع الأول :القـرارات الـفرديـة و التنـظيـميـة :
تقسم القرارات الإدارية حسب المخاطبين بها إلى قرارات فردية و تنظيمية فالقرارات الفردية, هي تلك المتعلقة بحالة معينة بذاتها أو بعدة حالات بذاتها أو بفرد أو مجموعة أفراد محددين بذواتهم(1) ,و التي تستنفد مضمونها بمجرد تطبيقها على الشخص أو الحالة المعنية

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــ
و هي قابلة للتعديل لكون تعديلها يؤدي إلى المساس بالحقوق المكتسبة للمخاطبين بها, مثالها
قرار وزير الداخلية بتعيين الكاتب العام لبلدية ما وفقا للمادة 2 من المرسوم التنفيذي رقم 91-27 والمتعلق بتحديد قائمة الوظائف العليا للإدارة البلدية ,قرار المدير بترقية أو تحويل أو تأديب موظف ما .
و هذا النوع من القرارات الفردية لا يؤثر إلا في المركز القانوني المخاطب به و لا يتصوره إمتداده للغير, و الأمر ذاته ينطبق على القرارات الفردية التي تخص جماعة من الأفراد أو عدة حالات طالما تم تحديدهم بالتدقيق في محتوى القرار, و مثالها صدور مرسوم رئاسي به قائمة أشخاص منحو الجنسية الجزائرية أو قرار إدارة ما و المتعلق بنتائج مسابقة قامت بإجرائها تتضمن المترشحين الناجحين بذواتهم .
أما القرارات التنظيمية ( اللائحية ) فهي تلك التي تتضمن قواعد عامة و مجردة فلا تتعلق بشخص أو بحالة ذاتها ، بل تخاطب عدة أفراد و تمس مجموعة مراكز و حالات متى توافرت فيهم الشروط التي حددها فلا ينتهي لمجرد تطبيقها على حالة بعينها ,بل تبقى سارية المفعول و قابلة للتطبيق كلما توافرت شروط تطبيقها و لم يتم سحبها من قبل الإدارة أو إلغائها, و هذا النوع من القرارات قابل للتعديل بحسب ما تقتضيه ضروريات المصلحة العامة و يسمح به القانون ,ومثالها إصدار رئيس المجلس الشعبي البلدي قرارا لمنع الباعة المتجولين من البيع في شارع معين فهذا قرار عام و مجرد يخضع له كل من تتوافر فيه شروطه ,أو قرار لوزير التعليم العالي بتنظيم الامتحانات بالجامعة.
و قد إتخذت القرارات الإدارية التنظيمية عدة صور و أنواع في الفقه و القضاء الإداري أهمها:
* اللوائح التنفيذية و التي يكون هدفها تنفيذ قوانين أو أوامر سبق صدورها .
* اللوائح التنظيمية و يكون موضوعها تنظيم المرافق و المؤسسات العامة الوطنية و ضمان حسن سيرها ، بما يصدره رئيس الجمهورية من مراسيم طبقا لنص المادة 125 الفقرة الأولى من الدستور " يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون " .
* لوائح الضبط وهي تلك اللوائح التي يكون هدفها الحفاظ على النظام العام بتقييد الحريات العامة الفردية مثل لوائح المرور .
* لوائح الضرورة وهي قرارات تصدرها الإدارة في حالات الضرورة الاستثنائية مثل حالة الطوارئ , الحصار و الحالة الاستثنائية تنفيدا للمادة 124 من الدستور " يمكن لرئيس الجمهورية أن يشرع بأوامر في الحالة الاستثنائية المذكورة في المادة 93 من الدستور" .
الفرع الثاني :قـرارات تـخـضـع للرقـابة القضـائـية و قـرارات لا تـخـضـع
إن دولة القانون و مقتضيات مبدأ المشروعية تفرضان خضوع قرارات الإدارة لرقابة القضاء لأجل فحص مشروعيتها و تفسيرها أو إلغائها أو الحكم بالتعويض ,فيكون بذلك للمخاطب رفع دعوى أمام القضاء الإداري إلا أنه توجد إلى جانب هذه القرارات نوع ثاني لا تخضع للرقابة القضائية بمختلف صورها و مظاهرها (1).
الفرع الثالث: قـرارات صـريـحـة وسلبيـة و ضـمـنيـة
تقسم القرارات الإدارية من حيث أسلوب التعبير عن الإرادة إلى قرارات صريحة و سلبية و ضمنية .
فالقرار الصريح هو ذلك القرار الذي تعبر الإدارة فيه عن إرادتها بعبارات صريحة دون الحاجة للبحث عن القرائن و أدلة أخرى للوصول إلى ذلك, لأن الإدارة في هذا النوع من القرارات تفرغ و تترجم هذه الإرادة في شكل خارجي ,و مثالها قرار تعيين موظف أو قرار فصله أو ترقيته.
أما القرار السلبي فيكون عكس الأول إذ تلتزم فيه الإدارة الصمت رغم أن القانون يلزمها باتخاذ موقف و إصدار قرار ينقل إرادتها للمخاطب بها ,و يشترط في القرار السلبي أن يكون القانون قد ألزم الإدارة باتخاذ موقف بغض النظر عن مصدر النص القانوني (2) وأن تكون الإدارة المعنية قد واجهت إلتزامها إتجاه المشرع بالإمتناع و التمرد, مما يمنح للمعني بالأمر حق مقاضاتها بناءا على إرادتها السلبية .
ضف إلى ذلك القرار الضمني و الذي يتداخل مع السلبي كون أن في كلاهما الإدارة تلتزم الصمت و لا تعبر عن إرادتها بشكل واضح صريح و معلن ,إلا أن الفقه يميز بين النوعين من حيث السلطة الممنوحة للإدارة فإذا كان النص القانوني يقيد إرادتها و يلزمهــــا
باتخاذ قرار وهي إلتزمت الصمت كنا أمام قرار سلبي, أما إذا كانت سلطتها تقديريـــــــة و
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
إلتزمت الصمت كان القرار ضمني و الذي يمكن إستنتاجه من الظروف و الملابسات و القرائن(1). و بالتالي يكون المخاطب بالقرار الإداري أكثر راحة في القرار الصريح منه في الضمني و السلبي و الذي يضطر فيها إلى البحث في الظروف و الوقائع لاستخلاص موقف الإدارة.
بالإضافة إلى ماسبق التعرض له من أصناف القرارات الإدارية توجد عدة أنواع تختلف حسب المعيار المعتمد في التصنيف منها حسب الجهة المصدرة له ضمن الهيكل الإداري للدولة. فنجد القرارات المركزية خاصة منها الصادرة عن رئاسة الجمهورية و
الحكومة والوزارات ,بالإضافة إلى قرارات لا مركزية أو محلية تصدر عن الولاة و
رؤساء المجالس الشعبية البلدية و الأجهزة الإدارية المستقلة (2) و المصالح الخارجية(3).
أو حسب مدى ترتيب الأثر القانوني إلى قرارات منشئة و كاشفة أومن حيث تكوينها ا إلى بسيطة ومركبة(4).
المطلب الثالث :أركـان القـرار الإداري
للقرار الإداري مجموعة أركان لابد من توفرها فيه, حتى يرتب أثاره القانونية وهي صدور عن إدارة مختصة ووفقا للإجراءات و الأشكال التي نص عليها القانون, وذلك لسبب يستند عليه ويبرر صدوره ويكون الهدف منه تحقيق مصلحة ما.
الفرع الأول :الاخـتـصـاص
يقصد بالاختصاص القدرة قانونا على مباشرة عمل إداري معين, فالقانون هو من يحدد لكل موظف نطاق اختصاصه (5) ,وهذا من صميم عمل المشرع الذي يوزع الأعمال
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ


والاختصاصات على مختلف هياكل الإدارة مركزية كانت أومحلية أو مرفقية.
وبالتالي فلكل سلطة إدارية اختصاصها لإصدار قرارات في مجال معين وإقليم جغرافي محدد ولا يجوز لها تغير قواعد الاختصاص لأنها من النظام العام ,وكل خرق لها يصيب عمل الإدارة بعيب عدم الاختصاص ,الذي يمنح لكل ذي مصلحة الطعن في قراراتها و إثارة هذا الدفع في أية مرحلة تكون عليها الدعوى بل يمكن للقاضي إثارته تلقائيا . وتعد قواعد الاختصاص تجسيدا لمبدأ الفصل بين السلطات من جهة وتقسيم العمل الإداري وتنظيمه لحسن سير الهيئات الإدارية من جهة أخرى(1).
و المبدأ في مجال الاختصاص هو أن يكون شخصي و لا يجوز لأي إدارة التخلي عن اختصاصها لإدارة أخرى ,إلا أن الواقع العملي فرض خلاف ذلك فالتمسك بهذا المبدأ يرتب أثار سلبية كثيرة, منها عدم اتخاذ القرارات في مواعيدها لغياب السلطة الإدارية المختصة أو انشغالها بأعمال أخرى, فحجم عمل الإدارة وتشعبه قد يقف عائقا أمام حسن سير عمل الهيئات الإدارية وتعطله, بل إن الأمر قد يتعدى إلى الاهتمام بالكم لا النوع (2).
إلا أن هذه الوضعية يمكن تجنبها باللجوء لإجراءات الإنابة, ونقصد بها حلول الشخص محل شخص آخر في أداء وظائفه لكن بشرط أن يكون قد ذكر نص قانوني إمكانية اللجوء
للإنابة(3),وأن تكون الإدارة المختصة في وضعية لا تسمح لها بمباشرة اختصاصها لسبب ما (4) .
أما الإجراء الثاني فهوا التفويض(5) الذي يعهد من خلاله صاحب الاختصاص الأصلي بجزء من اختصاصاته للمفوض له بناءا على نص قانوني يسمح بذلك, مثل إمكانية أعضاء الحكومة تفويض كبار موظفي الإدارة المركزية للتوقيع محلهم.


ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
الفرع الثاني :الــسـبــب
يتطلب القرار الإداري وجود حالة أو واقعة قانونية تدفع الجهة الإدارية المختصة إلى إصداره و إلا كان عملها معيبا وعرضه للبطلان و الإلغاء , فيكون بذلك السبب هو الحالة الواقعية أو القانونية السابقة للقرار والمبرر والسند الخارجي لإصداره, مثل نص المادة 71 من القانون البلدي على تدخل رئيس المجلس الشعبي البلدي بأخذ التدابير الضرورية للحفاظ على الأرواح و الأموال في الأماكن العمومية في حالة الحوادث والكوارث(1).
أما مثال الحالة القانونية هو صدور قرار تأديبي بفصل الموظف المرتكب لخطأ مهني جسيم أو قرار إحالته على الاستيداع بناءا على طلبه كونه يباشر الدراسات العليا .
وإذا كانت الإدارة ملزمة بتبرير قرارها فالوضع يختلف بين إذا كانت سلطتها و إرادتها مقيدة بنص القانون, ففي هذه الحالة لا يمكنها إصدار القرار إلا بتوفر الأسباب التي حددها دون غيرها مثل منح رخصة البناء , إلا انه من جهة أخرى قد يترك لها قدر من الحرية وهذا هو الأصل ، فيكون لها بذلك سلطة تقديرية للظروف والأوضاع مثل قرارات الترقية حسب الكفاءة (2).
ويشترط في السبب الذي يبنى عليه القرار الإداري أن يكون قائما وموجودا وقت اتخاذه ومشروعا .
الفرع الثالث :الـشـكـل والإجـراءات
الأصل هو عدم وجود قواعد عامة تبين الأشكال والإجراءات اللازمة مراعاتها في جميع القرارات الإدارية ,إلا أن النصوص قد تفرض على الإدارة إتباع إجراءات محددة وإفراغ قراراتها في أشكال وقوالب معينة تحت طائلة البطلان(3). مما يحقق المصلحة العامة بدرجة أولى من خلال حماية حقوق وحريات الأفراد والمحافظة على مراكز بعض الهيئات مثل وجوب نشر القرارات لإعلام الجمهور بها ,والمصلحة الخاصة أيضا عندما يكون القرار الفردي يشخص شخص بذاته مثل إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة .

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
ويمنع بذلك الإدارة من التسرع ويدفعها لاتخاذ قرارات مدروسة تحقق أهدافها وتحافظ على مبدأ الشرعية .
ويقصد بالإجراءات الترتيبات والتصرفات التي تتبعها الإدارة قبل اتخاذ القرار وإصداره (1)والتي تتخذ عدة صور منها الاستشارة ، الاقتراح واحترام مدة زمنية معينة . أما الشكل فهوى المظهر الخارجي الذي يتخذه هذا القرار فيكون كتابي أو شفوي أو صريح أو ضمني.
وقد ميز القضاء الإداري بين الشكليات الجوهرية التي يرتب عدم مراعاتها عيب في الشكل ,يؤدي بالقاضي الإداري إلى إلغاء القرار المعيب وبين الشكليات الثانوية التي لا تؤثر في صحة القرار الإداري(2) ,ومعيار التمييز بينهما هو من حيث مدى تدخل المشرع لفرضها والمصلحة التي تهدف لحمايتها مثل تسبيب قرارات نزع الملكية للمنفعة العامة .
وبالتالي فهناك جملة من الشكليات تشكل في مجموعها المظهر الخارجي للقرارات الإدارية ,مثل كتابتها في وثيقة معينة أو تسبيبها أو التوقيع عليها وتأريخها وكذا وسائل نشرها وتبليغها.
الفرع الرابع :الــــمــحــــل
وهو الأثر القانوني المترتب عن القرار الإداري من إنشاء مركز قانوني جديد أو تعديل مركز قائم أو إلغاءه ,فينتج أثر شخصي يمس شخص بذاته لو كان فردي مثل قرار تعيين موظف في منصب معين ، أما القرارات التنظيمية فترتب أثر واسع النطاق(3).
ويشترط في المحل أن يكون ممكن غير مستحيل فلا يمكن إصدار قرار بنقل شخص من مكان وظيفته وهو متوفي .بالإضافة إلى أن يكون مشروع غير مخالف للنظام العام والآداب العامة والنظام القانوني السائد وهذا ما أكدته المادة 4 من المرسوم 88/131 " يجب أن يندرج عمل السلطة الإدارية في إطار القوانين والتنظيمات المعمول بها وبهذه الصفة ، يجب أن تصدر التعليمات والمنشورات والمذكرات والآراء ضمن احترام النصوص التي تقتضيها".
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
الفرع الخامس : الــغــايــة ( الـهـدف )
وهو النتيجة النهائية التي تريد الإدارة بلوغها وتحقيقها من وراء إصدارها للقرار الإداري على المدى القريب أو البعيد(1),ويشترط في هذه الغاية أن تكون مشروعة وتتجه لتحقيق مصلحة عامة وإلا كان معيب بعيب الانحراف في استعمال السلطة وإساءة استعمالها, من خلال التوجه لتحقيق أغراض شخصية تقوم على المحاباة والبيروقراطية و الذي يؤدي بالقرار للبطلان والإلغاء ومعاقبة مصدره طبقا للمادة 22 من الدستور " يعاقب القانون على التعسف في استعمال السلطة ."
المبحث الثاني : وســائــل إعــلان الــقــرار الإداري
إذا كانت القرارات الإدارية تنفذ في حق الإدارة بمجرد صدورها بتوفر الأركان السالفة الذكر, فالأمر ليس ذاته في مواجهة الأفراد إلا إذا علموا بها بإحدى الطرق المقررة قانونا . وهذا ما يطلق عليه بإعلان القرارات الإدارية أو شهرها ، ونحن من خلال هذا المبحث سوف نتعرض إلى المقصود بالإعلان في القرارات الإدارية في مطلب أول ثم نعرج على وسائل هذا الإعلان في مطالبين لاحقين .
المطلب الأول : مـبـدأ الإعـلان فـي الـقـرارات الإداريـة
يقصد بمبدأ الشهر أو الإعلان كل ما تنتجه أو توفره الإدارة من علم للأفراد بأعمالها وإجراءاتها سواءا عن طريق الوسائل الرسمية أو العادية(2). وقد اختلفت الدول في نظرتها له ,إلا أن هدفها في النهاية ككل هو حماية الحقوق الفردية وتوفير الرقابة الفعالة على أعمال الإدارة ,بما يضع حدا للتعسف في السلطة و الانحراف في استعمال امتيازات السلطة العامة
فالإعلان الذي تقوم به الإدارة لأعمالها يتيح للمخاطبين بها الإطلاع عليها ويكونون بذلك في موقع الرقابة, أي رقابة الرأي العام والذي يلعب دور بالغ الأهمية لايقل أهمية على الرقابة القضائية ، بل إن الفرد هو من يفتح عين القاضي ويرسيه على نقطة بداية رقابته. وبالتالي فالقاعدة العامة أن القرارات الإدارية تصبح نافذة وسارية المفعول منذ تاريخ صدورها من السلطات الإدارية المختصة بعد مراعاة الإجراءات القانونية في مواجهة هذه
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
الهيئات ، ولا يمكن لها الاحتجاج بعدم النشر أو التبليغ لكونها ملزمة بها من تاريخ الصدور(1) .لأنها من أخرجته إلى الوجود لتحقيق مقاصد معينة لتؤثر به على مراكز قانونية بالإنشاء أو التعديل أو الإلغاء . ومنه صاحب المصلحة يمكنه التمسك به من تاريخ هذا الصدور لأن وسائل الإعلان وضعت لحماية المخاطبين بها لا الإدارة ,وهذا ما قضى به القضاء الإداري في مصر بقوله أن النشر غير لازم لصحة القرارات ولا يقصد منه غير إبلاغ الغير بمضمونها حتى تكون حجة عليه ويفتح بها مواعيد دعوى الإلغاء(2) .
