د. محمد فتحي


نعَمْ أنت تستطيع.
نعم أنت تستطيع بلا شك أن تخرج مما أنت فيه.

نعم أنت تستطيع أن تخرج إلى النور بالعزيمة.
نعم أنت تستطيع ذلك من خلال:



التخلص من التسويف


* إن كان لا ينقصُك العلم ولا الإمكانيات فأنت تعلم مضارَّ تسويفك للأمور، ولذا لا بد لك من مراجعة قضية الوفاء بالالتزامات التي تقطعُها على نفسك والتهاون بعدم تنفيذها حبًّا في الراحة وعدم إتعاب نفسك، إن لم تتعب نفسك مختارًا الآن أتعبتها مُجبرًا وتعبًا مضاعفًا في المستقبل، لذا تحرَّك الآن وافعل شيئًا، ولا يغرَّنك طول الأمل، وتأكد أن الغد يأتي بمشاكله ومهامه وهمومه فلا تضيف إليه مشاكل اليوم ومهامه، وتذكر حديث الرسول «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرَمِك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» (صحيح مستدرك الحاكم).



* لا تنتظر الوقت المناسب، فهو لن يأتي أبدًا، ولكن افعل كما يفعل النجار؛ فالنجار لا يبحث عن المكان الفارغ ليضع فيه المسمار، ولكنه يحدد المكان الذي يريد أن يضع فيه المسمار ويطرق عليه فيشقّ المسمار طريقه، اعرف ما تريد، وحدِّد الوقت الذي تريد، واطرق عليه بعزمك، تجد الوقت المناسب.



* اشحذ فأْسَك، يحكى أن حطَّابًا كان يجتهد في قطع شجرة في الغابة ولكن فأسه لم تكن حادّة، إذ إنه لم يشحذها من قبل، فمر عليه شخص ما فرآه على ذلك الحال فقال له: لماذا لا تشحذ فأسك؟ وهو منهمك في عمله: «ألا ترى أنني مشغول في العمل».

إن شحذ الفأس سيساعدك في قطع الشجرة بسرعة وعلى بذل مجهود أقل في القطع، وكذلك سيتيح لك الانتقال لشجرة أخرى، واغتنام فرص لم تكن تخطُرُ على بالك من قبل.



* ضع وقتًا للانتهاء من كل مهِمَّة يجب أن تقوم بها، وخذْ على نفسك عَهْدًا بأنك متِمُّها.



* شجِّع نفسَك بالوسيلة التي تراها مناسبةً لها، واجعل لها حافزًا، فإن نجحتَ في أدائها في وقتها فأعْطِ لها الحافز ولا تقُلْ لها لا يهم، إياك من فعل هذا بك.



وتخيَّلْ لو أنك وعَدْتَ شخصًا ما بحافز أو مكافأة على عمل، وعندما قام بأدائه على خير وجْه لم تنفذْ وعدك إياه، ثم جئت تطلب منه عملاً آخر وتعدُه بحافز آخر، هل يصدِّقُك، بالطبع كلا، فأنت حنثتَ بوعدك معه فلا يستجيبُ لك، وكذلك نفسك، عقلك يقول لها في المرة الثانية لا تصدِّقِيه، إنه يضحك عليك، لن يفي بوعده.... حتى يصل إلى مرحلة عدم تصديقك لك.



* واجه المهام غير المحببة لك، وفَتِّت المهام الصعبة والكبيرة، تذكر أنه ليس بمقدورك ابتلاع التفاحة مرة واحدة، وإنما يتم تناولها قطعة قطعة.



* حدِّد لك قدوة في نموذج لشخص لا يجد صعوبة في الأشياء التي تسوِّفها أنت، تقمَّص دوره لبعض الوقت وتعايش معه وهو يقوم بهذه الأشياء، وتخيل أنك ذلك الشخص لتدفعك نفسك نحو أداء المهام المؤجَّلة.



* دع شخصًا قريبًا منك رقيبًا عليك بإعطائه سلطة محاسبتك على فعل أو عدم فعل لمهام هذا الشخص قد يكون والدًا/ والدة/ زوجًا/ زوجة/ زميلاً/ مديرًا... ليساعدك في القضاء على ما تقوم بتسويفِه من أمور.



* انسلخْ من صُحبة المسوفين والكسالى، والزم أصحاب الحزم والعزم، وتأمل جيدًا حديث الرسول «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يُحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يُحرق لك ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة» (رواه البخاري).



* لا تنسَ أنك أدمنتَ التسويف وتعوَّدْت عليه مرات ومرات طيلة فترة زمنية طويلة، وبالتالي فلن تتخلص من بين عشية وضحاها، وبالتالي كرِّر ثم كرِّر وسائل التخلُّص من إدمان التسويف ومن مبرراته الخادعة بالتصميم والمثابرة والإرادة النفسية.



