يسعى العاملون في ميدان الاقتصاد والأعمال إلى الحصول على معايير ومقاييس لتحديد قيمة الموجودات المعرفية، وقياسها بأساليبَ كميةٍ، والتي ستذلل الطريق أمام الإدارات للسيطرة على الموارد غير الملموسة، وحسن إدارتها بشكل يضمن نجاح منظماتهم ومؤسساتهم، ويعمق رسوخها الاقتصادي.

ولكي نذلل عقبة التمييز بدقة بين الموجودات المعلوماتية ورأس المال المعرفي؛ سنبيح لأنفسنا دمج هذين المفهومين في بوتقة واحدة؛ لكي تسهل مهمة التعامل معها، وتصبح أساليب قياسها أكثر سهولة، وعليه "ستتحدد تخوم الموجودات المعرفية بالقيمة الكمونية الموجودة في عناصرها الأساسية، والتدفقات الكلية لرأس المال في المنظمة، والعلاقات والتغييرات الدؤوبة التي يمكن أن تُحدِث زيادةً في قيمة رأس المال ذاته، وتوظيف إمكانياته في مهام الأعمال الميدانية، وستتضمن موجودات المنظمة المعرفية التي لم تمرَّ بعمليات معالجة وتركيز، بالإضافة إلى الموجودات التي تولد الثروة، والتي تكون المعرفة العنصرَ الأساس الذي يشكل مادتها".

ويلاحظ المرء أن توظيف رأس المال المعرفي في التطبيقات الميدانية، هو الذي يمثل حجر الزاوية لعملية ترجمة قيمته الكامنة إلى موجودات مالية، أو كما ذهب ستيوارت إلى أن الذكاء يصبح في عداد الموجودات، عندما ينتج عنه نوع من الترتيب والبنى المنطقية للقدرات العقلية، عندما تطرح في بناء متماسك (مثل قواعد بيانات، أو قائمة مراسلات... إلخ)؛ وعندما يمكن الظفر بها بطريقة تمنحنا فرصة لوصفها، ومشاركتها، واستثمارها، وعندما يمكن توظيفها لأداء مهمةٍ ما لا يمكن أن نقوم بتنفيذها، ما دامت مبعثرة وغير مترابطة مع الواقع الملموس.

وعليه؛ ما لم تستثمر الموجودات المعلوماتية، ويتم تطبيقها بصورة صحيحة على أرض الواقع، فإنها لن تثمر أي مردود اقتصادي ملموس وَفْق مقاييس الأداء المالي؛ لأن هذه الموجودات - شأنها شأن رؤوس الأموال والمعدات - تكون موجودة، وذات قيمة مادية مثمرة، فقط عندما تكون قائمة ضمن مسار يدرك بوضوح ماذا يريد منها، وطبيعة الغاية التي يوظفها من أجلها.

لقد اقترحت جملة من النماذج والأساليب لقياس رأس المال المعرفي، ولكنا آثرنا أن نعرض الأنموذج الإسكندنافي Skandia Model، الذي وفَّر صورة واضحة المعالم ومتكاملة لكل من رأس المال المستثمر ورأس المال المعرفي، يحتوي هذا الأنموذج على خمسة عناصر، هي: رأس المال المعرفي، رأس مال السوق (ويرمز إليه برأس مال الزبون)، رأس مال التصنيع/ المعالجة، رأس المال البشري، ورأس مال التحديث والتطوير، وبينما يمثِّل رأس المال المستثمر تاريخ الشعب، وحجم إنجازات الماضي، فإن رأس المال المعرفي يعكس مقدار الاستثمارات الكامنة في هيكل الاقتصاد الوطني، والتي تعدُّ مادة للنمو والتطور المستقبلي.

تصف سلسلة القيمة لدى أيدفنسن عناصر قيمة السوق المختلفة على أساس الأنموذج الآتي:
قيمة السوق = رأس المال الاستثماري + رأس المال المعرفي.
إن المفتاح الحاسم للقيمة الوطنية الخبيئة، أو رأس المال المعرفي، تكمن في كلٍّ من رأس المال البشري، ورأس المال الهيكلي؛ لذا يمكن أن يصاغ أنموذجه كما يأتي:
رأس المال المعرفي = رأس المال البشري + رأس المال الهيكلي.