إلا أن الوضع مخالف بالنسبة للمخاطبين بها ,فلا يحتج بها في مواجهتهم إلا من تاريخ العلم بها بإحدى الوسائل المقررة قانونا حتى أن الفقيه اليوناني " ستاسينو بولس " يرى أن القرار الإداري يظل مجرد واقعة نفسية لا أهمية لها من الناحية القانونية لا بالنسبة للإدارة ولا للأفراد إلا بالإعلان عنه " ,وبالتالي فكل الأعمال السابقة للشهر هي مجرد مشروع للقرار.
إلا أنه من ناحية أخرى ترى بعض الدول أن مبدأ الإعلان يعتبر قيد على الإدارة وإعاقة لأعمالها ونشاطها ، بل تدخلا في عملية إعداد القرار الإداري وهو أمر غير مرغوب فيه .فنجد بالمقابل مبدأ السرية والذي يتعارض تماما مع الأول ويعيقه, مما يشكل خطرا حقيقيا على حقوق الأفراد ومصالحهم ويقيم سدا منيعا بينهم وبين الإدارة ,وخير مثال على ذلك هو الإدارة الفرنسية التي بالرغم من وجود نصوص تقضي بالشهر نجدها مازالت تحيط نفسها بسياج من السرية التامة تحاشيا للتطفل والفضول الذي يمكن أن تواجهه . مما يخلق حواجز داخلية بين مختلف الهيئات والمرافق وكذا بينها وبين الأفراد .وبالتالي فليس للأفراد حق في النشر وبالمقابل تلزم موظفيها العموميين بعدم إفشاء محتوى وأسرار الوثائق الداخلية(3).
والمناقصات فالإعلان المسبق عليها يؤدي لإحداث التنافس بين المشاركين ,كما أن بعض النصوص تعترف بحق الأفراد في الإطلاع على المستندات والمعلومات الإدارية .

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
وقد سار القضاء الفرنسي على ذات المنهج في قضية الآنسة "MATTEL"و التي تتلخص وقائعها في أن المحافظ أصدر قرار بتاريخ 13/07/1948 يقضي بتعيينها في وظيفة بقصر العدالة بباريس ،إلا أن هذا القرار لم يعلن به المعنية ولم ينشر بعدها أصدر قرار آخر بإلغاء القرار الأول وتعيين شخص آخر بهذه الوظيفة, فطالبت الآنسة "MATTEL" بإلغاء القرارين الآخرين فاستجاب لها مجلس الدولة(1).
أما بالنسبة لمجلس الدولة الجزائري فقد أقر في قرار له صادر بتاريخ 15/11/2005 عن الغرفة الرابعة رقم 019341 مبدأ عام بنفاد القرارات الإدارية بمجرد صدورها مالم
يضع القضاء حدا لتنفيذها(2),وهي تتعلق بقضية رفعها أعضاء مستثمرة فلاحية جماعية ضد "ف.إ "ومن معه بهدف الطعن بالبطلان في قرار التخصيص الصادر عن والي ولاية وهران والمتضمن منح قطعة أرض فلاحية في إطار القانون 87/19, بدعوى أن هذه القطعة هي جزء من الأرض التي استفادوا منها في إطار إنشاء مستثمرة فلاحية جماعية بموجب قرار ولائي, إلا أن ملف القضية اثبت أن الوالي أصدر قرار يتضمن إسقاط حقوق المستأنفين من العضوية بالمستثمرة التي كانوا ينتمون إليها وقرار أخر بالتخصيص لفائدة المدعو "ف.إ ",وقد قضى المجلس بعدم قبول الدعوى لانعدام الصفة كون قرار إسقاط العضوية لم يبلغ أو يوضع حد لتنفيذه .
المطلب الثاني : وسـائـل الإعـلان الـتـشـريعــيـة
عمل التشريع على وضع وسائل إعلان محددة قانونا وهي التبليغ والنشر والتي سوف نتناوله في فرعين .
الفرع الأول:التـبلـيغ في الـقـرارت الـفـرديـة:
التبليغ هو الطريقة التي تنقل بها الإدارة القرار الصادر عنها إلى علم الأفراد أو الفرد المخاطب به من الجمهور (3).
والقاعدة هنا أن الإدارة غير مقيدة أو ملزمة بإتباع وسيلة أو شكل معين لأن الغاية النهائية هو إيصال مضمون القرار إلى المخاطبين به ، وذلك عن طريق المحضر أو أي
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
موظف إداري آخر أو بواسطة البريد حيث تنص المادة 26 من المرسوم رقم 88-131 "تتخذ الإدارة أي إجراء من شأنه أن يساعد قدر الإمكان على استعمال سبل البريد والهاتف في علاقاتها بالموظفين ", سواءا يبلغ بأصل القرار أو بصورة منه ويقع عبئ إثبات تمام الإعلان على الجهة الإدارية التي تكون قد أوفت بهذا الالتزام القانوني بتقديمها الدليل المتبث لذلك (1).
ولكون الإدارة لا تلزم بشكل معين في التبليغ كان مجلس الدولة الفرنسي يتشدد مرة ويكون مرن مرة أخرى, وكان في ذلك يوازن بين مصلحة الأفراد وإمكانيات الإدارة (2),ففي البداية أوجب التبليغ الشخصي وإلا يعتبر القرار غير ساري في مواجهة المعني به إلا أن مجلس الدولة عدل في موقفه بإجازة الإعلان إلى وكيل المدعي في الدعوى الولائية المقامة ،وأن رفض المخاطب بالقرار إستلامه أو التوقيع عليه لا ينفي قيام التبليغ و لا يعطل سريان مواعيد الطعن أو يمددها .
بالإضافة إلى أن القضاء الفرنسي اعتبر أن إشعار البريد المتعلق باستلام خطاب موصى عليه يعتبر قرينة على الإعلان إلى غاية إثبات العكس .
إلا أن عدم اشتراط المشرع لشكلية معينة في التبليغ يشكل صعوبة في إثبات الإدارة لإعلامها المخاطبين بالقرارات التي أصدرتها ,الأمر الذي دفع بالقضاء الإداري في مصر وفرنسا إلي قبول كل وسيلة تثبت ذلك مثل توقيع صاحب الشأن أو محضر تبليغه أو إيصال البريد (3).
أما بالنسبة للتشريع الجزائري فنجد مبدأ التبليغ أساسه خاصة بنص المادة 35 من المرسوم 88-131 والتي جاء فيها انه "لا يحتج بأي قرار ذي طابع فردي على المواطن المعني بهذا القرار إلا إذا سبق تبليغه إليه قانونا ،إن لم يكن نص قانوني أو تنظيمي مخالف"(4) .وبهذا يكون المشرع الجزائري قد وفر حماية كافية للمخاطبين بالقرارات الفردية
تضمن تبليغهم بها ,وهذا أمر طبيعي فمن غير المنطقي إلزام شخص بقرار وتطبيقه عليه
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
دون أن يكون عالما بوجوده في الأصل أو بمضمونه.
إلا أن ما نلاحظه على المشرع الجزائري انه وإن فرض على الإدارة ضرورة إعلان قراراتها للمخاطبين بها بموجب نصوص قانونية و تنظيمية ,إلا أنه لم يوضح بدقة شكل و كيفية تمامه مما يفتح مجال واسع أمامها لاختيار الطرق المختلفة و التي تراها مناسبة للتبليغ.
و بالفعل قد إعتمدت الإدارة الجزائرية عدة وسائل في ذلك, فنجد أنها تعتمد في كثير من الأحيان على استعمال البريد الموصى عليه إلا أن هذه الطريقة تخلق عدة إشكاليات مثل استلام التبليغ من غير المعني بالأمر أو الإدعاء بأن الظرف خال .
أيضا تطور وسائل الإعلام و الإتصال و تنوعها جعل الإدارة تواكبها من خلال اعتمادها الفاكس في إيصال قراراتها, إلا أن ذلك طرح إشكالية في مدى قانونية هذا التبليغ
و ما مدى سريانه في مواجهة المخاطبين به .
و قد أجاب الفقه على ذلك أن الوسائل الإلكترونية كالفاكس لا تؤدي للعلم بذاته بل قرينة على العلم فقط لأن صاحب الشأن قد لا يستلمه (1).
كما نجد التبليغ عن طريق الاستلام و التي تقتضي إنتقال موظف رسمي إلى موطن المعني بالقرار الإداري لتبليغه به , و هذه الطريقة أيضا تطرح إشكالية التسليم لغير المعني.
بالنسبة للمشرع الجزائري في هذه النقطة و في نص المادة 23 من قانون الإجراءات المدنية لم يتشدد في التبليغ الشخصي للعريضة و هي قابلة للتطبيق أيضا على القرارات الإدارية .
أما التبليغ الشفهي فيطرح إشكالية بالنسبة للإدارة و يجعلها في موقف حرج لإثبات إعلامها المخاطبين بمضمون القرارات الصادرة عنها ، الأمرالذي يجعل مدة الطعن الإداري و القضائي تبقى مفتوحة . هذه الصعوبات و غيرها التي تتلقاها الإدارة في هذا النوع من التبليغ تدفعها إلى اعتماد الوسائل الأخرى السابق ذكرها, و التي تسهل عليها كثيرا الإثبات و تجنبها الكثير من التساؤلات أمام القاضي الإداري في حالة الطعن .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
أما موقف القضاء الجزائري بالنسبة لإعلان القرارات الإدارية الفردية ، فقد إستقر قضاء الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى على مبدأ وجوب تبليغها و يتضح ذلك جليا من خلال قرارها الصادر بتاريخ 08/04/1989 بخصوص قضية" ط . ع" ضد وزير الصحة ووزير التعليم العالي ملف رقم 54362 , التي تتلخص وقائعها في أن "ط . ع" عين كأستاذ مساعد في المصلحة الإستشفائية الجامعية بالدويرة ,و على إثر نشوب خلاف بينه و بين أستاذين آخرين و رئيس المصلحة صدر قرار بحرمانه من المشاركة في مسابقة داخلية للحصول على رئاسة مصلحة داء المفاصل, بمركز إعادة التأهيل الوظيفي بابن عكنون ثم تبع بقرارآخر من خلاله نقل إلى القطاع الصحي بالبليدة دون إبلاغه بقرار النقل التلقائي
الأمر الذي دفعه إلى رفع طعن بالبطلان ضد قرار النقل, أين ذهبت الغرفة الإدارية إلى وجوب إبلاغ الموظف بقرار النقل و كل قرار يخرق هذه الإجراءات و الشكليات يعد باطل(1) .
بالنسبة لمجلس الدولة فقد أقر قاعدة عامة في مجال تبليغ القرارات الإدارية الفردية وهي وجوب التبليغ الشخصي و الذي لا ينبغي فيه الإكتفاء بالعلم أو إفتراض العلم ، و يتجلى موقفه هذا من خلال القرار الصادر عنه بتاريخ 19/04/1999 عن الغرفة الثانية تحت رقم 160507، و قد إستعمل فيه عبارة " حيث أنه إستقر القضاء ......." و هذا دليل على أن القضاء الإداري في الجزائر تواتر على هذا الموقف الأمر الذي حوله إلى قاعدة .
وقد إستمر مجلس الدولة على هذا الموقف و الدليل على ذلك قراره الصادر تحت رقم 015869 بتاريخ 12/07/2005 , حول قضية "ش . أ" ضد والي ولاية بجاية و التي تتلخص وقائعها في أن والي ولاية بجاية أصدر قرار بتاريخ 11/01/1996 تحت رقم 96/2220 يتضمن تحويل ملكية قطعة ترابية لفائدة بلدية تيندار بدائرة سيدي عيش ولاية بجاية ، الأمر الذي جعل "ش ، أ" يرفع دعوى لإلغاء القرار المطعون فيه أين قضى المجلس أنه وفقا للمرسوم 88/131 المتضمن العلاقات بين الإدارة المواطن لا يحتج بأي قرار ذي طابع فردي على المواطن المعني به إلا إذا سبق تبليغه إليه قانونا .و كذا المادة 169 مكرر من قانون الإجراءات المدنية و بالتالي فالطعن مؤسس ومنه تم إلغاء القرار
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ

المطعون فيه .
وبالعودة للمشرع الجزائري فقد أكد على قاعدة التبليغ الشخصي سواءا في قانون الإجراءات المدنية القديم بنص المادة 169 مكرر, و أكد ذات الموقف في نص المادة 829 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديدة و ذلك في الجزء الخاص بالآجال ، بأن آجال الطعن أمام المحكمة الإدارية هي أربعة أشهر تسري من تاريخ التبليغ الشخصي بنسخة من القرار الإداري الفردي أو من تاريخ نشر الجماعي أو التنظيمي .
و ما نلاحظه من خلال هذه المادة أن المشرع قد ميز بين وسائل و طريقة تبليغ القرارات الإدارية الفردية و الجماعية و التنظيمية بحيث أفرد الفردية بالتبليغ الشخصي .
و إذا كانت النصوص القانونية و الإجتهادات القضائية في الجزائر قد إستقرت على وجوب التبليغ للقرارات الفردية دون أن تبين الوسيلة المعتمدة, في ذلك بدقة ووضوح فبالرجوع للتطبيقات القضائية نجد مجلس الدولة أقر طرق محددة لذلك خاصة في المسائل التأديبية .
و نلمس ذلك صراحة من خلال القرار الصادر عن الغرفة الثانية تحت رقم 548 بتاريخ 06/12/1999 ,أين أكد على ضرورة التبليغ الرسمي بواسطة محضر قضائي و اعتبر أن وصل إستلام الرسالة الموصى عليها لا يعد تبليغا صحيحا للقرار .
الفرع الثاني : نـشــر الـقـرارات الـتنـظيـمـية
عرف الفقه النشر على أنه إتباع الإدارة الشكليات المقررة ,لكي يعلم الجمهور بالقرار كما عرفه البعض الآخر على أنه إعلان الناس و منهم صاحب الشأن بموجبات القرار الذي تصدره الإدارة حتى يكونوا على بينة منه .
و ذهب البعض الآخر على أنه وسيلة رسمية فرضها المشرع على الإدارة مصدرة القرار لإعلام الناس به و أسموه بالعلم الرسمي بالقرار(1).
و يعد النشر من أهم الوسائل التي أقرتها التشريعات لإعلان القرارات الصادرة عن الإدارة للمخاطبين بها ,بحيث تعمد إلى ذلك وفقا للشكليات و الطرق التي تحددها القوانين و
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
التنظيمات(1),فلا ترتب هذه القرارات أثارها من حقوق و التزامات إلا بعد نشرها حسب ما
ينص عليه القانون المعمول به في حالة ذكره لذلك و تكون بذلك الإدارة مقيدة. أما في حالة غياب النص القانوني تكون للإدارة السلطة التقديرية في إختيار الوسيلة التي تراها ملائمة بما يكفل إعلام الجمهور بها(2).
و يشكل شهر القرارات التنظيمية والجماعية ضمانة حقيقية و فعالة لحماية حقوق الأفراد وللرقابة على أعمال الإدارة ,بل إن النشر هو الوسيلة الأكثر شيوعا بين الوسائل الأخرى للعلم بالقرارات الإدارية(3).
و في حقيقة الأمر النشر يخص القوانين باعتبار أنها تخص قواعد عامة و مجردة ، و ينبغي علم الناس بها حتى تطبق عليهم و لما كانت القرارات الإدارية تلتقي مع القانون في إحتوائها على قواعد عامة و مجردة كما لو تعلق الأمر بمرسوم رئاسي يخص فئة معينة من أفراد المجتمع ,كالتجار مثلا أو الحرفيين ,فهذا المرسوم سواءا كان رئاسي أو تنفيذي أو مشترك لابد من خضوعه للنشر .
و يشمل النشر كافة محتويات القرار حتى يلم به أصحاب الشأن إلمام نافيا للجهالة وبالتالي نشر ملخص القرار لا يعطي فكرة واضحة للمخاطبين به .
