تتمتع المرأة بحضور قوي في القطاع العام في دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ تستأثر بنسبة %42.6 من إجمالي عدد الوظائف في مؤسسات الحكومة الاتحادية في مختلف أنحاء الدولة، ونسبة %35.9 من إجمالي عدد الوظائف في الدوائر الحكومية في إمارة أبوظبي.





وإلى جانب ذلك، فقد بدأت المرأة الإماراتية تتحول تدريجياً عن القيام بالوظائف التقليدية في القطاع العام وأخذت تتجه نحو القطاع الخاص والتفرغ لإدارة أعمالها الخاصة. فقد أثبت الاقتصاد الصاعد لدولة الإمارات العربية المتحدة أنه يمثل أرضاً خصبة لمبادرات الأعمال الجديدة لما يوفره من فرص هائلة لرواد الأعمال وما يتسم به من حيوية كبيرة، الأمر الذي شجع الكثير من النساء على تأسيس أعمالهن الخاصة وإثبات جدارتهن ضمن مختلف القطاعات الاقتصادية.





ويلقي تقرير «ريادة الأعمال منظور إماراتي» الذي نشره صندوق خليفة لتطوير المشاريع بالتعاون مع جامعة زايد، نظرة متعمقة إلى روح ريادة الأعمال في دولة الإمارات. إذ كشف التقرير أن أصحاب المشاريع الجديدة يشكلون نسبة %4.1 من السكان البالغين في الإمارات العربية المتحدة، وأن %3.9 في المائة من السكان هم من أصحاب المشاريع الناشئة الذين يحاولون بنشاط إقامة أعمال خاصة.





وتشير هذه الأرقام إلى أن نحو %7.8 من السكان البالغين يشاركون في مراحل مبكرة من الأعمال الناشئة، ما يعني أن ما يقرب من ثمانية من أصل كل 100 شخص من البالغين في دولة الإمارات العربية المتحدة يمكن اعتبارهم رواد أعمال في مراحلهم المبكرة. وفي ما يتعلق بأنشطة ريادة الأعمال بين الاماراتيين، تبلغ نسبة رواد الأعمال الجدد الذين يديرون أعمالاً ناجحة نحو %6 من السكان، في حين يعمل %4.6 من السكان في مشاريع أعمال ريادية ناشئة، وهو ما يعني أن نسبة الذين ينشطون في مجال ريادة الأعمال بين الإماراتيين تصل إلى %10.4 وهو معدل يزيد على ذلك السائد لدى الوافدين، كما يزيد على المعدل المتوسط السائد ضمن الاقتصادات القائمة على الابتكار.





ومن بين الجيل الجديد لرواد الأعمال الإماراتيين تبرز سعاد الحوسني، وهي سيدة أعمال من أبوظبي. فمن خلال شركة نيكزس، وهي شركة إماراتية بنسبة %100، تتولى سعاد الحوسني وفريقها إدارة عمليات انتقال الشركات التي ترغب في العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة وتوفير خدمات شاملة لها بما فيها التأشيرات والتراخيص ومختلف الترتيبات المتعلقة بعمليات انتقال الأعمال.





وتقول سعاد الحوسني التي أسست شركتها في عام 2009: «يستهدف نموذج أعمالنا مساعدة العملاء من خلال توفير الخدمات القانونية وخدمات انتقال الشركات والخدمات المتعلقة بإنجاز إجراءات الإقامة والعمل والإجراءات الرسمية الأخرى، إلى جانب توفير مركز أعمال والمساعدة في تطوير الأعمال. فمن خلال وحدة متكاملة الخدمات للأعمال نسعى لتسهيل احتياجات عملائنا تحت مظلة واحدة».





وتتباين مجالات عمل الشركات التي عملت معها سعاد الحوسني من خلال شركة نيكزس بشكل كبير، فهي تتراوح ما بين شركات الهندسة المعمارية إلى هيئات علمية نقلت أعمالها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. ورغم ذلك، فهي تعتمد مفهوماً يستند إلى تقديم خدمات نوعية مصممة خصيصاً لتلبية الاحتياجات الخاصة بكل شركة أو مؤسسة.





وتنصح سعاد الحوسني النساء اللاتي يرغبن في بدء أعمالهن الخاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة باتباع نهج مماثل، حيث تقول: «يتعين على النساء اللاتي يرغبن في بدء أعمالهن الخاصة تحديد فكرة واضحة عن المنتجات أو الخدمات التي يتطلعن لتقديمها إلى السوق، والتركيز على تلبية الطلب مع تقديم منتجات أو خدمات تتسم بالتفرد. كما يتعين عليهن التركيز على النوع وليس الكم، وضمان تقديم خدمات بالمستوى الذي يتطلعن هن أنفسهن للتمتع به، ومن ثم استهداف شرائح العملاء والقطاعات ذات الصلة، مع الحرص على التواصل الدائم مع الناس لتحقيق الأهداف المنشودة».





