يعد اختبار جودة الأرباح من أكثر المواضيع الساخنة على الساحة المالية, وخصوصاً بعد إعلان العديد من الشركات العالمية إفلاسها رغم إفصاحها عن نسب أرباح عالية جداً في أعوام سابقة, وتبرز أهمية الموضوع بالنسبة لجيمع المستمثرين والمحللين الماليين الذين يتوجب عليهم اختبار جودة أرباح الشركات التي يريدون الاستثمار بها.
وسأحاول باختصار في السطور القليلة التالية بيان أهم خمسة محددات يتوجب على أي مستثمر أو محلل مالي اختبارها في الربح المفصح عنه ضمن قائمة الدخل.


أولاً: إمكانية استقرار واستمرار الربح في المستقبل:
ويكون ذلك خلال دراسة توزع مبيعات الشركات من حيث عدد المنتجات وعدد الزبائن, وعدد المناطق الجغرافية التي تبيع بها بضائعها أو تقدم خدماتها, فكلما زاد مستوى التنوع , كلما أمكاننا التنبؤ باستقرار واستمرار الربحية بشكل أفضل, على عكس الشركات التي تعتمد على منتج واحد أو منتجين, أو التي تتركز مبيعاتها على عدد قليل جداً من الزبائن ولمناطق جغرافية قليلة نسبياً.
كما تجدر الإشارة بأن زيادة التنوع بكافة أشكاله يكسب الشركة القدرة على امتلاك روافع مالية وتشغيلية عالية , بأقل خطر ممكن, وبالتالي الاستفادة من مزايا تلك الروافع وتجنب الكثير من مخاطرها.


كما قد تلجأ بعض الشركات لزيادة مبيعاتها وأرباحها من خلال تقديمها لحسومات كبيرة جداً مشروطة بالشراء في شهر معين, فتزداد مبيعات الشركة في ذلك الشهر بشكل كبير وتعترف بمبيعات وأرباح كبيرة جداً لكنها في الواقع تكون على حساب مبيعات وأرباح الفترات القادمة, لأن الموزع يكون قد اشترى حاجاته لأكثر من شهر للاستفادة من ذلك العرض.


ثانياً: القدرة على تحصيل الربح المفصح عنه في القوائم المالية, وتحصيله بأقرب وقت ممكن.
كثيرة هي الشركات التي تعتمد على البيع بالتقسيط أو على سياسات البيع الآجل لزيادة مبيعاتها, فتعترف بأرباح كبيرة جداً, لكنها قد لا تحصل جزءاً لا بأس به من مبيعاتها أو على أحسن تقدير سوف يتأخر تحصيلها لمبيعاتها فترة من الزمن,و هنا تلعب القيمة الزمنية للنقود دوراً كبيراً في تحديد جودة الربح , فالربح الذي تحصله بعد سنة قيمته أقل من الربح الذي تحصله اليوم.
كما قد لاتتمكن الشركة من تحصيل قيمة مبيعاتها بسسب ضعف جودة منتجاتها وتخلف أو تأخر الزبائن عن السداد, أو أنها أعطت موزعيها الحق في إرجاع المادة المنتجة في أي وقت عند عدم قدرتهم على بيعها في المستقبل, ورغم كل ذلك قامت بتسجيل كامل الكمية المباعة كمبيعات لها,وبالتالي أظهرت أرباحاً مرتفعة في ذلك العام.
ويمكن اختبار قدرة الشركة على تحصيل الربح وتحصيله في أقرب وقت,من خلال مقارنة تدفقاتها النقدية التشغيلية ( المفصح عنها في قائمة التدفقات النقدية) مع أرباحها لعدة أعوام, فإن كان هنالك فرق كبير بينهما دل ذلك ضعف قدرة الشركة على تحصيل مبيعاتها بشكل نقدي وبالتالي ضعف جودة أرباحها, وخصوصاً في الشركات الصناعية التي يجب في معظم الحالات تجاوز تدفقاتها النقدية التشغيلية لأرباحها السنوية.
كما يمكن للمحلل المالي مراقبة معدل نمو مبيعات الشركة مع متوسط معدل نمو حسابات زبائنها ومخزونها مع الزمن, فإن كان معدل نمو المبيعات أقل دل ذلك عن ضعف في سياسات التحصيل والبيع.


