التفكير الإيجابي أحد مصادر الراحة النفسية، والشعور بالاطمئنان والسعادة.. تخيّل شخصين: الأوّل: كثير الشكوى، يتوقع الشر في كلّ عمل يقوم به، يستيقظ صباحاً وهو قلق مما قد يحدث له خلال يومه.. والآخر: يحمد الله في كلّ صباح على أنّه أطال في عمره ليتعبّد، ويعمل، وينتج، يتوقع الخير من كلّ عمل، ويرى الجانب المشرق من كلّ مشكلة تحدث له.. لِمَنْ منهما شعرت بالارتياح وأنت تقرأ صفاته؟!

دعونا نسأل بعض الأسئلة:

- عندما نقبل على عمل جديد، هل نتوقع فشله بنسبة 50%؟

- وأثناء استعدادنا لامتحان معيّن، هل نتوقع الحصول على درجة متوسطة أو نخاف من الرسوب؟

- وحين نتذكر إنجازات الأجيال السابقة، هل نشعر بالإحباط وبأنّه من المستحيل أن نصل ما وصلوا إليه؟

- وعندما يصيبنا المرض، هل نشعر بأنّ الأجل قد اقترب؟

- وبعد ارتكابنا أحد الذنوب، هل نخاف ألا يقبل الله توبتنا؟

إذا كانت إجابتنا على أغلب الأسئلة السابقة هي "نعم"، فهيا – معاً – نكمل باقي الموضوع، ونحرص على أن نفهمه بدقة.



حسن الظن بالله:

في غار "ثور"، وفي عمق الأزمة، والكفار يحيطون بالرسول (ص) ورفيق هجرته أبي بكر الصدِّيق (رض)، ولو نظر الكفار عند أقدامهم لرأوهما، يعطينا الرسول (ص) درساً في حسن الظن بالله، وحسن الظن في نصرته لرسوله وعباده.. فيقول (ص) مهدئاً من روع الصدِّيق: "يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟".

قال النبي (ص): يقول الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلى بشبر تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة".

أي أنّ الله يعامل عبده على حسب ظنه به، ويفعل به ما يتوقعه منه من خير أو شر، فكلما كان العبد حسن الظن بالله، حسن الرجاء فيما عنده، فإنّ الله لا يخيب أمله ولا يضيع عمله، والعكس صحيح، وقد ذم الله في كتابه طائفة من الناس أساءت الظن به سبحانه، وجعل سوء ظنهم من أبرز علامات نفاقهم، فقال عن المنافقين حين تركوا النبيّ (ص) وأصحابه في غزوة أحد (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ) (آل عمران/ 154)، وقال عن المنافقين والمشركين: (الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ) (الفتح/ 6).

إذاً، فما معنى حسن الظن بالله؟ وكيف يقودنا هذا إلى التفكير الإيجابي في الحياة؟ وما أثر هذا التفكير على نوعية الحياة التي نعيشها؟



حوار داخلي:

في تعريف حسن الظن بالله، يقول القاضي عياض: "أن يُؤمل العبد أنّه إذا استغفر غفر الله له، وأنّه إذا تاب قبل الله تعالى توبته، وأنّه إذا دعا الله تعالى أجابه إلى دعائه، وأنّه إذا استكفى الله تعالى وطلب منه الكفاية كفاه الله سبحانه".

إذاً، ماذا سيختار الإنسان العاقل؟ وكيف سيفكر؟

بالتأكيد سيختار أن يحسن الظن بربه ويفكر بإيجابية في كلّ نواحي حياته: الدينية والاجتماعية والعملية.. إلخ، أو يغير طريقة تفكيره؛ بحيث يتوقع النجاح والخير والتوفيق في أمور حياته، وهذا ليس معناه ألا يشعر بالخوف أو القلق، ولكن يستخدم الخوف كوسيلة للتخطيط الجيد والتفكير البنّاء لكل ما يقوم به من عمل، فما يتوقعه العقل يجده، وما يفكر به ينجذب إلينا.