و يعد إلزام الإدارة بهذا النشر أمر تؤيده مبادئ العدالة ,و إلا كيف يمكن إلزام الأفراد بمضمون قرار لا يعلمون بوجوده و في هذا الإطار تنص المادة 8 من المرسوم 88 /131 المؤرخ في 04 جويلية 1988 المنظم للعلاقات بين الإدارة و المواطن ,على أنه " يتعين على الإدارة أن تطلع المواطنين على التنظيمات و التدابير التي تسطرها و ينبغي في هذا الإطار أن تستعمل و تطور أي سند مناسب للنشر و الإعلام " .
كما تنص المادة 9 من ذات المرسوم على " يتعين على الإدارة أن تنشر بإنتظام التعليمات و المناشير و المذكرات و الآراء التي تهم علاقاتها بالمواطنين ".ومن خلال هذين

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
النصين يتضح لنا بجلاء أن التشريع الجاري العمل به في الجزائر يلزم الإدارة أن تقوم بإعلام الأفراد بالقرارات التنظيمية الصادرة عنها ,محددا الوسيلة المعتمدة في ذلك وهي النشر .
و بذلك فالمشرع الجزائري يؤكد أن اجتماع القرارات الجماعية والتنظيمية مع القوانين في صفتي العمومية و التجريد ,يؤدي أيضا إلى الإشتراك معه في وسيلة إعلانه وهي النشر والقاعدة العامة في الجزائر أن النشر في الجريدة الرسمية يتعلق بقرارات السلطة المركزية كالمراسيم الرئاسية و التنفيذية و الوزارية المشتركة و الأحادية ، مع الإلتزام بمضمون المادة الرابعة من القانون المدني التي توجب الأخذ بفترة يوم كامل من تاريخ النشر بها .
ضف لذلك أن كل وزارة تملك نشرة رسمية خاصة بها تنشر فيها القرارات المتعلقة بالقطاع التابع لها ، أما الولايات فلكل منها نشرة القرارات الإدارية للولاية و التي ينظمها المرسوم رقم 81-151 المؤرخ في 18 جويلية 1981 و المتضمن تحديد نموذج نشرة القرارات الإدارية في الولاية(1).
كما تنص المادة 6 من المرسوم التنفيذي 95-293 على وجوب نشر قرارات إجراء المسابقات و الامتحانات و الاختبارات في الأسلاك الوظيفية بدرجة مساعد إداري رئيسي فما فوق ، وبالتالي فلا تنفذ في حق المعنيين بها إلا بعد نشرها و المادة 51 من المرسوم 85-59 و الذي أوجب نشر جميع المقررات التي تتضمن تثبيت الموظفين و ترقيتهم و
حركة انتقالهم و إنهاء مهامهم (2) هذا في الجزائر.كما أكد عليه في قانون الإجراءات المدنية والإدارية بالمادة 829 منه على أنه يبدأ حساب مواعيد الطعن في القرار التنظيمي والجماعي من تاريخ نشره.
أما في التشريع المقارن فالمبدأ عندهم أن نفاذ القرار الإداري و بدأ احتساب آجال الطعن فيه مثلا ,لا يكون إلا إذا تم توزيع النشرات على المصالح الإدارية المختلفة المعنية بهذه القرارات ووصولها إلى أيدي العاملين بها ,ليتمكنوا من الإطلاع عليها و العلم

بمحتواها(1).
ففي فرنسا نجد أنه بالرغم من التطور الكبير الذي عرفته نظرية نشر القرارات الإدارية فحتى الآن لا يوجد تشريع عام و متكامل ينظم هذه العملية ,إلا أن القاعدة العامة التي سارت عليها الإدارة في فرنسا و أخد بها القضاء هو ضرورة نشر القرارات التنظيمية. وفي حقيقة الأمر هذه القاعدة مستوحاة من التشريع و التي نصت المادة 96 منه " مع الأخذ في الإعتبار كل من إمكانيات الإدارة و الأفراد فإن النصوص العامة وحدها هي التي يجب نشرها أما القرارات ذات المضمون الفردي فهي التي يجب إعلانها ".
ولما كان كما سبق القول افتقار القانون الوضعي الفرنسي إلى تنظيم قانوني للنشر فالقضاء بنوعيه الإداري و العادي تحمل العبئ الأكبر, من إرساء و بناء نظرية شهر القرارات الإدارية ,و ذلك عن طريق المبادئ القضائية الجديدة و المتطورة التي توصل إليها في المنازعات التي عرضت عليه .
إلا أن هذا العبئ ساهم في حمله أيضا الفقه عن طريق المؤلفات و البحوث و التعليقات على مختلف أحكام القضاء في هذا الصدد ,من خلال تناولها بالشرح و التفسير و التحليل و النقد البناء الذي ساهم فعليا في تطوير نظرية النشر و توضيح معالمها و مبادئها.
كما كان لمفوضي الدولة دور مشهود له من خلال ما يضمنونه مذكراتهم في مختلف القضايا المعروضة على مجلس الدولة ,و قد كان القضاء الإداري الفرنسي عن طريق مجلس الدولة ومن خلال نظره في العديد من المنازعات في مجال شهر القرارات الإدارية يأخذ بمبدأين هامين :
- وهو في حالة وجود نص قانوني أو تنظيمي يقضي بشكل معين ، فإن ذلك النص يصبح ملزم للإدارة .
- في حالة عدم وجود نص يلزم الإدارة بنشر القرارات الصادرة عنها فإذا تم عرض نزاع على القضاء حول عدم النشر ، فإن القضاء يفحص ملف القضية من خلال بحث مجموعة
عناصر كإمكانيات الإدارة وظروفها و مصلحة الأفراد و الظروف و الملابسات المحيطة
بالواقعة و العمل القانوني المطلوب نشره و طبيعة القرار وصفة المخاطبين به.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
أما في مصر فكان الأمر خلاف ما عرفته فرنسا فلم يلقى هذا الموضوع الإهتمام الكافي من قبل الفقه ، رغم الإفتقار الذي كان يشهده و الحاجة الكبيرة إلى البحث فيه .الأمر الذي جعل القضاء يعمل منفردا تقريبا كل ما في وسعه لاستحداث مبادئ قضائية خاصة في ظل الفترات التي شهدت خلوها من أي تنظيم تشريعي منظم لها, لكن رغم ذلك فالقضاء بنوعيه الإداري و العادي عمل على مسايرة الفرنسي و إن كان الفرنسي أسرع, و يعود إلى أنه كان يضع عدة نظريات و يرسي مبادئ كثيرة و يستنفد كل النتائج التي يتوصل إليها مهما تعددت متبعا في ذلك قواعد المنطق القانوني(1).
هذا بالنسبة لنظرة مختلف التشريعات و الفقه إلى نشر القرارات التنظيمية سواءا في الجزائر أو بالتشريع المقارن .
لكن إذا كانت هذه الدول تأخذ بنظرية النشر ، فلا بد لها من وسائل لأجل القيام به وهو ما يطلق عليه بأشكال نشر القرارات الإدارية , و يقصد بهذه الأخيرة تلك الأشكال أو الأدوات التي يصل عن طريقها مضمون القرارات الإدارية إلى علم المخاطبين بها لتمكينهم من الإحاطة بمضمونها و بالتالي الاستفادة من الحقوق الواردة بها و الخضوع للالتزامات التي تفرضها. .
وبهذا تكون جميع الأشكال و الأدوات التي تهدف إلى إيصال القرارات إلى علم الأفراد تعد نشر مثل النشر في الجريدة الرسمية , بكتاب دوري يتم توزيعه على الجمهور أو يكون النشر بإحدى الوسائل متبوع باللصق في الأماكن العامة .
أما في فرنسا فنجد المراسيم تنشر في الجريدة الرسمية ,إلا أن القرارات الفردية الصادرة في شكل مراسيم غير واجبة النشر و لو تم نشرها فذلك لا يعني وجوب تبليغها للمخاطبين بها ، وقد أخذ بذلك قضاء مجلس الدولة في حكمه الصادر في 26/07/1950 .
أما بالنسبة للقرارات الإدارية التنظيمة فلا تخضع بالضرورة للنشر في الجريدة الرسمية بل تخضع في ذلك لما تقضي به النصوص و تقدير الإدارة في حالة عدم وجود نص ، فمثلا القرارات الإدارية الصادرة عن السلطات المركزية تنشر بالجريدة الرسمية إذا كانت ليست لها صفة المرسوم .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
ومنه لابد من احترام أجل و ميعاد اليوم الكامل لكن و لكثرة هذه القرارات وعدم قدرة
الجريدة الرسمية على استيعابها ,أصبح الإجراء و الوسيلة الأكثر إستعمالا هي النشر في المجموعات الرسمية ، و على الإدارة في هذه الحالة تثبيت التاريخ الذي تظهر فيه هذه المجموعات في الأماكن التي يقيم بها أصحاب الشأن و ذلك بحسب ممارستهم لوظائفهم لأماكن علمهم بها .
وهو الأمر ذاته الذي يجري العمل به في مصر بحيث يتم نشر القرارات الصادرة عن السلطات المركزية بالجريدة الرسمية ,بالإضافة إلى النشر في جريدة أخرى يطلق عليها إسم " النشرة التشريعية " و التي تعدها و توزعها وزارة العدل و تصدر بصفة شهرية .
أما القرارات اللامركزية ففي فرنسا نجد القرارات اللائحية و خاصة الصادرة عن السلطات المحلية واجبة النشر, فقد أجاز القضاء نشرها في مساحة بسيطة من الصحف المحلية بعد التأكد من عدم وجود أي نص قانوني أو لائحي يفرض شكل آخر للنشر .
وقد طبق ذلك القضاء في عدة أحكام تناولها مع إشتراطه ألا تكون هذه المساحة محدودة للغاية ، و بالتالي كان هذا هو السبب الذي جعله من باب أولى يجعل الإعلانات الملصقة إجراء قانوني للنشر خاصة إذا كان واضح و مقروء ,مع إشتراطه أحيانا أن يظل ملصقا وقتا معينا ,كما يجيز القضاء الفرنسي إجراء النشر بواسطة اللصق في حالة عدم وجود نص قانوني أو تنظيمي يقضي بخلاف ذلك .
أما في مصر فتنشر قرارات السلطات اللامركزية في جريدة " الوقائع المصرية " و ذلك لنشر القرارات الصادرة من السلطات الإقليمية المصرية و الإعلانات الحكومية و القضائية ،هذا بالإضافة إلى صدور نشرة دورية عن كل وزارة و تتضمن القرارات الصادرة عنها, أين توزع على مختلف فروع وأقسام المعنية و مصالحها في مختلف أقطار الجمهورية و التي تتعلق في غالب الأحيان بشؤون الموظفين من تعيين و ترقية و تحويل و غيرها .
و في حقيقة الأمر بعد أن تناولنا المقصود بالنشر ووسائله و موقف مختلف التشريعات منه لا نجد أية صعوبة في تبرير موقف التشريع الجزائري أو المقارن في فرنسا و مصر من ذلك كون هذا النوع من القرارات أي القرارات التنظيمية أو اللائحية تتضمن قواعد عامة و مجردة ,شبيهة إلى حد كبير بالنصوص القانونية التي تصدرها السلطات التشريعية فلا تخاطب أشخاص محددين بذواتهم ,و إنما تقتصر على خلق و إنشاء مراكز قانونية عامة و ذلك لا لتعذر إعلانها للمخاطبين بها بل لإستحالة تحديد و حصر المخاطبين بأحكامها .
غير أن مجلس الدولة الفرنسي و إن كان قد أخذ بمبدأ نشر القرارات التنظيمية كما سبق تناوله ، إلا أن بعض الأحكام الصادرة عنه جعلت بعض الفقهاء يشككون في الإتجاه العام له ,مبررين ذلك بأن المجلس يرى رعاية مصالح الأفراد تقتضي التمييز و المقارنة بين النشر و التبليغ ,و ترجيح إحداهما على الأخرى من ناحية القوة أو الضعف في الدلالة على العلم .
و بالتالي فالنشر لا يبلغ في دلالته على علم أصحاب الشأن مثل التبليغ كون الأول لا يعدو إلا أن يكون قرينة فرضية لإثبات علم الكافة بالقرارات الإدارية ، ومنه ما دام النشر قد حصل فيفترض العلم بمضمونه عكس التبليغ الذي يعتبر قرينة قاطعة على حدوث العلم .
و على هذا الأساس توصل مجلس الدولة الفرنسي إلى وضع قاعدة يلزم بمقتضاها الإدارة تبليغ القرارات الإدارية الصادرة عنها ,دون تمييز في ذلك بين التنظيمية و الفردية خاصة إذا كان المخاطبين بها معلومين و معروفين للإدارة ,أو كان بوسعها الوصول إليهم و تبليغهم شخصيا .
إلا أن هذا الإتجاه من مجلس الدولة تعرض لنقد عنيف من قبل الفقه معللين موقفهم بأنه و إن كانت مصلحة الأفراد هي المرجحة ,فلا بد أيضا من مراعات مصلحة الإدارة و الأخذ في الاعتبار إمكانياتها التي لا تسمح لها بذلك , حتى أن الفقيه " هوريو " علق على هذا الأمر ساخرا بقوله ".......إن كان جميع ضباط الجيش و موظفي الدولة معلومين للإدارة فإنه يتعين عليها إعلان كل منهم على حدة بكل لائحة تصدرها في أي شأن من شؤونهم كشروط الترقية مثلا ". الأمر الذي جعل مجلس الدولة يعدل عن ذلك و يعود للمعيار القديم إلا أنه من خلال فصله في العديد من المنازعات الإدارية المعروضة عليه بهذا الخصوص كثيرا ما نجد خلط من خلال نشر قرارات فردية و تبليغ تنظيمية (1).
أما مجلس الدولة المصري فقد جرى العمل فيه مند إنشائه على نشر القرارات التنظيمية حيث قضى بأن " نشر المرسوم المطعون فيه الذي يجعله في حكم القانون معلوما
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
للجميع لأن النشر في الجريدة الرسمية هو بمثابة الإشهار الذي لا يأتي معه القول بالجهالة به أو عدم العلم بصدوره ".
كما قضى في حكم آخر له صادر بتاريخ 17/11/1948 بأن " ميعاد الطعن في القرارات الإدارية العامة يكون في ظرف ستين يوما من تاريخ نشرها ".
و قد كان الحكم الصادر في 14/01/1948 أكثر وضوحا و تحديدا عندما قال أن " ميعاد الستين يوما المقرر لطلب إلغاء القرارات الإدارية و المنصوص عليه في المادة 35 من قانون إنشاء مجلس الدولة يبدأ من تاريخ إخطار ذوي الشأن بهذه القرارات, و ذلك إما بإعلانهم بها أو بالنشر بإحدى طرق النشر المقررة في القانون .و الأصل أنه يجب إعلان هذه القرارات ليبدأ ميعاد الطعن ، أما ما كان منها عاما أو متعلقا بمجموعة من الناس أو بطائفة من الأفراد لم يحدد عددها فيكتفي بالنشر كما هو الحال في اللوائح العامة أو في اللوائح التي تتعلق بطائفة معينة كأصحاب الأملاك أو التجار أو الموظفين ,و تشترط لصحة هذا النشر في هذه الحالة أن يحصل في جريدة أو نشرة معدة للإعلان و من شخص أو جهة تختص بذلك ".
و قد أيدت هذا الموقف المحكمة العليا المصرية كما أقرته الجمعية العمومية للفتوى و التشريع عندما أكدت بأن ميعاد الطعن و التظلم يسري في القرارات التنظيمية من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية .
إلا أن محكمة القضاء الإداري ذهبت في بعض أحكامها إلى ما يخالف ذلك من خلال مساواتها بين الإعلان و النشر بما يمكن حلول إحدى الوسيلتين محل الأخرى .
و بهذا يكون كلا من مجلس الدولة الفرنسي و المصري و أيضا الجزائري قد إستقروا على مبدأ نشر القرارات التنظيمية ، إلا أنه قد تبين وجود نوع ثالث من القرارات الإدارية لا هو بتنظيمية و لا بفردية بل وسيط بين النوعين وهو القرارات الجماعية أو الطائفية, مثل صدور قرار يخاطب ملاك العقارات بمنطقة معينة و بالتالي يمكن للإدارة المعنية تحديدهم و حصرهم ليس مثل التنظيمية, و لكن ليس بالاسم مثل الفردية .
لدى ذهب القضاء في كل من فرنسا و مصر إلى ضرورة تبليغها إلا أنه ظهرت مشكلة أخرى وهي إمكانية ظهور أشخاص تتأثر مراكزهم القانونية منها ، لدى رأى مجلس الدولة في كلا البلدين اللجوء لنشرها .
و قد كان للقضاء الفرنسي تطبيقات في هذا الصدد من خلال حكمه الصادر في 12/01/1934 و الذي قضى فيه بأن " الإعلان الملصق الذي تم إجراءه في قرية "vendon " بتاريخ 30/11/1929 للقرار الصادر في 22/11/1929 بتحديد المجال النهري في نهر "gironde" ,يشكل نقطة بدأ ميعاد الطعن ضد القرار في مواجهة الملاك الغير مسجلين في سجل المساحة و غير المعروفين للإدارة حتى يوم 22/11/1929 .و لذا كان على الإدارة أن تقوم بإعلان السيدة "La coste "بقرار التحديد .
