الإدراك.. تلك الكلمة التي تحدثنا عنها في المقال السابق وتبين لنا كيف يمكن أن ننقل حياتنا نقلة بعيدة من خلال تصحيح الإدراك وبناء الإدراك الفعال، نعم..
يمكن أن نحول نظرتنا تجاه الأمور إلى نظرة إيجابية، من خلال تغيير الإدراك وتصحيح المفاهيم، إن تصحيح الإدارك، هو العملية الرائعة التي تعينك على التخلص من الإدراك السلبي والانطلاق بعقل مليء بالإدراك الإيجابي الذي يدفع في اتجاه النجاح والإنجاز.
وحتى نتمكن من بناء وترسيخ الإدراك الصحيح الفعال في عقولنا وأذهاننا، نبين أمرين هامين:
الأول: عناصر الإدراك.
الثاني: قوانين الإدراك.
أولًا: عناصر الإدراك
تتكون عملية الإدارك من عدة عناصر:
1- الإحساس.
2- الانتباه.
3- التفسير والإدراك.
هذه العناصر لها أهمية كبيرة في إدراك المثيرات المادية، مثل: إشارة المرور، جرس الهاتف، أو المثيرات الاجتماعية، حيث نمارس الإدراك الإجتماعي فندرك الآخرين وسلوكياتهم.
العنصر الأول: الإحساس:
فنحن محاطون بالكثير من المثيرات البيئية، لكننا لا نعي معظمها أو ندركها؛ إما لأننا تعلمنا أن نتجاهلها، أو لأن حواسنا ـ أي أعضاءنا الحسية ـ غير قادرة على استقبالها والإحساس بها، وحواسنا التي تستقبل المثيرات هي النظر والسمع والشم والتذوق واللمس.
إن هذه الحواس لها طاقة محدودة، وقوة هذه الحواس تختلف من شخص لآخر، كما تختلف عند الشخص نفسه من فترة لأخرى.
(فحاسة السمع مثلًا تلتقط مدى محدودًا من الترددات، أما ما يفوق ذلك فقد لا يمكن للبشر سماعه، لكن قد تسمعه حيوانات مثل الكلاب، لكن بعض الناس كفاقدي البصر يطورون حاسة السمع أو اللمس بمستوى أعلى أو أقوى من غيرهم.
وطالما توافرت حواس قادرة على استقبال المثيرات في بيئتنا المحيطة، فإن هذه المثيرات تؤدي لأحاسيس أو مشاعر، فالحواس بعد استقبالها للمثيرات الخارجية تنقلها عبر الأعصاب إلى المخ، وهكذا نشعر أو نحس بالصوت والضوء والملمس والمذاق والرائحة، وهناك أيضًا مثيرات داخلية في جسم الإنسان تنقلها الأعصاب للمخ، مثل الإحساس بالتعب أو الألم) [قوة المبادرة، د. محمد العطار].
العنصر الثاني: الانتباه:
الإنسان يحس بكثير من المثيرات في البيئة التي يعيش فيها، لكنه لا يلتف إليها جميعًا، بل تجده ينتبه لبعضها ويتجاهل البعض الآخر، فقد يكون غير مهم بالنسبة له أو أنه لا يريد رؤيته أو سماعه، وهكذا يمارس الشخص انتباهًا انتقائيًا لبعض المثيرات، حتى ما ندركه من المثيرات ربما لا ندركه على حقيقته، أو ندركه بشكل جزئي.
(إن خاصية الانتباه سلاح ذو حدين، فإن كان الانتباه والتركيز على الأمور المشرقة، صارت خاصية خير ونعمة للإنسان تساعده في التركيز على الإدراكات الإيجابية، والعكس صحيح أيضًا، فإن التركيز على الجوانب المظلمة والإدراكات السلبية يكون نقمة على صاحبه.
إذًا هي لحظات انتباه تغير إدراكك تجاه الأمور، من السلب إلى الإيجاب، تمر أمامك التجربة المريرة وتمر بذاتها أمام غيرك، فتلحظ أنت فيها كل إيجابياتها، بينما يغرق غيرك في أمواج سلبياتها، ترى أنت الهدية الربانية في البلاء بينما يمكث غيرك في حالة من الأسى والحزن على ما فات) [قوة المبادرة، د. محمد العطار].
3- التفسير والإدراك:
عملية الإدرات تتضمن تفسير المثيرات التي نحس بها، فالصور والروائح العطرية وتصرفات الناس ... كلها تدخل إلى وعينا، وعند الانتباه إليها فإننا نحاول أن ننظمها لتفسيرها وإدراكها بمعنى معين.
والتفسير يختلف من شخص لآخر، فهناك من يفسر كل شيء على أنه خير ونافع ومفيد، وهناك من يفسره على خلاف ذلك.
قصة الملك والوزير.. لعله خير
ويحكى في ذلك الشأن أن ملكًا كان لديه وزير كلما حصل له شيء، يقول له الوزير: (لعله خير)، وفي يوم من الأيام قطع أصبع الملك، فقال له الوزير: (لعله خير)، فأمر الملك بحبس الوزير.
ثم مر الملك بغابة في رحلة صيد، فأَسَرته مجموعة من القبائل الوثنية، وأمروا بذبحه ليقدموه قربانًا لآلهتم المزعومة، ولكن عندما همَّوا بذبحه وجدوا إصبعه مقطوعًا فقرروا تركه؛ لأنه غير لائق أن يقدموا قربانًا ناقصًا، فأدرك يومها الملك كلمة الوزير: (لعله خير)، وأمر بإطلاق سراحه.
لقد كانت كلمة (لعله خير)، هي السبب في حبس الوزير، وهي أيضًا السبب في إطلاق سراحه، عندما تغير إدراك الملك عنها وفهم حقيقة معناها، وكان الحبس بالنسبة للوزير هو خير كبير، لأنه لو لم يحبس لقبض عليه مع الملك ولقطعت رأسه وقدم قربانًا لهذه الآلهة المزعومة [موقع محيط بتصرف].
ثانيًا: قوانين الإدارك الفعال:
لكل ما سبق، نتأكد من أن الإدراك له تأثير كبير في حياتنا، وهو علامة هامة وفارقة تستطيع أن تميز بها بين من ينجحون في حياتهم والذين يكتفون بمشاهدة الآخرين وهو يصعدون سلم النجاح والتميز.
إن الأشخاص الذي ينجحون في حياتهم ويتميزون عن غيرهم يمتلكون في أذهانهم صورة واضحة عن الإنسان الناجح الفعال، أما الآخرون فلا يمتلكون هذه الصورة، (وقد يعتبرون أنفسهم شخصيات فريدة من نوعها, وأن سلبياتهم من باب الصفات الشخصية التي خلقوا بها، وبالتالي فلا مجال لتغييرها) [قوة المبادرة، د. محمد العطار].
وللإدراك الفعال قوانين ترسم شخصية الملتزمين بها، ومنها:
1. (إن ما نعتقده اعتقادًا قويًا يمتزج مع شعورنا, يتحول ليصبح حقيقتنا, سواء كان هذا الاعتقاد سلبيًا أو إيجابيًا, وسواء كان مبنيًا على الحقائق أم على المغالطات.
2. من يمتلك القدرة على أن يتخيل نفسه ناجحًا فهو في طريقه ليكون إنسانًا فعالًا، وما نقصده هنا ليس الخيال المحض المبني على الأوهام, لكنه الخيال المتوقع, أي المبني على واقع ممكن.
3. إذا تمكن الإنسان من تحويل إدراكه إلى إدراك إيجابي, فإن كل ما هو إيجابي وفعال سينجذب نحوه, بداية من الأفكار الإيجابية الأخرى وانتهاء بالظروف والأحداث المحيطة بك.
4. تذكر دائمًا أن العقل يمتلك فكرة واحدة, أي أنه لا يستطيع أن يملك أفكارًا إيجابية وسلبية في نفس الوقت, فإذا تمكنت من إدخال هذه الأفكار الإيجابية إلى عقلك؛ فإنها تطرد الأفكار السلبية.
5. الأفكار التي يستغرق فيها الإنسان ويركز عليها هي التي تغرس في عقله وإدراكه, لذا فلن تتمكن من الوصول إلى الفاعلية إلا إذا تمكنت من التركيز على الأفكار الإيجابية لوقت أطول.
6. الإدراك وما يُغرس فيه من أفكار، سواء كانت سلبية أو إيجابية يمكن تغييرها من خلال خطوات واضحة وتدريب مستمر) [قوة المبادرة، د. محمد العطار].
وفي الختام.. انطلق:
آن الأوان بعد هذه الرحلة مع "الإدراك" أن نتخلص من إدراكنا السلبي في عقولنا..
آن الأوان أم ننطلق في طريق الإنجاز..
لقد حان الوقت لنستثمر ما تبقى من أعمارنا في إدراك إيجابي فعال..