ثالثاً: أن يكون الربح حقيقاً وليس وهمياً.
من أكثر الحالات شيوعاً في وقتنا الحالي هوأن تقوم الشركة في نهاية العام بإعادة تقييم جميع أصولها المالية النقدية, عند حصول تضخم كبير, فتعترف بأرباح إعادة التقييم ضمن أرباحها التشغيلية, أو أن تكون قد اشترت بضاعة بسعر قديم ثم باعتها بسعر يومها وكان أعلى بكثير من سعر الشراء بسسب حصول التضخم, وعندها تظهر أرباح كبيرة جداً ووهمية في الشركة, وعليها فصل تلك الأرباح عن أرباحها التشغيلية العادية لأغراض التحليل والتقييم المالي.


رابعاً : أن لايكون ناتجاً عن استبدال الشركة لسياساتها المحاسبية بسياسات محاسبية جديدة.
يمكن للشركات إظهار أرباح غير عادية من خلال تلاعبها بسياساتها المحاسبية كلانتقال من قسط الاهتلاك المتناقص إلى الثابت, أو من تقييم المخزون بطريقة Weighted Average إلى التقييم بطريقة FIFO وخصوصاً عند ارتفاع الأسعار, أو من خلال تغيير طريقتها في قفل الانحرافات المعيارية... الخ.
وفي تلك الحالات يجب على المحلل المالي حساب أثر تغيير أية سياسة محاسبية على أرباح الشركة إن لم تفصح الشركة بشكل كافي عنه ضمن قوائمها المالية وبشكل رجعي على جميع السنوات السابقة.


خامساً: أن لايكون ناتجاً بسبب تخفيض الشركة لنفقاتها التقديرية القائدة للمبيعات والأرباح المستقبلية.
هنالك عدد كبير من النفقات التقديرية التي يمكن للشركات عدم انفاقها دون أن تتأثر مبيعاتها بشكل ملحوظ بنفس العام الذي حدث فيه التخفيض, مما يظهر أرباحاً كبيرة جداً قد لا تستمر في المستقبل, كتقليل انفاق الشركة على التسويق وعمليات الهندرة و البحث والتطوير والتدريب والاستشارات الإدارية والمالية... الخ, فجميع تلك النفقات ليس لها أثر حالي كبير, وإنما عدم انفاقها سيؤثر حتماً بشكل سلبي على مبيعات وأرباح الشركة المستقبلية, وغالباً ما يكون هدف الإدارة من تقليل انفاقها هو الفوز بالمكافآت المالية عند تحقيقها لمؤشرات الربحية الأساسية كمعدل العائد على السهم و معدل العائد على حقوق الملكية.
وهنا يجب على المحلل المالي نسب تلك النفقات لمبيعات الشركة على مدى فترات زمينة, ومراقبة انخفاضها أو زيادتها, وربط ما توصل إليه مع إفصاحات الشركة ضمن تقريرها السنوي.
بناء على ما سبق, لا يمكننا الاعتماد على رقم الأرباح الظاهر في قائمة الدخل لأية شركة دون اختبار جودة هذه الربح من حيث استقراره وإمكانية استمراره مستقبلاً ومن حيث القدرة على تحصيله وبأقرب وقت ممكن, بالإضافة لكونه ربحاً حقيقاً وليس وهمياً, وأن لا يكون ناتجاً عن استبدال الشركة لسياساتها المحاسبية بسياسات محاسبية جديدة, وأن لا يكون ناتجاً بسبب تخفيض الشركة لنفقاتها التقديرية القائدة للمبيعات والأرباح المستقبلية.