لماذا نهتم بالرضا الوظيفي؟
د. عبدالله البريدي

نعم .. نختلف في درجة رضانا الوظيفي!
حين يدخل كل منا في بيئة عمله نجده "يحتضن" اتجاهاته الخاصة نحو العمل، ومن أهم مقاييس أو مؤشرات تلك الاتجاهات ما يعرف بـ "الرضا الوظيفي" والذي يشير إلى: "الحالة التي يتكامل فيها الفرد مع وظيفته وعمله، فيصبح إنساناً تستغرقه الوظيفة ويتفاعل معها من خلال طموحه الوظيفي" (عبدالخالق، الرضا الوظيفي وأثره على إنتاجية العمل، 1982)
ويمكن أن ننظر إلى الموظف الذي يتمتع بدرجة عالية من الرضا الوظيفي على أنه الموظف المندمج في عمله؛ بخلاف من تأسره المكافأة فيؤدي عملاً ميكانيكياً بقدر الأجرة التي يحصل عليها؛ أو من يؤدي عمله إلى الدرجة التي تجنبه اللوم وتعفيه من العتاب!

ويتحقق الرضا الوظيفي من خلال مقارنة بين نوعين من الإدراك: إدراك حول المفترض أو ما ينبغي أن يكون (أي ما يعتقده الموظف أنه حق له)؛ وإدراك حول الواقع أو ما هو كائن (أي ما يحصل عليه فعلياً)، وطبيعي أن درجة الرضا الوظيفي ترتفع كلما زاد الواقعي على المفترض.
والرضا الوظيفي – كمفهوم – متعدد الجوانب Multi-dimensional حيث يشير إلى جملة من الأبعاد، أي أن ذلك المفهوم يشتمل أو يعكس تحقيق الرضا عن:


§ طبيعة العمل (المهام) ذاته ومدى انسجامه مع ميول الموظف ومهاراته ودرجة إسهامه في تحقيق ذاته.
§ بيئة العمل وما يتصل بها من ظروف وأوضاع كالمكان والمكاتب والتجهيزات.
§ سياسيات العمل من أجور ومكافآت وترقيات وتدريب وإجازات ونحوها.
§ طبيعة العلاقات مع الآخرين داخل بيئة العمل.


لماذا نهتم بالرضا الوظيفي؟
أثبتت العديد من الدراسات أن الرضا الوظيفي له تأثير على:
1. الإنتاجية، حيث تتأثر إنتاجية الموظف كثيراً بدرجة الرضا الوظيفي، ولكن يجب أن ننتبه إلى أن الأداء المرتفع للموظف لا يعكس بالضرورة درجة رضا عالية، لماذا؟ لأنه وبكل بساطة قد يعكس المهارة الفائقة لذلك الموظف أي أنه لو وضع في بيئة عمل جيدة تحقق له درجة رضا أعلى لحقق ذلك الموظف درجات أكبر في الأداء والتميز!
2. يؤثر الرضا الوظيفي على درجة الالتزام بالعمل، أي أن الموظفين الأكثر سخطاً على العمل هم في الأغلب الأكثر غياباً، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن درجة الارتباط هي 40%!
3. ليس فقط الغياب بل يؤثر الرضا الوظيفي وبشكل أكبر على معدل الدوران (التدوير) أي أن الموظف يبحث عن فرص عمل بديلة في حالة انخفاض درجة الرضا طبعاً مع تأثير بقية العوامل الأخرى والمرتبطة بنوع المزايا التي يمكنه الظفر بها في العمل الجديد.


كيف نقيس الرضا الوظيفي؟
ُيقاس الرضا الوظيفي بعدة طرق، ويغلب على البحث الإداري المعاصر استخدام الأدوات والأساليب الكمية من خلال استبيانات يعدها بعض الباحثين المتخصصين في السلوك التنظيمي أو الموارد البشرية سواء كانوا في نطاق الإدارة العامة أو إدارة الأعمال.
وقد اقترح بعض الباحثين أساليب متعددة منها: أسلوب "تحليل مظاهر الرضا" أي تلك التي تعكس درجة الرضا كمعدل التدوير والتغيب والتمارض، وأسلوب "القصص" من خلال سرد الوقائع التي يشعر الموظف بأنه راضٍ أو غير راضٍ عنها ليُطلب منه تحيد الأسباب التي جعلته كذلك.

حكمة في السلوك التنظيمي
الرضا الوظيفي بلسم يمنحنا القدرة على الاندماج في أعمالنا ويكسبنا فنون الإتقان ويمدنا بلذائذ الإنجاز ونكهة الاستغراق في تفاصيله وخطواته وإجراءاته...