أنا لست ممن تضعف همتهم؛ لأن كل خطوة خطأ أخطوها، أعالجها بأخرى تدفعني للأمام"توماس إيديسون
هل من الممكن أن يحظى المرء بالنجاح دون أن يتبنى توجهًا عقليًا سليمًا؟ الإجابة هي نعم، ولكن التوجه العقلي للإنسان في هذه الحالة سيحدد المدى الذي سيتمتع فيه بهذا النجاح، تمامًا كحالة كلارينس دارو، وهو محامٍ ناجح وكاتب مشهور حين قال: (إذا كنت شابًا في العشرين من عمره، وأدركت ما أنا بفاعله الآن، لقتلت نفسي)، فكيف بشخص ناجح مثله أن يقول ذلك؟! ولكن سرعان ما تعلم بأنه كان شخصًا ذا توجه عقلي متشائم وإدراك سلبي للحياة والأشخاص من حوله.
ورغم أن هناك أناس يتمكنون من تحقيق الإنجازات رغم توجههم العقلي السلبي، إلا أنهم قليلون ويتطلب ذلك منهم بذل مجهود مهول، وحتى إن حققوا قدرًا من النجاح، ستجد أنهم يفتقدون السعادة، وفي المقابل فإن حتى الأشخاص العادية يمكنهم تحقيق إنجازات عظيمة إذا تبنوا توجهًا عقليًا إيجابيًا، كما يقول دينس وايتلي: (إن ميزة الفائز لا تتمثل في أنه يولد موهوبًا، ولا في حاصل ذكاء مرتفع، ولا في النبوغ، ولكنها تكمن في التوجه العقلي، فهو معيار النجاح، ولكنك لا تستطيع شراؤه ولا بملايين الدولارات فهو ليس للبيع(.
كل ما يبدأ على خير ينتهي عليه أيضًا:
ألقِ نظرة على الناجحين لتجد أنهم تبنوا هذه الحقيقة، سواء كان الإنسان الناجح طبيبًا في طريقه إلى إجراء جراحة، أو مدربًا يعد فريقه لمباراة، أو رجل أعمال يستهل مفاوضات قبل أن يعقد صفقة عظيمة؛ فالشخص الواثق بنفسه يزيد فرصه في النجاح، أما المتشائم فيستقطب العواقب السلبية التي يتوقعها، بل قد يرى قطرة من السلبيات في وسط بحار الإيجابيات، تمامًا كما يقول إتش. إل. مينكن: (المتشائم هو من يبحث عن التابوت، عندما يشم رائحة الزهور).
ولذا حينما تشرع في بداية مهمة ما ـ لا سيما إذا كانت حيوية بالنسبة لك ـ ولكنها لا تستهويك، ركز عقلك على الحقائق وليس المشاعر، ركز على الإمكانيات لا المشاكل، هذا من شأنه تحويل توجهك العقلي في المسار الصحيح، وإذا بدأت المهمة في المسار الصحيح، فمن الأرجح أن تنتهي لوجهتها الصحيحة.
فالبداية إذًا من الفكر كما يقول نابليون هيل: (أولًا يراودك الفكر، وبعد ذلك تنظيم هذا الفكر إلى أفكار وخطط، وبعد ذلك تحويل هذه الأفكار والخطط إلى واقع).
كيفما تعامل الناس فسيعاملونك:
خرجت أم وابنتها للتبضع في أحد الأيام، في محاولة لاستغلال التخفيضات التي تقام في نهاية الأسبوع، وبينما تتجولان من محل لآخر في المركز التجاري، تذمرت الأم من كل شيء: الزحام والجودة السيئة للسلع، والأسعار وقدمها المتألمة، وبعد أن حدثت مواجهة صعبة بين الأم وإحدى العاملات بأحد المحلات، التفتت لابنتها وقالت: لن أعود لهذا المحل مرة أخرى أبدًا، هل رأيت تلك النظرة الوقحة التي رمقتني بها؟
فأجابتها ابنتها بقول حكيم فقالت: يا أمي، إنها لم ترمقك بهذه النظرة، بل هذه النظرة كانت موجودة معك قبل أن ندخل المحل.
