أما إن كنت لا تعلم مدى خطورة حياتك التي تعيشها بدون رؤية واضحة، ولا تعلم ما هي الأهداف والخطة التي ستوصلك إلى مُبتغاك، فصدقني عزيزي القارئ أنك قد حكمت على مستقبلك بالإعدام، وأنت في أشد الحاجة لكي تقرأ مقالتي اليوم والتي ستكون بإذن الله تعالى بداية إنطلاقة جديدة لحياتك ولكن بقيمة ومعنى.لنبدأ بالتساؤلات الإعتيادية لتلخيص نقطة البداية:هل تعلم ما هي رؤيتك في الحياة؟ هل تعلم لماذا أنت هنا ولماذا تقوم بما تقوم به الآن؟ هل فكرت ما هي المحطة القادمة؟ وإن كنت تعلم ما هي رؤيتك الحياتية، هل قمت بالتخطيط لها؟ هل فكرت ما الذي تنوي إنجازه في كل عام لتدعم تحقيقها؟ وإذا كنت تملك خطة، هل قمت بتدوينها خطياً لتتمكن من جعلها واقعاً قابلاً للتطبيق؟ أم أنك تركتها خواطر تدور في رأسك غير مصقولة ولا مفهومة لتتبخر في رصيدك الذاكري كأخواتها السابقات؟ هل تعلم أين هي اللحظات المهمة في حياتك ومحطات الإستراحة ومتى النهاية وأين؟ أسئلة كثيرة ومتشعبة تحتاج منك إلى أجوبة مفيدة ومقنعة لتمكنك من بلورة رؤيتك في الحياة، وتبرير ما تقوم به الآن وما ستقوم به غداً.بداية، دعني أصارحك عزيزي القارئ أنهم قليلون جداً الأشخاص الذين نجحوا في حياتهم عن طريق الصدفة أو الحظ، فأغلب الناجحين الذين أعرفهم ويعرفهم الجميع قد نجحوا في حياتهم بسبب التخطيط العميق والمستمر، ومن بعده التنفيذ والعمل المضني حتى أصبح الحلم حقيقة، فلم يكن النجاح بالنسبة لهم مسألة حظ أو صدفة … بل على العكس تماماً، فقد تعاملوا مع النجاح بواقعية كبيرة، وقد علموا أنَّ النجاح يحتاج إلى كثير من التخطيط الواقعي والحقيقي وليس فقط مجرد الكلام والنوايا الحسنة، والمشكلة الكبرى التي يواجهها معظم الناس أنهم لا يأبهون لمسألة التخطيط ولا يعيرونها أي إهتمام، فيقضون حياتهم بين النوم والعمل ومشاهدة التلفاز والذهاب إلى الأسواق والمطاعم والمجمعات التجارية وأحلام اليقظة … بعيدين أشد البعد عن الحقيقة!الشيء المحزن والذي لا يدركه الكثيرون أنَّ الذين يفشلون في إمتلاك خطة خاصة بهم يقعون في نهاية المطاف ضحية خطة شخص آخر، فيعيشون ليبذلوا الوقت والجهد والمال لغيرهم، لذلك عزيزي القارئ لابد من إدراك أهمية هذه المسألة وخطورتها عليك وعلى أسرتك ومستقبلهم، والعمل على إنجاز خطتك الخاصة لتحقق نجاحك الخاص.لابد من إدراك أنَّ فحوى التخطيط يدور حول النجاح، فمن المهم جداً أن تسأل نفسك الآن عزيزي القارئ ماذا يعني لك النجاح؟ والجواب على هذا السؤال سيُسهل بكل تأكيد رحلتك في فهم كيف من الممكن أن تصبح ناجحاً، كما سيساعدك بطبيعة الحال على الشعور بأهمية التخطيط والقدرة عليه، أما إن كنت تعلم معنى النجاح … فأتساءل … لماذا إذاً لم تصبح ناجحاً حتى الآن؟!إن كان النجاح هو ما تصبو إليه، والتخطيط هو الطريق إلى ذلك … إذاً ما هي الخطوات التي يجب إتباعها حتى تحصل على خطة حقيقية؟ أرجو التركيز في الخطوات التالية للتخطيط بشكل محترف ومفيد، ومحاولة تطبيقها عملياً:
الدورة الحياتية للتخطيط
