أثبتت الدراسات أن عدم الحراك مرتبط بالسمنة المفرطة، والمتلازمة الأيضية وأمراض القلب، والأوعية الدموية والسكري. كما أنه يعد سبباً في الوفاة المبكرة. بالإضافة إلى أن دراسة أخرى صدرت مؤخراً، تفيد بأن ذلك يسهم في الإصابة بمرض سرطان القولون وسرطان بطانة الرحم. ولا يكمن السبب في عدم ممارسة الرياضة فقط، فالعديد ممن يجلسون فترات طويلة يمارسون الرياضة، وبالرغم من ذلك هم معرضون للإصابة بالسرطان. وهذا يعني وجود سبب أخر لهذا الأمر لا يتعلق بممارسة الرياضة وحدها.


ولإيجاد هذا السبب، أجرى فريق من جامعة "ريغنسبورغ" تحليلاً لـ43 دراسة سابقة، اشتملت عينات بحثها على أكثر من 4 ملايين شخص. وقد سألت جميع هذه الدراسات المشاركين فيها عن الوقت الذي يستغرقونه وهم جالسون لمشاهدة التلفاز أو لأي نشاط آخر يتطلب الجلوس كالعمل المكتبي، وعن مقدار الوقت الذي يمكثون فيه من دون حراك فعلي. ومع مرور السنوات، أصيب 69 ألف شخص من العينة ذاتها بمرض السرطان. كما تبين أيضاً، أن خطر التعرض للإصابة بسرطان الرحم والقولون، يزداد طردياً مع معدل الأوقات التي يقضيها المرء على هذه الحالة، إذ ترتفع خطورة الإصابة بسرطان القولون بنسبة 24%، وسرطان بطانة الرحم بنسبة 32%. ويجدر بالذكر أن هذا الأمر مقتصر على هذين النوعين من السرطان فقط.


وعلى الصعيد ذاته، وُجد أن الجلوس لمشاهدة التلفاز ينطوي على نسبة خطورة أكبر؛ فنسبة الإصابة بسرطان القولون قد تصل إلى 54%، أما سرطان الرحم فتصل نسبته حتى 66%. لكن من المحتمل أن يكون لوزن الجسم في هذه الحالة دور كبير؛ فالأشخاص يميلون إلى تناول الوجبات الخفيفة والمشروبات الغازية أثناء مشاهدة التلفاز. ومن المتعارف عليه أن الوزن يشكل عاملاً مهماً للإصابة ببعض أنواع السرطان، إذ ترى دانييلا شميدت، الباحثة الرئيسة في الدراسة، أن السمنة المفرطة تنقل المواد المسرطنة للجسم عبر عدد من الأوعية الدموية على نحو عام، فضلاً عن أن الأنسجة الدهنية لدى النساء بعد انقطاع الطمث، تمثل المصدر الأساسي لهرمون الإستروجين، وبالتالي يتعرضن لخطر إصابة أعلى بسرطان الرحم، لاسيما إن كن يعانين من الوزن المفرط. علاوة على ذلك، تشير دانييلا إلى أن نقص فيتامين "د"، الذي يصاب به أغلب الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة، يعرضهم لخطر الإصابة بسرطان القولون.


ولا تزال هناك حاجة لإجراء المزيد من الدراسات، لإدراك الرابط بين قلة الحركة والإصابة بالسرطان. لكننا نعرف على الأقل الحلول المطلوبة لمواجهة ذلك؛ فممارسة الرياضة وحدها ليس بالحل المثالي، إذ يجب عليك أن تقلل من فترات الجلوس، وأن تتحرك بين الفينة والأخرى. كما ينبغي عليك التقليل من فترات مشاهدة التلفاز. أما الأشخاص الذين يمارسون الأعمال المكتبية، عليهم النهوض من على مكاتبهم، وممارسة بعض التمرينات بين الحين والآخر خلال النهار.


وفي ما يلي بعض النصائح المتعلقة بهذه المسألة:


· تجول في الشركة، وتوجه إلى مكاتب زملائك للحديث معهم، عوضاً عن إرسال رسائل إلكترونية لهم، أو الاتصال بهم عبر الهاتف.


· لا تتناول الطعام على مكتبك، واذهب سيراً على الأقدام إلى حديقة مجاورة أو إلى مطعم ما، أو تناول طعامك وأنت واقف.


· جرّب مكتباً مرتفعاً لا يتطلب الجلوس، لكن احصل على موافقة الشركة أولاً.


· اذهب إلى عملك سيراً على الأقدام، أو باستخدام الدراجة الهوائية إن كانت المسافة قريبة.


· لا تستغرق وقتاً طويلاً في مشاهدة التلفاز، بل خذ استراحة بين الحين والآخر.


· تمشّى في المساء بعد تناول طعام العشاء، أو مارس بعض التمارين ليلاً في المنزل.


· كن مثالاً يحتذى به، أما أطفالك فمن الأفضل لهم أن يتبعوا عادات جلوس صحية في وقت مبكر من عمرهم.