بداية فالنظرية Théorie هي: "تصوُّرٌ أشبه بالمبدأ له قيمة التعريف على نحوٍ ما يتَّسم بالعموميَّة، وينتظم علمًا أو عدَّة علوم، ويقدِّم منهجًا للبحث والتفسير، ويربط النتائج بالمبادئ[6].
وبالنسبة لموضوعنا نسجِّل تنَوُّع النظريَّات واختِلاف أدوات التحفيز التي تنشدها، ومِن أهمها:
أ- النظرية الكلاسيكية:
برزَتْ هذه النظرية - كما ذكرنا آنِفًا - من التطوُّر الطبيعي لمبادئ الإدارة العامة التي نادى بها "فريدريك تايلور"، الذي يعتبر مؤسِّس هذه النظرية، وترتكز هذه النظرية أساسًا في مجال الحوافز على "النقود"، خاصَّة بعد سؤالٍ طرَحَه على نفسه: "ما الذي يجعل العمَّال لا ينتجون أكثر"؟ فتوصَّل إلى أن ذلك إلى ثلاثة أسباب:
1- يعتقد العُمَّال أنَّ الإكثار مِنَ الإنتاج سَيَرْمي بهم إلى أحضان البطالة.
2- الأجور لا تتناسب مع كمِّية الإنتاج.
3- طريقة العمل تُسْهِم في إنهاك طاقة العمالة.
وللحدِّ من هذه المشكلة فـ"النُّقود" هي خير دافع للعمل في المُنَظَّمات، وإن العامل بطبيعته يسعى دائمًا إلى زيادة أجْرِه، وتطبيقًا لهذا الاتِّجاه؛ فإنه يجب ربْطُ الأجر بإنتاجية العمل بمعنى أنَّه كُلَّما زاد الإنسان في إنتاجيَّته زاد أجره.
ب- نظرية الحاجات الإنسانية لـ "إبراهام ماسلو":
نظرية "ماسلو" من أشهر نظريات التحفيز؛ إذ تتحدَّث هذه النظرية عن الحاجات، و"ماسلو" MASLOW Abraham عالِمٌ نفسي أمريكي، له سمعة كبيرة في مَجال علم النَّفس الإنساني، اهتمَّ في دراساته سنة 1954 بالأفراد الذين يعملون في مجالات حياتهم المختلفة، ويعانون من مشكلات نتيجة لهذا العمل، ويرى "ماسلو" أنَّ الشخص الذي يحقِّق ذاته هو الشخص الذي لديه دافع للإبداع، واستخدم جميع إمكانياته في عمله أو مهنته أو وظيفته".
وتتمحور نظرية ماسلو؛ في أنه يتم تركيب الاحتياجات في تسلسل هرمي من حيثُ قُوَّتُها، وكلَّما ارتفعنا في الهرم قَلَّت تلك الاحتياجات، وكلما نزلنا إلى الأسفل صارت تلك الاحتياجات فطريةوجبلِّية.
وأول قاعدة الهرم تكون الحاجات الجسمانية، وتتكوَّن من عناصر الغذاء، والماء، والهواء، والنَّوم، والمستوى الثاني هو الحاجة إلى الأمان والأمن، والمستوى الثالث الحاجة إلى الحب والانتماء، والمستوى الرابع هو احترام الاحتياجات، وآخر مستوى هو الإدراك الذاتي، يتربَّع على قمَّة الهرَم الأصلي.
نظريات وطرائق التحفيز
اعتقد "ماسلو" أنَّه عند إشباع أي مستوى من الحاجات، لا يعود هذا المستوى محفِّزًا للفرد، وسيتطلَّب إشباع الحاجات التي في المستوى الأعلى، سيظلُّ الأفراد مُحَفَّزين دائمًا، طالما يتمُّ إشباع رغباتهم المستوى تِلْوَ الآخر، حتى يَصِلوا للمستوى الأخير "إدراك الذات"؛ لِذَلك حتى يتمكَّن المدرِّس مثلاً مِن تحفيز متعلِّميه، يجب عليه أوَّلاً أن يُحَدِّدَ المستوى الذي يحتاجه التلميذ، ومِن ثَم إشباعه، والارتقاء حتى الوصول لآخر مستوى.

ج- نظرية دوافع الإنجاز (ماكللند) أو نظرية الدوافع الذاتية:
وُلِد "ديفيد ماكليلاند" في ولاية نيويورك سنة 1917، ونال شهادة الدكتوراه في علم النفس، وتوَصَّل إلى النظرية المسمَّاة "حافز الإنجاز"؛ أي: إنَّ هناك أفرادًا ذَوِي ميل ورغبة إلى إتْمام العمل بصورة جيِّدة، خلافًا للأفراد العاديِّين، ولقد أُطلق على هؤلاء الأفرادِ مسمَّى ذوي الإنجاز العالي.

