التقدم اليوم لم يعد يتعلق بالقدرة على الإنتاج واستحداث المعدات واستثمارات الموارد بقدر ما يتعلق بالسرعة والمهارة في القيام بذلك، وعليه أصبح الوقت واستثماره وإدارته أحد العناصر الأساسية التي يحكم بها على الجودة في كل المجالات. إن إدارة الوقت تفهم على أنها مرادفة للترتيب والتنظيم وإجراءات العمل اليومية، وهذه العوامل كلها عناصر ذات فاعلية كبيرة، إلا إن إدارة الوقت أكثر تعقيدًا من ذلك، أنها حالة نفسية أنها استعداد للالتزام الشخصي.

بدأ الاهتمام بموضوع إدارة الوقت في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن العشرين، وكانت أول محاولة في مجال دراسة إدارة الوقت بالشكل العلمي للكاتب جيمس ماكي. إذ وضع كتابه إدارة الوقت عام 1958, وكانت أهم عباراته التي لا زالت تتردد حتى الآن: إذا كنت تشعر بنقص في الوقت فهذا دليل على أن مهاراتك ومعلوماتك الإدارية باتت غير صالحة للمستجدات.
ويعتبر الوقت من المتغيرات البيئية الخارجية التي ليس لأية سلطة قدرة على التحكم فيها، فليس هناك من يستطيع تقديم أو تأخير الوقت أو حتى زيادته أو تقليله، ويأتي الوقت على قمة عناصر أو مؤشرات التقييم حيث يربط النجاح أو الفشل في تحقيق الأهداف بالمدى الزمني المحدد لذلك.

ويعتبر الوقت ذا أهمية قصوى في حياة الإنسان, ولذلك أكدت مصادر التشريع الإسلامي على قيمة وحسن استغلاله، حيث أقسم الله سبحانه وتعالى بالليل قال تعالى: }والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى{ سورة الليل. كما أقسم جل شأنه بالضحى قال تعالى }والضحى. والليل إذا سجى{ سورة الضحى، وأقسم سبحانه وتعالى بالفجر، قال تعالى }والفجر. وليال عشر{ سورة الفجر، كما أقسم سبحانه وتعالى بالعصر قال تعالى }والعصر. إن الانسان لفي خسر{ سورة العصر، كما حث الرسول صلى الله عليه وسلم على حسن استغلال الوقت، فعن أبي برزة نضاله بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لن تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به) رواه الترمذي، رقم الحديث 405 باب الخوف.

إن الأفراد الذين لديهم القدرة على التحكم في الوقت وإدارته وعدم الاستغراق في الأمور الشخصية لديهم سمات شخصية تمكنهم من حسن استغلال أوقاتهم مثل المثابرة والمرونة في التعامل مع الآخرين والمواقف الضاغطة، والاتزان الانفعالي والصبر وبذل الجهد دون استنزاف انفعالي أو جسمي، والقدرة على تحديد الأهداف الواقعية، والثقة أي تعلم قول كلمة «لا» وذلك للأنشطة التي قد تعوق إدارة الوقت بكفاءة.


التعامل مع المواقف الضاغطة..
إن الصحة النفسية والبدنية للإنسان ينبغي النظر إليها بعين الاعتبار من أجل تحقيق نظام إداري فعال، ووفقًا لنظرية الأنماط التي ترى أن كل فرد لديه سمات شخصية ثابتة نسبيًا تؤثر في تعامله مع المواقف الضاغطة وتختلف باختلاف الأفراد، فقد صنف الباحثون الأفراد من حيث مدى تأثرهم بالضغوط إلى نمط السلوك «أ»، ونمط السلوك «ب» ـ وإن كانت هناك دراسات قد صنفت الأفراد إلى: ثلاثة أنماط ـ ويتسم صاحب النمط «أ» بأنه متنافس وعدواني وسريع الكلام ويشعر بضغط الوقت مما يعرضه لمستويات مرتفعة من الضغوط، وعلى النقيض يكون صاحب النمط « ب» فهو شخص متروٍ ولا يشعر بضغط الوقت وغير متنافس وينتقي لنفسه أساليب حياة سهلة.