أما بالنسبة للنشر السليم الصحيح فلابد أن يتوافر فيه شرطان :
- لابد أن يجري النشر وفقا للنص إن وجد فيجب في هذه الحالة إحترام الشكل و الشروط و الإجراءات التي تنص عليها ,مثل وجوب نشر القرارات الصادرة عن السلطات المركزية في فرنسا بالجريدة الرسمية ,و الأمر ذاته في مصر فالقاعدة الساري العمل بها ضرورة الأخذ بالوسيلة التي تنص عليها النصوص القانونية للنشر إن وجد ,مثل نصها على وجوب اللصق في أماكن معينة .
إلا أن ذلك لا يمنع من خلافها فقد تلجأ الإدارة إلى طرق أخرى للنشر غير تلك التي ينص عليها القانون ,ومن ثمة تصبح هذه الطريق الجديدة واجبة الإتباع بخصوص ما صدرت بشأنه بشرط ألا تكون متعارضة مع طريقة النشر التي نص عليها القانون .
- كما يجب أن يكشف هذا النشر على مضمون القرار ومحتواه من خلال تضمينه جميع البيانات الضرورية, فلا يكون مجرد تنبيه لذوي الشأن ، بل يمكنهم من الإطلاع على مدى مشروعيته حتى يقرروا الطعن فيه من عدمه .فقد ذهب القضاء الإداري في فرنسا إلى إعتبار النشر الذي يكون فقط ملخص للقرارات كأنه لم يكن و ذلك لأجل توفير حماية كافية للأفراد المخاطبين بها .
أما في مصر فقد إشترط أن يكون النشر كافي نافي للجهالة و يكشف عن مضمون القرار بدقة .


المطلب الثالث: وســائــــل الإعـــلان القــضــائــيــة
و هي نظرية العلم اليقيني ,و يقصد بالعلم اليقيني وصول القرار الإداري إلى علم الأفراد بطريقة مؤكدة عن غير طريق الإدارة المصدرة له ، علما شاملا لجميع عناصر القرار و التي يمكن صاحب الشأن من تحديد موقفه منه بالقبول أو الرفض و بالتالي اللجوء للتظلم الإداري و القضائي ضمن المواعيد المحددة قانونا (1).
و نظرية العلم اليقيني لا تقوم على فكرة الظن أو الاحتمال, بل على التأكيد و القطع و الجزم فتزيل بذلك كل شك على أن المعني لم يصل إلى علمه مضمون القرار .
و هذه النظرية أتى بها القضاء الفرنسي و الذي حرص كثيرا على ضبط شروطها و أحكامها لشدة تأثره بها ,إلا أنها لم تلقى إجماعا من قبل الفقه سواء في فرنسا أو مصر بل لقيت انتقادا شديدا خاصة من جانب بعض الفقهاء (2).
أما القضاء و المشرع الجزائري فقد استبعدوا الأخذ بهذه النظرية بل اكتفوا بالتبليغ في القرارات الفردية و النشر في التنظيمية دون العلم اليقيني ، و قد يكون بذلك المشرع و القضاء الجزائري قد وفر حماية أكبر للمخاطبين بالقرارات الصادرة عن الإدارة الجزائرية و دليل ذلك مضمون المادة 829 من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد التي لم تشر إليها كوسيلة و طريقة للإعلان . إلا أن ذلك لا يمنعنا من دراستها لما لها من أهمية في الفقه و القضاء و التشريع المقارن و الذي يرى أن النشر و التبليغ وسيلتان للعلم بأعمال الإدارة ,و لكن ذلك لا يعني أبدا أن هذه الغاية لا تتحقق من دونهما بل يوجد ثالث وهو العلم اليقيني .
فيكون العلم بهذه الطريقة باجتهاد صاحب الشأن و بالسعي الفردي له ، فقد يكون علمه مصادفة أو عن طريق شخص آخر, أو باتخاذ الإدارة إجراء ما في مواجهته قبل تبليغه أو
نشره ,لكن هذا العلم لا يكون يقينيا إلا إذا ظهر الدليل على ذلك أو قرينة أو واقعة مثل تقدمه بتظلم ضد هذا القرار ,و الذي يشرح فيه مضمونه بكل تفصيل أو يقوم بتنفيذه فهذا دليل على علمه به و بمضمونه ، و بالتالي فلا بد من إثبات ذلك أمام القاضي الإداري و إلا

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
عد علما ظنيا أو إفتراضيا .
فإذا قامت الإدارة بعد ذلك بالنشر أو التبليغ بذات القرار فإنه يأخذ بالعلم اليقيني لأنه الأسبق(1).
و حتى نكون أمام العلم اليقيني لابد من توافر مجموعة من الشروط, أولها لابد من حصول العلم بغير النشر أو التبليغ و ذلك لأي سبب كان مثل : الإهمال ، النسيان ، كثرة الأعمال فإذا سلكت غيرهذين الطريقين في الحالات التي يوجب عليها القانون ذلك لا نكون بصدد فكرة العلم اليقيني .
كذلك لابد أن يكون علم المعني بالقرار قطعيا لا ظنيا كما سبق الإشارة إليه و اسمها خير دليل على مضمونها ,و أخيرا لابد أن يشمل العلم جميع عناصر و أجزاء القرار فإذا كان العلم يقتصر على جزء منه فقط نكون بصدد علم جزئي لا كلي و شامل .
و هذا ما أكدته المحكمة العليا بمصر في إحدى قراراتها بقولها " قد جرى قضاء المحكمة على أن العلم اليقيني الذي يبدأ منه سريان ميعاد رفع دعوى الإلغاء هو العلم اليقيني الذي يبدأ منه سريان ميعاد رفع دعوى الإلغاء هو العلم بالقرار, و بكافة عناصره علما يمكن الطاعن من تحديد مركزه القانوني بالنسبة للقرار المطعون فيه و من تم يحدد الطريق للطعن فيه " (2).و بالتالي فإثبات العلم و توافر جميع شروطه التزام يقع على عاتق الإدارة مصدرة القرار و هذا أمر صعب عليها و ليس بالهين ، لدى فالأصل لها هو النشر و التبليغ في حالة وجوبها لتجنب أية إشكالات لاحقة .
في آخر حديثنا عن نظرية العلم اليقيني سوف نتطرق إلى موقف كل من القضاء المصري و الفرنسي و الجزائري .
بالنسبة للقضاء الإداري المصري فقد أحست محكمة القضاء الإداري بأن هذه النظرية بما تحمله في صورتها القديمة من مرونة في طياتها, تشكل خطرا كبيرا على حقوق الأفراد
الأمر الذي دفع بها إلى محاولة التضييق من حدود تطبيقها .وذلك بالقول أن هذه الطريقة وإن كانت تقوم مقام التبليغ والنشر فإنها لا تغني عنهما إلا في حالات استثنائية يكون

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
فيها الطاعن في مركز يسمح له بالعلم بمحتويات القرار وتفاصيله(1).
أما القضاء الإداري في فرنسا فقد مرت هذه النظرية بتطور كبير حتى يكاد يصل إلى إنكارها, ففي البداية كان مجلس الدولة يقبل اعتراف ذوي الشأن بعلمه بالقرار وكذا الاستناد إلى أية قرينة يستشف منها علم صاحب الشأن به ,وعند هذا الحد كان المجلس يطبق النظرية ويقضي بذلك ببدأ سريان ميعاد الطعن فيه أولا طبقا للوقائع والقرائن التي يتضمنها الملف المعروض عليه .ولقد كان ميعاد الطعن في القرار بالنسبة للإدارة يبدأ من يوم وصول القرار إلى حوزتها ويثبت ذلك بكل الوسائل ,ولكن منذ 1991 عدل عن هذا القضاء وسلك مسلكا آخر يتميز بالتشدد جاء فيه أنه لا تطبق هذه النظرية ما لم يكن العلم اليقيني يستند إلى النشر أو الإعلان وبذلك لا يبدأ حساب ميعاد الطعن .
وقد فسر الدارسون والملاحظون موقف القضاء الفرنسي أنه يهدف إلى كفالة مصلحة الأفراد وحماية حقوقهم وعدم إهدارها, أو لأسباب عملية وهي انتشار وسائل النشر والإعلان بدرجة تغني عما عداها.ومنه فالحاصل حاليا هو أن مجلس الدولة الفرنسي لم يعد يقر فكرة العلم اليقيني إلا في أضيق الحدود وضمن حالات تكاد تكون محدودة ، فلم يعد يقبل مثلا اعتبار صاحب الشأن عالما بالقرار لم يعلن به رغم انقطاع راتبه الشهري فذلك حسب موقفه لا يحل محل الإعلان .
وبصفة عامة لقد أصبحت هذه النظرية شبه مهجورة في القضاء الفرنسي ، بسبب التضييق المستمر من نطاق تطبيقها وحصرها في حالات معدودة منها على سبيل المثال علم أعضاء الهيئات والمجالس بالقرارات التي تصدر في الجلسة التي شاركوا في مداولاتها وبالتالي فميعاد الطعن يسري لهؤلاء من اليوم الذي تمت به الجلسة .
وأيضا رفع الدعوى الولائية دليل على علم صاحب الشأن بالقرار محل الطعن والمذكرة التي تم توقيعها ,كعقد للتطوع في الخدمة العسكرية بإدارة تموين الجيش في حضور صاحب الشأن تعتبر إعلان في مواجهته (2).
في الأخير نخلص إلى موقف القضاء الجزائري والذي ذهبت فيه الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 11/04/1993 حول قضية والي الجزائر و " ز . م "
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
والتي وصلت فيها إلى عدم الاعتداد بفكرة العلم اليقيني مسببة قرارها بقولها " حيث أنه
وحينئذ فإن النظرية التي أسسها الاجتهاد القضائي والمتعلقة بالعلم اليقيني ,يجب تطبيقها
بشكل محدد جدا وبتقديم الدليل الذي لا يمكن رفضه والذي يثبت رسميا بأن المعني قد علم بلا منازع القرار الإداري المطعون فيه .
حيث أنه في دعوى الحال فإن مجرد وجود الحكم الصادر عن محكمة بئر مراد رايس لا يمكن أن يشكل الدليل على علم الطاعن بالمقرر المطعون فيه ، إلا في الحالة التي يقدم فيها الدليل على تبليغ هذا الحكم للطاعن مثبتا بذلك بشكل رسمي على الطاعن علمه بالقرار المطعون فيه " (1).
ومن خلال هذا القرار للمحكمة العليا لم تستبعد مطلقا فكرة العلم اليقيني بل أن واقعة العلم اليقيني غير مؤكدة في هذه القضية ، الأمر الذي يدفعنا للقول أن القضاء الإداري في الجزائر لم ينف الأخذ بهذه النظرية ولكن كل ما في الأمر أنه تشدد في ضرورة توافر شروطها لأجل الأخذ بها .
وفي قرار لمجلس الدولة صادر بتاريخ 28-06-1999 بين بلدية حمر العين وبودور محمد والتي جاء في حيثياته "....حيث أنه قانونا وعملا بالإجتهاد المستقر عليه في الغرفة الإدارية سابقا للمحكمة العليا ولمجلس الدولة حاليا,فان آجال الطعن ضد قرار إداري لا تجري إلا بعد التبليغ الرسمي للمعني بالأمر ,وعليه فان فرضية علمه أثناء سير دعوى ما لا يعتد به لعدم الدقة ولعدم الإلتزام بالنص القانوني ,وعليه فان هذا الوجه غير مأخود به(2).
فبعد مجيء مجلس الدولة تبنى هذه النظرية من خلال قراراته رغم الجدل الكبير الذي رتبه بين مؤيد ومعارض على المستويين الفقهي والقضائي (3) .أين ذهب في قرار له عن الغرفة الرابعة بتاريخ 23/10/2000 تحت رقم 620 والذي تتلخص وقائعه في أن المدعوة حمودي طعنت في القرار الصادر عن وزير الشباب والرياضة المؤرخ بتاريخ 16/03/1965 ,وذلك بموجب عريضة مسجلة في كتابة ضبط المجلس بتاريخ 15/07/1998 والتي دفعت في قضيتها أن القرار محل الطعن لم يبلغ لها على الإطلاق
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
وأجابها الوزير بموجب مذكرة جوابية أنها على علم بالقرار, وذلك بمناسبة قضية معروضة أمام محكمة سيدي أمحمد التي تجمعها بشخص آخر في جوان 1997, وأنها لم تطعن فيه ضمن الأجل القانوني والذي أقرت به "حمودي" نفسها . وقد صدر الحكم عن محكمة سيدي محمد في 18/11/1997 مما يعني أن المدعية تعلم بالقرار الإداري قبل تاريخ صدور الحكم ,مما جعل المجلس يقرر عدم قبول الدعوى وبالتالي فعلمها كان قطعيا ومؤكدا لا احتماليا وقد تمسك بهذه النظرية في قرار آخرله بتاريخ 2000 .




















الفصل الثاني :الإعـــلان وأثــــره في نـــفــاد الــقرارات الإداريـــة
إذا كانت القاعدة في نفاد القرارات الإدارية هو وجوب إعلانها للمخاطبين بها بالتبليغ أو النشر أو حتى بالعلم اليقيني لمن يأخذ به ,فهذه القاعدة لا تأخذ على إطلاقها لوجود صنف من القرارات يخرج عنها مع ترتيب أثرها ونفادها ,وهذا ما سوف نتناوله في مبحث أول.وإذا كانت الإدارة ملزمة بهذا الإعلان لأن القانون يفرض عليها ذلك من جهة ومتطلبات دولة القانون من جهة أخرى لجعل العلاقة شفافة بين الإدارة والمواطن ,فكثير هي الحالات إن لم نقل الغالب منها التي نجد فيها الإدارة تحيد عن إلتزامها وتقصر في مهامها بإصدارها قرارات دون إعلامها للمخاطبين بها,مما يطرح إشكالات كبيرة وتجاوزات خطيرة وإهدار حقوق الطرف الضعيف في العلاقة وهو المواطن ,الأمر الذي يدفع التشريع والقضاء لإيجاد حلول وإجراءات وقائية وهذا ما سوف نتناوله في مبحث ثاني.
المبحث الأول : الـقـرارات الإداريـة غـيـر الـقـابـلـة لـلإعـلان
إن القاعدة في مجال القرارات الإدارية الفردية أو التنظيمية كما سبق القول تقوم على الإعلان حتى تكون نافذة في مواجهة المخاطبين بها ،إلا أن هذه القاعدة لا تؤخذ على إطلاقها إلا أنه ترد عليها استثناءات تختلف باختلاف مبررها ,تجعل صنف من القرارات لا يخضع لنظام الإعلان والشهر دون أن يرتب ذلك التزاما أو تقصير من جانب الإدارة .وفي هذا الإطار نجد نوعين من القرارات نتناول قرارات الرفض الضمنية في مطلب أول ثم في مطلب ثاني نتطرق إلى القرارات التي لا تقبل الإعلان بطبيعتها .
المطلب الأول : قـرارات الـرفـض الضـمـنـيـة
الأصل أن الإدارة في حالة توجيه طلب إليها من قبل أحد الأشخاص حول مسألة معينة فلا بد عليها من الرد بالقبول أو الرفض ، إلا أنه في بعض الحالات تتخذ موقف سلبي فيرتب بذلك هذا النوع من القرارات التي تنجم عن سكوتها لمدة معينة .
فسكوت الإدارة عن الرد الصريح وانقضاء الأجل القانوني في ذلك يعد قرارا ضمنيا برفض الاستجابة إلى الطلب المعروض أمامها .
ولقد اختلفت التشريعات المقارنة في معالجتها لهذا النوع من القرارات من خلال تمايزها في تحديد المدة الكفيلة بجعل سكوت الإدارة دليل على رفضها الضمني .
ففي فرنسا مثلا لم يكن هناك ميعاد محدد بدقة للطعن فيها حتى صدرت التشريعات المنظمة لذلك، الأمر الذي كان يشكل عائقا كبيرا أمام ذوي الشأن في تحديد آجال الطعن فيها وتظل المراكز القانونية الناشئة عنها غير مستقرة أو واضحة ،بل أنه في كثير من الأحيان لايكون الفرد متعلما واعيا بالدرجة الكافية التي تجعله يعرف بهذا النوع من القرارات بل أنه يبقى ينتظر مدة غير محدودة الأجل رد الإدارة ، الأمر الذي يعرضه إلى فوات آجال الطعن فيها ويهدر بذلك حقه والامتياز الذي منحه إياه القانون, وهي إحدى سلبيات هذا النوع من قرارات الإدارة .
