تبنت الإدارات العليا في كثير من المنظمات مبدأ الاهتمام بالبشر كأحد العوامل الهامة والقوية, بل والمؤثرة التي تعطي المنظمات ميزة تنافسية خاصة في عصر العولمة، الذي لا يعطي فرصة للمنظمات المتباطئة في مجال تنمية مواردها البشرية، والذي يركز على اقتصاد المعرفة، ويعتبر أن إنتاجية ومساهمة رأس المال البشري الفكري هي المحك الفعلي والرئيسي في بقاء واستمرارية المنظمات، أو في إطالة بقائها بنجاح وتميز، قادرة على تحقيق أهدافها، ومن أهمها حصة سوقية تنافسية وأرباح من خلال منتجات أو خدمات ذات جودة عالية، ومما لا شك فيه أن المنظمة التي تمتلك موارد بشرية ذات كفاءة عالية، وخبرات ومهارات مميزة، ومعارف تمكنها من التعامل مع التطورات التكنولوجية الحديثة، هذه المنظمات تملك قوة دفع ذاتية عالية، تمكنها من تحقيق ميزة تنافسية عالية.
إن عملية تقييم أداء الموارد البشرية تعد بلا شك أحد أهم وظائف إدارة الموارد البشرية في منظمات الأعمال والشركات والمؤسسات، إذ تؤثر عملية تقييم الأداء على حاضر ومستقبل هذه المنظمات وتلك الشركات.. ولعملية تقيم الأداء مداخل على أساسها تقوم إدارة الموارد البشرية بالتنسيق والتعاون مع إدارات المنظمة الأخرى بتصميم وتنفيذ عملية تقييم أداء الموارد البشرية.. ومن أهم هذه المداخل:
- مدخل رقابة أداء الموارد البشرية في المنظمة:
طبقًا لهذا المدخل تتم رقابة الموارد البشرية عن طريق المشرف المباشر، الذي يكلف بتقييم أدائها، فالمشرف المباشر (المقيِّم) يقوم بعملية تقييم الأداء للموارد البشرية المرؤوسة عن قرب؛ ويلاحظ أداءها للأعمال المكلفة بها، ويجمع المعلومات المطلوبة عن هذا الأداء بهدف تقييمه. وهذا المدخل ينظر إلى الموارد البشرية محل تقييم الأداء على أنها نظرته للآلات مع اعتبار أن الموارد البشرية تدب فيها الحياة وليست جمادًا..! فطبقًا لهذا المدخل توضع الموارد البشرية محل التقييم تحت الرقابة المستمرة من قبل الرؤساء المباشرين المكلفين بعملية التقييم، وذلك بهدف التأكد من إنجاز الموارد البشرية للأعمال المطلوب تنفيذها وفقًا للمعايير الموضوعة، ولذلك وصف هذا المدخل بالآلية في عملية تقيم أداء الموارد البشرية، ومن العيوب الملازمة لهذا المدخل عدم المرونة، وعدم وجود الدور التوجيهي من قبل الرؤساء المكلفين بالتقييم، والمرؤوسين محل التقييم.


آلية المدخل في تصميم عملية التقييم..
آلية هذا المدخل في تصميم عملية تقييم أداء الموارد البشرية تتلخص في:
• التحديد الدقيق للعمل أو للمهمة المطلوب إنجازها من قبل الموارد البشرية محل التقييم.
• وضع أهداف واضحة المعالم، وقابلة للقياس لتكون بمثابة معايير لعملية تقيم أداء الموارد البشرية.
• أن تقوم الموارد البشرية الخاضعة لعملية التقييم بأداء الأعمال أو المهام المكلفة بها.
• المتابعة المستمرة للموارد البشرية محل التقييم؛ بهدف جمع المعلومات اللازمة عن الأداء الفعلي لهذه الموارد البشرية.
• القيام بعملية المقارنة بين المعايير السابق وضعها والمعلومات التي جمعت عن الأداء الفعلي لإتمام عملية تقييم الأداء بشكل واقعي.
• من خلال عملية المقارنة بين المخطط والفعلي تتحدد نتيجة عملية تقيم أداء الموارد البشرية، ويتم اكتشاف الانحرافات بين ما هو مخطط وبين الأداء الفعلي؛ ويتم توقيع العقوبة على أصحاب الأداء غير المناسب، ويتم أيضًا اكتشاف المجيدين في حال عدم وجود انحراف بين المخطط والفعلي؛ ويكافؤوا على ذلك.