إنّ مشاعرنا ومعتقداتنا ومعلوماتنا كلها تعتمد على أفكارنا الداخلية سواء المخزّنة في الوعي أو اللاوعي، والاختلافات بين الناس تعتمد على سلوكهم وردود أفعالهم تجاه ما يحيط بهم، وهذا السلوك هو نتاج خبرات مخزنة في داخل كلّ منا، اكتسبناها من والدينا والأصدقاء والمجتمع، أو اكتشفناها بأنفسنا، كما إنها وليدة حوار داخلي يحدث بيننا وبين أنفسنا، ولهذا إذا رغبنا في تغيير هذا السلوك فعلينا أن نغير من شكل هذا الحوار الداخلي، وهذا ما سنناقشه في السطور التالية.



كيف نفكر بإيجابية؟

· كلما ازددنا علماً بالله ازداد حسن ظننا به سبحانه، ولكن كيف نزداد علماً بالله سبحانه وتعالى؟

عن طريق معرفة أسمائه وصفاته، فالقلب الذي امتلأ بمعرفة أسماء الله وصفاته لا يمكن أن يسيء الظن بالله.

· محاولتنا التفكير بإيجابية لا تعني أن نحاول التخلص من التفكير السلبي.. كيف؟ حاول أن تمارس هذا التمرين:

لا تفكر في سيارة حمراء لمدة دقيقة.. بماذا ستفكر؟

في سيارة حمراء بالتأكيد، فمحاولتك عدم التفكير في سيارة حمراء نتج عنه أنك قضيت الدقيقة السابقة في التخلص من التفكير في السيارة الحمراء، وهذا ما يحدث بالضبط عندما تحاول التخلص من فكرة سلبية.

ولهذا، عندما تجد نفسك تكره نوعية أفكارك وما تحملها من أفكار سلبية لا تحاول أن تتخلص منها، ولكن غيِّر اتجاهها عن طريق تغيير الحوار الداخلي الذي تجريه مع نفسك، بحيث تأخذ أفكارك إلى اتجاه آخر غير الذي تسير فيه.

فمثلاً.. إذا كنت قلقاً من موضوع ما فلا ترهق نفسك في معرفة أسباب القلق وما سوف يحدث، ولكن اسأل نفسك: كيف يمكن أن أكون إنساناً أقوى وأكون قادراً على التعامل مع هذا الحدث؟ أو اسأل نفسك: ما أهدافي الجديدة؟ وكيف أشغل نفسي حتى أبتعد عن هذا القلق؟ وعندما تجد نفسك مفكراً في موضوع حزين أو سيئ حدث لك، اسأل نفسك: ما فائدة التفكير في هذا الآن؟ أو كيف أحوّل هذا الحدث لصالحي وأستفيد من أخطائي؟ وعندما تجد سؤالاً إيجابياً فكر به دائماً وخاصة عندما لا يكون عندك ما يشغلك، ودعه يأخذك إلى عالم جديد وأفكار أكثر إيجابية.



مواجهة الصعاب:

· قوِّ ثقتك بالله ثمّ بنفسك، ففقدانك ثقتك بالله أو ثقتك بنفسك سيجلب عليك الكثير من الأفكار السلبية، فالإنسان يحب أن يتعاطف مع ذاته، وفعله هذا يجذب إليه الكثير من الأحداث السيئة التي مرّت به، والتي لم تحدث بعد، ويجلس في منتصفها يعددها ويواسي نفسه.

والفاقد لثقته بنفسه يحب أن يشعر بالضعف ليُرجع كل ما يحدث له من أمور سلبية إلى الآخرين، ولكن ما أن يشعر الإنسان بقوة إيمانه وبثقته بالله ويعرف إمكاناته وأنّه إنسان فريد بصفاته ويثق بقدراته حتى يتحول إلى شخص قادر على أن يدير حياته ويستفيد من كل ما يحدث له ويفكر بإيجابية في كل نواحي حياته.

· استفد من الفشل، فالفشل في إنجاز بعض الأمور من مسلمات الحياة، فلن نستطيع أن نكون ناجحين دائماً، فلابدّ من عثرة هنا وكبوة هناك، ولكن المهم أن نطلق لأنفسنا العنان، وألا نكبلها بالخوف من الوقوع في الخطأ، بل نحاول أن نتفاداه، ولكن إذا حدث فعلينا أن نتعامل معه بإيجابية.