وقد صدر أول تشريع منظم للطعن في هذه القرارات في فرنسا سنة 1940 الذي نص في أحكامه على مدة سكوت الإدارة عن الرد, و هي أربعة أشهر من تاريخ تقديم الطلب إليها وبذلك فمن حق مقدم الطلب الطعن في القرار الضمني بالرفض بعد مضي هذه المدة .
و رغم صدور هذه النصوص القانونية إلا أنها لم تقضي على العيوب التي تميز هذا النوع من القرارات لما فيها من ثغرات تؤدي إلى المساس بحقوق الأفراد, وتهدد بضياعها خاصة إذا كان الفرد حسن النية ويتلقى وعود شفوية من الإدارة بأنها سوف تبت في طلبه قريبا بقرار صريح ،مما يدفعه إلى الركون لهذه الوعود وبعدها ينصدم بالواقع المر وهو أن الإدارة لم تف بوعودها ومواعيد الطعن انتهت فلا تقبل بذلك دعواه أمام القضاء .
مما جعل المشرع يصدر القانون رقم 557 بتاريخ 1956 والذي أعاد فيه تنظيم مواعيد الطعن فيها ، فبالنسبة لدعوى الإلغاء ميعاد الطعن في القرار الضمني هو أربعة أشهر تبدأ من تاريخ تقديم صاحب الشأن طلبه للإدارة .
أما في دعوى القضاء الكامل فقد أبقى على ذات النظام الذي كان ساري المفعول في قانون 1940 والذي كان يقضي بعدم وجود ميعاد للطعن في القرار الإداري الضمني ، إلا أن هذا الميعاد يسري من تاريخ الإعلان إذا صدر من الإدارة قرار صريح بالرفض وأعلن إلى صاحب الشأن .
أما في مصر فينص قانون مجلس الدولة لسنة 1959 على أنه في حالة تقديم تظلم إلى السلطات الإدارية المختصة ولم تجب هذه الأخيرة خلال مدة ستين يوما فذلك يعد بمثابة رفض ،وبذلك يكون ميعاد رفع دعوى الطعن في القرار الخاص بالتظلم هو ستين يوما تسري من تاريخ انقضاء الستين يوما الأولى المذكورة ,لكن إذا أجابت الإدارة صراحة بالرفض للتظلم قبل فوات ستين يوم يسري ميعاد الطعن في هذه الوضعية من تاريخ إعلان القرار الصريح بالرفض ,وهذا ما نصت عليه المحكمة الإدارية في إحدى قراراتها بقولها "أنه على مقتضى المادة 22 من القانون 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة إذا لم يكن القرار الحكمي برفض التظلم قد تحقق بفوات الستين يوما المحددة لفحص التظلم ,فإن أجابت السلطات المختصة قبل فواته بقرار صريح بالرفض وجب حساب الميعاد من تاريخ
إعلان هذا القرار الصريح بالرفض لأن هذا الإعلان هو الذي يجري سريان الميعاد قانونا".
و في لبنان اعتبر المشرع أن سكوت السلطات الإدارية وعدم ردها على ما طلب منها قرار ضمني بالرفض بفوات الأجل المحدد قانونا وذلك بنص المادة 68 من المرسوم رقم 10434 " ... إذا لم تجبه السلطة على طلبه خلال مدة شهرين اعتبارا من تاريخ استلامها الطلب المقدم منه ،اعتبر سكوتها بمثابة قرار رفض ضمني ...." (1).
أما المشرع الجزائري فلم يحد عن ما ذهب إليه القضاء المقارن في أخذه بهذا النوع من القرارات وقد أعتبر أن عدم رد الإدارة الموجه لها طلب من قبل أحد الأفراد قرار ضمني بالرفض ، وخير مثال على ذلك هو سكوت الإدارة في الرد عن الطعن في القرار الإداري الصادر عنها وهو ما يطلق عليه بالتظلم الإداري المسبق(2) ,قبل اللجوء للقضاء و الذي نص عليه في المادة 275 من قانون الإجراءات المدنية أين يرفع أمام السلطة المصدرة له أو السلطة التي تعلوها مباشرة .
وجاء المشرع ليوضح نتائج سكوت الإدارة عن الرد عن التظلم بقوله " إن سكوت السلطة الإدارية مدة تزيد عن ثلاثة أشهر في الرد على طلب الطعن التدريجي أو الإداري يعد بمثابة رفض له ، وإذا كانت السلطة الإدارية هيئة تداولية فلا يبدأ ميعاد الثلاثة أشهر في السريان إلا من تاريخ قفل أول دورة قانونية تلي إيداع الطلب " وذلك بنص المادة 279 من قانون الإجراءات المدنية القديم .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
وبالتالي فيكون ميعاد رفع الطعن أمام مجلس الدولة هو شهرين من تاريخ انتهاء هذا الميعاد طبقا للمادة 280 ، وإن كان في هذه الحالة يكون إثبات المتظلم أنه رفع تظلم للإدارة صعب لأنها لا ترد عليه وبالتالي لا يوجد دليل مادي بيده يمكنه من إرفاقه بعريضة دعواه أمام القضاء الإداري, لدى يلجأ مثلا إلى وصل البريد وغيره (1)هذا حسب القانون القديم.
أما قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد فقد تناول مسألة التظلم الإداري المسبق فتنص المادة 830 منه بقوله " يجوز للشخص المعني بالقرار الإداري ,تقديم تظلم إلى الجهة الإدارية مصدرة القرار في الآجال المنصوص عليها في المادة 829(2) .
يعد سكوت الجهة الإدارية المتظلم أمامها عن الرد ،خلال شهرين بمثابة قرار بالرفض ويبدأ هذا الأجل من تاريخ تبليغ التظلم .
وفي حالة سكوت الجهة الإدارية ، يستفيد المتظلم من أجل شهرين لتقديم طعنه القضائي الذي يسري من تاريخ انتهاء أجل الشهرين المشار إليه في الفقرة أعلاه ".
ونص هذه المادة دليل على أن المشرع الجزائري لازال على موقفه في أخذه بالقرارات الضمنية حتى في القانون الجديد و في ذلك حماية للأفراد من تعسف الإدارة ، كما أشار في الفقرة الأخيرة من ذات المادة على أنه يثبث هذا التظلم بكل الوسائل المكتوبة والذي يرفق بعريضة الدعوى .
وبالتالي نصل في نهاية حديثنا عن قرارات الرفض الضمنية أنها لقت اعترافا من قبل أغلب التشريعات المقارنة وأيضا الجزائري لما لهذا الاعتراف من أهمية كبيرة بالنسبة للمتعاملين مع الإدارة والذين يشكلون الطرف الضعيف ,والذي لا يجد حماية له إلا في القانون لأن خصمه هو صاحب امتيازات كبيرة قد يسيء استغلالها من خلال تصفية الحسابات و المحسوبية و البيروقراطية و التهاون في أداء الوظيفة ، لدى فاعتراف أغلب التشريعات بهذا النوع من القرارات ووضع أجل لرد الإدارة وإلا يعتبر سكوتها رد بالرفض وبالتالي وضع حد لتماطلها وعدم اكتراثها بالمصالح المتعطلة للأفراد ,حماية ومكسب
كبيرين للمخاطبين بهذه القرارات ,وخاصة رافعي التظلم المسبق وقد نصل في يوم ما إلى
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
اعتبار السكوت قبول بالتظلم حتى ندفع بذلك الإدارة المختصة إلى البث فيما يرفع لها من تظلمات بقرارات صريحة وواضحة وفي أقرب الآجال .
المطلب الثاني : قـرارات لا تـقـبـل الإعـلان بـطـبـيـعـتـها
فظلا عن قرارات الرفض الضمنية والتي تعد الاستثناء الأول على القاعدة فـي الإعـلان ,نجد أيضا نوع ثاني وهي التي لا تقبل الإعلان والنشر بطبيعتها.
إن أول من تطرق لهذا النوع وكشف عن طبيعتها هو مجلس الدولة الفرنسي ، وذلك من خلال ما سمحت له الفرصة في الدعاوى القليلة التي عرضت عليه في هذا النوع ،والتي انطلاقا منها وضح طبيعتها وحدد شروطها ونتائجها وأحكامها ,ومن بين الأحكام الشهيرة الصادرة عنه في هذا الشأن الحكم الصادر في 23 ماي 1952 ,وكذا الحكم الصادر في 15 ماي 1953,الذي يمكن من خلالهما المجلس تقديم لأول مرة شكلا جديدا من القرارات الإدارية وتكاد وقائع الحكمين المذكورين تتشابه إلى حد كبير, ماعدا بعض الفروق القليلة بحيث في كلاهما صدر قرار من المحافظ بقبول أحد الأطفال في مؤسسة المساعدات العامة للطفولة ,ثم بعد ثلاث أو أربع سنوات تقدم أحد الأشخاص للمطالبة بهذا الطفل الأمر الذي دفع مجلس الدولة إلى إرساء قاعدتين في هذين الحكمين:
- أن قرار المحافظ الذي وافق من خلاله على إلحاق الطفل بمؤسسة المساعدات العامة قرار غير قابل للنشر أو الإعلان بسبب طبيعته ,لأن في نشره مخالفة للقانون وبالضبط نص المادة 11 من القانون الصادر في 15- أبريل- 1943 والمتعلق" بتقديم الأطفال بطريق الهجر السري" ,هذا من جهة ومن جهة أخرى فالإعلان هنا يطرح افتراضين ففي حالة الشخص الذي يرفض الإفصاح عن هويته عند تقديم الطفل إلى المؤسسة ,ففي هذه الحالة القرار الذي يصدر بالموافقة على إلحاق الطفل بالمؤسسة لا يمكن إعلانه, أما في حالة الشخص الذي يفصح عن شخصيته وصفته ورابطة قرابته بالطفل فهنا إذا لم يحدث إعلان إقرار القبول بالطفل لهذا الشخص يعد سببا من أسباب إهدار سلطة هذا الشخص على الطفل.
- أما القاعدة الثانية فهي أنه عند وجود قرار غير قابل للنشر بسبب طبيعة ،فميعاد الطعن ضد هذا القرار لا يبدأ في السريان بالنسبة لأصحاب الشأن إلا من التاريخ الذي يتأكد علمهم به, وذلك من خلال الإشارة إليه في قرار رسمي أخر يتأكد علمهم به عن طريقه مثل وروده بحكم قضائي .وقد ورد مثال على ذلك في قضية "Rogé" في فرنسا عندما أعلن الحكم المستأنف أن القرار الذي صدرعن المحافظ مشروع بإلحاق الطفل بمؤسسة المساعدة العامة للطفولة ،وبالتالي فمن تاريخ إعلان هذا الحكم إلى المدعي يبدأ ميعاد الدعوى القضائية في مواجهته وقد تكررت ذات القاعدة في قضية "Dastillon" ,أين رفضت المحكمة طلب الزوجين بإعادة الطفل من المؤسسة وكانت المحكمة آنذاك إستندت إلى قرار المحافظ بقبول الطفل ,فاستأنف الزوجان ذلك الحكم المستأنف بوجود القرار الصادر عن المحافظ وبالتالي يعتبران عالمان بالقرار من تاريخ إعلانهما بالحكم, لوروده بمضمونه وكذا منه يبدأ حساب مواعيد الطعن فيه. وبالتالي فمجلس الدولة الفرنسي من خلال هذين الحكمين أقر مبدأ قضائي جديد، عندما إستحدث صيغة جديدة إلى جانب صيغ العلم بالقرار الإداري وهي "العلم العرضي اليقيني بالقرار"،وهذا العلم يتأتى عن طريق القرار الرسمي والذي يتمثل في الحكم القضائي الذي إعتبر المجلس أن إعلانه يمثل نقطة البدء في سريان ميعاد الطعن في هذا القرار. ومن هنا يكون القضاء الإداري في فرنسا قد وضع حل للإشكالات التي يمكن أن تثيرها هذا النوع من القرارات في العلم بها ، وبدأ مواعيد الطعن بما يحافظ على مبدأ المشروعية والشفافية بين الإدارة والمتعاملين معها .
أما المشرع الجزائري نص في المادة 11 من المرسوم 88/131 على أنه لا يجوز للإدارة نشر أوتسليم الوثائق التي تتعلق بالحياة الخاصة أو الوضعية الشخصية مالم ينص التنظيم على خلاف ذلك أو بموافقة المعني .
المبحث الثاني : أثـار الـقـرارات الإداريـة غـيـر المـعـلـنـة
لقد تطرقنا في ما سبق إلى كل ما يتعلق تقريبا بالقرار الإداري من تعريف وأركان وخصائص وأنواع ،ثم انتقلنا لنخوض في صلب موضوع دراستنا وهو الإعلان فإذا كان الشخص العادي يرى في هذا الموضوع أنه بسيط ,فالأمر يختلف بالنسبة للدراس من جهة وللفرد الذي كانت له تجربة مع الإدارة في هذا الموضوع من جهة أخرى, فالأمر لايقف عند مجرد قرار صادر عن سلطة إدارية مختصة من الناحية الزمانية والمكانية والشخصية بل يتعدى ذلك بكثير فالأمر يتعلق بحقوق ومراكز قانونية لابد من إحترامها وحمايتها والمحافظة على استقرارها.
لذي فالإشكال ليس في صدور قرار في حد ذاته بل في كيفية تبليغه وهو ماسبق تناوله ،إلا أن الأمر الأكثر أهمية في الحقيقة هو أثار عدم نشر هذه القرارات وماترتبه من صعوبات للمخاطبين بها, لدى سوف نتناول في هذا المبحث الثاني أمور أكثر عملية وذلك بدراسة أثار عدم النشر في مواجهة الإدارة في مطلب أول وفي مواجهة الأفراد في مطلب ثاني ،ونخلص في المطلب الثالث إلى الصعوبات العملية المترتبة عن ذلك،ومنه فالمقصود بأثر القرار الإداري غير المعلن هو البحث في ما مدى نفاده في مواجهة الأفراد والإدارة.
المطلب الأول: أثـاره بـالـنـسـبـة لــلإدارة
لقد أثارت مسألة الاحتجاج بالقرار الإداري غير المعلن في مواجهة الإدارة خلاف فقهي كبير ،الأمر الذي أدى إلى انقسام الفقه إلى قسمين متباينين لكل حجته ودلالته لكن إقتصر الخلاف على القرارات الإدارية التنظيمية دون الفردية .
* الاتجاه الأول: يذهب هذا الاتجاه إلى أن القرار التنظيمي يلزم الإدارة المصدرة له منذ صدوره وحتى قبل إعلانه للمخاطبين به ،ويبررون موقفهم هذا بأن القرار الإداري يكتمل بتوقيعه مفرقين بذلك بين صحة القرار في حد ذاته وبين الاحتجاج به في مواجهة الأفراد . فهم يعتبرون القرارات الإدارية تصرفات قانونية لا تنشأ أو تتكون إلا بتوافر أركانها القانونية وهي السبب ,الاختصاص ,الإجراءات ,الشكليات ,الهدف والمحل وبالتالي فمتى توافرت هذه الأركان يعد قرار سليم وصحيح مند توقيعه . وهذا هو الاتجاه الغالب فقها وقضاءا في فرنسا ومصر والذي سار الدرب على العمل به فنجد الأستاذ "لوبادير" يقول في هذا الصدد "إن القرار الإداري يعتبر ساريا مند صدوره من السلطة الإدارية ,ولكن هذا القرار لا يجوز الاحتجاج به إلا من اليوم الذي ينقل إلى علم الأفراد بوسيلة من وسائل الشهر .
كما يرى الأستاذ "والين" "إن القرار الإداري ينتج أثره من اليوم الذي يصبح فيه مكتملا وحتى قبل إعلانه أو نشره ولكن إلى أن يتم هذا الإعلان أو النشر, فإن القرار لا يحتج به في مواجهة الغير فلا ينقص منهم حقا أو يلقي عليهم التزاما ".
وهو ذات الموقف الذي ذهب إليه القضاء في البلدين ,ففي هذا الصدد صدر حكم عن المحكمة الإدارية المصرية بتاريخ 1952 يقضي بأن الدستور عندما نص في سنة 1923 على عدم جواز العمل بالقوانين الصادرة إلا بعد نشرها, أمر يقتصر فقط على القوانين التي تصدرها السلطة التشريعية دون أن يمتد للقرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية عن طريق أجهزتها الإدارية حتى ولو تضمنت قواعد تنظيمية عامة ,مما يجعلها مندرجة في حكم القوانين ,ومنه فهي تنتج أثارها من تاريخ توقيعها من السلطات المختصة المصدرة لها و الإعلان لا يقصد منه إلا إبلاغ الغير بمضمونها حتى تكون حجة عليه (1).
