قلم : فهد بن عبد الله الحويماني
إن محصلة قرارات وزارة العمل الهادفة إلى تصحيح أوضاع العمالة الوافدة ورفع نسبة التوطين من خلال برنامج نطاقات هي بقاء التستر التجاري كما هو، ولكن بانتقال آلية التستر من مستوى الأفراد إلى مستوى المؤسسات؛ أي أن التستر التجاري لا يزال موجوداً، غير أنه أخذ شكلاً نظامياً آخر بتكلفة إضافية تم تحميلها على المستهلك. لإنصاف وزارة العمل، الحقيقة أن الوزارة صرحت بأن مكافحة التستر التجاري ليست من مهامها، بل إنها من مهام وزارة التجارة والصناعة، غير أن هذا لا يمنعنا من التساؤل المشروع عن مصير التستر التجاري الذي لا يزال حياً يرزق، وسيبقى كذلك لفترة طويلة.

صدر نظام مكافحة التستر التجاري في 1425/4/12هـ، ونص على عدم جواز غير السعودي العمل أو الاستثمار في أي نشاط غير مرخص له بموجب نظام الاستثمار الأجنبي أو غيره من الأنظمة واللوائح والقرارات، وحدد عقوبات تشمل شطب السجل التجاري والسجن مدة لا تزيد على سنتين، وغرامة لا تزيد على مليون ريال، مع تضامن المتستر والمتستر عليه في هذه الغرامات. وعلى الرغم من أن مسؤولية الإشراف على حالات التستر متروكة لوزارة التجارة والصناعة، إلا أن قرارات وزارة العمل تصب كذلك في مكافحة التستر، ومنها تصحيح أوضاع العمالة بحيث لا يسمح للعامل الوافد بممارسة العمل إلا لدى كفيله، الذي هو بدوره يلتزم بضوابط عمل المنشآت ويخضع لبرنامج نطاقات، فتكون النتيجة العملية أن التستر "مسموح" به نظاماً، طالما أن العامل يعمل لدى مؤسسة منضبطة في برنامج نطاقات. سابقاً، كان التستر التجاري يمارس من قبل مؤسسات فردية وهمية، كانت مجرد الغطاء النظامي للعامل الوافد الذي يستفيد من الهيئة النظامية للمواطن صاحب المؤسسة، مقابل تعويض مالي يتم الاتفاق عليه بين الطرفين، غالباً عبارة عن رسوم شهرية لا تشكل للمستثمر الوافد نسبة تذكر من أرباحه.
الآن وبعد جميع القرارات وبعد تطبيق برنامج نطاقات، وجد التستر التجاري منفذاً آخر له من خلال المؤسسات الواقعة في النطاق الأخضر، فحدثت هناك هجرة جماعية من قبل المستثمرين الوافدين إلى المؤسسات النظامية، وهذا شيء جميل في شكله الظاهري، كون ذلك يبدو أنه يحول المستثمر الوافد من العمل لحسابه الخاص إلى العمل لحساب مؤسسة أو شركة سعودية، أو أجنبية تعمل تحت غطاء الاستثمار الأجنبي. وهذا من المفترض أن يقضي على سلبيات التستر المتمثلة في ارتفاع تحويلات الأجانب، وزيادة المنافسة غير المشروعة مع المواطنين، وانتشار الغش التجاري، واحتكار الأنشطة التجارية، وزيادة الجرائم المتعلقة بأعمال الوافدين، وغيرها من الآثار السلبية الاجتماعية والثقافية. غير أن السؤال المُلِح: هل تغير شيء بالفعل في وضع التستر التجاري؟ وهل حققنا أي نتائج إيجابية في هذا السبيل؟
ألق نظرة سريعة على المحال التجارية المنتشرة في كل مكان، من محال تموينات وورش ومحال خدمات شخصية وأعمال مهنية وغيرها، ولن ترى أي اختلاف عما سبق، فلا تزال هذه المحال تمارس أعمالها بشكل طبيعي، وقليل جداً عدد المحال التي أغلقت أبوابها، على الرغم من مغادرة أكثر من مليون عامل لأرض المملكة. وهذه نتيجة محمودة تشير إلى عدم حدوث ربكة كبيرة في مستوى النشاط الاقتصادي والحصول على الخدمات اللازمة، غير أن ذلك تم بتكلفة عالية تجلت في ارتفاع مستويات الأسعار. السبب يعود لما يمكن أن نسميهم "المتسترين الجدد"، وهم المؤسسات والشركات المستوفية لمتطلبات وزارة العمل، ممن يمتلك الغطاء النظامي اللازم لممارسة الوافد المستثمر لنشاطاته. سابقاً كان طالب الخدمة يتفاوض مباشرة مع العامل الوافد ويحصل على الخدمة المطلوبة بأقل التكاليف، أما الآن فقد دخل وسيط جديد ليس له أي قيمة مضافة عدا كونه ملتزما بضوابط وزارة العمل.