إن الموارد البشرية في المنظمات على اختلافها وتنوعها - مؤسسات هادفة للربح، وأخرى غير هادفة للربح - تمثل موردًا من أهم موارد المنظمة على الإطلاق، وتعد الموارد البشرية أصلاً مهمًا من أصول المنظمة؛ بجانب الموارد المالية والموارد المادية والموارد التكنولوجية المتقدمة والمتطورة، فكل هذه الموارد تعمل في إطار منظومة واحدة لا غنى لإحداها عن الأخرى من أجل تحقيق الأهداف المنشودة. ولا تستطيع أية منظمة تحقيق أهدافها من دون الموارد البشرية. فالمنظمة من دون الموارد البشرية العاملة والمنتجة لا تتعدى سوى مبان وعدد وماكينات وآلات لا تستطيع القيام بذاتها بالعملية الإدارية والعملية الإنتاجية، فضلًا عن عمليات الإبداع والابتكار التي لا تنتج إلا من خلال العقول البشرية لا العقول الإلكترونية، فالموارد البشرية هي التي تصنع المنظمات، وتنميتها يعد من الأمور الهامة؛ بل والضرورية لرفعة شأن وتقدم المنظمات، فعن طريق الموارد البشرية وما تمتلكه من مهارات وخبرات تستطيع المنظمات تقديم سلع وخدمات ذات جودة عالية، فالمنظمة الكفؤة هي التي تعمل باستمرار على تنمية مواردها البشرية لتواكب بها التطورات العصرية المذهلة والمتقدمة، ولتحقق من خلالها أهدافها الاستراتيجية، وأهمها وجود مكان لها بين المنظمات المتقدمة.


إن اهتمام المنظمة بالموارد البشرية كأهم مورد لنجاحها على المدى القصير والمتوسط، والمدى البعيد الاستراتيجي، وهذا الاهتمام يحقق للمنظمة ميزة تنافسية في السوق؛ فيزيد من حصتها السوقية، ومن ثم يزيد من أرباحها، ويكون عاملًا مهما من عوامل بقائها بقوة داخل السوق.


إن الأهداف الاستراتيجية للمنظمة تتمثل في تحسين أداء أعمالها، لتحقيق الجودة العالية في منتجاتها أو خدماتها التي تقدمها للمستهلكين لتحصل على رضاهم؛ الذي يمثل للمنظمة تحقيق نسب عالية من المبيعات، ومن ثم الأرباح، ومن ثم ضمان البقاء والاستمرارية، بل والتوسع في السوق.. والموارد البشرية لدى المنظمة منوطة بالدور الرئيسي في عملية تحسين الجودة.. وهذا ما جعل المنظمات تلجأ إلى مدخل تنمية أداء الموارد البشرية بدلًا من وضعها تحت الرقابة اللصيقة والإشراف المباشر الذي قد لا يجدي في كثير من الأحوال، ويأتي بنتائج عكسية.. وتقوم فكرة مدخل تنمية أداء الموارد البشرية على أساس معرفة حقيقة أداء الموارد البشرية في المنظمة، ومعرفة ما ينتج عنه من جوانب إيجابية وجوانب سلبية، والعمل على تقوية الجوانب الإيجابية، وعلاج الجوانب السلبية، بما يعود بالنفع على أداء الموارد البشرية في المنظمة، ويتوافق في الوقت ذاته مع الأهداف الاستراتيجية للمنظمة.


ويعد مدخل تنمية أداء الموارد البشرية في المنظمة؛ تحولًا من الرقابة اللصيقة - المزعجة في كثير من الأحيان، من قبل الرؤساء المباشرين المكلفين بتقييم الأداء تجاه المرؤوسين محل التقييم، وغني عن البيان ما تسببه هذه الرقابة اللصيقة من توترات بين الرئيس المباشر والمرؤوس، وما تستدعيه من جفاء في العلاقة بينهما، يولد عدم الثقة، وعدم التعاون الفعال - إلى الرقابة غير المباشرة أو الرقابة غير اللصيقة.. التي تبني علاقات من الود والتعاون والثقة بين طرفي عملية تقييم الأداء - الرئيس والمرؤوس - بما يؤدي إلى تحسين وتطوير أداء الموارد البشرية محل التقييم، ومن ثم تتحسن المنتجات أو الخدمات التي تقدمها هذه الموارد البشرية، بما يخدم مصالحهم بتثبيتهم في أعمالهم، وحصولهم على الحوافز والمكافآت المالية والمعنوية، وبما يخدم مصالح رؤسائهم، وبما يخدم مصلحة المنظمة بشكل عام، وبما يخدم مصالح المجتمع واقتصاد الوطن ككل.