هل بذلت جهدًا جبارًا ولكن لم تشعر بالسعادة؟!
هل حققت نجاحات عظيمة ولكن لا تشعر بارتياح؟!
هل تسعى إلى إسعاد الآخرين حتى لو كان ذلك على حساب نفسك؟!
هل رأيت الآخرين يمدحونك على نجاحك المبهر ولكنك لا تجد مبررًا لمديحهم؟!
إن كان لديك واحدًا أو أكثر مما سبق ـ عزيزي القارئ/ القارئة ـ فأنت من الباحثين عن السراب، ذلك الماء الذي يخيل لك في نهاية الطريق ولكن ما إن تصل إليه حتى لا تجد شيئًا، ومن أخطر أنواع السراب الذي قد يضيع على إنسان فرصة الاستمتاع بالحياة هو سراب البحث عن الكمال.
تضيعأحيانًا جهودنا ووقتنا الثمين في محاولة الظهور بمظهر الكمال في أداء الأعمال، حيث يكون لدينا إحساس دائم بضرورة فعل الأشياء على الوجه المطلوب بنسبة لا تقل عن 100% ولو كانت 99% لا نرضى بذلك، هذه النزعة الكمالية تثقل كواهلنا، وتضايق الناس من حولنا، فما هي أسباب نزعة البحث عن الكمال؟ وما هي الأعراض التي تجعل تلك النزعة أمرًا سلبيًا؟
الكمال عيب أم ميزة؟!
وربما يتساءل البعض، بل يتعجب، ولهم الحق في ذلك، قائلين: وهل الكمال عيبًا؟ أليس الطموح في نجاح أعلى من النجاح الحالي بحثًا ضمنيًا عن الكمال؟! وهنا نقول لصديقنا أنك على حق وهذا لا يعني ألا تضع لنفسك طموحًا لا حدود له، ولكن الأهم أن تسعى لتحقيق ذلك الطموح وتحويله إلى صورة واقعية من خلال وضعه موضع الفعل والوصول إليه بشكل مرحلي.
فكما يقول هنري ديفيد ثورو: (إذا تقدم المرء بثقة نحو إدراك حلمه، وجاهد ليعيش الحياة التي رسمها لنفسه فسوف يلقي نجاحًا غير متوقع بمقاييس عالمنا الحالي، ولو بنيت لنفسك قصورًا في الهواء، فلا يعني ذلك بالضرورة أن عملك سيضيع هباء منثورًا بل إن هذه القصور في مكانها الطبيعي وما عليك إلا أن تسرع الآن فترفع قواعدها) [إذا كان النجاح لعبة فهذه هي قوانينها، د.شيري سكوت].
فكما يقول سام ديب وليل سلسمان: (لا شيء يعيب السعي وراء التفوق بل الواقع أن هذا التوجه الفكري هو التوجه السليم، ولكن من الخطأ الجسيم أن تظن أنك والآخرون لا تشوبكم شائبة تحت كل الظروف، وإن وقعت في هذا، فاعلم أنك ستصاب بالإحباط، ذلك أن الكمال الدائم لا وجود له، هل تستطيع أن تتقبل افتقارك للكمال؟!) [نعم تستطيع، ساب ديب وليل ساسمان].
لماذا البحث عن الكمال؟!
لكي نتوصل إلىالتخلي عن النزعة الكمالية ينبغي علينا أن نعلم أننا اجتماعيون بطبيعتنا، وأن هذهالنزعة هي مسألة اجتماعية، فنحن اجتماعيون لأننا نستطيع إظهار جوانب هامة منشخصياتنا فقط من خلال العلاقة بالآخرون، نعم شخصيات فردية، ولكننا لا يمكن أن نكونأصحاء إذا انعزلنا عن الآخرين، والنفس الصحيحة هي النفس المندمجة في الجماعة، فإحساس الرضا الذاتي الناتج من مشاركة الآخرين في العمل هو مايجعلنا نشعر بأن العمل كاملًا.
فإذا لم يسمع بهذا العمل الآخرون فذلك يشعرك بالوحدة وبالنقص، كذلك نحن اجتماعيون في أننا نتأثر بالآخرين، فنحن عبارة عن مجموعديناميكي مؤلف من جميع من لامسوا حياتنا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، سلبًا أمإيجابًا، نحن أيضًا اجتماعيون في أننا لا نصنع أنفسنا، أسرنا وأصدقاؤنا والعالم من حولنا، من هنا تنشأ النزعة إلى الكمال.
فنحننجتهد لنكون كاملين لنفي بالمعايير التي وضعها لنا الآخرون، والآخرون هم كل منهؤلاء الذين يمكنوننا من إتمام حياتنا من خلال علاقاتنا بهم، وهؤلاء الذين يسكنونبداخلنا من خلال تأثيرهم علينا، وهؤلاء الذين نرتبط بهم وفي النهاية فإن محاولة أن نكون كاملين هي محاولة اجتماعية لاشعورية لإرضاءأنفسنا عن طريق إرضاء أولئك الآخرين [لا تكن لطيفًا أكثر من اللازم، ديوك روبنسون].
