لتلوث البيئي: قد تعجب ـ عزيزي القارئ ـ من العنوان السابق، وتقول: ما علاقة التلوث البيئي بالإيجابية؟ ولك الحق في ذلك، ولكن نحن لا نعني بالتلوث البيئي، تلوث الهواء بعوادم السيارات، ولا الماء بمخلفات المصانع، ولا حتى التلوث السمعي بضوضاء السيارات وآلات التنبيه، وإنما نعني بذلك أن نقضي على البيئة السلبية، التي تخيم بظلالها السوداء، وغيومها الداكنة على حياة البعض، فتحيل بهاء الحياة كدرًا وحزنًا.
فرشاة ولوحة بيضاء:
(ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ...) [رواه مسلم]، هكذا يصف لنا النبي صلى الله عليه وسلم الحالة التي جاء كلٌّ منَّا عليها إلى هذه الدنيا، صفحة بيضاء نقية، ثم يأتي دور الآباء والأمهات؛ ليضع كل منهم فرشاته التربوية على تلك الصفحة البيضاء، ليرسم شخصية هذا الطفل الصغير، ويضفي على تلك اللوحة إما ألوانًا فاتحة من الإيجابية، أو أخرى داكنة من السلبية، وللوالدين أعظم التأثير بلاشك.
ولا يتقصر دور التربية على الوالدين، بل يتعداه ليشمل كل المحيط العائلي، من الجد والجدة، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وغيرهم، كل منهم يضفي على هذه اللوحة البيضاء لمسته.
ثم يكبر هذا الطفل ويذهب إلى المدرسة؛ فيضيف المعلمون والمعلمات لمساتهم أيضًا على تلك اللوحة، وتأثيرهم يكون عظيمًا على كثير منَّا، فقد يعشق الواحد منا أحد المواد الدراسية؛ لحبه لمعلمه، أو تعلقه به، أو إعجابه بطريقة تدريسه، والعكس أيضًا صحيح.
نافخ الكير:
(مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة) [متفق عليه]، هكذا يلخص لنا النبي صلى الله عليه وسلم التأثير الإيجابي وأحيانًا السلبي للأصدقاء.
وإليك ما جاء زيج زيجلار ليصف لنا علاقتنا الإيجابية بالصداقة فقال: (إن الأصدقاء في حياتك كالأعمدة في الرواق؛ ففي بعض الأحيان يساندك أصدقاؤك، وفي بعض الأحيان يميلون عليك، وفي بعض الأحيان يكفيك أن تعرف أنهم يقفون إلى جانبك).
ولكن إن كان الصديق نافخ كير، فلابد أن ثوب إيجابيتك قد يصيبه الخرق من نيران السلبية عنده، فكم من صديق ثبط صديقه عن إنجاز أمر ما!
وإليك قصة نافخ كير، لم تحرق نيرانُه صديقَه في الدنيا فحسب، بل في الآخرة أيضًا، ففي يوم من الأيام جلس عقبة بن أبي معيط ليسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وبدأت شمس الإيمان تشـرق على قلبه، فسمع بذلك أُبي بن خلف، صديق عقبة المقرب، فقال لعقبة:
(ألم يبلغني أنك جالست محمدًا، وسمعت منه؟! وجهي من وجهك حرام أن أكلمك ـ واستغلظ من اليمين ـ إن أنت جلست إليه أو سمعت منه، أو لم تأته فتتفل في وجهه، ففعل ذلك عدو الله عقبة بن أبي معيط لعنه الله، فأنزل الله تعالى فيهما: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَـلَيْتَنِى اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا} [الفرقان: ٢٧]).
الشاشة الصغيرة:
ونعنى بها وسائل الأعلام، وخاصة التلفاز الذي صار ضيفًا على كل بيت، فكما أن تلك الوسائل تبث العديد من البرامج الهادفة، التي تثري العقل، وتعمق الفهم، إلا أنها أيضًا تبث العديد من الرسائل السلبية، وفي عصرنا الحالي أصبحت وسائل الإعلام إحدى أهم الوسائل التي يتربى النشئ عليها، وإحدى أهم المؤثرات على عقلية الكبار، فما بالك بالصغار؟!
ومما يدل على ذلك (أن معهد الأبحاث النفسي والفسيولوجي في نيوزيلاندا قد أثبت أن أكثر من 60% من حالات الاكتئاب يرجع السبب فيها إلى وسائل الإعلام، التي تركز على السلبيات والصعوبات والحروب وضياع القيم).
