يُعَد العصف الذهني من أكثر الأساليب المستخدمة في تحفيز الإبداع والمعالجة الإبداعية للمشكلات في حقول التربية والتجارة والصناعة والسياسة، في العديد من المؤسسات والدوائر التي تأخذ بما تتوصل إليه البحوث والدراسات العلمية من تطبيقات ناجحة في معالجة المشكلات المعقدة التي تواجهها.

ويعود الفضل في إرساء قواعد هذا الأسلوب لصاحب شركة إعلانات في نيويورك اسمه أوسبورن Osbrn في عام 1938؛ وذلك نتيجة لعدم رضاه عمَّا كان يدور في اجتماعات العمل التقليدية.

ويعني تعبير "العصف الذهني" استخدامَ الدماغ أو العقل في التصدي النشط للمشكلة، وتهدف جلسة العصف الذهني أساسًا إلى توليد قائمة من الأفكار التي يمكن أن تؤدي إلى حل للمشكلة مدار البحث، وحتى يحقق استخدام هذا الأسلوب أهدافَه؛ يَحسُن الالتزام بمبدأين أساسيين وأربع قواعد مهمة: المبدأ الأول: تأجيل إصدار أي حكم على الأفكار المطروحة أثناء المرحلة الأولى من عملية العصف الذهني.

المبدأ الثاني: الكمية تولد النوعية، بمعنى أن أفكارًا كثيرة من النوع المعتاد يمكن أن تكون مقدمة للوصول إلى أفكار قيمة أو غير عادية في مرحلة لاحقة من عملية العصف الذهني.

أما القواعد الأربع، فهي: • لا يجوز انتقاد الأفكار التي يشارك بها أعضاء الفريق أو طلبة الصف، مهما بدت سخيفة أو تافهة؛ وذلك انسجامًا مع المبدأ الأول المشار إليه أعلاه؛ حتى يكسر حاجز الخوف والتردد لدى المشاركين.

• تشجيع المشاركين على إعطاء أكبر عددٍ ممكن من الأفكار دون التفات لنوعيتها، والترحيب بالأفكار الغريبة أو المضحكة وغير المنطقية.

• التركيز على الكمِّ المتولد من الأفكار اعتمادًا على المبدأ الثاني، الذي ينطلق من الافتراض بأنه كلما زادت الأفكار المطروحة زادت الاحتمالية بأن تبرز من بينها فكرةٌ أصيلة.

• الأفكار المطروحة ملك الجميع، وبإمكان أيٍّ من المشاركين الجمع بين فكرتين أو أكثر أو تحسين فكرة أو تعديلها بالحذف والإضافة.

وحتى تنجح جلسة العصف الذهني لا بد أن يكون المشاركون على دراية معقولةٍ بموضوع المشكلة وما يتعلق بها من معلومات ومعارف، كما لا بد أن تكون لديهم معرفةٌ معقولة بمبادئ وقواعد العملية ذاتها قبل ممارستها، وقد يكون من الضروريِّ توعيةُ المشاركين في جلسة تمهيدية وتدريبهم على اتباع قواعد المشاركة والالتزام بها طوال الجلسة.

أما معرفة المعلم أو قائد الجلسة بموضوع المشكلة، ومعرفته بقواعد العملية وخبرته في ممارستها، فإنها تشكِّل عاملاً حاسمًا في نجاح العملية؛ ذلك أنه مطالَب بتحضير صياغة واحدة ومحدَّدة للمشكلة، وعرض موجز لخلفيتها وبعض الأفكار المتصلة بها، بالإضافة إلى دَوره في الإبقاء على حماس المشاركين في أجواء من الاطمئنان والاسترخاء والانطلاق.


ويقترح بوكارد (Bouchard, 1972) استخدام عملية التتابع لتفعيل جلسة العصف الذهني بمشاركة الجميع، وحتى لا ينفرد بعض المشاركين دون غيرهم بإعطاء الأفكار.

وتتطلب هذه العملية أن يأخذَ كلُّ مشارك دورَه ولو لم تكن لديه فكرة، وبعد أن تكتمل الدورة الأولى بإعطاء الفرصة للجميع، تبدأ الدورة الثانية من عملية العصف بالمشارك الأول وهكذا، حتى ينتهي الوقت المحدد للنشاط الذي يمكن أن يتراوح بين 15 و20 دقيقة، أو عندما يقرر المعلم أو قائد النشاط أن جميع المحاولات لتوليد أفكار جديدة لم تَعُد تؤدِّي إلى نتيجة ملموسة، وقد يكون من المناسب حثُّ المشاركين على تمثيل أو تقمُّص شخصية أحد أطراف المشكلة أو أحد مكوناتها لتسهيل التفاعل مع الدور، وبالتالي عملية توارد الأفكار.

وفي نهاية جلسة العصف الذهني تُكتَب قائمة الأفكار التي طُرِحت وتوزع على المشاركين؛ لمراجعة ما تم التوصل إليه، وقد يُساعِد هذا الإجراء على استكشاف أفكار جديدة ودمج أفكار موجودة تمهيدًا لجلسة التقييم، التي قد تعقب جلسة توليد الأفكار مباشرة، وقد تكون في وقت لاحق، ولكن ينبغي ملاحظة أن المشاركين في جلسة التقييم ليسوا بالضرورة هم الذين شاركوا في جلسة توليد الأفكار، وربما كان من الأفضل إشراك آخرين من خارج المجموعة الأولى، ولا سيما إذا كانوا مَعْنِيين بمسؤولية تنفيذ الحلول التي سوف يتم التوصل إليها، أو كان لهم دور ما في تنفيذها.

ولا بد من التأكيد على أن أهم عناصر نجاح عملية العصف الذهني تتلخص في ما يأتي:


• وضوح المشكلة مدار البحث لدى المشاركين وقائد النشاط قبل بَدْء الجلسة.

• وضوح مبادئ وقواعد العمل والتقيُّد بها من الجميع، بحيث يأخُذ كلُّ مشارك دورَه في طرح الأفكار دون تعليق أو تجريح من أحد.

• خبرة المعلم أو قائد النشاط وجدِّيته وقناعته بقيمة أسلوب العصف الذهني كأحد الاتجاهات المعرفية في حفز الإبداع.

لقد ظهر أسلوب العصف الذهني وتطور في سوق العمل، إلا أنه انتقل إلى ميدان التربية والتعليم، وأصبح من أكثر الأساليب التي حَظِيت باهتمام الباحثين والدارسين والمهتمِّين بتنمية التفكير الإبداعي وحل المشكلات في معظم المواد الدراسية والأوضاع التعليمية المعقدة.