ويؤكد نجاح نيكزس أن نموذج العمل الذي تعتمده سعاد يحقق نجاحاً، حيث تقول عن ذلك: «لقد نمت أعمالنا بشكل كبير منذ عام 2009. ولدينا الآن نحو 15 شركة، نشارك بها أو نقوم بدور الكفيل لها، كما أن لدينا 20 عميلاً آخرين نقدم لهم خدمات إنجاز إجراءات الإقامة والعمل والإجراءات الرسمية الأخرى. ولدينا أيضاً ممثلون في روسيا ولندن وأمستردام وفرنسا وكرواتيا وجنوب شرق آسيا وسنغافورة وماليزيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول».





ومن رائدات الأعمال الأخريات في أبوظبي فاطمة مانع العتيبة التي أسست مجموعة العتيبة المتحدة وتشغل منصب الرئيس التنفيذي للمجموعة. وتقدم مجموعة العتيبة تشكيلة واسعة من المنتجات والخدمات عالية الجودة عبر سلسلة من المنصات من خلال شركات مختلفة تضمها المجموعة بما فيها «موتيفيو للتصميم الداخلي» و«العتيبة المتحدة للنقل العام».





ومع نجاح المجموعة، بادرت فاطمة العتيبة بمبادرة جديدة تمثلت في مد نطاق أعمال المجموعة ليشمل تقديم خدمات جديدة في العراق. إذ باتت الشركة تنشط في قطاعات ديناميكية سريعة النمو تتراوح بين التشييد والبناء ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وأنشطة مختلفة ضمن قطاع النفط. ومن خلال هذا التوسع، ارتبطت العتيبة أيضاً مع شركات دولية أخرى وبنت علاقات تعاون وثيقة مع شركات تتولى أعمال المقاولات من الباطن.





ووفقاً لسعاد الحوسني فإن تنوع الخبرات يعد عاملاً رئيساً للنساء اللاتي يرغبن في إقامة مشاريع خاصة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

إذ تقول الحوسني: «بدأت شركة نيكزس أعمالها في عام 2009 بعد فترة التدريب التي قضيتها في عملي بالسفارة البريطانية عندما كنت أدرس في الجامعة وأنا في سن الحادية والعشرين». وبالمثل اكتسبت فاطمة مانع العتيبة خبرات دولية متنوعة، حيث عملت مبعوثة دبلوماسية لدولة الإمارات العربية المتحدة في مصر وسويسرا وباكستان.



ويشير ديفيد جونز وراديكا بونشي في كتابهما الجديد Unlocking the Paradox of Plenty إلى استفادة النساء في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي من تنامي برامج التوجيه والتطوير الرامية إلى مساعدتهن على ترسيخ مكانتهن في مجال الأعمال. يقول مؤلفا الكتاب: «أظهرت الأبحاث أن الرجال بشكل عام من السهل عليهم استخدام وسائل غير رسمية لإقناع زميل لهم في منصب أعلى لدعم تطورهم المهني والوظيفي، في حين تميل المرأة إلى الاستفادة أكثر من المساعدة المنظمة لأنها عادة ما تكون أكثر تردداً في الترويج لنفسها مع رؤسائها في العمل وأقل ميلاً للاختلاط الاجتماعي خلال العمل وبعده».





وقد باتت برامج التوجيه ومبادرات الدعم تحظى في السنوات الأخيرة بشعبية متزايدة لدى النساء في المنطقة. وتشمل هذه البرامج والمبادرات صندوق خليفة لتطوير المشاريع وحملة «أكون» التي أطلقها مجلس أبوظبي للتطوير الاقتصادي وغيرهما من المبادرات التي يدعمها مجلس سيدات الأعمال في أبوظبي. ومن المثير للاهتمام أنه على الرغم من أن صندوق خليفة مفتوح لكل من الرجال والنساء، فقد تم تسجيل زيادة ملحوظة في النماذج الناجحة لسيدات الأعمال اللاتي استفدن من برامج الصندوق خلال السنوات الماضية. وقد استأثرت سيدات الأعمال بنحو %35 من المخصصات التي وفرها الصندوق للشركات الصغيرة والمتوسطة الجديدة هذا العام والبالغة قيمتها 113,66 مليون درهم.