وبالتالي فالقرار الذي تتوافر فيه هذه الصفات مند صدوره يكون بوسع الإدارة تنفيذه دون الحاجة لشهره ،ولكن بالقدر الذي لا يلحق ضررا بالأفراد المخاطبين به وهذا أيضا ما ذهب إليه قضاء مجلس الدولة الفرنسي, بأنه يمكن تعيين موظف في منصب ما قبل إعلانه القرار المنشئ للوظيفة ،كما يمكن تعيين أعضاء المجلس التأديبي قبل نشر القرار المتعلق بتشكيل لجنة المجلس شرط ألا تبدأ في أعمالها إلا بعد نشره , وقد رتب هذا الاتجاه على رأيه نتيجة هامة مضمونها أنه يجوز للأفراد التمسك بهذه القرارات في مواجهة الإدارة معللين ذلك بأنها تخضع لذات الأحكام السارية على القوانين والتي يمكن التمسك بها حتى قبل نشرها .
وفي هذا الإطار قال الأستاذ "ريفيرو" "إن القرار الإداري ينتج أثره بمجرد إصداره و تلتزم الإدارة منذ هذه اللحظة العمل بموجبه فيما يخصها ,و لكنها لا تستطيع أن تحتج بهذا القرار في مواجهة الأفراد إلا بعد علمهم به "(2) .
أما الدكتور" فؤاد مهنا" فسار على نفس النهج بقوله " إن القاعدة في هذا الشأن أن القرارات الإدارية سواء كانت تنظيمية أو فردية تعتبر ملزمة للسلطات التي أصدرتها من تاريخ إصدارها أي بمجرد التوقيع عليها ، و معنى ذالك أن هناك فترة قبل نشر القرار يمكن للإدارة خلالها أن تنفذه على ألا يرتب أثره في مواجهة الأفراد إلا بعد أن يعلموا به " .
و قد كان للدكتور سليمان الطماوي الموقف ذاته حيث قال " إن الإجابة بالإيجاب ( أي حق الأفراد في التمسك بالقرارات الإدارية الغير منشورة ) هي النتيجة المنطقية لقاعدة نفاد القرارات الإدارية منذ صدورها " .
*الاتجاه الثاني : يرى أصحاب هذا الاتجاه على خلاف الاتجاه الأول أن القرارات الإدارية التنظيمية لا يمكن للأفراد التمسك بها في مواجهة الإدارة إلا بعد إعلانها لهم , و يبررون موقفهم هذا بأن متطلبات حسن سير عمل الإدارة يقتضي وضع نقطة فاصلة بين التنظيم القديم الذي كانت تعمل به, ليحل محله التنظيم الجديد في مواجهه المخاطبين به و
الإدارة ,و لا يمكن الوصول لهذه النتيجة إلا بإحداث واقعة معينة و هي إعلان قراراتها الجديدة , فتزول بذالك القرارات و المراكز القانونية التي كانت قائمة من قبل, ليس بسبب صدور الجديدة و إنما بسبب الإعلان (1).
و بالتالي يشكل هذا الاتجاه استثناءا من الإجماع الذي لقاه الاتجاه الأول ,و يمثل فئة قليلة من القضاء الفرنسي و الذين يتزعمهم الفقيه اليوناني " ستاسينوس بولس" , و الذي إعتبر أن القرار الإداري لا يكون له أي وجود من الناحية القانونية إلا بعد إعلانه بقوله " إن القرار الإداري يظل مجرد واجهة نفسية لا أهمية لها من الناحية القانونية ,لا بالنسبة للإدارة و لا بالنسبة للأفراد إلا بالإعلان عنه أو شهره ".
أما الفقيه الفرنسي " دوبرو " فقد ذهب بقوله إلى أنه رغم استقرار القضاء الإداري في فرنسا على أن القرار الإداري يعد مكتمل و بالتالي نافدا مند توقيعه ، و يفسر ذالك بأنه إمتياز ممنوح للإدارة يطلق عليه "بإمتياز الأسبقية", إلا أنه يرى أن ذالك لا يمنع من القول أن القضاء بذلك يخالف قاعدة مستقر العمل بها وهي عدم رجعية القرارات الإدارية .
بل إن أصحاب الاتجاه الثاني ذهبوا لأبعد من ذلك بقولهم لا داعي للتميز بين صحة القرار الإداري والاحتجاج به في مواجهة المخاطبين به كما فعل الاتجاه الأول ,ودعوا إلى وضع حد لهذا التمييز وبالتالي للإشكالية التي تثيرها وتؤدي للاختلاف معهم من خلال جعل الإعلان شرط وركن من أركان صحة هذا القرار, فيكون بذلك عدم إعلانها سبب من أسباب عدم صحتها مضيفين بذلك عيب جديد من عيوب القرار الإداري، وبهذا تكون موازنة بين حسن سير الإدارة من جهة وحماية حقوق ومصالح الأفراد من جهة ثانية(2). ونلاحظ من خلال موقف فقهاء هذا الاتجاه أنهم لا يضعون اختلاف بين القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية والقرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية بواسطة هياكلها وهيئاتها ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
الإدارية المختلفة ،ففي كلاهما قواعد عامة ومجردة موجهة لعدد غير محدد من الأشخاص وبالتالي تسري عليها ذات الأحكام ,فلا يمكن الاحتجاج بها في مواجهة الإدارة قبل إعلانها لذوي الشأن هذا بالنسبة للقرارات التنظيمية ,أما القرارات الفردية فالأمر جد مختلف ،حيث يكاد الفقه يجمع على حق الأفراد في التمسك بها حتى قبل إعلانها في مواجهة الإدارة .
مبررين ذلك بأنه لا قيمة للاحتجاج به في مواجهة الفرد إذا لم يتمكن هو من التمسك
بالفائدة التي يرتبها , وبالتالي يجوز مثلا لموظف ما التمسك بكافة الحقوق والامتيازات التي توفرها له ولا يجوز للإدارة سحبه و إلا اعتبرت مست بحقه وهو الموقف الذي أخد به القضاء الإداري في فرنسا , أين اعترف للفرد من خلال قراراته بالحق الكامل في الاحتجاج بالقرارات الفردية التي يخاطبون بها قبل تبليغهم بها من تاريخ صدورها .
وقد أفصح مجلس الدولة الفرنسي عن رأيه هذا لأول مرة في إحدى أحكامه الشهيرة وهي قضية "MATTEL " بتاريخ 1952,التي تتلخص حيثيات وقائعها في أن محافظ السين اصدر قرار بتاريخ 13/07/1948 بتعين الآنسة "MATTEL " في وظيفة بمركز الهاتف بقصر العدالة إلا انه لم يعلنه لها ، بعدها أعاد المحافظ إصدار قرار أخر بتاريخ 05/01/1999 يقضي فيه بإلغاء القرار الأول, و إصدار قرار في 31/01/1999 بتعين شخص آخر في ذلك المنصب محلها ,الأمر الذي دفع بالآنسة" MATTEL " إلى رفع دعوى أمام مجلس الدولة لإلغاء القرار الذي استجاب لها, مبررا ذلك بإمكانية أي شخص التمسك بالقرار الصادر لصالحه رغم عدم إعلانه به في مواجهة الإدارة , و بالتالي يمكن الاستفادة من الآثار والحقوق التي يرتبها لمصلحتهم.
أما في مصر فقد استقر القضاء والفقه كما سبق القول على حق الأفراد في التمسك بالقرارات الصادرة لفائدتهم حتى قبل إعلانها دون أن يميز بين الفردية والتنظيمية ، بل يخضعونها لذات الحكم.
أما في الجزائر فقد سار المشرع مع الاتجاه الذي يميز بين صحة القرار في حد ذاته ونفاده في مواجهة المخاطبين به ,بنص المادة 73 من المرسوم 88-131 حيث قال أنه يمكن للأفراد التمسك بقرارات غير معلنة في مواجهة الإدارة المصدرة لها مادامت تمس حقوقهم ومراكزهم القانونية مواكبا بذلك الاتجاه الراجح.
في الأخير وبعد أن تناولنا أثار القرارات الإدارية غير المعلنة في مواجهة الإدارة المصدرة لها سواءا كانت فردية ,والتي إجتمع الفقه بشأنها أنه يمكن للمخاطبين التمسك بها،والقرارات التنظيمية التي لا تتعلق بفرد بذاته بل تكون قريبة إلى القوانين من حيث عموميتها وتجريدها ،والتي اختلف حولها الفقه والقضاء المقارن وانقسم كما سبق القول إلى اتجاهين فمنهم من يأخذ بأنه يمكن التمسك بها في مواجهة الإدارة وإتجاه أخر يرى خلاف ذلك .
سوف نخلص في إطار حديثينا عن هذه النقطة إلى النتائج المترتبة على نفاذ هذه القرارات منذ صدورها وهي كالتالي :
- تلزم الإدارة بالقرارات الصادرة عنها حتى قبل إعلانها كما سبق الإشارة ,وبالتالي لا تستطيع العدول عنها إلا في حالات محددة كأن يكون معيب لا تتوافر فيه إحدى شروطه و أركانه فيكون معيب أو غير ملائم في نظر السلطات المصدرة له ،الأمر الذي يضطرها إلى التراجع عنه وفق الإجراءات القانونية المعمول بها .
- مشروعية القرارات تتحدد وقت صدورها ونفاذها ,وبالتالي وفقا للقواعد و الأحكام القانونية السارية ، ومنه لا يعتد بأي تعديل يمكن أن يطرأ عليها بعد نفادها (1)هذا من جهة ومن جهة أخرى يكون للإدارة إمكانية تنفيذ هذه القرارات لكن بشرط عدم المساس بمراكز الأفراد وحقوقهم حتى يثبت إعلانهم بها ,سواءا بالنشر أو التبليغ أو العلم اليقيني لمن يأخذ بها.
إلا أن الأفراد المخاطبين بهذه القرارات يمكنهم التمسك بها في مواجهة الإدارة منذ وقت صدورها من السلطة المختصة، وقبل إعلانها لهم والاستفادة من الآثار التي ترتبها والحقوق و المراكز التي تمنحهم إياها . إلا أن هذه القاعدة لاتأخد على إطلاقها، فلابد أن نميز بين القرارات البسيطة والقرارات المعلقة على شرط واقف أو فاسخ,(2)
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
تكون مرتبطة بها ونفادها متوقف على تحققها من عدمه ،وبالتالي ففي هذا النوع يكون من باب أولى عدم جواز إحتجاج الأفراد بها في مواجهة الإدارة قبل تحققها أو عدم تحققها(1).
المطلب الثاني :أثــــاره بــالــنســبـة لــلأفــــراد
إن القاعدة و الأصل كما سبق التطرق له وجوب إعلان القرارات الإدارية للإفراد المخاطبين بها سواءا عن طريق التبليغ في القرارات الفردية, أو النشر في الجماعية حتى يمكن الاحتجاج بها في مواجهتهم ,وبالتالي ترتب كافة أثارها بما تحملها من حقوق والتزامات .
ويعد هذا المبدأ من المبادئ الدستورية الأساسية التي تقررت لحماية مصلحة الأفراد لدى حرصت أغلب الدساتير على النص عليه ,وتكون الخطوة الأولى في تنفيذها هذا في الحالات العادية ,إلا أن هذا الوضع لا يأخد على إطلاقه فكثيرا هي الحالات التي لا يتم فيها إعلام المخاطبين بهذه القرارات بمضمونها وبوجودها حتى.
وفي حقيقة الأمر لقد اختلف الفقه و القضاء في نظرته لهذه المسألة ,و انقسم إلى اتجاهين لكن هذا الخلاف ليس هو ذاته الذي عرفه الفقه الفرنسي حول نفادها في مواجهة الإدارة و إمكانية تمسك المخاطبين بها, فلم يستطع الذهاب في ذات السياق فيما يخص نفاذها في مواجهة الأفراد .
*الاتجاه الأول: وتزعمه الفقه والقضاء الفرنسي أين أقر بأن القرار الإداري هو قرار سليم من حيث كافة أركانه وشروطه حتى قبل إعلانه للأفراد الموجب إليهم مادام مطابق لما ينص عليه القانون والتنظيم المعمول به, ومادامت الإدارة هي من أصدرته فهو نافد في مواجهتها ويمكن للإفراد التمسك به إلا انه بالمقابل لا يمكن التمسك به في مواجهتهم إلا من تاريخ إعلامهم به .
وقد أطلق الفقه في فرنسا على هذا النوع من القرارات بالقرارات الخفية لكونه مجهول بالنسبة للمخاطبين به ،فمنذ صدوره يظل بحوزة الإدارة ويستمر على ذلك الوضع من دون كيان خارجي ملموس رغم صحة وجوده القانوني(1) .
ولازال هذا الاتجاه هو الراجح فقها و قضاءا في كل من فرنسا ومصر رغم شدة الانتقادات الموجهة إليه . ويتمثل مبدأ هذا الرأي في أن القرار السليم الصادر من ذوي الاختصاص يكتسب صحته ووجوده دون تعليق ذلك على شرط إعلانه بالنشر أو التبليغ, لأن الإعلان هي مجرد واقعة مادية لاحقة لوجوده, ومستقلة تماما على سلامته وصحته ولا تكون الغاية منها إلاالاحتجاج به في مواجهة ذوي الشأن .
وفي هذا الإطار يقول الأستاذ "رولاند " أنه لا ينبغي الخلط بين صحة القرار والاحتجاج به لأن القرار متى إستوفى أركانه وشروطه اكتسب وجوده ,لأن النشر ليس شرط من شروط هذا القرار.
أما الأستاذ "لوبادير " ففي نفس السياق يقول أن رغم النتائج الشاذة التي يفرزها تطبيق هذا المبدأ إلا أن القضاء حسب رأيه وجد لذلك الحل ،حيث أجاز للإدارة تطبيق القرار لأن وجود و إلزامه لمجرد صدوره بشرط ألا يكون لهذا أثر في مواجهة الأفراد إلا من تاريخ نشره أو تبليغه فلا ينقص منهم حقا و لا يفرض عليهم إلتزاما .
وفي هذا الإطار يقول "Helbronner " أن النشر ليس هو الذي يكسب القرار وجوده القانوني ,ولكن ينحصر أثره في نقل القرار إلى علم الأفراد لكي يلتزموا به و يخضعوا لأحكامه, ومالم يتم هذا النشر فلا أثر له قبل الإفراد ولا يلتزموا به ولكن القرار يحتفظ بقيمته القانونية رغم ذلك.
ففي قضية نظر فيها مجلس الدولة الفرنسي سنة 1913 .والتي تتلخص وقائعها أنه في سنة 1910 شلت حركات القطارات في شمال فرنسا في شهر أكتوبر وذلك نتيجة لإضراب عمال السكة الحديدية بتلك المنطقة ,و ما لم يكن أمام الحكومة الفرنسية آنذاك من وسيلة لوضع حد له إلا بأمر العمال المضربين للرجوع إلى عملهم طبقا لأحكام القانون الصادر في 1875, إلا أن المطلع عليه يلاحظ أنه يشترط لنفاده صدور مراسيم تنفيذية توضح بدقة شروط وشكل وإجراءات هذا التكليف ,أو الأمر وقد كانت الحكومة راعت ذلك بإصدارها لهذه المراسيم إلا إنها لم تقم بنشرتها ولما وقع الإضراب قامت بنشرها في الجريدة الرسمية مرفقة بالتكاليف الصادرة إستنادا إليها ,الأمر الذي دفع نقابة السكة الحديدية إلى رفع دعوى لإلغاء هذه التكاليف إلا أن مجلس الدولة لم يستجيب لطلباتها ورفض إلغاء التكاليف التي تلزم العمال بالعودة لعملهم ,معللين ذلك أن اللوائح الصادرة عن الإدارة لا تخضع لذات الأحكام التي تسري على القرارات الفردية وبالتالي فهي سليمة حتى ولو لم تنشر . وبالتالي يمكن للإدارة الاستناد إليها في مواجهة الأفراد المخاطبين بها ،وفي هذه القضية مادام تم النشر فلا حجة يمكن الأخذ بها لأجل عدم تنفيذها .
كذلك نجد قضية أخرى صدر بها حكم بتاريخ1953 والتي تتخلص وقائعها في صدور قرار بتاريخ 1950 عن أحد المحافظين و الذي تضمن طرد أحد الأجانب من فرنسا دون أن يبلغ للمعني ,وبعد مدة صدر قرار آخر بمنح هذا الأجنبي حق الإقامة فقضى مجلس الدولة أنه لا يمكن أن ينفد قرار الطرد في حقه كونه لم يبلغ به.
وفي مثال آخر أصدر وزير الداخلية الفرنسي في 1935 قرار بطرد أجنبية كانت تقيم في الأرضي الفرنسية ، لكن لم يتم تبليغها به وبعد مدة و بالضبط سنة 1947 تزوجت من رجل فرنسي ومنه حصلت على الجنسية الفرنسية بمقتضى هذا الزواج تطبيقا لأحكام المادة 40 من قانون الجنسية أنداك, حينها تم تبليغها بقرار الطرد السابق للزواج الأمر الذي دفعها لرفع دعوى قضائية أمام مجلس الدولة الذي قام بإلغاء القرار المطعون فيه, لعدم تبليغه للمعنية عند صدوره مما يجعله مجرد من كافة آثاره ولا يلزمها بأي واجبات .