هذه الميزة النسبية للمتستر الجديد تأتي بتكلفة إضافية على العامل الوافد، الذي لا يتردد في تمريرها على طالب الخدمة. في أغلب الترتيبات التي تتم، يقوم المتستر الجديد باستقطاع ما نسبته 15 إلى 30 في المائة من إيرادات العامل- فهو يتعامل بالإيرادات لا بالأرباح- ويتحمل العامل رسوم تجديد الإقامة ورخصة العمل. وللتأكد من حجم نشاط العامل، يشترط المتستر الجديد الاطلاع على عقد العمل الذي يبرمه العامل مع طالب الخدمة، ويقوم بزيارات ميدانية للتأكد من حجم العمل.
ما الفائدة التي جناها المواطن من هذه الآلية الجديدة؟ صاحب المؤسسة لا يقدم أي خدمات لطالب الخدمة إطلاقاً، حتى تسويق الخدمة لا يزال يتم من قبل العامل نفسه. فلا تستغرب من وجود العمالة صبيحة كل يوم في الأماكن ذاتها التي كنت تجد العامل فيها، كون العامل أصبح نظامياً الآن، وعلى المستهلك دفع فاتورة نظاميته هذه. إذاً نتفق على أن الخدمة لا تزال موجودة، حتى وإن كانت بمرونة أقل وبخيارات محدودة، ونتفق على أن الأسعار ارتفعت نتيجة ذلك، فأين المكاسب المرجوة؟
هناك نسبة قليلة من العمالة المتسللة التي لا تحمل إقامات، وهذه أصلاً ليست مشمولة بحملة تصحيح الأوضاع التي تقوم بها وزارة العمل، وجميعنا نتفهم الجوانب الأمنية لتلك الفئة. ونتفهم كذلك العمالة النظامية التي قد تمارس أنشطة غير مشروعة أو إجرامية، ولكن هل حملة تصحيح الأوضاع غيرت أو ستغير من وضع هذه العمالة؟ كما ذكرت أعلاه، لم يتغير شيء في وضع العمالة، فهي لا تزال تمارس أعمالها من خلال المتستر الجديد بتكاليف أعلى، ولن تؤثر حملة تصحيح الأوضاع في طبيعة أنشطتها. لا ننسى أن نسبة كبيرة من حجم عمليات تصحيح الأوضاع التي تمت كانت مجرد تعديل مهنة. فالسباك لا يزال سباكاً، مجرد أنه قام بتغيير مهنته في الإقامة من راعي أغنام إلى سباك.
طبعاً هنالك الجانب الأمني الذي يُلمّح له لتبرير الحملة، وهو أن تصحيح الأوضاع وبرنامج نطاقات يؤديان إلى رفع نسبة التوطين والحد من البطالة في فئة الشباب من الجنسين، وما ينتج عنه من استقرار نفسي وأمني، ولا جدال في أن ذلك هدف سامٍ كبير ومطلب وطني مبرر، ولكن هل تحقق ذلك بالفعل؟ ربما تحقق ذلك جزئياً من خلال السعودة الوهمية التي لجأ إليها المتسترون الجدد وبعض المؤسسات التي تحاول جاهدة الالتزام بضوابط وزارة العمل، ولكننا لا نزال بعيدين كثيراً عن التوطين الحقيقي للوظائف الإدارية والمهن الفنية التي يزهو بها اقتصادنا.
لست بمعارض لإعادة هيكلة سوق العمل، وليس لدي حل سحري لتراكمات سنين طويلة، بل فقط أرى أن بعض القرارات لم تدرس نتائجها المتوقعة بشكل كاف، ولم يكن هناك تنسيق كاف بين الجهات الحكومية المعنية بشكل أو آخر بمحاربة البطالة وتضخم الأسعار، ولم تدرس جوانب التطبيق المناسبة التي تأخذ الإمكانات وعامل الوقت في الحسبان.
*نقلاً عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية.