اثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن المشروعات الصغيرة، وأهميتها في إيجاد فرص عمل للشباب، وخاصة مع وجود ملايين الخريجين الباحثين عن فرصة عمل في ظل اقتصاد السوق الحر. ويكاد يجمع الكل على أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمثل قاطرة التنمية، وخاصة في البلدان ذات العمالة الكثيفة؛ فقد نجحت التجربة في دول جنوب شرق آسيا، وحققت المعادلة الصعبة، رغم زيادة أعداد السكان وقلة الموارد. من هنا جاء الاهتمام بالمشروعات الصغيرة باعتبارها بارقة أمل في إيجاد فرصة عمل متميزة للشباب، وهي كذلك حاضنة رجال أعمال المستقبل.
وتشير الإحصاءات إلى أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمثل 98% من مجموع المؤسسات العاملة في معظم دول العالم، وقد نما دور تلك المشروعات مع نهاية عهد الاقتصاد الموجه وتفعيل دور منظمة التجارة العالمية، وبات من حق كل شاب وفتاة أن يحلم بغدٍ أفضل، أكثر إشراقا وابتساما، وأن يصبح يوما ما أحد رجال الأعمال. لكن كيف يتسنى له ذلك، وخاصة الشباب الباحث عن فرصة عمل، في ظل ظروف تاهت فيها الخطى، وتفرقت فيها السبل. لذا؛ فإن تقديم المساعدة والنصيحة للشباب في إنشاء المشروعات الصغيرة، وبحث فرص تنميتها، والتحديات التي تواجهها في عالم سادت فيه البطالة، وأصبح فيه الحصول على وظيفة متميزة حلم بعيد المنال، يحتاج إلى خطوات مدروسة بنفس القدر الذي يحتاج فيه إلى إرادة وتخطيط من الحكومات؛ فقد قلصت كل من الأزمة المالية والثورة الإلكترونية الآن عدد الوظائف، أضف إلى ذلك زيادة عدد السكان. ولو نظرنا إلى حال العالم العربي؛ لعرفنا أن الجامعات تخرج سنويا ملايين الشباب، في حين تقاس حاجة السوق النمطية للعمل بالآلاف. فالكل يجمع ـ إذن ـ على أن هناك فجوة حقيقية بين مهارات الخريجين ومتطلبات سوق العمل في العالم العربي. ومن الأهمية بمكان تحسين الظروف المعيشية للمواطنين عن طريق المشروعات الصغيرة، ومن الضروري ـ كذلك ـ التأكيد على أن تقديم المساعدات والنصائح الجادة تساعد الشباب على اقتحام عالم رجال الأعمال بخطى ثابتة، وتساعده ـ كذلك ـ على التفكير بصورة غير نمطية.

إن مجال العمل بالمشروعات الصغيرة يجب أن يدرس جيدًا قبل البدء في العمل، ويجب مراقبة التكاليف الاستثمارية والجارية بكل دقة، وكلما كان المشروع بالمشاركة (وبدون قروض) كان أقدر على حرية الحركة واتخاذ القرار. وكلما كانت المخاطرة أكبر – بعيدا عن الوظيفة النمطية – كان الربح المتوقع أكبر. لكن تجدر الإشارة إلى الخدمات التي تقدمها المؤسسات الاستشارية للمشروعات الصغيرة، والتي تنتشر في العالم الغربي بشكل أكثر، مما يشجع على نقل الخبرات منهم مباشرة. واستكمالاً للفائدة؛ سأعرض عليكم فيما يلي ترجمة لمقال غربي يستهدف الراغبين في إنشاء المشروعات الصغيرة وتنميتها، ومعرفة الفرص المتاحة والتحديات التي تواجهها، إلا أنه يوصي أصحاب تلك الأعمال بطلب المشورة من الخبراء في ذلك المجال، أو ما تسميه الكاتبة "المؤسسات الاستشارية للأعمال الصغرى

بينما يمتليء رأسك بالأفكار الإبداعية، ويشتعل فيك حماس رجل الأعمال، لكنك تُواجه بعض الصعوبات في تسيير أعمالك بشكل طيب، فلا تنزعج عندما تشعر بمثل هذه الحالة؛ فتلك ظاهرة مشتركة بين رجال الأعمال، ولا تعني نهاية العالم. يحدث ذلك عادة في المشروعات الصغيرة، التي لا تجد الدعم الكافي مثل المشروعات الكبرى. لكن الخبراء الاستشاريين في تلك الأعمال يمكنهم إرشادك لتتمكن من تخطي مثل تلك الصعوبات.