وهذا دليل على تمسك القضاء الإداري الفرنسي بآراء هذا الاتجاه وتبنيه لمبادئه ففي هذا الحكم نص في حيثياته على ما يلي " إن كان القرار الإداري يكتسب قيمته القانونية منذ تاريخ توقيعه وليس من تاريخ نشره, وعدم نشره لا يؤثر على صحته إلا أنه يتعين التمييز بين آثار هذا القرار وفقا لما إذا كان يرتب فائدة أو يسبب ضررا لصاحب الشأن.
ولما كان من الثابت أن المستفيد من القرار يستطيع التمسك به مند توقيعه في مواجهة الإدارة بعكس الأفراد حيث لا يسري القرار في مواجهتهم , ولا يمكن الإحتجاج به إتجاههم كما لا يصلح سند لقرارات أخرى تكون سبب في إحداث ضرر لمراكزهم القانونية إلا من اللحظة التي يكون فيها قد نقل إلى علمهم بطريقة قانونية سليمة .
و لما كان من الثابث أيضا أن طريقة العمل بالقرار الفردي هي التبليغ الذي يمكن صاحب الشأن من الإحاطة بالقرار وطبيعته ومحتواه وتقدير مدى قانونيته, لذلك فان قرار الطرد الذي لم يعلن إلى المدعية لا أثر له ولا يجوز الاحتجاج به في مواجهتها" .
وقد قضى مجلس الدولة الفرنسي بأن النصوص التي تضمنتها الخطابات المتبادلة في 04/02/1964 بين السفير الفرنسي في الجزائر ووزير الشؤون الخارجية للحكومة الجزائرية هي نصوص خاصة بحساب التعويض المسبق لفائدة الموظفين الفرنسيين العاملين في الجزائر في إطار التعاون ,لا يمكن الاحتجاج بها في مواجهتهم طالما أنها لم تنشر.
وهذا ذات الموقف الذي سار عليه وتبناه القضاء الإداري في مصر ،بحيث في قرار المحكمة الإدارية العليا سنة 1960 , قضت في إحدى حيثياتها " ... إن ما يزعمه المدعي من عيب في الشكل إنما يلحق عملية النشر ولا يمس كيان القرار ذاته و لا صحته كتصرف قانوني ,ذلك أن القرار ذاته هو إفصاح الإدارة عن إرادتها أما عملية النشر في ذاتها فهي إجراء لاحق لا يعدو أن يكون تسجيلا لما تم, فلا يرتد أثرها إلى ذات القرار و لا يمس صحته " .
إلا أن هذا المبدأ يرد عليه استثناءان و هما حالة الظروف الاستثنائية أين أجاز القضاء للإدارة الاحتجاج بالقرارات الصادرة عنها في ظل الظروف الاستثنائية حتى و لو لم تنشر أو تبلغ لذوي الشأن ,و ذالك قياسا منه على حق هؤلاء الأفراد في التمسك بذات النوع من القرارات في مواجهة الإدارة .
و قد كانت هناك عدة تطبيقات لذلك في القضاء الفرنسي أين أصدر مجلس الدولة حكم بتاريخ 03 /05/ 1947 قضى فيه بصحة قرار فردي صدر إستنادا لقانون لم يتم نشره بسب الحرب ، و لكن بلغ شخصيا لكل المعنيين بالأمر بما فيهم المدعي في الحكم الصادر .
بالإضافة للاستثناء الثاني و هو حالة الخطأ في النشر حيث يمكن للإدارة التمسك بالقرار الذي وقع خطأ في إعلانه ، و قد أطلق عليها الفقه بحالة " الرجوع للأصل " والتي تقضي بأنه إذا إتضح لمجلس الدولة وقوع مثل هذه الأخطاء المادية يتم العودة لأصل القرار ليتم إعتباره نافذا رغم عدم نشره أي الصحيح .
كما أثير جدل فقهي آخر ينصب في ذات السياق حول إصدار الإدارة لقرارات مستندة في ذلك لقانون غير منشور حتى تهيئ لتطبيقه ، أين انتهى بعض الفقهاء في فرنسا إلى إقرار مبدأ عام ينص على جواز ذلك لكن مع اختلافهم في تطبيقه (1).
حيث يرى " ODENT " ضرورة التمييز بين القرارات التنظيمية التي يجوز فيها للإدارة إصدارها إستنادا لقانون لم ينشر بعد بهدف التمهيد لتطبيقه, لكن من جهة أخرى
يشترط لنفادها نشرها ونشر كذلك القانون الذي صدرت استنادا إليه .فإذا وقع وأن نشرت القرارات دون القانون لا تعتبر نافذة لافتقارها للأساس القانوني.
أما القرارات الفردية فلا يجوز للإدارة إخضاعها لذات الحكم وإلا إعتبرت باطلة لعدم استنادها لأساس قانوني .
إلا أن هناك اتجاه فقهي آخر يرى خلاف ما ذهب إليه " ODENT " بأنه لاينبغي التفرقة بين النوعين وإنما يجب النظر إلى حدوث واقعة النشر من عدمها ,مبررين ذلك بأن القانون يكتسب وجوده القانوني بمجرد تمام إصداره ,والذي يجعل القانون نافذا والقرارات التي تصدر لتطبيقه سليمة وصحيحة ، وما نشر القانون والقرارات المتعلقة به إلا لجعلها حجة في مواجهة الغير ، وبالتالي فالقرار يكون باطل لعدم وجود أساس قانوني له يستند له عند صدوره .
ومهما اختلف الرأيان إلا أنهما يلتقيان في أن القرار التنظيمي الصادر استنادا إلى قانون لم ينشر لا يكون نافذا في مواجهة المخاطبين به ,إلا من تاريخ نشر هذا القانون والقرار وبالتالي فالقانون الذي لا ينشر أو بعد صدور القرار التنظيمي يؤدي إلى بطلان هذا القرار لافتقاره للأساس القانوني هذا بالنسبة للقرارات الصادرة استنادا إلى القانون الجديد .
أما المستندة للقانون القديم وفقا للرأي الأول بقيادة " ODENT " فمهما كان نوعها فردية أو تنظيمية يعتبرها صحيحة ونافذة, لأنها تستند لقانون مازال ساري المفعول ما لم ينص القانون الجديد على إلغائها صراحة أو ضمنيا .
أما بالنسبة للاتجاه الثاني فيسير في ذات السياق و يعتبرها نافذة وسليمة .
أما القضاء فقد ذهب مع الاتجاه الثاني ودليل ذلك الأحكام الصادرة عن مجلس الدولة الفرنسي والذي صدر عنه حكم في 10/08/1945, أين قضى فيه بأن القرار الفردي الصادر إستنادا لقانون لم ينشر يعتبر باطلا, وذلك في قضية تتلخص وقائعها في أن القانون المؤرخ بتاريخ 12/05/1941 كان يجيز الإحالة على التقاعد ومن طلب الموظفين وعمال المؤسسات الصناعية والحربية التي تعود ملكيتها للدولة .وذلك إلى غاية 31/12/1941 وقد تم نشر هذا القانون ثم مددت فترة تطبيقه إلى 30/09/1942 بقانون آخر صدر في 03/04/1942, لكنه لم ينشر وفي 20/02/1942 صدر قرار بإحالة المدعي في قضية الحال على التقاعد فقرر المجلس عند نظره لهذه القضية أن قانون 03/04/1942 لا يحتج به إتجاه المدعي لافتقار قرار إحالته إلى الأساس القانوني .
وفي قضية أخرى تتلخص وقائعها في صدور قرار وزاري بتاريخ 10/11/1942 يقرر بأن الأعمال التي يجري تنفيذها بمدينة " NANTES " للمنفعة العامة تنفيذا للقانون الصادر في اليوم نفسه إلا أن هذا القانون لم ينشر .وقد أصدر مجلس الدولة حكم عند نظر هذه القضية قضى فيه بأن القرار التنظيمي الـذي يصدر قبل نشر القانون يعتبر صحيح إلا أنه لا ينفذ إلا بنشر القانـون المستند إليه .
أما في القضاء المصري فإن مجلس الدولة المصري رفض الأخذ بالمبدأ الذي تبناه الفقه والقضاء الفرنسي لما رأى فيه من خطورة ,بحيث ورد في حكم له صادر سنة 1953 رفضه للأخذ بالقرارات الإدارية المستندة إلى قانون لم ينشر بعد .
وقد عمل القضاء الإداري في فرنسا ومصر على تطوير مبادئ هذا الاتجاه لتبلور في نظرية ذات أسس ,تقوم على التمييز بين صحة القرار في ذاته كعمل قانوني صادر عن الهيئات الإدارية ومنفصل على واقعة النشر (1).
هذا ومازال لحد الآن مجلس الدولة الفرنسي والمصري يأخذ بأحكامها وقواعدها على إطلاقها ,بالرغم من ظهور إتجاه فقهي حديث يدعو بحدة للتخفيف من شدة مبادئها وقد أرسى هذا الاتجاه نتائج هامة :
· إذا صدر قرار بإلغاء قرار سابق الوجود فإن القرار الملغى يبقى ساري المفعول حتى ينشر القرار الثاني .
· إذا تضمن قرار إشارة إلى إصدار قرار لاحق بعد مدة معينة ،فإن هذه المدة تبدأ في السريان من تاريخ إعلان القرار الأول وليس من تاريخ صدوره .
· يعد تطبيق القرار قبل إعلانه تطبيق بأثر رجعي خلال الفترة الممتدة بين التطبيق والإعلان وهذا لا يجوز, فحتى لو نص عليه القرار نفسه قضى القاضي بالإلغاء الجزئي له.
· يسري أجل الطعن في القرارات الإدارية من تاريخ إعلانها للمخاطبين بها .

* الاتجاه الثاني : أما الاتجاه الثاني فيرى خلاف ذلك ،فيقول الأستاذ "إيزاك " إن القانون الفرنسي لم يربط بين عدم نشر القرار الإداري وبين بطلانه .
رغم أن النشر يشكل أهمية كبيرة في كفالة علم الأفراد بالقرار الإداري قبل أن يصبح هذا القرار نافذا في مواجهتهم ،كما يتيح لهم التظلم منه ,كما أن القاعدة عدم الحكم ببطلان القرار الذي لم ينشر تعتبر غير مقبولة" .
ويعتبر أن مبادئ الاتجاه الأول تؤدي لنتائج سيئة ، بحيث تكون السلطات الإدارية غير ملتزمة بإعلان قراراتها خلال فترة محددة ،وأي عيب في هذا الإعلان لا يؤدي لبطلان القرار وبالتالي فهو يدعو إلى اعتبار عدم الإعلان عيبا في شكل القرار .
ويعد هذا الاتجاه حديث في الفقه الفرنسي والمصري ، حيث حاول جعل إعلان القرارات الإدارية جزء من الشروط والأركان الواجب توافرها فيه ، وبالتالي لا يمكن اعتبارها سليمة إذا لم يتم تبليغها للأفراد المعنيين بها ,ومن باب أولى إذن لا يمكن تنفيذها أو الاستناد عليها لإصدار قرارات أخرى .
وقد تبنى مجلس الدولة اليوناني آراء هذا الاتجاه وسار عليه في الكثير من أحكامه ففي إحدى حيثياته بإحدى القرارات قال " إن التبليغ هو شرط جوهري لإتمام القرار الإداري فإذا لم يتم يصبح القرار المعدوم " .
بل إن بعض الأحكام التي أخذت بمبادئ هذا الاتجاه ذهبت إلى أن القرارات التي لا يجوز الاحتجاج بها في مواجهة المدعين تعتبر معدومة بالنسبة لهم .
وفي ذات السياق سار العميد " هوريو " والذي انتقد بشدة الاتجاه الأول وما استقر عليه قضاء مجلس الدولة الفرنسي ، وكذا الآثار السلبية التي يرتبها عدم نشر القرارات الصادرة عن الإدارة بالأفراد المخاطبين بها, نتيجة لسيادة وطغيان عوامل واعتبارات المنطق القانوني الذي يميز بين صحة القرارات وعدم الاحتجاج بها إذا لم تنشر ، فحتى لو كان صحيح من وجهة نظر القانون الوضعي فإنه لا يعتبر كافي من وجهة نظر العدالة ومقتضيات الإدارة السليمة ,لأن الضمير يتطلب تصرف الإدارة في وضح النهار لوجود إحساس عميق بأن الأعمال التي لا تعلن لا يمكن أن تكون مشروعة ,وحتى لو كان النشر غير ملازم للقرار فلابد على الأقل أن يكون لاحق له . ومنه دعى المشرع الفرنسي إلى التدخل لحل هذه المشكلة والتضارب في وجهات النظر من خلال اقتراحه أن ينص القانون على وجوب إعلان القرارات الإدارية خلال 15 يوما وإلا كانت باطلة (1).
وبالتالي ما نلاحظه من خلال الاتجاهين سواءا كان القرار الذي يبلغ للمعني بالأمر صحيحا وسليما في نظر القانون كما ذهب الاتجاه الأول , أو أنه معيب وغير موجود في نظر الاتجاه الثاني ، فإن النتيجة المتوصل إليها واحدة وهي أن القرارات الفردية لا يحتج بها ولا تسري في مواجهة المخاطبين بها إلا من تاريخ تبليغهم بها وفق الإجراءات والأشكال التي نص عليها القانون هذا من جهة ، ومن جهة أخرى يبقى الرأي الراجح فقها وقضاء هو الرأي الأول والذي يميز بين صحة القرار الإداري والاحتجاج به في مواجهة الأفراد .
أما المشرع الجزائري فقد كان واضح في هذه المسألة حيث نص أنه لا يمكن للإدارة التمسك بقرارات لم تعلنها للمخاطبين بها في مواجهتهم ,وهو نفس المسار الذي سلكه القضاء كما سبق التطرق له .
المطلب الثالث : الصـعوبـات العـملية المـترتبة على عدم إعـلان الـقرارات
الإداريـة
إن مسألة عدم إعلان القرارات الإدارية للمخاطبين بها تطرح إشكالات كثيرة ، فالأمر لا يقتصر على مجرد الخلاف الفقهي حولها بل يمتد للواقع العملي وهذا هو الصعب وذلك كونها تمس مباشرة حق الأفراد في الدفاع عن حقوقهم التي تحرمهم منها هذه القرارات أو الالتزامات التي تثقلهم بها ، وينعكس ذلك بجلاء في جهلهم بوجودها مما يحرمهم من الإطلاع على مضمونها والطعن فيها والتظلم ,وكذا حساب المواعيد المقررة لإلغائها وهذا ما سوف نتناوله في نقطة أولى وكذا إشكالية فرض القانون ضرورة إرفاق عريضة الطعن في القرار بالقرار المطعون فيه والذي نتناوله في نقطة ثانية بالدراسة ,ثم نخلص إلى الحلول العملية التي يمكن تبنيها والحلول القانونية من باب أولى .


الفرع الأول : من حـيـث بـدأ حسـاب مواعـيـد الطعـن بالإلـغـاء
حرص المشرع الجزائري و غيره من التشريعات المقارنة على اختلافها في تحديد ميعاد الطعن في القرارات الصادرة عن الإدارة و ذالك حتى لا يبقى الأجل مفتوح على إطلاقه ,مما يؤدي للتهاون في المطالبة بالحقوق و يجعل الحقوق و المراكز القانونية في حالة عدم استقرار , و كذا التعسف في استعمال المخاطبين لهذا الحق أو الإدارة يجعل مدته قصيرة في حالات و طويلة في حالات أخرى مما يفتح من جهة أخرى باب البيروقراطية و عدم العدل بين الأفراد و المحسوبية .
وفي هذا الإطار كان المشرع الجزائري متفطنا ,فعمل على تحديد مدة الطعن في القرارات الإدارية ,و ذلك من خلال قانون الإجراءات المدنية القديم بنص المادة 169 مكرر منه بقوله " لا يجوز رفع الدعوى إلى المجلس القضائي من أحد الأفراد إلا بتطبيق الطعن في قرار إداري , و يجب أن يرفع الطعن المشار إليه آنفا خلال أربعة أشهر التابعة لتبليغ القرار المطعون فيه أو نشره " .
و من خلال نص هذه المادة يتضح جليا أنه يجب رفع الطعن في القرارات الإدارية إلى الجهة المختصة خلال الأربعة أشهر التابعة لتبليغ القرار المطعون فيه ,أو نشره وبذلك يكون هناك توفيق بين المصلحة العامة و هدفها غلق باب الطعن في القرار بعد مدة معينة لتستقر بذلك الأوضاع القانونية التي قررها القرار الإداري, فلا تضل مهددة بالطعن لمدة غير محدودة مما ينعكس سلبا على عمل الإدارة كما سبقت الإشارة له.
و المصلحة الخاصة و هي إعطاء متسع من الوقت للأفراد المخاطبين بها لدراسة القرار و فهم مضمونه بدقة و تقرير التصرف و الوجهة التي يسلكها .