يرى "مكللند"، أنَّ كل إنسان تَتَحَرَّك الدوافع عنده لتحقيق الحاجات الرئيسة التالية: السُّلطة أو النفوذ والإنجاز والانتماء، وهي موجودة لدى أيِّ إنسان بِنِسَب متفاوتة قد تَظْهر إحدى هذه الحاجات بشكل قوي، مما تطغى على الأخرى، فتكون هي الغاية لتحقيقها، ويختلف سلوك المرء بمقدار قوَّة وتحَكُّم الحاجة المُسَيْطِرة عليه.
د- نظرية العوامل الثنائية ("هرزبرج" Herzberg):
وُلد "هرزبرج" بولاية ماساتشوسيتس سنة 1923، وكان لِنَظريَّته التي ظهَرَت عام 1966 في كتابه "العمل وطبيعة الإنسان"، أثرٌ كبير في الاتِّجاهات السلوكية، وخاصة في بحوث الدوافع والحوافز؛ حيث أجْرَى دراسة على مائتي مهندس ومحاسب يعملون في المصانع بمدينة بتسبرج، وأخذوا يَعْقدون المقابلات مع المستجوبين؛ لاسْتِبيانهم، ويطلبون منهم أن يَرْوُوا تجارِبَهم عن المناسبات أو الأحداث التي جعلتهم يحسُّون بمنتهى الرِّضا أو غاية السُّخط على أعمالهم، وقد أظهَرَتْ تحليلات النتائج أمورًا لم يتمكَّن الباحثون من اكتشافها في الماضي، منها أنَّ العوامل التي تؤدِّي إلى الرضا عن العمل تختلف عن الأشياء التي تؤدِّي إلى الإحساس بالسُّخط.

وبعبارة أخرى كان سؤالهم على هذا النحو: هل تستطيع أن تتذكَّر عندما كنت تشعر بالسعادة في عملك؟ ما الذي جعلك تشعر بذلك؟ وبتحليل إجاباتهم تبيَّن أن هناك مجموعتين من العوامل:
المجموعة الأولى: وجودها تزيد من رِضَا الموظَّف، لكن انعدامها لا يؤثِّر سلبيًّا على رضا الموظَّف؛ وسُمِّيت هذه العوامل المحفِّزة، وهي: الإنجاز، وتحَدِّيات العمل، والتقدير، واعتراف الإدارة بالإنْجاز، وزيادة المسؤولية، والتقدُّم، والتنمية الذاتية.
المجموعة الثانية: من العوامل التي يَمْنع وجودها حالة عدم الرِّضا، ولكنها لا تزيد من رضا المُوَظَّف إذا وجدت، وهذه تُسمَّى العوامل الوقائية، وهي: الراتب، وأسلوب الإدارة، والعلاقات بين الأفراد، والإشراف، وظروف العمل المادية[7].

نظريات وطرائق التحفيز

لقد كان لنظرية "هرزبرج"، آثارٌ إيجابيَّةٌ عديدة:
أولها: أن العوامل الصحية - مثل: الراتب - لا تؤدي إلى زيادة الأداء، كما أن ظروف العمل المادِّية كالمكتب ذي التكييف الجيد لا يُؤدي للإبداع، بل إن العوامل المحفزة كالتقدير وزيادة المسؤوليات والتقدُّم الوظيفي - هي التي تؤدِّي إلى الديناميكيَّة للأداء المتميِّز.

4- طريقة الكايزن:
الكايزن "Kaizen" هي إستراتيجيَّة يابانية قديمة للتغيير للأفضل، وهي مأخوذة من عالِم الاقتصاد الياباني[8]، وهي تتكوَّن من كلمتين يابانيتين: كاي "Kai" وتعني التغيير، وزن "Zen" وتعني للأفضل، وتُتَرجم إجمالاً إلى "التحسين المستمرِّ"، وهي تُستعمل في لغتهم باستمرار؛ إذْ يتحدَّثون دائمًا عن التحسين المستمرِّ للعجز التجاري، والتحسين المستمر لخطوط الإنتاج، والتحسين المستمر للعلاقات الشخصية، ونتيجة لذلك فهم يتطلَّعون دومًا للسُّبُل التي تُمَكِّنهم من التحسين، وتستخدم إستراتيجية "الكايزن" في كلِّ مجالات الحياة من أصغرها إلى أكبرها، فهي إستراتيجية معاكسة للتجديد، فالتجديد يُطَبِّق التغيير الشامل الجذري، أما "الكايزن"، فهو يطبق التغيير المتدرِّج المستمرَّ باستخدام خطوات صغيرة، وهي التي تُولِي لها البيداغوجيات الحديثة أهمِّية قُصْوى، وذلك بالانتقال من البسيط إلى المُعَقَّد، ولله دَرُّ ابن عبَّاس - رضي الله عنه - إذْ يقول: "تعلَّم بصغار العلم قبل كباره"، ويُقال: "طعام الكبار سمٌّ للصغار".
طريقة تطبيق الكايزن:
• طرح أسئلة صغيرة لتبديد الخوف واستِلْهام الإبداع.
• التدبُّر في أفكار صغيرة؛ لاكْتِساب عادات ومهارات جديدة.
• اتِّخاذ تحَرُّكات وأفعال صغيرة من شأنها أن تَضْمن النَّجاح.
• حلُّ المشكلات الصغيرة حتى عند مواجهة أزمة مؤْلِمة؛ كَيْلا تضطر إلى حلِّ مشكلات أَكْبر.
• منح المكافآت الصغيرة لنفسك وللآخرين؛ لإحراز أفضل النتائج.
• إدراك اللَّحظات الصغيرة الحاسمة المُؤَثِّرة التي يتجاهلها الآخرون