ولكي تزداد معرفتنا وتتعمق بتفاصيل هذا الأنموذج؛ سنعمد إلى توفير تعريفات مختصرة، توضح مكونات عناصر رأس المال المعرفي التي ينبني عليها هيكل هذا الأنموذج.

رأس المال البشري Human Capital: ويتألف من الخبرة المتراكمة، والمهارة، والقدرة على الابتكار والإبداع، وقدرة أفراد الشعب على تحقيق المهام، ويتضمن القيم والثقافة والفلسفة التي قد بزغت على تربة الوطن، وتكمن في هذه المفردات: المعرفة، والحكمة، والخبرة، والحدس، وقدرة الفرد على إدراك المهام والأهداف الوطنية.

يعد رأس المال البشري من الخصائص التي يتسم بها أفراد المجتمع، ولا تقع في دائرة ملكية المنظمة أو الشعب.

رأس المال الهيكلي Structural Capital: يعبِّر هذا النوع من رأس المال عن الموجودات المعرفية التي تبقى في دائرة المنظمة، عندما لا يؤخذ رأس المال البشري - والذي يعد من الخواص الفردية - بعين الاعتبار، ويتضمن رأس المال المؤسساتي Organizational Capital، ورأس مال الزبون Customer Capital (ويعرف أيضًا برأس مال السوق Market Capital)، وعلى النقيض من رأس المال البشري، فإن هذا النوع من رأس المال تمتلكه المنظمة أو الشعب، ولها القدرة على الاتجار به.

رأس المال الهيكلي = رأس مال السوق + رأس المال المؤسساتي.

رأس مال السوق Market Capital: ضمنالسياق المعتمد في هذا الأنموذج، يمثل هذا العنصر من رأس المال المعرفي القيمة المطمورة في العلاقة القائمة بين المنظمة أو الشركة مع زبائنها، ويطلق عليها رأس مال الزبون، وبمنظور الموجودات المعرفية الوطنية يشار إليها كرأس مال السوق، الذي يدل على علاقات السوق والتجارة التي تنهض بها الدولة ضمن الأسواق العالمية مع الزبائن والمجهزين.

رأس المال المؤسساتي Organizational Capital: ويتضمن الإمكانيات الوطنية المنتظمة في عتاد الحاسوب، والبرمجيات، وقواعد البيانات، والهياكل المؤسساتية، وحقوق المعرفة العلمية، والعلامات التجارية، وأية مواد أخرى تسهم في دعم إنتاجية الأفراد من خلال مشاركة المعرفة ونقلها، يتألف هذا النوع من رأس المال من عنصرين، هما: رأس مال التصنيع، ورأس مال التطوير والتحديث.

رأس المال المؤسساتي= رأس مال التصنيع + رأس مال التطوير والتحديث.

رأس مال العمليات/ التصنيع Process Capital: وتشمل العمليات الوطنية، والأنشطة، والبنى التحتية الموظفة في عمليات: الإبداع، والمشاركة، ونشر المعرفة؛ لغرض الإسهام في تعميق إنتاجية العاملين بمختلف الميادين.

رأس مال التحديث والتطوير Renewal and Development Capital: يعكس هذا الجزء من رأس المال المعرفي القدراتِ الوطنيةَ، والاستثمارات الفعلية للنمو المستقبلي، مثل أنشطة البحوثوالتطوير، وحقوق المعرفة العلمية، والعلامات التجارية، والشركات الجديدة التي تعدُّ المفتاح الأساس للقدرة التنافسية الوطنية المستقبلية.

وفي سياق تخمين رأس المال المعرفي الوطني، فإن رأس المال الاستثماري يعكس السجل الوطني والإنجازات المتحققة في الماضي، بالمقابل فإن رأس مال العمليات ورأس مال السوق يشكلان العنصرين اللذين ترتكز عليهما عمليات المجتمع بالوقت الراهن، ويحدد رأس مال التحديث والتطوير كيفية الإعداد للمستقبل، أما رأس المال البشري، فيستقر في الجزء الحيوي من رأس المال المعرفي، مطمورًا في القدرات، والخبرات، والحكمة المتوفرة لدى الكوادر البشرية الوطنية، والتي تعكس بوضوح الطاقات المطلوبة التي ستوفر فرصة توليد عنصر القيمة من جميع عناصر رأس المال المعرفي المتاحة.