العديد من المؤسسات تسمح لبعض موظفيها بالعمل من منازلهم عبر الإنترنت، أو تعمل على تعيين موظفين بدوام جزئي، ليعملوا معها عن بعد على المدى الطويل. وتختلف هذه النسبة من مؤسسة لأخرى وتتراوح بين 30 و45% من كادر الموظفين. إذا، يبدو أن العمل عن بعد ومن المنزل أصبح توجها قويا للمؤسسات في عصرنا الحالي، على الرغم من القرار الذي اتخذته مؤسسة ياهو بجعل موظفيها الذين يعملون من المنزل، يحضرون إلى مكان العمل يوميا.


وقد كان قرار ماريسا ماير، المديرة التنفيذية لياهو، منطقيا بهذا الخصوص، وذلك نظرا إلى وضع المؤسسة المتدهور، فقد قصدت التركيز على تقوية التواصل المباشر بين الموظفين، لدعم ثقافة المؤسسة ورسالتها. كما أن هذا القرار نابع من طبيعة ماير وأسلوبها في الإدارة، فهي معروفة بحرصها على متابعة الموظفين وسير العمل عن كثب وبشكل مباشر، وهو أحد الأسباب التي دفعت مجلس الإدارة إلى اختيارها لإدارة هذه المؤسسة العملاقة.


ولكن من الجدير بالذكر أيضا، أن المؤسسات التكنولوجية على نحو خاص، تستفيد كثيرا من السماح للموظفين بالعمل من منازلهم، إذ إن هذه الطريقة تمكن الموظفين من العمل طوال اليوم دون الاضطرار إلى استخدام المواصلات. كما تمكن المؤسسة من إيجاد الموظفين الذين يتمتعون بمواهب ومهارات مميزة، لكنهم لا يستطيعون العمل من المؤسسة، أو لا يريدون السكن قريبا منها.


من ناحية ثانية، فإن فكرة بيئة العمل الافتراضية مستحسنة جدا، إذ تعزز المرونة والتوازن بين الحياتين المهنية والشخصية، كما تساعد المؤسسات في الحفاظ على موظفيها الموهوبين. لاسيما إذا كانت مقراتها في مدن وأماكن تعرف بأسعار سكنها الباهظة.


وكمثال آخر على هذا الأمر، تتميز مؤسسة (ريد هات- Red Hat) بمرونتها وفعاليتها وانتشار موظفيها في العديد من الأماكن، حيث تتيح لهم العمل في بيئة افتراضية من منازلهم، وتحرص على التعامل معهم بمرونة تامة. أما أبل، فتتركز مكاتبها في مكان واحد، وتفتقر ثقافتها المركزية إلى المرونة، كما أنها لا تتيح للعدد من موظفيها العمل عن بعد لأسباب غير معروفة.


لكن، هناك أمران أساسيان يجب مراعاتهما، حين تتيح المؤسسات لموظفيها العمل من منازلهم، أولا: أن يعرف الموظفون حقيقة قدراتهم. وهذا يعني أن على الموظف الذي يعمل عن بعد، أن يتمتع بعدد من المهارات كالصبر والمسؤولية وروح الفريق. ويتطلب هذا أن يدرك قدراته وأن يتمتع بالدافعية والتركيز وحب التعلم والمرونة، كما أن القدرة على التعاون شرط جوهري.


ثانيا: ضرورة معرفة الموظف بثقافة مؤسسته ونظم التواصل فيها. وأن يكون قادرا على التوفيق بين مهاراته ونقاط ضعفه وقوته، وبين نظام المؤسسة العام. وأن يكون متحمسا واجتماعيا ومراعيا لمشاعر الآخرين وظروفهم واحتياجاتهم، ويقدم لزملائه كل ما يحتاجونه منه، بما يتفق وأهداف المؤسسة.


ويقول ريتش تومبسون، مدير البحوث في مؤسسة (سي بي بي-CPP Inc) في مقال له في (هارفرد بيزنس ريفيو- Harvard Business Review): "إن إدراك الموظفين لحقيقة قدراتهم يمكن المدير من فهم طبيعتهم، سواء أكانوا يعملون من مقر المؤسسة أم بعيدا عنه. وهكذا يستطيع المدير تقييم موظفيه من حيث مدى الدافعية والمرونة والمهارات، مما يمكنه من اختيار الأشخاص المناسبين لشغل الوظائف، بغض النظر عن أماكن وجودهم."


ومن المهم أن يكون الموظف على وعي تام بقدراته، فبهذه الطريقة يعرف حدود إمكاناته ومدى استعداده للتعلم ونمط عمله. كما أن هذا المبدأ يساعد في تعيين الموظفين الذين يعملون من المنزل، إذ ليس كل الأشخاص مناسبين للعمل في بيئة افتراضية.


فإذا كنت مديرا وتشكك في فعالية هذا النمط من العمل، استشر الخبراء أو فكر مليا في الأمر، وحدد مدى مرونتك واستعدادك للتكيف مع التغيير، وما هي توقعاتك من موظفيك، ثم قرر بشأن هذه المسألة.


قد تغير ماريسا ماير موقفها يوما ما، فتسمح لموظفيها بالعمل من المنازل مرة أخرى. وعلى الرغم من صعوبة إدارة فرق العمل المشتتة جغرافيا، إلا أن هذه الظاهرة دليل على المرونة والقدرة على التكيف مع كل ما هو حديث، وتبني مفاهيم جديدة للتواصل. فعالم الأعمال يشهد تغيرا متسارعا، وهو لم يعد مجرد مجموعة من الأفراد يجلسون في مبنى واحد، بل أصبح بيئة افتراضية شاسعة تشمل الكثيرين ممن يتشاطرون القيم نفسها، مما يعزز عنصر الثقة في المؤسسة.