1. حدد رؤيتك:في صباح يوم جميل، صعد الركاب إلى عملاق الجو طائرة إيربص إيه 380، وجميعهم مفعم بالنشاط والأمل، وإنطلقت الطائرة في السماء لتحلق عالياً، وأستهل مساعد ربَّان الطائرة كلمته بشكر المسافرين على إختيارهم لشركتهم للطيران معها، وذكرهم بأنهم على أفضل طائرة في العالم وبرفقة أفضل كابتن طيران والذي تزيد خبرته على العشرين عاماً في هذا المجال، ولكن هنالك مشكلة ظهرت الآن … نحن لا نعلم ما هي وجهتنا ولا ندري إلى أين ذاهبون؟! لذلك سنبقى نطير إلى أن ينفد الوقود، ومن ثم إن كنا محظوظين في تلك اللحظة وكنا فوق يابسة … سنستأذن من حكومة تلك الأرض بأن يسمحوا لنا بالهبوط الإضطراري، وإن لم يأذنوا لنا بالهبوط … ستتحطم الطائرة ونموت جميعاً، وهكذا سيكون مصيرنا أيضاً لو نفد الوقود فوق البحر. هذا هو الحال عزيزي القارئ بدون رؤية، الرؤية الشخصية هي البوصلة التي تقودك إلى وجهتك التي وضعتها لنفسك في الحياة، وهي أول خطوة في التخطيط وأكثر خطوة تأخذ الوقت منك لتبلورها، ففي التخطيط، لابد من أن تبدأ من آخر المطاف بأن تسأل نفسك أين هي النهاية؟ وعندما تدرك محطتك الأخيرة، تبدأ ببناء أهدافك لتوافق تلك المحطة، بلغة أخرى … إبني قلعتك عالياً في الهواء، ومن ثم إبدأ ببناء اللبنات التي ستستند عليها هذه القلعة … وهذا بالضبط ما يسمى بالرؤية. أو يمكنك أن تبقى كما أنت الآن مُكباً على وجهك من دون وجهة ولا خارطة، تماماً كما حدث بين أليس في بلاد العجائب والأرنب عندما سألها: ( إلى أين تتجهين؟ قالت: لا أعلم، قال: مادمت لا تعلمين إلى أين تذهبين، فلا يهم أي طريق تسلكين! )، فالكثير منا لا يملك رؤية ولا يعلم كيف يُصيغ الرؤية في حياته، وإذا طلبت منه أن يخبرك ما هي رؤيته … تجده مشوشاً لا يعلم عن ماذا تتحدث، وإذا فكر قليلاً … خرج لك بقائمة لا تتعدى أهدافاً بسيطة كشراء المركبة والمنزل والحصول على زوجة وأولاد … وبالتأكيد هذه متطلبات أساسية في الحياة، ولكنها ليست رؤية حتى تعيش لأجلها، فالرؤية يجب أن تكون هدفاً معنوياً ذا قيمة عالية لك وللمجتمع أكثر من أن تكون فقط شيئاً مادياً، فعلى سبيل المثال، لو نظرنا إلى رؤية “عمر بن عبد العزيز” رضي الله عنه حفيد الفاروق والخليفة الراشدي الخامس، كيف كان ترتيب رؤياه، فقد روي عنه أنه قال: ( رب إني كنت أميراً فطمعت بالخلافة فنلتها، يا رب إني أطمع بالجنة، اللهم بلغني الجنة )، بدأ رؤيته بأن يكون خليفة للمسلمين، ومن ثم تطورت إلى جنة عليِّين، وكلا الرؤيتين الصغرى والكبرى كانتا كبيرتين في المعنى والقيمة، ويحتاجان إلى الكثير من الأهداف الإستراتيجية والتخطيط ومن ثم التنفيذ لتحقيق الأهداف، فكانت أهدافه أن يعلم كثيراً من أمور الحكم وشرع الله وأحوال الرعية وإدارة الدولة والنهوض بإقتصادها وحمايتها … الكثير الكثير من الأهداف التي عمل على تحقيقها بوضع إستراتيجيات شخصية من خلال خطط محكمة لإستغلال الوقت الشخصي والإلتصاق برجالات الدولة وعلمائها وفهم سياسة الحكم، وبعد الإنتهاء من التنفيذ الناجح والمبهر لخطته في الوصول إلى الحكم، إستخدم هذا النجاح للوصول إلى غاية أكبر ألا وهي جنة المأوى. إذاً كل شيء بدأ من رؤية حلم بها … ولكنه لم يُبقها خيالاً وعمل على تحقيقها.