ويتعرض العامل إلى الكثير من الضغوط النفسية التي تسهم في إنهاك طاقاته وتحرمه من الاستمتاع بحياته على الوجه الأكمل، وقد ينتابه الصراع النفسي الذي يشغل تفكيره ما بين الاستمرار في العمل أو اعتزاله، وفي حالة تراكم مثل هذه العوامل وعدم القدرة على مواجهتها قد تؤدي إلى حالة من الاحتراق النفسي، ويعد الاحتراق النفسي من الظواهر التي جذبت اهتمام الباحثين على مدى الثلاثين عامًا الماضية، حيث تناولت أبحاثهم الاحتراق النفسي بوصفه ناتجًا عن الضغوط المهنية وبعض الأسباب الأخرى، ووصف بأنه أكثر حدوثًا لدى أصحاب المهن الخدمية. إن الاحتراق النفسي كما يؤكد الباحثون يؤثر على الكوادر البشرية العاملة، فهو يؤثر سلبيًا في الجانب الاجتماعي، الصحي والنفسي للأفراد الذين يعانون منه أو الذين يفترض فيهم القيام بعملهم بطرائق تتسم بالفعالية، وحينما تزداد شدة الاحتراق النفسي، فقد يفقد الفرد القدرة على التوازن ويغير نمط سلوكه إلى نمط جديد.

ويعتبر الأفراد من ذوي نمط السلوك «أ» أكثر تعرضًا للإثارة والسلبية لضغوط العمل والمتمثلة في الاحتراق النفسي، فهناك علاقة بين خصائص نمط السلوك «أ» وخاصة الاستغراق في العمل، والإرهاق البدني والنفسي للفرد، فالأفراد ذوو نمط السلوك «أ» أكثر استغراقًا في العمل، ومن ثم يحصلون على مكافآت معنوية من نجاحاتهم الدائمة، غير أنهم يدفعون ثمنًا غاليًا في صورة مشقة نفسية وضغوط مهنية وأمراض بدنية إذا ما فشلوا في القيام بأدوارهم المهنية.
هناك عدة أساليب خاصة بتجنب الوصول إلى مرحلة الاحتراق النفسي منها مواجهة المشكلات والتخطيط الجيد وتنظيم الوقت.


إدارة الوقت.. الاهتمام بالأولويات وترتيبها
إدارة الوقت هي «فن وعلم الاستخدام الرشيد للوقت، وهي علم استثمار الزمن بشكل فعال، وهي عملية قائمة على التخطيط والتنظيم والتنسيق والتحضير والتوجيه والمتابعة والاتصال، وهي عملية كمية ونوعية معًا في ذات اللحظة، وهي عملية لا تنظر إلى الماضي أو ترتبط بالحاضر، وإنما هي أساسًا موجهة إلى المستقبل وتقوم باستشراف آفاقه والتنبؤ به والوقوف على مساره واتجاهاته والدروب المختلفة الموصلة للأهداف، ومن ثم فإن الطريق إلى المستقبل يركز على حسن اختيار بدائل الحاضر واتخاذ الحاضر لقاعدة انطلاق الى المستقبل، فحسن إدارة الوقت في المستقبل تعني التخطيط لذلك في الحاضر وعملية التخطيط في إدارة الوقت تعني السيطرة شبه الكاملة على كل شيء، فإدارة الوقت هي إدارة لأندر عنصر متاح للمشروع، فإذا لم نحسن إدارته وبشكل فعال، فإننا لن نحسن إدارة أي شيء آخر.

وهكذا فإن إدارة الوقت هي قدرة الفرد ـ أيًا كان موقعه المهني ـ على وضع الأولويات وترتيبها، وإدراك مضيعات الوقت والقدرة على ضبطها وتفويض السلطة وإدراك الذات.
إدارة الوقت هي إدارة نحو الأفضل، نحو تعظيم الإنجاز وزيادة الأعمال الممكن إنجازها وفي أقل وقت، أي التحول إلى ساعات عمل قليلة وفي نفس الوقت تحقيق إنجاز أكبر، وهو أمر يتوقف على إدراك الفرد لذاته ومعرفته الحقيقية بقدراته وإمكانياته، فالمعرفة تتكرر وتتطور وتنمو وتزداد بالتعليم والتدريب وتطبيق المبادئ الخاصة بإدارة الوقت.