بينما كانت تستعد الطائرة للهبوط في مطار ولاية فيلادلفيا في الولايات المتحدة قادمة من ولاية كاليفورنيا، كنت قد أنهيت قراءة كتاب « الدروس الكبرى للحياة – Life’s Greatest Lessons » لمؤلفه الدكتور « هال أوربان – Hal Urban » والذي تحدث فيه عن عشرين أمراً هاماً لها أهميتها في الحياة، وأجمل ما شدني في الكتاب هو شفافية الكاتب وصراحته وواقعية طرحه، ومن الأسباب التي دعته إلى كتابة هذه الدروس العشرين، أنَّ الكتاب كان بمثابة رسالة إلى أولاده الثلاثة، كما أنَّ الكاتب لاحظ أنَّ المناهج الدراسية في المدارس والجامعات الأمريكية لا تفقه الطالب بحقيقة الحياة، فأراد أن يوعِّي الطالب الأمريكي بذلك ويُنمِّي إدراكه بهذه الحقائق العشرين وكيفية التعامل معها. والحقيقة أقول إنصافاً للكاتب أنَّ هذا الكتاب حقيقي 100% وتصلح قراءته وتطبيقه ليس فقط في العالم الغربي، بل في سائر البقاع والبلدان، فهو يستند إلى حقائق الحياة من حيث صعوبتها وأنها ليست عادلة دوماً، كما طرح فكرة شديدة الأهمية في إمكانية التغلب على صعوبة الحياة وإدارتها على الوجه الصحيح بالعلم والخبرة والإيجابية والمرح والإستقامة والصحبة الصالحة التي تشد من أزرك وتوجهك إلى الخير، وإحترام الذات وضرورة شكر الفرد والمجتمع والإحترام المتبادل بينهما، وتبنِّي العادات الحميدة المفيدة والإقلاع عن العادات السيئة الضارة والإهتمام بالروح والجسد معاً، وأهمية الإختيار في حياة الفرد والقرارات الناتجة عنه، وأنَّ النجاح لا يأتي إلاَّ بالعمل المستمر والجاد، والواقعية في التخطيط وإدارة الوقت، وإدراك معنى الحياة والأمور الأساسية فيها بدلاً من أن تذهب سدى.
الكتاب أكثر من رائع، فاجأني فيه الكاتب بروحه الجميلة التي تشعر بها من خلال كلماته واستشهاداته، وأجمل ما في الأمر الشفافية التي تُشعرك بأنك إنسان تُخطئ وتُصيب، فمن الإختلافات الواضحة بين الكاتب العربي والغربي هي الشفافية، فعندما تقرأ للكاتب العربي تشعر بأنك تقرأ لملاك قد نزل من السماء، لا يُخطئ ولا ينسى، أما الكاتب الغربي فيسرد كلامه ومواقفه بكل بساطة ويُصارح قراءه بما مر به، فتشعر معه بإمكانية تجاوز عقبات الحياة والوصول إلى ما وصل إليه. على سبيل المثال ذكر د. « أوربان » في كتابه عن الفترة التي إنفصل فيها عن زوجته واعتقد أنه لن يعيش بعدها أبداً، وقد كان في الـ 39 من عمره، وماذا حدث له حتى تغلب على هذا الموقف الصعب. كما ذكر ابتلاءه بالتلفظ بالألفاظ النابية وكيف كانت تُسيء إلى من حوله دون أن يشعر إلى أن صارحه أحد أصدقائه بذلك وقرر الإقلاع عن تلك العادة المشينة، كما تكلم عن الإستقامة وكيف أنَّ حياته تغيرت جذرياً عندما أدخلها إلى حياته.صراحة وشفافية عالية تجعلك تفهم وتستفيد من تجارب الآخرين الواقعية فتخدم نفسك ومجتمعك بأمور عملية لتجاوز ما أنت فيه، فالكتاب يخلو من المثالية الزائفة التي لا يمكن تطبيقها، كما أن أسلوب د. « أوربان » السلس والواقعي والنابع من القلب يجذبك إلى قلب الصفحة تلو الصفحة دون أن تشعر بالوقت حتى تجد نفسك قد أنهيت الكتاب.من المُلفت للنظر الحكمة البالغة التي طرحها الكاتب في الدروس العشرين، فلو لم أكن أعلمه مُسبقاً لكنت قلت أنه مسلم، وهذا شيء لفت إنتباهي جداً، ولعل الأمر يعود إلى الخبرة الحياتية التي مرَّ بها الكاتب واستخدامه للفطرة السليمة التي فطره الله عليها، وهذا دليل على أنَّ الإنسان إذا ترك نفسه للفطرة لاختار الإسلام، فهو على سبيل المثال يطرح في إحدى فقرات الكتاب أنه لابد من شكر الناس دائماً قبل السؤال، واستشهد بأدعية وصلوات دور العبادة الروحانية حيث أنه يتم شكر الله قبل طلب أي شيء منه، وهذا بالضبط ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في آداب الدعاء، فقبل الشروع في الدعاء من الأدب مع الله أن نحمده ونشكره ونُثني عليه الخير كله، فسبحان الله كيف يستنبط إنسان غير مسلم في مكان غير مسلم هذا الأمر الجليل؟ … أنا لا أرى سوى أنها الفطرة السليمة.
من الجدير بالذكر أنَّ ترجمة الكتاب ترتقي إلى الجيدة، فأنا لا أُحبذ الكتب التجارية المترجمة إلى اللغة العربية لأنها ركيكة ولا تعكس جودة الفكرة ولا النوعية العالية للكتابة، ولكن هذا الكتاب تم ترجمته تحت إشراف مكتبة عبيكان في المملكة العربية السعودية ولاحظت إرتقاء درجة الترجمة عن غيرها.ختاماً، أنصح القرَّاء الأعزاء بقراءة الكتاب وفهمه وتطبيقه، فنحن في الوطن العربي أشد ما نكون في حاجة مثل هذه الكتب التي تتكلم عن الواقعية في التفكير والعيش في الوقت الذي نرفض نحن العرب الواقع بحقيقته ونفضل العيش في الخيال والعاطفة الضارة التي لن توصلنا إلاَّ إلى قاع مظلم وعندما نستيقظ يكون الأوان قد فات.