و إذا كان البعض يرى أن تحديد ميعاد محدد و ثابت للطعن يشكلا قيدا خطيرا (1)على حرية الأفراد في مخاصمة الإدارة و مقاضاتها ,إلا أن الراجح فقها يرى في ذلك ضرورة تفرضها متطلبات المصلحة العامة و دواعي استقرار أوضاع المجتمع بمرور وقت معين .
أما في قانون الإجراءات المدنية و الإدارية الجديد حافظ المشرع الجزائري على الموقف ذاته بنص المادة 829 منه التي جاء فيها " يحدد أجل الطعن أمام المحكمة
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــ
الإدارية بأربعة أشهر تسري من تاريخ التبليغ الشخصي بنسخة من القرار الإداري الفردي أو من تاريخ نشر القرار الإداري الجماعي أو التنظيمي " .
كما نص في مادته830 على أنه " يجوز للشخص المعني بالقرار الإداري تقديم تظلم إلى الجهة الإدارية مصدرة القرار في الأجل المنصوص عليه في المادة 829 " .
لكن الإشكالية لا تطرح هنا أي في مسألة تحديد مواعيد الطعن أو التظلم فهذه القاعدة صالحة للتطبيق في حالة ما إذا قامت الإدارة بالالتزام الواقع على عاتقها ,المتمثل في ضرورة إعلانها القرارات الصادرة عنها للمخاطبين بها ,بل الصعوبة تطرح في حالة إخلالها بذلك فلا تمكن الأفراد من العلم بوجود هذه القرارات أو الإحاطة بمضمونها .مما جعل الفقه والقضاء يسعى لإيجاد حل لهذه المشكلة التي يمكن أن تؤدي إلى ضياع حقوق واختلال مراكز لا يمكن إعادة التوازن لها لاحقا .
وقد اقترح القضاء الإداري الفرنسي حل لهذه المسألة من خلال عدم قصر وسائل العلم بالقرارات الإدارية المقررة قانونا من نشر وتبليغ,بل تبنى أخرى تقوم على ثبوت العلم الكافي بالقرار ومضمونه ممن صدر في شأنهم سواءا حدث هذا العلم بسعيهم الشخصي لذلك أو كان مصادفة ,فيكون في حكم ومقام العلم الواقع بموجب الوسائل القانونية . بهذا الاتجاه كان التحضير لأرضية نظرية العلم اليقيني التي كان لها دور بالغ الأهمية في وضع حلول كثيرة لعدة قضايا طرحت على القضاء حول هذا الموضوع .
وفي هذا الإطار قال أحد الفقهاء أن " العلم اليقيني هو اتجاه قضائي يقر في بعض الحالات ببداية سريان مواعيد الطعن حتى وإن لم يكن القرار موضوع أي شهر صحيح وذلك بسبب ثبوت علم الطاعن بالقرارات " .فيكون بذلك العلم الواقعي الذي تبنته نظرية العلم اليقيني يرتب ذات الآثار الناتجة عن التبليغ والنشر .
وفي الحقيقة يعود الأصل التاريخي لهذا المبدأ إلى بداية القرن التاسع عشر بالضبط للقرار الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي في 08/05/1922 في قضية "FORTIER" ضد وزير الحربية ,والذي تتلخص وقائعها في أن "FORTIER" قدم كفالة لفائدة السيد BARRE " والذي شغل منصب أمين مخزن المؤن وأصدر وزير الحربية قرار يلزم فيه fORTIER "بدفع مبلغ 49000 فرنك فرنسي .
و قد تم تبليغ هذا القرار إلى أمين مخزن المؤن دون "FORTIER" الذي قام بتوجيه رسالة إحتجاج بتاريخ 01/04/1821 إلى وزير الحربية المصدرة له يناقش فيها موضوع القرار ,وفي 19/07/1821 قام الوزير بتبليغه القرار الأول موضوع رسالة الاحتجاج الأمر الذي دفع "FORTIER" للطعن فيه أمام مجلس الدولة ضمن الآجال المقررة قانونا من تاريخ هذا التبليغ ,غير أن مجلس الدولة قضى برفض الطعن شكلا لوروده خارج الآجال القانونية مؤسسا موقفه ذلك على أن "FORTIER" بتظلمه في القرار بتاريخ 01/04/1821 أكد علمه الكافي واليقيني بوجوده والإحاطة الكاملة بمضمونه ,وهذا الواقع يقوم مقام التبليغ مما يجعل الطعن وارد خارج الآجال القانونية مؤكدا بذلك أن ميعاد الطعن يسري من تاريخ ثبوت العلم اليقيني بالقرار المطعون فيه .
وقد برر القضاء الفرنسي موقفه بالمحافظة على استقرار الأوضاع والمراكز القانونية فلا تبقى مهددة بالإلغاء, كما أنه بذلك يغلق المجال أمام سيئي النية والذين حتى مع توافر قرائن قوية على علمهم بالقرار يتماطلون في رفع دعاويهم ,ويتمسكون بعدم التبليغ أو النشر حتى يجعلوا آجال الطعن مفتوحة غير محددة .
وبهذا يكون موقف القضاء الفرنسي في هذه القضية ولد نتائج هامة وخطيرة أقر فيها المساواة بين العلم اليقيني المستمد من الواقع والمبني على القرائن, والعلم القانوني المستمد من التبليغ في القرارات الفردية والنشر في القرارات التنظيمية .وإن كان في الحقيقة إعتناق هذه النظرية من شأنه جعل الإدارة تتراخى في إعلان قراراتها وحتى في إعلانه لا
تسهر على احترام الأشكال والأوضاع والإجراءات والشروط المقررة قانونا وقضاءا (1).
وبالتالي فالحل في هذه الحالة هو مجازات الإدارة على عدم اهتمامها وسعيها من خلال تقرير المسؤولية التأديبية للموظف في بعض التشريعات المقارنة ,وعدم نفاذها في مواجهة الأشخاص المخاطبين بها كون ذلك مرتبط بتبليغها لهم أو نشرها .
ولعل هذا هو الأمر الذي جعل المشرع الجزائري ولأجل ضمان مبدأ الشفافية والمشروعية وتحسين العلاقة بين الإدارة والمواطن يصدر المرسوم 88/131 المؤرخ في 04 جويلية 1988 والمنظم للعلاقات بين الإدارة والمواطن أين خصص الفصل الثاني منه
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
من المادة 6 إلى غاية المادة 30 لالتزامات الإدارة من خلال وضعه ستة مبادئ يلزم الإدارة احترامها أهمها :
· إلزام الإدارة تسبيب القرارات الإدارية الصادرة بالرفض .
· تبليغ القرارات الصادرة عنها للمخاطبين بها تحت طائلة عدم الاحتجاج بها إتجاه من صدرت في شأنهم بنص المادة 35 منه بقولها " لايحتج بأي قرار ذي طابع فردي على المواطن المعني بهذا القرار إلا إذا سبق تبليغه إليه قانونا ، هذا إذا لم يكن هناك نص قانوني أو تنظيمي مخالف " .
وبهذا النص يكون المشرع الجزائري قد غلق الباب أمام الإدارة للتمسك بعلم الطاعن بالقرار بغير طريق التبليغ ,وبالتالي لا يترك مجالا لها للدفع بنظرية العلم اليقيني في مواجهة الأفراد ضف إلى ذلك أن المشرع بنص المادة 73 من ذات المرسوم وضع مبدأ آخر مفاده أن المواطن له الحق في الاحتجاج في مواجهة الإدارة بالتعليمات ، المنشورات والمذكرات والإعلانات التي أصدرتها حتى ولو لم تبليغها له متى كانت تمس بحقوقه .
من خلال هذين النصين يتضح أن القانون الجزائري إستبعد عدم إعلان القرارات الإدارية بل جعله واجب على عاتق الإدارة حفاظا منه على الشفافية والمشروعية, التي يجب أن تسود دائما العلاقة القائمة بين الإدارة الحديثة والمواطن .
وبالتالي فعدم الإعلان سواءا عن طريق النشر في القرارات التنظيمية أو التبليغ في الفردية ووفق الأشكال والإجراءات التي ينص عليها القانون ,يتنافى مع أحكام المواد 35 و
37 من المرسوم 88/131 والمواد 169 مكرر و278(1) من قانون الإجراءات المدنية القديم و829 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية ,مما لا يدع أي مجال للاجتهاد في تفسيرا لنصوص بمعنى غير هذا المعنى الواضح الذي تحمله من قبل الإدارة أو الأفراد أو القضاء الإداري ولا مجال للقول بالعلم اليقيني .
الفرع الثاني : من حـيـث ضـرورة إرفـاق عريـضـة الدعـوى بالقرار المطعون فيه
إن رفع دعوى إلغاء القرار الإداري نظمه المشرع وضبط أحكامه وإجراءاته ,ومن بين الشروط الشكلية التي ألزم المتقاضي إحترامها لقبول دعواه هو شرط القرار الإداري
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
السابق .
وقد نصت على هذا الشرط الفقرة الثانية من المادة 169 من قانون الإجراءات المدنية بالنسبة للدعاوى الإدارية التي يعود فيها الاختصاص للمجالس القضائية الإدارية ,والمادة 282 من القانون نفسه فيما يخص الدعاوى الإدارية العائدة لاختصاص المحكمة العليا سابقا ومجلس الدولة لاحقا إبتدائيا ونهائيا .
فنجد المادة 169 تنص على أنه يجب أن تكون العريضة مصحوبة بالقرار المطعون فيه ، أما المادة 282 فتلزم إرفاق العريضة إما بقرار رفض الطعن الإداري السابق للطعن القضائي أو المستند المثبت لإيداع هذا الطعن(1).
وفي حقيقة الأمر أن الطعون القضائية الإدارية تتفرع إلى عدة أنواع ولا يشترط القرار السابق إلا في دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الكامل ، لكن من المنطقي أن يقدم أيضا في دعوى التفسير وفحص المشروعية .
وقد سهرت المحكمة العليا بغرفتها الإدارية سابقا على تطبيقها حرفيا وبصرامة, وبهذا قررت, أنه ليس في وسعها النطق بالإبطال المنصب على قرارات أو مستندات لم تطلع على فحواها ولا على حتى وجودها بقرار لها صادر عن الغرفة الإدارية تحت رقم 50840 بتاريخ 16 جويلية 1988 .
وتجدر الإشارة في هذا الإطار أنه إذا كانت المادة 282 من قانون الإجراءات المدنية واضحة الصياغة حيث بينت بجلاء أنها تقصد القرار السابق الذي ترد به الإدارة على تظلم
المواطن وليس القرار الأصلي الذي وقع بشأنه التظلم (2),إلا أن المادة 169 من قانون الإجراءات المدنية على خلاف ذلك يشوبها نوع من العمومية المفضية إلى نوع من الغموض ، مما يطرح تساؤل حول مقصودها إن كانت تعني القرار السابق أم الأصلي .
في الحقيقة نحن نعلم أن التظلم الإداري لم يعد شرطا من شروط الدعوى الإدارية على مستوى المجالس كقاعدة عامة منذ صدور قانون 18 أوت 1990 ، مما يعني أن القاعدة الواردة بالمادة 169 من قانون الإجراءات المدنية يحصر مجال تطبيقها في دعوى الإلغاء
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
فقط , وبالتالي تقوم أساسا على القرارات الصادرة عن الولايات أو البلديات أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري وفيها يجب إرفاق عريضة رفع الدعوى بالقرار المطعون فيه ، أما دعوى القضاء الكامل فلا يشملها هذا الشرط إلا إذا كانت مؤسسة على قرار إداري هذا كقاعدة .
لكن يوجد استثناء عليه فنجد نصوص خاصة تشترط التظلم الإداري المسبق في بعض الدعاوى الإدارية والعائدة لاختصاص المجالس مثل منازعات الصفقات العمومية والضرائب ، أملاك الدولة ،.... وغيرها .
وهنا يطرح الإشكال في تحديد مفهوم القرار المطعون فيه هل هو القرار السابق أم الأصلي؟
في بعض الحالات يكون الحل واضح أين لا يكون هناك قرار أصلي من البداية فينحصر بذلك الأمر في القرار السابق ,ومثاله حالة الطعن في عقد تمليك دومين خاص أو دعوى تعويض فسخ صفقة عمومية .
وقد ترتبط في أحيان أخرى بالقرار الأصلي مثل قرار الوالي بفسخ صفقة عمومية أو قرار فرض الضريبة ، وبالتالي فالحل الذي نعتقده هو الحل الموجود بنص المادة 282 من قانون الإجراءات المدنية ,للتطبيق والذي يضمن الانسجام بين مختلف الدعاوى ولكن بشكل آخر ملائم لخصوصية دعوى المجالس التي لا يشترط فيهل التظلم إلا استثناءا .
أما الدعاوى المرفوعة أمام مجلس الدولة ضد القرارات الصادرة عن السلطات المركزية فلابد أن تكون مسبوقة بالتظلم الإداري المسبق ,ومرفقة عريضتها بالقرار المطعون فيه بمفهوم المادة 282 من قانون الإجراءات المدنية كما سبق التطرق إليه .
وبالتالي ففي الخلاصة سواءا كان المشرع بنص المادة 282 لم يشترط إرفاق عريضة الدعوى بقرار رفض الطعن الإداري حتى ولو لم ترد الإدارة واكتفت بالسكوت بمعنى رفض هذا التظلم ,أو بنص المادة 169 الذي اشترط إرفاقها بالقرار في حالات وبالقرار السابق في حالات أخرى .
فالإشكال الحقيقي يطرح عندما لا تعلن الإدارة القرار الصادر عنها للمخاطبين به أو تكتفي فقط بالملخص, مما لا يسمح للأفراد الإطلاع على محتواه أو مضمونه بدقة فيكون مصير الدعوى في هذه الحالة هو عدم القبول لنكون بذلك أمام الخطورة الحقيقية لمسألة عدم الإعلان .إلا أن المشرع الجزائري تفطن لهذه النقطة وإلى ما تشكله من مساس بحقوق الأفراد ومراكزهم القانونية وما يمكن أن يعانيه القاضي والمتقاضي أمام تعسف الإدارة وتهاونها في القيام بالتزاماتها ,بنصه في المادة 170 من قانون الإجراءات المدنية القديم على انه للمستشار المقرر أن يأمر بتقديم المستندات التي يراها لازمة للتحقيق انطلاقا من دوره الايجابي في القضية المعروضة عليه .
أما في قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد نص في مادته 819 في فقرتها الأولى على أنه, يجب أن يرفق مع العريضة الرامية إلى إلغاء أو تنفيذ أو تقدير مدى مشروعية القرار الإداري, تحت طائلة عدم القبول القرار الإداري المطعون فيه مالم يوجد مانع مبرر لذلك .
فهل يعني ذلك أن المشرع تراجع عن موقفه الصارم من خلال قوله مالم يوجد مبرر مانع من ذالك أم أنه سوف يعود ويحصر هذه المبررات ؟
إن الإجابة عن ذلك سوف نتوصل إليها بعد تطبيقات القضاء الإداري لمضمون هذه المادة من خلال ما يعرض عليها من قضايا ونزاعات .
ثم يعود في فقرتها الثانية ليوضح أحد هذه المبررات ويضع لها حل ،وهي التي تهمنا في بحثنا هذا وهو حالة امتناع الإدارة عن تبليغ أو نشر القرار الصادر عنها بقوله انه إذا ثبث أن هذا المانع يعود لامتناع الإدارة من تمكين المدعي من القرار المطعون فيه, أمرها القاضي المقرر بتقديمه في أول جلسة ويستخلص النتائج القانونية المترتبة عن هذا الامتناع.
وبهذا يكون التشريع الجزائري وفر نوع من الحماية للمخاطبين بالقرارات الإدارية في مواجهة تهاون الإدارة وتعسفها, لكن مع ذلك تبقى الإشكالية قائمة فكثير هي الحالات التي قضى فيها القضاء الإداري بعدم قبول الدعوى شكلا لعدم إنطباق العريضة مع القرار المطعون فيه في ظل القانون القديم, رغم وجود المادة 170 منه ومثال ذلك ما جاء بالقرار الصادر بتاريخ 24/07/1994 تحت رقم 111973 "عدم تقديم القرار المطعون فيه يترتب عدم قبول الدعوى باعتباره إجراء ضروري يجب إستفاؤه " .
وكذلك بالقرار الصادر تحت رقم 50840 بتاريخ 16/جويلية /1988 بقولها "ليس في وسعها النطق بإبطال المنصب على قرارات أو مستندات لم تطلع على محتواها ........." .
هذا بالنسبة للحلول القانونية لكن من الناحية العملية الحل الوحيد هو ضرورة التزام الإدارة بالواجبات الملقاة على عاتقها فكما لها إصدار القرارات ,لابد لها من إعلانها للمخاطبين بها ولأجل تدعيم ذلك لابد للمشرع أن يفرض عليها عقوبات في حالة إخلالها بذلك .