نزعة الكمال والقبولالاجتماعي:
إن القوة الاجتماعية التي تقود نزعاتنا الكمالية هي ما يجب أن نتحرر منها لنكون مقبولين؛ لأننا تدربنا على أن نكون لطفاء فإن هذه الحاجة تسيطر علينا في كل لحظة من وعينا،مما يجعلنا نعمل بطريقة تجعل الآخرين يحبوننا ولا يفرطون فينا، وبدلًا من أن نتعلمكيف نتقبل أنفسنا، فإننا تدربنا على أن نجعل أنفسنا مقبولين من المجتمع، وعندمانفشل في ذلك نعاني من الداخل، ويصبح المسيطر على تفكيرنا هو: لو استطعت فقط أن أرضي أولئكالذين أحبهم، فسوف يتقبلونني، وسأكون سعيدا [لا تكن لطيفًا أكثر من اللازم، ديوك روبنسون]، ولذا يحذرنا لويز ماركيه دو فونتاين فيقول: (إن الرغبة في الوصول إلى الكمال هو أسوأ مرض أصاب العقل البشري) [نعم تستطيع، سام ديب وليل ساسمان].
احذر:
فإن محاولة البحث عن الكمال والوصول إليه يتميز بما يلي:
·محاولة عقيمة لفعلالمستحيل.
·ينتج عنها قلق مفرط، وتحول توترنا إلىمحنة.
·تجعلنا نشعر كأننا سنموت عند ارتكابنا لخطأما.
·تجعلنا نضيع الوقت، والجهدالثمينين.
·تجعلنا نستاء من أولئك الذين نحاول جاهدينلإرضائهم.
·قد تؤدي إلى عدد من الأمراض التي تهددحياتنا.
·تؤدي بنا إلى الإفراط الذي لا يشبعناأبدًا.
·تجعلنا نصبح لوامين لأنفسنا بطريقةمستبدة.
·تسمح للآخرين بإدارة شئوننا، وهذا فيه ظلم لهم ولنا.
وتصبح محاولة الوصول إلى الكمال خطأ فقط في الحالاتالتالية:
·عندما نستغرق في الحفاظ على صورتك السليمة أمامالمجتمع.
·عندما لا تكون مستعدًا أو مؤهلا للقيام بما يتوقعه الآخرونمنك.
·عندما تملي عليك هذه النزعة الطريقة التي تؤدي بها كلالأشياء.
·عندما تدفعك نزعتك على الكمال إلى وضع معايير غير واقعيةلنفسك.
·عندما تتكلف في أداء الأعمال من اللطافة، والوقت،والمال، والقلق بقدر اكبر مما تستحقه هذه الأعمال.
·عندماتتخلى عن تقدمك لإرضاء من لا يهتم بك.
·عندما ينزع منك الفشل، وعدمالقبول الإحساس الذي تستحقه بالرضا مقابل الجهد الذي بذلته.
·عندماتضيع وقتك الثمين في محاولة الوصول للكمال، بدلًا من قضائه في إنجاز الأولوياتالحقيقية.
·عندما تجد أن الأمر يستدعي منك أن توفق بين قيمك و مثلكالعليا.
·عندما لا ترضى نفسك أبدًا، ولا أولئك الذين يمثلون أهميةلك.
·عندما يكون سعيك الدءوب نحو الكمال سببا في تدمير صحتكالعاطفية، والبدنية.
·عندما ينتهي بك الحال أن تبغض ماتفعله [لا تكن لطيفًا أكثر من اللازم، ديوك روبنسون].
وماذا بعد الكلام؟
تستطيع أن تبدأ بقدرتك على اتخاذ القرار، وهذه القدرة هي منأثمن ثرواتك، قرر أن النزعةالدائمة نحو تحقيق الكمال تعتبر خطأ، فهو خطأ كبير أن تحيا أساسًا لإرضاءالآخرين.
وإليك بعض النصائح للحل [نعم تستطيع، سام ديب وليل ساسمان]:
1.ارسم خطًا عموديًا يقسم ورقة إلى نصفين وفي العمود الأيسر اكتب "متع الكمال" وفي العمود الأيمن دون النقائص تحت عنوان "آلام الكمال"، أي الجانبين يحتوي على نقاط أقوى؟
2.راجع ورقة المتع / الآلام مجددًا، وأعد تقييم كل مدخل في جانب المتع للتأكد من أنها ليست وسيلة فحسب لتفادي المخاطر والحفاظ على السيطرة أو حماية غرورك.
3.اسأل غيرك من الساعين وراء تحقيق الكمال حول الألم والمتعة التي يشعرون بها مثل هذا السلوك.
4.اسأل المقربين إليك عن المدى الذي يؤثر سعيك وراء الكمال فيهم وفي علاقتك بهم وفي نفسك شخصيًا.
5.قم بدراسة إنجازاتك واستمتع بمدى التقدم الذي أحرزته، بدلًا من أن تأسى حول مدى إخفاقك في تحقيق الكمال.