· "نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل".. وهذا الباطل قد يكون عبارة عن سيل من الأفكار السلبية، ولهذا لا تعطِ نفسك أي فرصة لتشعر بالفراغ، بل اشغلها بأهداف قصيرة المدى، وأهداف طويلة المدى، ودعها تعمل وتفكر وتنجز، ولا تهدر وقتها فيما لا طائل من ورائه، وهذا لن يشغلها فقط بل سيرفع من مقدار ثقتك بنفسك.

· تقبَّل المشكلات، وحاول التعامل معها.. فكما تعاملت مع الخوف من الفشل عليك أن تتعامل مع مسلّمة أخرى في الحياة وهي المشكلات، التي قد تكون خطيرة أحياناً، فالكل لديه أنواع مختلفة منها ولكل مشكلة حل، و إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح/ 6).. المهم أن نبحث عن حلول ونحاول فهم ما وراء تلك المشكلة ونتعامل معها بأسرع وقت، ونراها سبباً لأن نصبح أقوى وأكثر خبرة ونكمل الحياة بروح أكثر إيجابية.

· ادخل عالم الإبداع، فلكل منا هواياته واهتماماته، وتحويل هذه الهوايات والاهتمامات إلى درجة الإبداع يشعرنا بالإنجاز ويبعد تفكيرنا عن الأفكار التي من الممكن أن تجرنا إلى السقوط في بئر السلبية والإحباط.



نصائح مهمة:

· تحاشَ الناس الذين يمتصون طاقتك الإيجابية وحماسك للحياة إذا لم تكن تستطيع أن تغير ما بهم، وإليك هذه النصائح الخمس المهمة:

- في كلّ اجتماع أو درس.. ابحث عن الأشخاص الإيجابيين لتتحدث وتتعاون معهم.

- في كلّ محاضرة.. دوِّن أي فكرة جديدة أو شائقة.

- في كلّ كتاب.. ابحث عن مفهوم واحد على الأقل يهمك في حياتك.

- كلّ صديق لديك.. اشرح له شيئاً جديداً تعلمته.

- كلّ مدرب أو مدرس.. اسأله سؤالاً قد تستفيد منه.

· العالم مليء من حولنا بالأشياء التي لم نكتشفها ولم نجربها بعد، ومحاولة اكتشاف ما حولك حتى لو كان شيئاً بسيطاً كتذوق طبق جديد في مطعم، يبعث التجدد في حياتك، ويبعد الملل والأفكار السلبية عنك.

· اقرأ كثيراً، وخاصة السِّيَر الذاتية للناجحين في الحياة، الذين تغلبوا على تحديات وصعاب معينة وشقوا طريقهم للنجاح، فمع القراءة ستُفتح أمامك طرق جديدة للمعلومات والفهم، وهذا سيساعدك على التخلص مما يعيق تفكيرك الإيجابي، ويود لديك أفكاراً جديدة لتعيشها.

· غيِّر في عقلك صورة الأشياء من حولك، وحاول أن ترى مظاهر الجمال فيها، حيث سيغيِّر هذا الكثير في نفسيتك، وإذا نويت التحول إلى الفكر الإيجابي المتفائل فاكتب ما نويت فعله في ورقة وعلِّقها في مكان واضح، كما يمكنك أن تطلب مساعدة صديق أو زوج أو قريب ممن عُرف عنهم التفاؤل والتفكير الإيجابي.

· في نهاية اليوم ركّز على الأشياء التي حدثت لك ما تحبها، وليست تلك الأشياء التي حدثت على غير رغبتك، وتعلم من جميع أحداث يومك دون أن تسمح للمشاعر السلبية بأن تتسلل إليك.

· تحدث بكلمات أكثر إيجابية مع نفسك ومع غيرك، وحارب الكسل والخمول، وابتسم للحياة وللآخرين، ولا تهتم للمقاومة التي سوف تتلقاها عندما تبدأ في تغيير أفكارك سواء من نفسك التي اعتادت اليأس والحزن أو ممن حولك.

· وأخيراً.. اعرف جيداً فوائد التفكير الإيجابي؛ لأنّ هذه الفوائد هي حافزك لتغيير طريقة تفكيرك للإيجابية، وتذكر حديث رسولنا (ص) الذي يقول فيه: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أنّ الله لا يقبل دعاءً من قلب غافل لاهٍ".