فعندما نتعامل مع الآخرين، عادة ما يحدد توجهنا العقلي نحوهم طريقة تفاعلنا معهم، ابتسم عندما تلتقي بالآخرين، فستجد أنهم يبتسمون لك في أغلب الأحوال، وعلى العكس، كن عدوانيًا، وسأضمن لك أن تجدهم على استعداد للانفجار غضبًا في وجهك، فعامل الناس بما تحبهم أن يعاملوك به.
السعادة ليست في الإنجاز وحده:
فإن الأفكار التي تشغل عقلك هي أهم الأشياء التي ستغير حياتك، فالشهرة والثروة أمران عارضان والرضا الذي يتأتى نتيجة تحقيق الإنجازات سعادة لحظية، فكما يقول أحد الحكماء: (من يحب الفضة لن تجلب له الفضة الرضا، ولا من يحب الوفرة سيرضيه الزيادة)، إنك لن تستطيع شراء السعادة ولا الفوز بها، بل يجب أن تختارها.
فكما يقول صامويل جونسون الشاعر والناقد الإنجليزي: (إن الذي لا يعرف إلا القليل عن طبيعة البشر لدرجة أنه يسعى وراء السعادة في تغيير أي شيء سوى ميوله ونزعاته، سيضيع حياته هباء ويضاعف الأسى الذي يحاول الفكاك منه)، فلقد علم جونسون أن الرضا ينبع من الداخل بناء على التوجه العقلي للإنسان نفسه.
عدوى التفاؤل:
في الوقت الذي يصح فيه أن تختار توجهك العقلي، يجب أن تضع في اعتبارك أن الاختيارات التي تقوم بها تؤثر على المحيطين بك، فكما يسرد جون سي. ماكسويل في كتابه "القوانين الـ 17 لفرق العمل" فيقول تحت عنوان "قانون التفاحة السيئة":
(هناك العديد من السمات التي يتحلى بها الفريق ليست معدية، وتلك هي الموهبة والخبرة والاستعداد للتدريب، ولكن كن متأكدًا من شيء واحد: أن التوجه العقلي معدٍ، فإن كان أحد أفراد الفريق يتسم بالقدرة على التعلم والتواضع ويكافئ على ذلك بتقدم مستواه، فمن الأرجح أن يتخذ الآخريون توجهات عقلية مشابهة، وعندما يتحلى أحد أفراد الفريق أو قائده بأخلاقيات عمل حميدة ويشرع في إشاعتها، يحاكيه الآخرون؛ حيث يميل البشر إلى تبني التوجهات العقلية الخاصة بمن يمضون معهم وقتًا؛ ليحاكوا أسلوب تفكيرهم، ومعتقداتهم وأساليبهم في مواجهة التحديات).
وختامًا:
يحكي جون سي ماكسويل عن بداية اكتشافه لهذا المفهوم، مفهوم التوجه العقلي، فيقول: (كان ذلك في عام 1964، عندما كنت في السابعة عشر من عمري، فقد اختلى بي مدرب كرة السلة في المرحلة الثانوية، ويدعى دون جيف، في بداية الموسم، وأخبرني أنه يريدني أن أتولى قيادة الفريق، تحمست للفكرة ولكني دهشت أيضًا لأنني كنت على يقين من أن زميلي في الفريق جون توماس لاعب أفضل مني.
ولكن المدرب جيف قال لي شيئًا فسر موقفه، إذ قال: "جون، إنك تتمتع بأفضل توجه عقلي في الفريق حتى إن توجهك هذا يؤثر على الآخرين" وبعدها بأسابيع قليلة حصلت على لقب أفضل مواطن للشهر في مدرستي، لماذا؟ بسبب توجهي العقلي وللمرة الثانية صرح مدرسي بأن توجهي العقلي راق لهم ثم ترسخت تلك الفكرة وصار توجهي يحدث فارقًا في كل حياتي(.