في مقاطعة سفولك بنيويورك، أوضح مؤخراً أحد المتحدثين الرسميين عن المقاطعة السبب وراء كون أولئك قد تمت زيادة الضرائب المستحقة عليهم عن طريق السهو والخطأ لم يكن بإمكانهم استرداد أموالهم. "القانون يقول إن الفواتير التي تم سدادها لا يجوز إعادة تقييمها وتقدريها ومراجعتها إذا تم دفعها، هذا هو القانون، وليس لي دخل فيه. ووظيفتي أن أقوم بتطبيقه لا أن أقوم بتوضيحه أو تبرير" . إن هذا الرجل لو أتيحت له الفرصة في زمان ومكان آخرين يمكن أن يكون جلاداً ممتازاً يقوم بتطبيق القانون دون نقاش.
لابد أنك تعرف هذه اللازمة وتسمعها في كل يوم "لا تفكر، أطع القواعد حتى وإن بدت لك حمقاء" .في حمامات السباحة وفي ملاعب كرة المضرب وغيرها من الأماكن العامة، نصف هذه القواعد تقريباً ليس لها معنى أو مغزى. منذ وقت قريب وفي مساء كان الطقس فيه حاراً سألت مجموعة من الشباب يجلسون حول حمام السباحة في إحدى الردهات عن سبب عدم نزولهم الحمام رغم كونهم متلهفين إلى ذلك، ورغم كون الحمام خالياً، فأجابوا بأن الوقت المخصص لنزول الكبار هو من السادسة إلى الثامنة مساءً. هذه هي التعليمات. وعلى الرغم من حقيقة أن لا أحد من هؤلاء الكبار يرغب في إتباعها فإن هذه التعليمات مازالت مفروضة عليهم. لا مجال للمرونة ولا قردة على تغيير هذه لتعليمات حتى وإن دعت الحاجة إلى ذلك. فقط طاعة عمياء لهذه التعليمات التي ليس لها سبب منطقي. وحينما قمت بتشجيعهم على السعي لتغيير هذه التعليمات والقواعد، تلقيت اتصالاً هاتفياً من الإدارة تحيطني علماً بأنني أثير في هؤلاء الكبار روح العصيان الجماعي.أحد أفضل الأمثلة التي توضح الإذعان الكامل للقواعد والتعليمات – حتى وإن بدت أو كانت حمقاء- يمكن أن تجده في الجيش. لي زميل أعطى لي مثالاً ممتازاً يوضح هذه الطاعة العمياء. في مركز التدريب العسكري في جوام Guam في المحيط الهادي، شعر زميلي بالدهشة حينما وجد أن عدداً كبيراً من ضباط الصف يفرضون تعليمات كانت حمقاء لدرجة لا تخفى على أحد. كان يُسمح للضباط بالجلوس على مقاعد حمراء في الظل وبمشاهدة الأفلام. وعند عرض هذه الأفلام في منتصف الليل، ولأن الضباط لا يحضرون فترة العرض هذه كان هناك ضابط صف تم تعيينه خصيصاً من أجل التأكد من عدم جلوس أحد على هذه المقاعد الحمراء. وهكذا فإنك في كل مساء كان من الممكن أن ترى مجموعة من البحارة المجندين، وهم يجلسون في المطر ومعهم ضابط صف يقوم بحراسة مجموعة من المقاعد الحمراء الخالية للتأكد من تطبيق التعليمات، وحينما استفسر صديقي عن الدوافع وراء فرض هذه التعليمات الحمقاء، لم يسمع سوى الإجابة المعتادة "أنا لا أضع التعليمات أنا أقوم بتنفيذها فحسب" .يقول "هيرمان هس" في Demian:"إن أولئك الكسالى والذين يركنون إلى الراحة ويعرضون عن التفكير وإصدار أحكامهم وقراراتهم لأنفسهم؛ هم الذين يمتثلون للقوانين. هناك الآخرون الذين تنبع القوانين من داخلهم. فقد يحرمون على أنفسهم أشياء يقوم بها الرجال المحترمون، ويحلون لأنفسهم أشياء يمقتها من حولهم من البشر. كل إنسان يجب أن يعتمد على نفسه ويثق بها" .إذا كنت تعتبر أنه لزاماً عليك ن تذعن لكل التعليمات دوماً، فقد اخترت لنفسك حياة الرق العاطفي. لكن ثقافتنا تعلمنا أنه من المشين مخالفة القوانين فلا ينبغي القيام بأي شيء ينافي التعليمات. المهم أن تحدد أياً من هذه التعليمات والقواعد يحقق لك نفعاً ويحفظ النظام في ثقافتنا، وأياً منها يمكن مخالفته دون إلحاق ضرر بك أو بالآخرين. ليس هناك أي نفع يعود عليك إن تمردت من أجل التمرد فحسب، لكن هناك مكاسب عظيمة يمكن أن تجنيها حينما تتولى مسئوليتك تجاه نفسك وتستقل بذاتك، وتعيش حياتك طبقاً لمعاييرك الخاصة بك.