أكرر مرة أخرى على أهمية تحديد الرؤية قبل الشروع بالتخطيط، وإذا شعرت أنك لا تقدر على بلورة رؤيتك، قم بالإطلاع على هرم ماسلو للإحتياجات الإنسانية، واعرض نفسك عليه وجد نفسك أين أنت منه الآن، يبدأ هرم أبراهام ماسلو للحاجات الإنسانية من الأدنى إلى الأعلى كما يلي:
الحاجات الفسيولوجية: التنفس، الطعام، الشرب، الجنس، النوم، التوازن، تبرز.
حاجات السلامة: سلامة الجسد، الأمن الوظيفي، أمن الموارد، سلامة الأخلاق، الأمن الأسري، الأمن الصحي، أمن الممتلكات.
حاجات الحب والإنتماء الإجتماعية: صداقة، العائلة، المودة الجنسية.
حاجات التقدير: تقدير الذات، الثقة بالنفس، الإنجازات، إحترام الأخرين، الإحترام من الأخرين.
حاجات تحقيق الذات: الفضيلة، الإبداعية، التلقائية، حل المشكلات، عدم التحيُّز، قبول الحقائق.


فإذا كنت – على سبيل المثال – قد حققت الدرجة الثانية من الهرم وتفتقر للزوجة والصداقة والعلاقات الإجتماعية، إجعل هذا هدفاً لك لتحققه من خلال خطة يمكن تنفيذها، واجعل نصب عينيك رأس الهرم الذي يمثل رؤيتك في الحياة، وهل هناك أجمل من الوصول إلى مرتبة الفضيلة والرضى عندما يرضى عنك الله وترضى عنه وتصبح مرجعاً لعائلتك ومجتمعك الذين من حولك، وتمتلك خبرة ضخمة في حل المشكلات وخلق الحلول الحكيمة، لاحظ أنَّ هذه المرتبة تحتاج إلى عقل سليم، وجسد سليم، ومال وفير، وفقه في الدين، ومسكن واسع، ومركب هنيء، وزوجة ودود، وذرية صالحة من الذكور والإناث، وسفر حول العالم، وقصص نجاح خاصة، واستقرار في بلد يحترمك ويحترم حريتك وجاهز دائماً لإعطاء المزيد … هذه رؤية عظيمة … هذا تحقيق للذات … أعلى ما يمكن أن يصله الإنسان.
عندما تقوم بكتابة رؤيتك، إستخدم الكلمات التالية في صياغتها: { الفضيلة، الإبداعية، التلقائية، الصدق، الأمانة، الإخلاص، الطموح، الكفاءة، الشخصية، الإستقامة، المسؤولية، الإحترام، التفان، المصداقية، الفعاليَّة، الوقار، التعاطف، الإنجاز، الشجاعة، الحكمة، المعرفة، الإستقلالية، الحرية، التطوع، العمل الجماعي، التأثير، الودّية، النظام، السماحة، السخاء، الرضى، التفاؤل، الثقة، المرونة، الخُلق }. بهذه الطريقة الدقيقة والعملية ستتمكن من بلورة رؤيتك في الحياة على المدى البعيد والقريب، جربها ولن تندم.مثال لنص الرؤية: ( أود أن أرضى عن نفسي بحيث أكون حراً مستقلاً صاحب قرارات صحيحة مبنية على واقع، ومرجعاً كفؤاً لعائلتي وبلدي من خلال خبرتي وإنجازاتي الحياتية، كما أود أن أكون قدوة فعاَّلة لزوجتي وأولادي ومحل فخر لهم وثقة ومصدر إلهام للتفاؤل والإبداع ).2. حدد أهدافك:تحتاج إلى أن يكون لك أهدافاً شخصية في الحياة والتي يمكنك السعي ورائها والكفاح من أجلها، والتي ستجعل من السهل عليك اتخاذ قرارات والقيام بإجراءات توصلك إلى أحلامك (رؤيتك الشخصية).