«إدارة المعلومات» مصطلح شائع في البيئة المعلوماتية، غير أن مفهوم «إدارةالمعرفة» غريب إلى حد بعيد عنها، ورغم تزايد الاهتمام به خلال العقد المنصرم، فلا يزال الجدل محتدما حول المفهوم الحقيقي له، فالبعض يتصور أن إدارةالمعرفة ما هي إلا تعبير مرادف لمصطلح «إدارة المعلومات». في حين يرى آخرون أنها مفهوم يتركز على الجهود الخاصة بتنظيم المداخل إلى مصادر المعلومات المتاحة عبر الشبكات، وهذا ما يجعلها محور اهتمام المعلوماتيين في وقتنا الحاضر، ويرى فريق ثالث أن «إدارة المعرفة» ما هي إلا آخر صرعات منتجي تقنية المعلومات والاستشاريين بهدف بيع حلولهم المبتكرة إلى رجال الأعمال المتلهفين لأية أداة يمكن أن تساعدهم في تحقيق التقدم التنافسي الذي هم أحوج ما يكونون إليه في ظل العولمة.
من المؤكد أن تقنية المعلومات تلعب دورا محوريا في برامج إدارة المعرفة من خلال قدرتها على تسريع عملية إنتاج ونقل المعرفة، وتساعد أدوات إدارة المعرفة في جمع و تنظيم معرفة الجماعات من جعل هذه المعرفة متوفرة على أساس المشاركة. وبسبب ضخامة مفهوم المعرفة وتشعبه، فقد أصبح سوق برمجيات إدارة المعرفة مربكا وغير واضح المعالم ومحيرا إلى حد بعيد، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو كيف تبدو العلاقة التي تربط بين إدارة المعرفة وإدارة المعلومات؟ وما هو دور إدارة المعرفة في إرساء أسس مجتمع المعلومات في العالم العربي؟
نبدأ أولا بتعريف إدارة المعرفة بالقول إنها العمليات التي تساعد المنظمات على توليد المعرفة، واختيارها وتنظيمها، واستخدامها، ونشرها، وأخيرا تحويل المعلومات الهامة والخبرات التي تمتلكها المنظمة والتي تعتبر ضرورية للأنشطة الإدارية المختلفة كاتخاذ القرارات، حل المشكلات، التعلم، والتخطيط الاستراتيجي.
ولكن هل هناك علاقة بين إدارة المعلومات و إدارة المعرفة؟ بالنسبة لغير المعلوماتيين لا يبدو هناك أي اختلاف بين «إدارة المعرفة» و «إدارة المعلومات»، فمثلا مسوقو تكنولوجيا المعلومات يعتبرون الماسحة الضوئية (scanner) تكنولوجيا رئيسية لإدارة المعرفة لتصورهم بأنها ضرورية لتقاسم المعرفة، بينما هي في الحقيقة أداة لإدارة المعلومات، لذا فإن التعامل مع الأشياء (البيانات أو المعلومات) من اختصاص إدارة المعلومات.
والعمل مع البشر هو إدارة معرفة، وللتوضيح بصورة اكبر، فإن إدارة المعلومات تتعلق بالوثائق ورسومات التصميم المسند بالحاسوب، والجداول الإلكترونية، ورموز البرامج، وهي تعني ضمان توفير المداخل، والأمنية، والانتقال، والتخزين، وهي تتعامل حصريا مع التمثيل الواضح و الجلي.
في حين أن إدارة المعرفة، من الناحية الأخرى، تميز القيمة في الأصالة، والابتكار، وسرعة الخاطر، والقدرة على التكيف، والذكاء، والتعلم، و هي تسعى إلى تفعيل إمكانيات المنظمة في هذه الجوانب، وتهتم إدارة المعرفة بالتفكيرالنقدي، والابتكار، والعلاقات. والأنماط، والمهارات، والتعاون والمشاركة، وهي تدعم وتسند التعلم الفردي وتعلم المجموعات، وتقوي التعاضد بين أفراد المجموعات وتشجع مشاركتهم في الخبرات والنجاحات وحتى الفشل، وقد تستخدم إدارة المعرفة التكنولوجيا لزيادة الاتصال، وتشجيع المحادثة، والمشاركة في المحتوى، والتفاوض حول المعاني.
نظرة متفحصة
ما الذي يمكن لإدارة المعرفة أن تحققه لمجتمعنا العربي لإرساء أسسه كمجتمع معلوماتي قادر على منافسة المجتمعات الأخرى؟
الإجابة عن هذا التساؤل تتطلب منا إلقاء نظرة متفحصة على الذي استطاعت المجتمعات المتقدمة أن تحصل عليه نتيجة للإدارة الفعالة للمعرفة، لقد وفرت إدارة المعرفة الكثير من الفرص للمنظمات في المجتمعات المتقدمة لتحقيق تقدم تنافسي من خلال ابتكارها تكنولوجيات جديدة، ووسائل إنتاج وأساليب عمل جديدة ساهمت في تخفيض التكاليف وبالتالي زيادة الأرباح، وكل ذلك دفع إلى خلق ما يسمى بصناعة المعرفة (knowledge industry) التي أصبحت اليوم موضوع الساعة لقطاع الأعمال في المجتمعات الأكثر تقدما صناعيا.
ويقدر أكثر من 70 بالمائة من العمل بأنه في مجالات تتعلق بالمعلومات أو المعرفة. و حتى الصناعات التقليدية أصبح عدد عمال المعرفة فيها (أصحاب العمل الذهني) أكبر من العمال الذين يستخدمون أياديهم. فقيمة العديد من المنظمات كما تظهر من أسعار أسهمها هي عادة عشر مرات بقدر قيمة ممتلكاتها الدفترية. والفروق تعود في الأساس إلى الممتلكات غير الملموسة، مثل الاسم التجاري، وبراءات الاختراع، وحقوق النشر، والمعرفة الفنية، ويمكن لمجتمعاتنا العربية أن تستفيد من إدارة المعرفة من خلال: التقاسم الأفضل للمعرفة، وخلق معرفة جديدة وتحويلها إلى منتجات، وخدمات، وأساليب ذات قيمة، والأسلوبان، كما هو واضح، يعتمدان بشكل يكاد يكون تاما على تكنولوجيات المعلومات التي ستتم الاستفادة منها بشكل مكثف في المجتمع، وهذا ما سيسهم بالتالي في إرساء أسس المجتمع المعلوماتي القادر على النمو والتقدم.
استنتاجات
رغم التشابه الكبير بين المصطلحين، إلا أنهما ليسا وجهين لعملة واحدة.. فإدارة المعرفة تعمل في المستوى التجريدي أكثر من إدارة المعلومات. و لكن هذا لا يقلل من أهميتها الاستراتيجية بأي شكل من الأشكال.
ولكي نتفهم واقع إدارة المعرفة، علينا أن ننظر بشكل أكثر واقعية إلى الماضي والحاضر، في الماضي كانت هناك الكثير من المجتمعات التي تمارس إدارة المعرفة بصورة أو بأخرى من دون أن تطلق على ممارساتها هذه التسمية، أما اليوم فالعديد من المجتمعات اتخذت خطوات رسمية في هذا الجانب و استحدثت برامج إدارة المعرفة. ولكن ما زالت هذه المجتمعات قاصرة عن إدماج «إدارة المعرفة» بشكل كامل في فعالياتها وقراراتها المجتمعية.