وتشمل الأمثلة الناجحة الأخرى للمبادرات المدعومة من الحكومة مبادرة صوغة الاجتماعية. وقد أطلق هذه المبادرة صندوق خليفة لتطوير المشاريع، وهي تستهدف توفير فرص اجتماعية ـ اقتصادية للحرفيين الإماراتيين والمحافظة على التراث الإماراتي من خلال تقديم الدعم اللازم لهؤلاء الحرفيين. وتسعى مبادرة صوغة بشكل استباقي لتقديم الدعم للحرفيين الإماراتيين وأغلبيتهم من النساء، وتطوير مهاراتهم التقنية والتجارية، كما تتيح المبادرة للمستفيدين من برامجها فرص الوصول الى السوق من خلال إتاحة المجال أمامهم لعرض وبيع المنتجات اليدوية المحلية التي يصنعونها.





ومنذ إطلاق المبادرة في يناير 2011، دخلت صوغة في شراكة مع عدد من المؤسسات الخاصة والعامة لتحقيق تأثير اجتماعي متزايد، ما أدى إلى تحقيق مبيعات تجاوزت قيمتها الإجمالية مليون دولار، وتوفير دخل شهري لأكثر من 148 من الحرفيين الإماراتيين الذين يعملون من منازلهم ضمن تسع مدن مختلفة في دولة الإمارات العربية المتحدة. ويعد الاتحاد النسائي العام من أبرز الهيئات التي تعمل على مساعدة المرأة الإماراتية على تأسيس أعمال من المنزل. وقد نشر الاتحاد النسائي العام مؤخراً دليلاً يجمع تفاصيل الاتصال بالشركات العائلية ونساء من مختلف الأعمار بهدف تقديم الدعم لهن في إدارة مشاريعهن الصغيرة، وهو توجه حقق نجاحاً كبيراً.





وتقول عائشة المهيري التي بدأت أعمالها في أبوظبي منذ خمسة أعوام بمساعدة الاتحاد النسائي العام: «لقد أنشأت شركة لتوفير أزياء العاملين في المستشفيات والمدارس وكذلك الخادمات. وزاد الطلب على منتجاتي بنسبة %90 بعد توزيع هذا الدليل الذي ضم اسمي ومجال عملي. إذ تلقينا اتصالات من مؤسسات كبيرة طلبت منا تزويدها بأزياء موحدة للعاملين فيها، وقد قمنا بالفعل بتوفير كل ما يحتاجونه بنجاح، وصولاً الى أصغر التفاصيل الخاصة بشعارات هذه المؤسسات».


كما يوفر مجلس سيدات الأعمال في أبوظبي الذي أنشئ في عام 2001 حوافز تستهدف بشكل خاص مساعدة النساء في دخول عالم الأعمال. فعلى سبيل المثال، يوفر المجلس «بطاقة الإماراتية» لجميع النساء اللاتي يسجلن في المؤسسة. وتوفر «بطاقة الإماراتية» لسيدات الأعمال فوائد واسعة النطاق مثل إدراجهن في كافة البرامج التدريبية والاجتماعات والمؤتمرات التي يقيمها المجلس، إلى جانب تمتعهن بفرصة المشاركة في الوفود الخارجية والاجتماع مع الوفود الزائرة.





وترسيخاً للنجاح الذي حققه مؤخراً، فقد قام مجلس سيدات الأعمال في أبوظبي بتوسيع جهوده الرامية إلى تعزيز دور المرأة الإماراتية على المستوى الدولي في مجالات ريادة الأعمال والابتكار. وقد ترأست المهندسة فاطمة عبيد الجابر مؤخراً وفداً من سيدات الأعمال الإماراتيات في زيارة إلى الهند، حيث اجتمعت 100 من سيدات الأعمال الإماراتيات والهنديات معاً لتبادل الأفكار حول آفاق العمل المشترك.





وترى سعاد الحوسني أن مستقبل سيدات الأعمال في أبوظبي سيتشكل من خلال قدرتهن وبشكل متزايد على خوض تحديات دولية أكبر في ريادة الأعمال. وتضيف سعاد: «تضم دولة الإمارات العربية المتحدة العديد من سيدات الأعمال المعروفات، ونحن كنساء نميل لأن نكون مبتكرات، كما أننا على أتم الاستعداد لتحمل المخاطر. وأعتقد أنه في غضون سنوات قليلة، وبدعم من العائلة ومجتمع الأعمال والحكومة، سنصبح قائدات أعمال ناجحات نحظى بسمعة دولية متميزة».