* احذف الكلمات التالية من قاموسك النفسي: آمل، أتمنى، ربما، وإذا ما تسلَّلت هذه الكلمات إليك استبدلها فورًا بأخرى مثل:



- آمل أن تسير الأمور بشكل جيد إلى: إن شاء الله وبالاعتماد عليه سأجعل الأمور تسير جيدًا وهأنذا أبدأ.
- أتمنى لو كانت الأمور والظروف أفضل إلى: بحول الله وقوته لن تقف أمور أمامي فالظروف سوف تتعدل.
- ربما تتحسن الأمور وتسير على نحو أفضل إلى:بالاستعانة بالله فسأعمل على تحسين الأمور وتذليل العقبات.



* قرر ألا تشعر بالتعب إلا قبل أن تأوي إلى فراشك بقليل حتى لا يكون التعب أو المرض أو التوتر وسيلة نفسية للهروب.



* حوِّل المهمة المسوفة إلى عمل شيق وعندها سيصبح إنجازها أسهل؛ لأن الفرد لا يؤجل عمل الأشياء التي تشعره بالراحة، اجعلها متعة، اخلق منها تحديًا أو منافسة، حوِّلها إلى مغامرة مثيرة.



* المهام المملة فعلاً اجعلْها أكثر قبولًا لإنجازها، ما من شيء في حد ذاته يكون جيدًا أو سيئًا، وما من شيء سهل ولا صعب حتى نقرِّر نحن ذلك، كيفية نظرتك للمهمة هي التي تحدث فرقًا، انظر لها بشكل إيجابي وستنجزها أسرع وبقبول أكثر، وعندما تمتلك هذه المهارة ستقهر وسواس التأجيل.



* عايش السلف الصالح والعلماء في نظرتهم للوقت والتسويف، مثال ذلك:



- يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «من القوة ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد».
- بعدما فرغ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه من دفن سليمان بن عبد الملك وانتهى من الخطبة التي بايعه فيها الناس، نزل من على المنبر متجهًا إلى بيته ليستريح ساعة بعد عنائه، فأقبل عليه ولده عبد الملك قائلاً له: ماذا تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين؟ فأجاب: أريد أن أغفوَ إغفاءة، فلم تبق في جسدي طاقة، فقال له ولده: أتغفو قبل أن ترُدَّ المظالم إلى أهلها؟ فقال عمر: يا بني إني قد جهدت البارحة في عمل سليمان وإني إذا حان النهار صليتُ في الناس ورددت المظالم إلى أهلها، فقال الولد: ومن يضمنُ لك البقاء إلى الظهر يا أمير المؤمنين؟ فألهبت هذه الكلمات حماستَه وأطارت النوم من عينيه وقال له: ادنُ مني، فضمه إليه وقبَّلَه قائلاً: الحمد لله الذي أخرج من صُلبي من يُعينني على ديني.



- يقول الحسن البصري رحمه الله: «أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم».
- يقول أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي: إني لا يحلُّ لي أن أضيِّع ساعةً من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرحٌ فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عمر الثمانين أشد ما كنتُ أجده وأنا ابن عشرين، وأنا أقصر بغاية جهدي وقت أكلي حتى أختار سف الكعك وتحسيه بالماء على الخبز لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ توفيرًا على مطالعة أو تسطير فائدة لم أدركها فيه.
- يقول موسى بن إسماعيل التبوذكى: لو قلتُ لكم إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكًا لصدقت، كان مشغولًا: إما أن يحدث أو يقرأ أو يسبح أو يصلي، وقد قسم النهار على ذلك.
- يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي: أثقل الساعات علي: ساعة آكل فيها.
- يقول ابن أبي أصيبعة صاحب طبقات الأطباء: يحكي لنا القاضي شمس الدين الخوئي عن الشيخ فخر الدين بن الخطيب أنه قال: والله إنني أتأسف في الفوات عن الاشتغال بالعلم في وقت الأكل فإن الوقت والزمان عزيز.
- قال عمار بن رجاء: سمعتُ عبيد بن يعيش يقول: أقمت ثلاثين سنة ما أكلتُ بيدي بالليل كانت أختي تلقمني وأنا أكتب الحديث.
- قال «فرقد» إمام مسجد البصرة: إنهم دخلوا على سفيان الثوري في مرض موتِه فحدثه رجل بحديث فأعجبه، فضرب سفيان بيده إلى تحت فراشه فأخرج ألواحًا فكتبه فقالوا له: على هذه الحال منك؟! فقال: إنه حسنٌ إن بقيت، فقد سمعت حسنًا وإن متّ فقد كتبت حسنًا.
- يقول «أبو الجلد»: وجدت التسويف جندًا من جنود إبليس قد أهلك خلقًا من خلق الله كثيرًا.

- يقول «أبو بكر النساج»: من استعمل التسويف طالت حسرتُه يوم القيامة.
- يقول الحسن البصري: «يا ابن آدم، إنما أنت أيام معدودة، فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، ويوشِك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل وأنت تعلم، فاعمل».