المفاتيح الأربعة:
ولكي تواجه تلك البيئة السلبية، وتقضي على ذلك التلوث، عليك ـ عزيزي القارئ ـ بأن تمتلك تلك المفاتيح الأربعة، وهي:
المفتاح الأول: غيِّر من إدراكك:
قد يكون الإنسان محاطًا بكثير من الاعتقادات السلبية التي تحد من أفكاره، والتي تشعره بضعف في إمكاناته.
المفتاح الثاني: تجنب حديث النفس السلبيِّ:
الإنسان لابد له أن يخرج من نطاق نفسه السلبية، ويحرص على أن يخاطب نفسه بإيجابية، فلقد أجرى إديسون ألف تجربة فاشلة قبل أن يصنع المصباح، ولو أنه استسلم إلى خطاب نفسه السلبي ما كان له أن يتمكن من صناعة المصباح.
المفتاح الثالث: اكتسب عادات إيجابية جديدة:
لو تأملنا في الآليات التي تُكوِّن العادات؛ نجد أن الأمر يبدأ بفكرة ما يفكر فيها الشخص، وعندما يكثر التفكير يتحول الأمر إلى إحساس، فيترجم إلى سلوك ما، وعندما يتكرر هذا السلوك فإنه يصبح عادة.
ويعتبر مجموع عادات الشخص هو شخصيته التى تحقق نتائج ما، فى حين أن تلك النتائج سواءً كانت إيجابية أو سلبية هي المرآة التي تعكس مصير الشخص من نجاح أو فشل، كما أن تكوين العادات لدى الإنسان يحدث نتيجة ارتباط سلوكه وعاداته بالسعادة أو الألم.
فلو ارتبط سلوك ما في ذهن الشخص بالسعادة، فإنه يعتاد عليه حتى لو كان في غير مصلحته كالذين يُدخنون مثلًا ظنًّا منهم أن ذلك يحقق التركيز أو النشوة، رغم أن الحقيقة عكس ذلك.
ومن ناحية أخرى؛ فإن الإنسان عندما يربط شيء ما في ذهنه بالألم، فإنه يبتعد عنه حتى لو كان في مصلحته.
وعلى ذلك تأمل في كافة العادات السلبية، ستجدها مرتبطة في ذهن الفرد إما بجلب منفعة ما، أو بدفع ألم ما محتمل فيعتاد الفرد على ذلك، مثلًا: قد يرتبط بالذهن أن السلبية وعدم المبادرة أو عدم إبداء الرأى يحقق نجاة من الألم الناشئ عن انتقاد الآخرين له فيلتزم السلبية.
ولعلاج ذلك لا بد أن يتم التغيير داخليًّا، أي داخل الفرد نفسه، أي تغيير ارتباط تلك العادات السيئة بجلب السعادة، أو دفع الألم إلى العكس، مثال: ربط السلبية ذهنيًّا بعدم تحقيق الأهداف، وبالتالي الفشل، ومن ثمَّ مظاهر الإحساس بالفشل من اكتئاب وحزن...إلخ، مع ربط الإيجابية بمظاهر السعادة المختلفة مثل تحقيق الأهداف ونهضة الأمة، وبالتالي مظاهر الانتصار والشعور بالتوفيق والعزة.
ومن هنا تنمو الرغبة للتغيير داخليًّا فيظهر ذلك على السلوك، وعندما يتكرر السلوك يتحول إلى عادات جديدة بناءة تؤتي نتائج إيجابية، وهنا يحدث التغيير المنشود داخل الفرد فينعكس على المجتمع المحيط.
المفتاح الرابع: استجلاب توفيق الله:
لاشك أن الاستعانة بالله تعالى هي أصل تحصيل كل أمر، فالله تعالي يقول في كتابه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: ١٨٦]، لذا؛ إذا أردت أن تتحكم في ذاتك فعليك أن ترفع يديك إلى السماء، وتسأل الله جل وعلا أن يعينك على ذلك.
وماذا بعد الكلام؟

  1. زد من تقديرك لذاتك، وذلك بكتابة قائمة بأهم الانجازات التي حققتها في السنة الماضية.
  2. تقبل نقائصك، فلابد أن تدرك أنه ليس هناك شخص معصوم من الخطأ إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
  3. استبدل عبارة (سأحاول) بـ (سأفعل بإذن الله)، فالأولى توحي بأنك مضطر لأن تقوم بهذا الأمر، أو أنك لا تود القيام بهذا الأمر.
  4. إياك أن تقول أو تفكر في أنك قد تفشل، ولكن قد تتعلم طريقة جديدة لتساعدك على أداء شيء ما.
  5. لابد أن تدرك أنه لا شيء مستحيل فعله، ولكن هناك من الأمور التي تحتاج إلى مجهود أكبر.