يجب أن يتوفر لدى كل رجل أعمال معرفة صحيحة وواضحة حول احتياجات عملائه، وما يمكن أن يقدمه لهم. كما يجب أن يتوفر لديه المعرفة السليمة بالسوق الذي يعمل فيه، وسياسات التسعير، وأكثر أهمية من ذلك كله هو معرفة ما يفضله العملاء.

إن الأعمال الصغيرة تمثل مشاريع يركز فيها البائع على احتياجات المستهلك أكثر من اهتماماته المعيشية؛ لأنها تدر عليه أرباحا أكثر، خاصة عند التركيز على منتج متخصص في مجال محدد. وبالتالي يتم الاهتمام أكثر بالمستهلكين.

إن الهيئات الاستشارية للمشروعات الصغرى تعمل من أجل تحسين المصداقية، كما تُمثل مرجعاً لتلك الأعمال. وتُساعد المؤسسات الاستشارية للمشروعات الصغرى في حل مشاكل صغار رجال الأعمال. فلكي تبدأ عملك؛ لا بد من تحديد نوعين من المنتجات التي يحتاجها العملاء في سوق محددة، وتعرف كيفية تلبية تلك المتطلبات. وهذا البحث يأخذ عدة أشكال، كما يلي:

1- من خلال عمل دراسة مسحية للسوق يمكن استكشاف احتياجات العملاء. ويمكن إجراء مثل هذا المسح عن طريق الاجتماع المباشر بهم أو مهاتفتهم. وهذا النوع من البحث يعطيك رداً سريعاً. كما يمكن إجراء عملية البحث من خلال الإنترنت، لكن ذلك قد يستهلك وقتاً، حيث يمكن إجراء استطلاعات باستخدام تلك الطريقة طوال فترة حياة المشروع لتعديل المسار، وبشكل يتمكن معه المستهلكون من تمضية وقت أطول للحديث عن مدى رضاهم عن الشركة. وتُساعد المؤسسات الاستشارية للمشروعات الصغرى في نجاح مثل تلك الأعمال.

2- كما يُمكنك استخدام الأبحاث التي أجرتها تلك المؤسسات كقاعدة عملية لاتخاذ القرارات. وتلك النوعية من الأبحاث تُسمى بالثانوية، وتُستعمل بكثرة؛ نظراً لقلة تكاليفها. على كل حال، قد تكون تلك الأبحاث ـ أيضاً ـ على قدر ضئيل من المصداقية والفاعلية؛ بسبب تَغير السوق من وقت لآخر. فإذا كان البحث الثانوي غير مناسب من حيث الزمن فسيؤدي ذلك إلى نتائج غير مرضية. لذا فإن المؤسسات الاستشارية للمشروعات الصغرى ستوجهك، وتعلمك كيفية تنفيذ بحث بطريقة صحيحة لكي تبدأ أعمالك. كما ستساعدك ـ كذلك ـ في تحديد المنتج المناسب لنشاطك وفق مقدرتك، ومهاراتك الإدارية، ومدى استجابة العملاء لك.

3- وإذا وثق أصحاب المشروعات الصغرى بما فيه الكفاية بقدراتهم على إنتاج منتج جديد وفريد يستطيع جذب العملاء والاحتفاظ بهم ، ففي تلك الحالة يمكن للمؤسسات الاستشارية للمشروعات الصغرى أن تساعدهم في تحديد هذا المنتج الفريد من خلال إجراء بحث. ويساعد ذلك في اكتشاف المنتج الاستثنائي الأفضل بالنسبة لهم. ومثل هذا النوع من المساعي ينجح في البداية، لكن بمجرد أن تعي الشركات المنافسة تميز شركة ما – خاصة تلك الشركات التي تواجه تهديداً معيناً – وتشتعل المنافسة، يُصبح من الضروري لكل مشروع طَلب المساعدة من المؤسسات الاستشارية للمشروعات.